الحدث
قررت إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن”، يوم الأربعاء 17 يناير/كانون الثاني، إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص (Specially Designated Global Terrorist “SDGT”)، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ في 16 فبراير/شباط. وجاء القرار بعد أيام من شن الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات على مواقع للحوثيين في اليمن ردا على استمرار هجمات الجماعة على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها في البحر الأحمر، مما قوّض حركة التجارة العالمية. ويأتي التصنيف الجديد بعد ثلاث سنوات من إلغاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قرار إدارة ترامب بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (Foreign Terrorist Organization “FTP”)، وذلك من أجل تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن وتعزيز آفاق السلام.
التحليل: تصنيف الحوثيين إرهابيا يكشف استمرار حذر إدارة بايدن
يعد تصنيف إدارة بايدن (SDGT) أقل تأثيراً مقارنة بتصنيف إدارة ترامب (FTO)؛ حيث يفتقر إلى الحظر الجنائي القوي على الأطراف الثالثة التي تقدم الدعم المادي للحوثيين مثل البنوك العالمية وشركات التأمين والشركات الأخرى والأفراد. أي أن تصنيف الإدارة الأمريكية للحوثيين بهذا الشكل لن يعزلهم عن التجارة الدولية والنظام المالي الدولي بنفس الطريقة التي كانت ستؤدي بها عقوبات المنظمات الإرهابية الأجنبية.
- يمنح هذا التصنيف وزارة الخزانة الأمريكية القدرة على تعطيل وصول الحوثيين إلى الأموال في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في النظام المالي الدولي، بهدف التأثير على سلسلة توريد أسلحة الحوثيين على المدى المتوسط والتي تعتمد على شبكة من الممولين المرتبطين جزئياً بالنظام المالي الدولي. لكنّ هذا الارتباط يظل عموما محدودا، خاصة وأن الحوثيين بالتعاون مع إيران طوروا مسارات خاصة لن تتضرر بأي عقوبات تستهدف المعاملات الرسمية الدولية. لذلك؛ فليس من المتوقع أن تؤدي مثل هذه العقوبات إلى تقويض قدرات الحوثيين العسكرية بصورة ملموسة.
- كما يمنح التصنيف إدارة بايدن إمكانية مواصلة وتوسيع نطاق الضربات ضد الحوثيين؛ حيث تستطيع الإدارة الأمريكية استنادا لتصنيف الحوثيين إرهابيا الحصول على موافقة الكونجرس لمواصلة الضربات العسكرية. ومن المتوقع أن تتجه واشنطن إلى تصعيد متدرج، يتمثل في توجه ضربات لأهداف أكثر استراتيجية مثل مواقع تصنيع الصواريخ ومنشآت القيادة والسيطرة للحوثيين. ومع ذلك فإن استمرار الإجراءات الأمريكية دون أن يتراجع الحوثيين سيظهر تراجع قدرة واشنطن على ضمان الأمن الإقليمي بنفس القدر الذي اعتادت عليه في العقود السابقة.
- من المرجح تماما أن يستمر الحوثيون في تحدي الإجراءات الأمريكية ومواصلة هجماتهم على السفن بالبحر الأحمر. وليس من المرجح أن يؤدي تأجيل تنفيذ قرار التصنيف حتى 16 فبراير/شباط القادم وتعهد واشنطن بإمكانية مراجعة القرار، إلى مراجعة الحوثيين لعملياتهم في البحر الأحمر والتوقف عن تهديد التجارة والملاحة الدولية في مضيق باب المندب. على العكس، سيواصل الحوثيون هجماتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل وضد التواجد الأمريكي والبريطاني في باب المندب، كما أن هذه المهلة تمنح الحوثيين مزيدا من الوقت لضبط تدفقاتهم المالية والتخفيف من الآثار المحتملة للعقوبات.
- تحقق جماعة الحوثي مكاسب تتعلق بحشد الدعم المحلي والإقليمي لجهودهم في دعم القضية الفلسطينية، وتمنحهم الضربات تحقيق توازن الردع مع الرياض بما يعزز موقفهم خلال محادثات إنهاء الحرب اليمنية. ومن ناحية أخرى يدرك الحوثيين المعضلة الاستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة في أزمة البحر الأحمر والمتمثلة في تأرجح واشنطن بين الحاجة لتحقيق الردع من خلال الوسائل العسكرية والاقتصادية، وفي نفس الوقت ضبط النفس لمنع المزيد من مخاطر التصعيد في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يجعل الإجراءات الأمريكية لا تزال حذرة.
- من الممكن أن يفاقم التصنيف من معاناة الشعب اليمني الذي لا يزال عالقا في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم؛ حيث سيساهم القرار في تعقيد الجهود الإنسانية والإغاثية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والتي يعيش فيها أكثر من ثلثي الشعب اليمني. لذلك، يتوقع أن تتوسع الاستثناءات الأمريكية لضمان عدم تضرر المساعدات الإنسانية في اليمن من قرار التصنيف والتي تشمل تأجيل تنفيذ القرار لمدة شهر للسماح لمنظمات المساعدات الإنسانية بتعديل عملياتها والحصول على تراخيص لتجنب للعقوبات، وكذلك التصاريح التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية والتي تسمح بمعاملات محددة مع الحوثيين بما في ذلك السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية والمعاملات المرتبطة بعمليات الموانئ والمطارات.
- كان الممكن أن يدمر مثل هذا القرار عملية السلام بين السعودية والحوثيين. لكن نظرا للظروف الراهنة والتي تتسم بتصعيد إقليمي أوسع، قد يكون التأثير أقل حدة خاصة وأن السعودية مازالت تتجنب علانية المشاركة في أي جهود دولية ضد الحوثيين، كما لا يزال لدى الحوثيين مصلحة استراتيجية في بقاء المحادثات مع الرياض لاسيما أن موقفهم الحالي أكثر قوة. ويمنح التصنيف إدارة بايدن المرونة لمواصلة جهودها الدبلوماسية، إذ إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية عالمية لا يجعل انخراط واشنطن في دبلوماسية مع الحوثيين مسألة صعبة ومستحيلة مثلما كان الحال مع تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية. بينما تعبر تصريحات السعودية الحذرة حول الضربات الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين عن رغبة الرياض في تجنب التوترات مع الجماعة والحفاظ على الهدنة القائمة بين الجانبين والإبقاء على فرص الوصول إلى تفاهمات بشأن إنهاء الحرب. على الجانب الآخر.