باختصار
– النظرة المستقبلية للاقتصاد الإماراتي قاتمة، نتيجة لتأثره بحالة عدم الاستقرار في المنطقة، ويتوقع عجزاً للبلاد بنسبة 5.4٪ ونموًا سالبًا بقيمة 5.8٪- في عام 2020. لكن من جهة أخرى، لا توجد مخاطر على العملة في المدى القريب.
– المخاطر السياسية المحلية منخفضة للغاية، مع احتفاظ الحكومة بقبضة قوية على السلطة، ومستويات المعيشة المرتفعة بين المواطنين الإماراتيين التي تحد من استياء الرأي العام.
– تواجه الإمارات تحديان رئيسيان داخليان يتمثلان في الاختلالات الكبيرة في العمالة (90٪ من السكان أجانب)، والعلاقات بين الإمارات السبع، وسيغذي هذان التحديان في النهاية التحدي الأوسع المتمثل في دفع الاقتصاد باتجاه مستدام دون تهديد الاستقرار السياسي.
– السياسة الخارجية الإماراتية مدفوعة إلى حد كبير بالعداء للإسلاميين والقلق من إيران، كما ترى في تركيا خصماً أيدولوجياً في الصراع على النفوذ الإقليمي. وتتمثل الإستراتيجية الإماراتية في تجنب الانجرار إلى تصعيد مباشر مع طهران واستخدام إيران و”إسرائيل” لمواجهة النفوذ التركي، إلا أنه لا يمكن التعويل على هذه الإستراتيجية على المدى الطويل.
– الاتفاق بين الإمارات و”إسرائيل” لا يتعلق بالاصطفاف مع “إسرائيل” لمواجهة إيران، إذ ليس للإماراتيين رغبة في صراع مع إيران نظرا لموقع بلدهم الجغرافي. فالإمارات تحاول ملء الفراغ في القيادة الإقليمية العربية، والذي ترى أن السعودية فشلت في ملئه كما ينبغي، وهي في ذلك مهتمة بالتصدي لتركيا أكثر بكثير من قلقها من إيران.
– توفر القدرات العسكرية المتنامية للإمارات، وتحالفها الإستراتيجي مع واشنطن والرياض، واستخدام قوتها الناعمة بشكل متزايد؛ فرصة لتأمين مصالحها الإستراتيجية، ووضعها على الخريطة باعتبارها قوة اقتصادية وعسكرية مؤثرة وطموحة في المنطقة.
– الاستثمار الإماراتي في قوات حفتر والتزامها بتقديم الدعم اللازم لانتصارها؛ ليس محل شك وليس من الوارد أن يتم التراجع عنه نتيجة ضغوط أوروبية أو انتقادات أممية، كما أنه ليس من المتوقع أن تقوم القوى الغربية أو الولايات المتحدة أو الحلفاء الإقليميون بدفع الإمارات خارج ليبيا في المدى القريب. كما أنه ليس من المحتمل حاليا أن تتمتع الإمارات بيد طليقة عسكرياً في ليبيا كما هو الحال في السنوات الماضية بعد تعاظم أدوار تركيا وروسيا وحتى فرنسا. ومن ثم فإن الراجح هو أن الإمارات إلى وجود دائم أكثر نعومة.
– على الرغم من تورط الدولة في نزاعات إقليمية عدة، فإنه غير مرجح أن يؤدي هذا إلى هجوم على أراضي الإمارات من قبل دولة أخرى، إلا أنه يزيد من خطر التعرض لهجوم انتقامي من قبل تنظيمات معادية لها.
الحالة الاقتصادية
- تتمتع الإمارات بواحد من أكثر أنظمة التجارة والاستثمار تحرراً في الخليج، وتجذب تدفقات رأسمالية قوية من المنطقة وخارجها، يساعدها في ذلك أنظمة التأشيرات المرنة التي ترسخ الإمارات كوجهة دائمة للمغتربين المهرة والمقيمين لمدد طويلة. كما تمنح أصول صناديق الثروة السيادية الهائلة للدولة حرية كبيرة للحكومة في اتخاذ قرارات السياسة الاقتصادية. في حين تمنح عملة الإمارات المرتبطة بالدولار، الحد الأدنى من سيطرة الدولة على السياسة النقدية ويحد من قدرتها على معالجة الضغوط التضخمية أو تحفيز النمو بوسائل غير مالية.
- بالنظر إلى النقطة السابقة، ربما تكون الإمارات الأكثر نجاحا بين دول الخليج عندما يتعلق الأمر بتنويع اقتصادها بعيدا عن استخراج الهيدروكربونات. ومع ذلك فإن أسعار النفط وإنتاجه لا تزال من العوامل المحددة القوية للمؤشرات الاقتصادية الواسعة نظرا لأنها تقود قدرة الحكومة على الحفاظ على سياسة مالية سخية وخطوط أنابيب استثمار كبيرة. لكنّ انهيارا مطولا في أسعار النفط إلى مستويات عام 2015، كما هو الحال في حالة الركود العالمي، سيؤثر بشكل كبير على النشاط غير النفطي.
- غير أن النظرة المستقبلية للاقتصاد الكلي على المستوى القُطري قاتمة في ظل عدم الاستقرار في المنطقة، إذ إن ملف المخاطر في الإمارات يتأثر إلى حد ما بالأحداث في أماكن أخرى. فقد يؤثر تصعيد آخر للتوتر مع إيران على تصورات المستثمرين في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الإماراتي. كما تؤثر الاضطرابات المرتبطة بفيروس كورونا في النشاط الاقتصادي وانهيار أسعار النفط وتخفيضات الإنتاج التي تقودها أوبك تأثيرا ضارا على الاقتصاد الإماراتي النفطي وغير النفطي.
- في ضوء هذه التحديات، تتوقع مؤسسة “فيتش” نموا سالبا للإمارات للعام الجاري بقيمة 5.8٪-. وتتوقع أن يبلغ العجز نسبة 5.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، (وحدة الاستخبارات في إيكونومست توقعت أن يكون العجز بنسبة 10.4٪)، مقارنة مع فائض بنسبة 6.4٪ سابقا، وهو أول عجز للبلاد منذ 22 عاما. وسيؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأرباع القليلة القادمة.
- وستتراجع قيمة الصادرات النفطية (تمثّل 21٪ من إجمالي صادرات السلع) بنحو 44٪ في 2020 على أساس سنوي. كما ستتراجع قيم صادرات السلع غير النفطية وقيم عوائد إعادة التصدير (تمثل 79٪ من إجمالي صادرات السلع) بنحو 15٪ و18٪ على الترتيب نتيجة الركود العالمي. أما قطاع الخدمات (يمثل حوالي 20٪ من إجمالي الصادرات)، فبخلاف الخسائر الفادحة في الطيران والسياحة، سيؤدي تأخُّر معرض “دبي إكسبو” إلى ركود في النشاط غير النفطي في المدى القريب، خاصة أنه حتى لو انعقد العام القادم فليس واردا أن يحقق معدلات السياحة والزيارات المتوقعة مسبقاً (48 – 70٪ من الزيارات المعتادة للإمارات المقدرة بنحو 10.6 ملايين زائر أجنبي) نتيجة المخاطر الصحية وقيود السفر وبطء التعافي الاقتصادي العالمي.
- تتوقع “فيتش” أن ينكمش اقتصاد دبي بنسبة 4.1٪ في عام 2020. كما سيشهد اقتصاد أبو ظبي انكماشا بنسبة 6٪، مدعوما بشكل أساسي بتخفيضات إنتاج النفط اعتبارا من الأول من مايو/أيار الماضي. وإذا فشل الاقتصاد العالمي وأسعار النفط في التعافي خلال 2021، فسيكون لذلك تأثير أكثر ضررا على اقتصاد الإمارات.
- ومن المؤكد في ظل ما أشرنا إليه أن يرتفع حجم البطالة، غير أن معظم عمليات التسريح ستقع على عاتق العمّال الأجانب بالنظر إلى الانكماش في نشاط القطاع الخاص. وستنفق السلطات مبالغ ضخمة في محاولة لضمان الاستدامة الطويلة الأجل للقطاعات الرئيسية، مثل السفر والسياحة والتجارة والخدمات اللوجستية التي تضررت بشدة من فيروس كوفيد 19، كما ستلتزم بالحفاظ على خطط الإنفاق على البنية التحتية. وستحاول السلطات تسريع عملية توطين الوظائف، في محاولة لملء الوظائف التي خلفها رحيل العمال الأجانب أثناء الوباء، وذلك رغم استمرار الاعتماد الشديد على العمالة الأجنبية.
- لا توجد مخاطر على العملة في المدى القريب، ولا يُتوقع أن يتغير وضع ربطها بالدولار. ومن المتوقع عودة الحساب الجاري إلى فائض بنسبة 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 شريطة التعافي الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار النفط. كما يمكن للإمارات الاستفادة من أسواق الديون الدولية إذا احتاجت إلى زيادة التمويل. فمثلا، أصدرت أبو ظبي سندات أوروبية بقيمة سبعة مليارات دولار أمريكي (25.7 مليار درهم إماراتي)، مما يشير إلى تدفقات كبيرة ستساعد في تغطية عجز الحساب الجاري لعام 2020 والبالغ 66.8 مليار درهم إماراتي.
- كما يمكن سد أي فجوات إضافية في تمويل عجز الحساب الجاري بسهولة عبر صندوق الثروة السيادية والاحتياطيات. فلدى الإمارات ما يقدر بنحو 811 مليار دولار أمريكي (213٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في الأصول الخاضعة للإدارة في إطار صناديق الثروة السيادية للدولة. وهذا يمنح الإمارات تغطية للواردات بنحو 40.6 شهرا، وهو أعلى بكثير مما هو مطلوب لتغطية عجز الحساب الجاري وأي التزامات قادمة مقوّمة بالعملة الأجنبية، فضلاً عن الحفاظ على فاتورة الأجور.
- من غير المرجح أن تصل أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها خلال العقد المقبل، لذا فإن الإمارات ستسجل مستويات نمو معتدلة فقط مقارنة ببعض المنافسين الإقليميين. وستساعد جهودُ التنويع الاقتصادي في تعويض ركود إنتاج النفط، وستظل هذه الجهود معتمدة بشدة على الإنفاق الحكومي وأسعار النفط المستدامة. فمثلاً تتوقع “فيتش” متوسط نمو سنوي يبلغ 2.4٪ خلال الفترة 2020-2029، مقارنة بمعدل 6.1٪ خلال سنوات الازدهار 2004-2008.
البيئة السياسية الداخلية
- المخاطر السياسية المحلية منخفضة للغاية في الإمارات، إذ تحتفظ الحكومة بقبضة قوية على السلطة، ولا يتمتع المجلس الوطني الاتحادي المنتخب جزئيا بأي تأثير فعلي على صنع القرار. كما أن مستويات المعيشة المرتفعة بين المواطنين الإماراتيين تحد من استياء الرأي العام (نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 42645 دولارا عام 2019)، كما تحد من المطالب بتمثيل سياسي أكبر. وسيستمر المواطنون الإماراتيون في تلقّي دعم كبير من خلال التوظيف في القطاع العام والحماية في القطاع الخاص، حيث تُجبَر الشركات على توظيف المواطنين الإماراتيين عن طريق برنامج التوطين والمزايا الأخرى. وسيساعد هذا الأمر في الحفاظ على العقد الاجتماعي الذي يوفر الدعم العام للسلطات.
- بالنظر للحالة الصحية السيئة لرئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، فمن الوارد في أي لحظة أن يكون هناك انتقال للسلطة. وسيكون هذا الانتقال سلسا على الأرجح، حيث تحظى العائلات الحاكمة بقبول جيد من قبل مواطني الدولة وتحافظ على سيطرة صارمة على السياسة الداخلية.
- فعليا، يهيمن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، على سياسة الدولة الخارجية وشؤون الدفاع، ويتشارك إلى حدٍ ما مع محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء وحاكم دبي في الإدارة الأوسع للدولة. ولا تتمتع الإمارات الخمس المتبقية (الشارقة والفجيرة وعجمان ورأس الخيمة وأم القيوين) بسلطات حقيقية في إدارة الدولة، بما يتماشى مع ثقلها الاقتصادي المحدود.
- لا تتمتع الإمارات بالديمقراطية والشفافية، وتصنفها مؤسسة Freedom House على أنها دولة “غير حرة” مع أكثر قوانين الصحافة تقييدا في المنطقة. لكنّ الإنفاق الضخم الممول من النفط على الأمن والمزايا الاجتماعية يساعد على ضمان وجود عدد قليل من التحديات الحقيقية للنظام، كما تدعم الدولة علاقات قوية مع الولايات المتحدة. وتتحدث بعض التوقعات عن زيادة متواضعة للشفافية والديمقراطية هناك في السنوات العشر القادمة، مع احتفاظ العائلات الحاكمة بالسيطرة، والقوة السياسية والاقتصادية التي سيتم توحيدها مع الوقت في أبو ظبي على حساب دبي. ولا يهدد هذا السيناريو سوى الانهيار الاقتصادي المطول أو الغزو الخارجي.
- يتمثّل التحدي المحلي الرئيسي للإمارات في الاختلال الكبير في العمالة، وأن نحو 90٪ من هذه العمالة من الأجانب. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة، يجد القطاع الخاص باستمرار أن غير الإماراتيين أقل رواتب وأكثر تأهيلاً. ولكن بموجب القانون، يتعين على الشركات توظيف نسبة معينة من المواطنين. ومن اللافت أن الإماراتيين ليسوا راضين أيضا، حيث استقال 60٪ من الإماراتيين العاملين في شركات القطاع الخاص بسبب “نقص التقدم الوظيفي وغياب ثقافة التوجيه”، وأمور أخرى، وذلك وفقا لدراسة أجراها برنامج الإمارات للتنمية الوطنية الذي ترعاه الحكومة.
- التحدي الثاني سيكون العلاقات بين الإمارات السبع. وقد أعطت خطة الإنقاذ التي مولتها أبو ظبي لشركة الاستثمار “دبي العالمية” في أوائل عام 2010؛ أعطت أبو ظبي بعض النفوذ باعتبارها القوة الاقتصادية والثقل في الدولة. ويوجد في أبو ظبي ودبي حاليا أسواق أسهم منفصلة تصدّران الديون بشكل منفصل ولديهما سياسات اقتصادية خاصة بهما. وهناك حديث بالفعل عن التقريب بين أسواق الأسهم، والمزيد من التقارب في ظل سياسة اقتصادية متماسكة. ولكن السؤال هو كيف ستسير الأمور مع عائلة “مكتوم” وحكومة دبي بعد سنوات من الحكم الذاتي، إذ سيكون من الصعب قبول الخضوع لسلطة فدرالية. فهذه المسألة تغذي في النهاية مع مسألة العمالة التحدي الأوسع المتمثل في دفع الاقتصاد إلى الأمام في اتجاه مستدام دون تهديد الاستقرار السياسي الداخلي، فطغيان الهيمنة الاقتصادية لأبو ظبي على باقي الإمارات حتى بات النموذج الاقتصادي السائد حاليا قد يؤثر على صيغة العلاقات البينية بين أبو ظبي وباقي الإمارات.
السياسة الخارجية
- تُوفر القدرات العسكرية المتنامية للإمارات، وتحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة والسعودية؛ فرصة لتأمين مصالحها في منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال وشرق أفريقيا. كما تستخدم الإمارات قوتها الناعمة بشكل متزايد لتأمين مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية وحماية الشحن التجاري في الخليج.
- السياسة الخارجية للإمارات مدفوعة إلى حد كبير بالعداء للإسلاميين والقلق من إيران وأفعال وكلائها في المنطقة. وفي الصراع على النفوذ الإقليمي، ترى الإمارات أن تركيا هي الخصم الأيدولوجي، ليس فقط في المشرق العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط ولكن أيضا في أفريقيا.
- تقع الإمارات بشكل مباشر في صف الخطوط الموالية للغرب مقابل إيران، وينحدر معظم الكتلة الكبيرة لسكانها من أصول إيرانية من الأشخاص الذين غادروا بعد الثورة الإسلامية، وبالتالي لا يدعمون بالضرورة النظام الحالي. لكنّ الإمارات ستظل تتجنب الانجرار إلى تصعيد مباشر مع إيران، خوفاً من التأثير على معنويات المستثمرين. وسيبقى هذا الأمر تحديا نظرا للتوترات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة الحليف العسكري الرئيسي للإمارات، خاصة وأن الإمارات تستضيف نحو 5000 عسكري أمريكي.
- أدى الحراك الخارجي المتزايد في السنوات الأخيرة إلى وضع الإمارات على الخريطة باعتبارها قوة اقتصادية وعسكرية مؤثرة في المنطقة. والوجود القوي في البحر الأحمر وخليج عدن يسلط الضوء على طموح البلاد في إقامة وجود أقوى في المنطقة مستقل عن الولايات المتحدة والسعودية. ومن غير المرجح أن يخلق ذلك توترات مع هاتين القوتين، بالنظر إلى أن الإمارات والولايات المتحدة والسعودية تشترك في العديد من أهداف السياسة الخارجية، لكن مثل هذه المبادرات التي تقوم بها الإمارات تزيد من توتر العلاقات مع إيران.
- يرتبط الاتفاق بين الإمارات و”إسرائيل” بجهود الأولى لمحاولة إدارة ما تراه فراغاً أمنياً إقليمياً محفوفاً بالمخاطر، الأمر الذي يتطلب عملية توازن دقيقة لدرء ضغوط كل من إيران وتركيا. هذه الخطوة لا تتعلق بالفلسطينيين، كما أنها لا تتعلق بالاصطفاف مع “إسرائيل” لمواجهة إيران أيضًا؛ أولاً لأنه من غير المرجح أن ينفق الإسرائيليون مواردهم لحماية الإمارات أو أي دولة عربية أخرى في صراع محتمل مع إيران، حيث تفتقر “إسرائيل” إلى القدرة العسكرية التقليدية لإبراز قوتها إلى هذا الحد. وثانياً، وهو الأهم، أن “إسرائيل” مهتمة حاليا ببيئتها الإستراتيجية وتحاول التصدي للوجود الإيراني المتزايد في سوريا والعراق من خلال الضربات التكتيكية. والإماراتيون يدركون ذلك جيدًا، بل -أكثر من ذلك- ليس لديهم رغبة في صراع مع إيران نظرا لموقع بلدهم الجغرافي. وتحاول الإمارات ببطء ملء الفراغ في القيادة الإقليمية العربية، والذي ترى أن السعودية فشلت في ملئه كما ينبغي، وهي في ذلك مهتمة بالتصدي لتركيا أكثر بكثير من قلقها من إيران.
- لذلك، فإن إستراتيجية الإمارات تقوم على استخدام إيران و”إسرائيل” لمواجهة الخطوات التركية في العالم العربي. أحد الجوانب الرئيسية لذلك هو أن تكون لديها علاقة عمل مع طهران، والتأكد من أن الأتراك غير قادرين على اختراق الإيرانيين الذين يعرقلونهم في سوريا والعراق. الجزء الآخر من هذه الإستراتيجية هو ضمان أن أنقرة -التي تربطها علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” منذ عقود- لا تتوصل إلى تفاهم مع الدولة العبرية لمواجهة إيران التي تضرب بجذورها على حدود تركيا الشمالية. وهكذا، تسعى الإمارات إلى تحقيق التوازن بين إيران و”إسرائيل” كوسيلة لمنع الأتراك من الانغماس العميق في الأراضي العربية.
- هذه إستراتيجية طموحة للغاية تشبه لعب الكثير من الكرات في وقت واحد، وهي أفضل ما يمكن أن تأمل الإمارات في القيام به بالنظر إلى أنها تتخطى وزنها في لعبة الجغرافيا السياسية الكبيرة هذه. ما يعنيه هذا هو أنه يتعين على الإمارات أن تدير في الوقت نفسه عددا كبيرا جدا من اللاعبين بمجموعاتهم الفريدة من التوقعات. في مثل هذه المواقف، يحدث الكثير من الأخطاء، وبالتالي لا يمكن التعويل على هذه الإستراتيجية على المدى الطويل حيث من المتوقع أن تتنافس تركيا وإيران على النفوذ في العالم العربي، وسيكون للإمارات وغيرها من الجهات الفاعلة العربية المماثلة دور ثانوي.
- خلال السنوات الفاصلة، اتبعت الإمارات تكتيكات مختلفة للوصول إلى هدفها الإستراتيجي الأوسع وهو الوفاء بدورها كقوة متوسطة الحجم ذات موارد طبيعية ضخمة. كان هذا واضحًا في الصراع في اليمن، ثم في ليبيا. أن تكون مؤثراً في مناطق جغرافية (مثل برقة في ليبيا أو المناطق الجنوبية من اليمن) من شأنه أن يجلب العديد من المزايا في آن واحد: إضعاف الخصوم مثل الإخوان المسلمين وقطر وتركيا، إنشاء منصة لإسقاط الطاقة خاصة في البحر، وأن تصبح لاعبا حقيقيا يمكنه الاستفادة من فرص مثل “مبادرة الحزام والطريق” الصينية.
- من وجهة نظر الإمارات، فإن الديناميكيات البحرية لها أهمية كبيرة كما هو واضح في اليمن، حيث تعمل من المناطق الساحلية الجنوبية إلى جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب وجزيرة سقطرى. ونتيجة لذلك، فإن جزءا كبيرا من الساحل اليمني يخضع الآن لسيطرة جهات فاعلة مرتبطة بأبو ظبي أو يتأثر بها. وفي ليبيا تركّز الإمارات على برقة وسرت و “الهلال النفطي”، مركز البترول الضخم في البلاد. علاوة على ذلك، يوفر شرق ليبيا عمقًا إستراتيجيا تجاه منطقة الساحل، ويفتح طريقا جيوإستراتيجيا سريعا لكلٍ من غرب وشرق أفريقيا. وتوفر برقة أيضا بابا على البحر الأبيض المتوسط.
- تتمثل الإستراتيجية الإماراتية في تكتيكين مختلفين: وجود فاعلين بالوكالة على الأرض (المليشيات الجنوبية كما في الحالة اليمنية)، أو شبكة من الحلفاء الأقوياء أصحاب البصمة التقليدية في مجال الاهتمام (مصر في الحالة الليبية). ومن الجدير بالذكر أن الانسحاب العسكري الإماراتي من اليمن تزامن مع تزايد توكيد أبو ظبي بشأن ليبيا، والذي لم يكن ليكون ممكناً لولا الدعم المصري في برقة. وفي حين أن الهدف متشابه في كلا التدخلين، فقد اختلفت الأساليب.
- الاستثمار الإماراتي في قوات حفتر والتزامها بتقديم الدعم اللازم لانتصارها؛ ليس محل شك وليس من الوارد أن يتم التراجع عنه نتيجة ضغوط أوروبية أو انتقادات أممية. في بداية عام 2020 خلال محادثات مؤتمر برلين بشأن ليبيا وبعده مباشرة (في الفترة من 12-26 يناير)، نظمت أبو ظبي أكثر من 40 رحلة جوية من الإمارات والأردن إلى قاعدة الخادم العسكرية الليبية التي تقع على بعد 65 ميلاً شرق بنغازي. واستخدمت ناقلات إستراتيجية مثل “أنتونوف” و”إليوشن” الروسية الصنع، وأرسلت إمدادات عسكرية حيوية إلى المواقع الأمامية للجيش الوطني الليبي في برقة، كل ذلك في انتهاك مباشر لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
- لعبت قاعدة الخادم الجوية الليبية دورا أساسيا في استقبال الدعم العسكري الإماراتي، فقد هبطت فيه مئات الحمولات القادمة من قاعدتي سويحان (في إمارة أبو ظبي) وعصب (في إريتريا)، لتزويدها بـ6200 طن من الأسلحة والذخيرة. من الناحية التكتيكية، كانت الضربات الجوية في صميم الدعم الإماراتي غير المباشر لقوات خليفة حفتر في ليبيا. وفي الفترة من أبريل 2019 إلى 2020، نفذت الإمارات أكثر من 850 ضربة بطائرة من دون طيار أو بطائرة بطيار في البلاد. والهجوم الليلي الذي وقع في الرابع والخامس من يوليو/تموز الماضي ضد منشآت الدفاع الجوي التي تم نشرها مؤخرا للجيش التركي في قاعدة الوطية الجوية؛ نفذته مقاتلات داسو ميراج 2000-9 المتعددة الأدوار من القوات الجوية الإماراتية، وكانت تقلع من قاعدة سيدي براني في مصر.
- وفي شأن احتمالات الدور الإماراتي في ليبيا، فإنه ليس من المتوقع أن تقوم القوى الغربية أو الولايات المتحدة أو الحلفاء الإقليميون بدفع الإمارات خارج ليبيا في المدى القريب. كما أنه ليس من المحتمل حاليا أن تتمتع الإمارات بيد طليقة عسكرياً في ليبيا كما هو الحال في السنوات الماضية بعد تعاظم أدوار تركيا وروسيا وحتى فرنسا. ومن ثم فإن الراجح هو أن الإمارات إلى وجود دائم أكثر نعومة، خاصة وأن حلفاءها وداعمي حفتر -وهم فرنسا وروسيا ومصر- ستكون لهم مصالح في الفترة القادمة يمكن ملاحظتها في المفاوضات الروسية التركية والتركية المصرية والتي قد ينتج عن أي منها تفاهمات تضعف حظوظ الإمارات مستقبلاً.
نقاطة القوة التدريب الجيد للشرطة المحلية وتمتعها بالكفاءة والقدرة على منع النشاط الإجرامي والتحقيق فيه بنجاح. العلاقات القوية مع الولايات المتحدة تفيد على مستوى التدريب، مع توفر التمويل والمعدات اللازمة للجيش والمخابرات. الاستقرار مقارنة بدول المنطقة، يقلل تكاليف مخاطر الأعمال للمستثمرين. | نقاط الضعف يمكن أن تؤدي ظروف العمال الأجانب السيئة إلى السخط الاجتماعي وزيادة معدلات الجريمة. تفاوت الثروة بين أبو ظبي ودبي مقارنة بالإمارات الشمالية، مما قد يزيد الاضطرابات الاجتماعية. الإمارات بطيئة في تحسين اللوائح المالية والأمن السيبراني. |
الفرص لم تواجه الإمارات نفس المستوى من الاحتجاج الشعبي الذي عرّض الاستثمار في المنطقة للخطر. استثمرت الحكومة بكثافة في قواتها الدفاعية في العقد الماضي ويستمر التزامها تعزيز قدراتها العسكرية. إذا تحقق التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، فإن خطر نشوب صراع عسكري في الخليج سينخفض، مما يعود بالفائدة على أمن الإمارات واقتصادها. | التهديدات الإمارات هدف إرهابي جذاب، بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة وإسرائيل. قد يؤدي الإعداد والخبرة المحدودان في التعامل مع الحوادث الإرهابية إلى تأثير أوسع انتشارا إذا نجح أي هجوم. الصراع بين قطاعات سنية وشيعية إقليميا يمكن أن يفجر أحد خطوط الصدع الاجتماعي في الإمارات. صراع إيران والسعودية قد يهدد أمن سلسلة توريد الإمارات البحرية. |
المصدر: IHS Markit + أسباب
الحالة الأمنية
- النشاط الإرهابي في الإمارات منخفض جدا بسبب سياسات الهجرة والقوانين الصارمة والخدمات الأمنية القادرة على مراقبة وتعطيل الأنشطة العنيفة. ومظاهر الاضطرابات الاجتماعية أو الاحتجاجات الجماهيرية غير شائعة. وعلى سبيل المثال، لا توجد توترات واضحة بين السكان الإماراتيين السنّة والشيعة، ولم تشهد الدولة أي اضطرابات اجتماعية محلية كبيرة أو احتجاجات جماهيرية خلال احتجاجات “الربيع العربي”.
- الجهازان الرئيسيان المسؤولان عن الاستخبارات الداخلية وعمليات مكافحة الإرهاب هما مديرية أمن الدولة في أبو ظبي وأمن دولة، وأكبر مصدَر للأمن الخارجي هو في تعزيز الإمارات علاقاتها مع السعودية والولايات المتحدة، على الرغم من أن الدعم العسكري الأمريكي في حالة وقوع هجوم ليس مضمونا، نظرا لأن واشنطن لم تصنّف الإمارات حتى الآن كحليف رئيسي من خارج الناتو. لذلك، يمثل اتفاق التطبيع مع “إسرائيل” مزيدا من حاجة الإمارات لتعزيز علاقاتها الأمنية الإقليمية. في حين تفتخر الإمارات بقوة عسكرية صغيرة ولكنها جيدة التجهيز وذات قدرة عالية قادرة بشكل معقول على الدفاع عن نفسها، مع ترسانة متطورة وحلفاء أقوياء.
- تواجه الشركات العاملة في الإمارات تهديدات أمنية منخفضة مقارنة بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى. وتعني قوة الشرطة العالية الكفاءة أن مخاطر الجريمة منخفضة، مما يُبقي تكاليف التشغيل منخفضة. وتفتخر الدولة بإطار حوكمة سليم للشركات، مما يزيد الشفافية في بيئة الأعمال ويعزز جاذبية الإمارات للمستثمرين الدوليين. كما أن عوامل الجذب الإضافية للشركات الأجنبية هي انخفاض مخاطر الإرهاب المحلي والاستقرار الداخلي مما يبشر بالخير لاستمرارية السياسة وثقة المستثمرين.
- ومع ذلك، فإن موقع الدولة في منطقة شديدة التقلب يعني أن الشركات معرضة لمخاطر “الإرهاب” وعدم الاستقرار في الدول المجاورة والتوترات المتصاعدة بين إيران والسعودية. لذلك، تعمل أبو ظبي وطهران على تحسين العلاقات بينهما، مثل المباحثات التي عقدت في 2 أغسطس/آب لمناقشة جهود مشتركة في مكافحة جائحة كوفيد 19 وقضايا ثنائية أخرى، وقد تقلل هذه الجهود من التهديدات الأمنية الناشئة عن علاقات الإمارات الوثيقة مع السعودية.
- علاوة على ذلك، فإن مكانة الدولة كمركز مالي رئيسي يرفع من مخاطر غسل الأموال والجرائم الإلكترونية. لذلك يجب على الشركات مثل تلك الموجودة في الخدمات المالية والتجارة الإلكترونية وقطاع البيع بالتجزئة إجراء العناية الواجبة لعملائها والاستثمار في حماية كبيرة للأمن السيبراني.
- بشكل عام، تعتبر الإمارات من أفضل الدول على المستوى الإقليمي في مؤشر الجريمة والمخاطر الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تحتل المرتبة الأولى من بين 18 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ش.أ.ش.أ) والمرتبة 22 من بين 201 دولة على مستوى العالم، مع درجة 75.0 من 100.
مخاطر الصراع | جرائم الأعمال | القابلية للجريمة | إجمالي مخاطر الأمن والجريمة | |
دولة الإمارات | 59.3 | 75.7 | 90 | 75 |
متوسط ش.أ.ش.أ | 30.4 | 43.3 | 54.1 | 42.6 |
ترتيب الإمارات ش.أ.ش.أ (18 دولة) | 2 | 1 | 1 | 1 |
المتوسط العالمي | 48.9 | 49.1 | 49.5 | 49.2 |
ترتيب الإمارات عالميا (201 دولة) | 69 | 28 | 9 | 22 |
ملحوظة: 100= أقل خطورة. 0= أعلى خطورة. المصدر: مؤشر مخاطر الأمن والجريمة – المصدر: Fitch Solutions
- على الرغم من أن تورط الإمارات في نزاعات إقليمية عدة من غير المرجح أن يؤدي إلى هجوم على أراضيها من قبل دولة أخرى، فإنه زاد من خطر التعرض لهجوم انتقامي من قبل جهات فاعلة غير حكومية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المحلية التابعة له و”القاعدة في شبه الجزيرة العربية” ومقرها اليمن. كما أن الطبيعة المعقدة والمتجذرة لهذه الصراعات تعني أيضا أن الإمارات من المرجح أن تظل متورطة على المدى المتوسط، مما يزيد من خطر الهجمات على الدولة من قبل الجماعات معادية لها. علاوة على ذلك، سيزيد هذا من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية المحلية، حيث تصبح البلاد غارقة في صراعات مكلفة ومستعصية قد تؤدي إلى خسائر كبيرة في القوات المسلحة.
المراجع
- Fitch Solutions, United Arab Emirates Country Risk Report Q3 2020, May 2020.
- Fitch Solutions, United Arab Emirates: Crime and Security Risk Report Q4, August 2020.
- Fitch Solutions, Middle East Monitor, Vol. 30 Issue 9, September 2020.
- Federica Saini Fasanotti, The UAE’s next moves in Libya, Geopolitical Intelligence Services, 31 August 2020.
- The Economist Intelligence Unit, One Click: United Arab Emirates, 4 August 2020.
- Kamran Bokhari, The United Arab Emirates, Israel, and the Strategic Imbalance of Power, Center for Global Policy, 19 August 2020.
- Dalia Dassa Kaye, Why Israel-UAE deal doesn’t merit the hype?, Al-Monitor, 17 August 2020.