تغير موازين الحرب في السودان لصالح الجيش على وقع توسع شبكة تحالفاته الخارجية
سياقات - يناير 2025

الملخص

استعاد الجيش السوداني السيطرة على مدينة ود مدني الاستراتيجية في 11 يناير 2025، بعد 5 أيام من بدء عملية عسكرية كبيرة في ولاية الجزيرة، وذلك في أعقاب زيارة عضو مجلس السيادة ونائب قائد الجيش السوداني “شمس الدين كباشي”، إلى ولايات: سنار، والنيل الأبيض والجزيرة، معطيًا إشارة انطلاق العملية العسكرية تجاه ود مدني، لتتقدم لاحقًا نحو الخرطوم. وكان الجيش السوداني قد بدأ هجوما في 26 سبتمبر/كانون أول للسيطرة على الخرطوم، عبر الجسور الرابطة بين مدينة أم درمان ومدينتي الخرطوم وبحري، بتغطية واسعة من الطيران الحربي والمُسيرات، وقد تمكن الجيش من استعادة السيطرة على مناطق بوسط الخرطوم.

تغير موازين الحرب في السودان لصالح الجيش على وقع توسع شبكة تحالفاته الخارجية

التحليل: تغيير موازين القوى العسكرية يفتح طريق الجيش السوداني لاستعادة الخرطوم 

تشير هذه التحركات الأخيرة للجيش على كفاءة العتاد العسكري الذي حصل عليه من الخارج، وأثره في توجيه دفة المعركة. ويرجح أن السيناريو الأمثل الذي يسعى الجيش لتحقيقه هو الضغط على قوات الدعم حتى تنسحب من العاصمة الخرطوم، ومن ثم يصبح إقليم دارفور الواقع معظمه تحت سيطرة قوات الدعم هي ساحة المعارك والاشتباك. ولتحقيق ذلك يعمل الجيش على قطع الإمدادات اللوجستية لقوات الدعم في الخرطوم بشكل تام وفعال. ويعتبر تحرير مدينة ود مدني إحدى الخطوات المهمة لتنفيذ ذلك.

مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، هي الثانية في عدد السكان والثقل الاقتصادي بعد الخرطوم، وفيها أكبر مشروع زراعي في البلاد عمره 98 عاما، ولديها موقع استراتيجي يربط الخرطوم التي تبعد عنها 186 كم مع ولايات شرق البلاد.

ويمثل استعادتها نقلة كبيرة في موازين المعركة لصالح الجيش، إذ يقطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم المتواجدة بالعاصمة. وقد سبق ذلك، استعادة الجيش منطقة جبال موية الاستراتيجية ومدينة سنجة عاصمة ولاية سنار وسط السودان، مما مكنه من فتح طرق الإمدادات بين ولايات شرق السودان مع النيل الأبيض والجزيرة وكردفان ودارفور.

منذ بداية عام 2024، عزز الجيش السوداني علاقته مع روسيا والصين وتركيا وإيران، بعدما تجاهلته القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعلى مدار عام ونصف من الحرب لم تنجح المقاربة الأمريكية في ضبط الصراع أو حله، بالرغم من حرص عبد الفتاح البرهان على تجنب معاداة الولايات المتحدة والأوروبيين. ولكن سقوط الولايات تباعاً بيد الدعم السريع خاصة ولايتي الجزيرة وسنار، دفعت الجيش لاتخاذ خطوات جريئة في التسليح وإعادة بناء شبكة حلفاء خارجيين أكثر تنوعا.

بدأ التحرك الفعلي مع روسيا في أبريل/نيسان الماضي بعد زيارة وفد روسي للسودان برئاسة مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، تلاه ترتيب بعض التفاهمات لتقديم الدعم العسكري واللوجيستي للجيش مقابل تنفيذ اتفاقية إنشاء مركز لوجستي روسي على البحر الأحمر، أعقب ذلك زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى روسيا في يونيو/حزيران الماضي ولقاء بوتين، ووضع اللمسات الأخيرة لاتفاق إنشاء مركز دعم لوجستي، وليس قاعدة عسكرية كاملة، في البحر الأحمر وملفات الدعم العسكري والاقتصادي.

وفي أكتوبر 2023، أُعلن عن عودة العلاقات الإيرانية السودانية بعد قطيعة قرابة 8 سنوات، ظهر بعدها في يناير/كانون أول الماضي المسيرات الإيرانية مهاجر 6 في معارك أم درمان ثم انتشرت على باقي الجبهات. وفي يوليو/تموز الماضي تبادل البلدان السفراء بشكل رسمي. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تم توقيع اتفاقيات شراكة في المجالات الدفاعية والطاقة بين السودان والصين، خلال زيارة للبرهان شكر فيها الرئيس الصيني على دعمه الأمني والعسكري للسودان.

وبالإضافة إلى التحالفات الخارجية، فإن تغير التحالفات المحلية أيضا يساهم في تغيير دفة المعارك. إذ ساهم انشقاق قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، في 20 أكتوبر/تشرين أول 2023، وقتاله في صفوف الجيش بشكل كبير في تحرير ولايتي الجزيرة وسنار بسبب معرفته الواسعة بتضاريس المنطقة نتيجة عمله لفترة طويلة في مجال التهريب.

ويمثل الهجوم الواسع الحالي تحولا كبيرا في سير المعارك منذ تفجرها في منتصف أبريل/نيسان 2023؛ فمنذ بداية الحرب والجيش يدافع عن مقراته ومناطق سيطرته بينما تبادر قوات الدعم السريع بالهجوم واكتساب مناطق سيطرة جديدة. ومع هذا؛ لا يزال من المبكر الجزم بانتصار كامل للجيش، على الرغم من أن استعادة الخرطوم باتت مسألة وقت كما يبدو.

لكن لا يمكن تجاهل أن قوات الدعم السريع لا تزال تتمتع بخطوط إمداد نشطة وفعالة من دولة الإمارات وعدد من الفاعلين في أفريقيا، وهو ما يبقي بنسبة كبيرة على احتمالات أن تطول مقاومتها، خاصة وأن أحد أسباب تراجعها العسكري يكمن في تمددها خلال العام الأول من الحرب على مساحة جغرافية واسعة شملت الخرطوم الكبرى ومعظم دارفور، وكردفان، والجزيرة. أي إن انسحابها من بعض هذه الجبهات قد يساعدها في تركيز قوتها، خاصة وأنها قد لا تواجه مشكلة الضغط على خطوط إمدادها حين تتركز المعارك في غرب البلاد في دارفور.