الحدث
● أدى مجلس الرئاسة اليمني الجديد بقيادة “رشاد العليمي“، اليمين الدستورية أمام البرلمان في محافظة عدن يوم الثلاثاء 19 أبريل/نيسان 2022، وقد تَشكل المجلس الرئاسي في مطلع الشهر الجاري (7 أبريل/نيسان) بعد أن نقل الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” صلاحياته إلى مجلس القيادة الذي يمثّل قوى سياسية وعسكرية مختلفة، وذلك في ختام مشاورات عقدت في المملكة بين القوى اليمنية الفاعلة برعاية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، وتزامنت هذه الخطوة مع التوصل لهدنة لمدة شهرين دخلت حيز التنفيذ في 2 أبريل/نيسان بين القوات الحكومية اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات من جهة، وبين الحوثيين من جهة أخرى.
● جدير بالذكر أن صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلت عن مسؤولين سعوديين ويمنيين أن السعودية مارست ضغوطا على الرئيس اليمني “هادي” من أجل إجباره على التنازل عن كل صلاحياته للمجلس الرئاسي الجديد، وأنه بات محددا إقامته في منزله وغير مسموح له بالتواصل الخارجي إلا بإذن السلطات السعودية، وفي رسالة صريحة، استقبل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني وأعضاء المجلس فور إعلان بيان “هادي” بحفاوة بالغة، وعبر عن دعم المملكة للمجلس، وتطلعه في أن يسهم في بداية صفحة جديدة تنقل اليمن من الحرب إلى السلام، كما أعلنت السعودية عن “تقديم دعم عاجل للاقتصاد اليمني بمبلغ 3 مليارات دولار”، بالاشتراك مع الإمارات.
التحليل: مجلس الرئاسة اليمني في مواجهة تباين مكوناته وتنافس داعميه
- يتشَّكل مجلس الرئاسة اليمني من ثمانية أعضاء، وهم؛ رئيس المجلس “رشاد العليمي”، المقرب من السعودية، والذي شغل منصب مستشار الرئيس السابق “هادي”، وهو من أبرز رجال نظام الرئيس “علي صالح”، واللواء “فرج البحسني” محافظ حضرموت، واللواء “سلطان العرادة” محافظ مأرب، وهو على رغم انتمائه لحزب المؤتمر الشعبي إلا أنه مقرب من حزب “التجمع اليمني للإصلاح” (الإخوان المسلمين)، و”عبد الله العليمي”، مدير مكتب الرئيس السابق “هادي”، وهو أيضا مقرب من حزب الإصلاح، وكذلك “عثمان مجلي”، وهو زعيم قبلي وعضو البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي ويعرف بقربه من السعودية، بالإضافة إلى “عيدروس الزبيدي” قائد “المجلس الانتقالي الجنوبي” والمنادي بانفصال جنوب اليمن، و”عبد الرحمن المحرمي” قائد “قوات العمالقة”، و”طارق صالح” قائد قوات “المقاومة الوطنية”، ويعتبر ثلاثتهم أبرز الجهات التي تحظى بدعم واسع من أبوظبي.
- يعكس تشكيل مجلس الرئاسة اليمني الاعتراف بالجهات الفاعلة في المشهد اليمني، والسعي لإيجاد صيغة توافق بينها جميعا لتوحيد جبهة “الشرعية” التي عانت طوال السنوات الماضية من الصراع الداخلي على النفوذ والمصالح، كما أنها لا تعمل تحت قيادة عسكرية واحدة، حيث تعمل كل من قوات المجلس الانتقالي، وقوات العمالقة، وقوات طارق صالح، بمعزل عن القوات الحكومية الشرعية التابعة مباشرة للجيش اليمني.
- تشكيل مجلس الرئاسة اليمني بدعم وضغوط من السعودية، يعكس قرار الرياض في المضي قدما نحو التفاوض مع الحوثيين، ليس فقط بهدف خفض حدة التصعيد لتقليل مخاطر تعرض منشآتها النفطية وأهدافها الحيوية لهجمات الحوثيين المتكررة بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، ولكن أيضا بهدف إنهاء الحرب عموما، والتوصل لترتيبات نهائية حول مستقبل اليمن، وقد دفعت المملكة في اتجاه تشكيل مجلس الرئاسة اليمني بمكونات سياسية وعسكرية متباينة، وإبعاد كل من الرئيس “هادي” ونائبه اللواء “علي محسن الأحمر”، وهما الشخصين الذين يُنظر إليهما باعتبارهما أحد المعوقات الرئيسية لانخراط الحوثيين في مفاوضات مع التحالف، وبمعنى آخر، فإن الرياض تستهدف تمهيد الطريق لإجراء مفاوضات مع الحوثيين، وهو ما يتطلب توحيد الأطراف اليمنية المختلفة المواجِهة للحوثيين على الأرض.
إقرأ أيضاً:
توتر العلاقات السعودية الأمريكية.. مناورات قد تعيد تأكيد الشراكة
بريم وسقطرى.. جزر يمنية احتلتها قوى أجنبية لخدمة أغراضها الجيوسياسية
سيناريوهات مستقبل الصراع في اليمن
ليست الأولى، ولكنها الأخطر.. ما وراء استهداف الحوثيين للإمارات
- يحظى تشكيل مجلس الرئاسة اليمني والهدنة المعلنة بين التحالف والحوثيين بدعم من الولايات المتحدة، التي ترى أن تلك الخطوات ستساهم في خفض التوترات الأمنية في المنطقة، خاصة مع وصول مسار إتمام الاتفاق النووي مع إيران إلى مراحله النهائية، وفي نفس الوقت، سيساهم خفض التصعيد بين التحالف والحوثيين في تقليل المخاطر على المنشآت النفطية في منطقة الخليج، مما يساهم في استقرار الإنتاج العالمي من النفط وضبط أسعاره، وهو الأمر الذي تسعى واشنطن إلى تحقيقه بقوة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أن الدعم الإقليمي والدولي ليس محل شك، أملا في أن تقود هذه الخطوة لإنهاء الحرب، حيث أعرب مجلس الأمن، بالإجماع، عن الأمل في أن يمثل تشكيل المجلس “خطوة مهمة نحو الاستقرار وتسوية سياسية شاملة بقيادة وملكية يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة”.
- ستنعكس العلاقات بين السعودية والإمارات، وهما الداعمان الرئيسيان لمكونات مجلس الرئاسة اليمني، على تماسك وفاعلية المجلس، حيث تظهر بين الحين والآخر تباينات بين الرياض وأبوظبي، نتيجة سعي كل طرف إلى تعزيز نفوذه الإقليمي، فضلا عن التنافس الاقتصادي المتصاعد بين الجانبين، وتظهر التباينات الأساسية بين الجانبين في مسألة النفوذ الإماراتي في الجنوب وخاصة الجزر الاستراتيجية، ومشروع المجلس الانتقالي الانفصالي.
- على المستوى المحلي، سيكون التحدي الرئيسي أمام مجلس الرئاسة اليمني هو قدرته على البقاء كجبهة موحدة وفاعلة، وإدارة تعارض مصالح أطرافه، حيث يمتلك كل طرف داخل المجلس أجندة مختلفة، ويرغب في الحفاظ على مناطق نفوذه وقوته، مما يجعل المجلس أكثر عرضة للانقسام، أو في الحد الأدنى أقل فاعلية تجاه تكوين جبهة سياسية وعسكرية موحدة، وهي أحد الأهداف الرئيسية للمجلس التي حددها القرار الذي أعلنه “هادي”، حيث نص على توحيد القوات والتشكيلات المسلحة ووضعها تحت قيادة موحدة وعقيدة عسكرية واحدة.
- يمثل هذا الهدف حجر الزاوية في قرار تأسيس مجلس الرئاسة اليمني، فعلى الرغم من أن المجلس يستهدف التفاوض مع الحوثيين، إلا أن جمع قوات معسكر الشرعية تحت قيادة موحدة يمثل تغيرا محتملا في ميزان القوى ميدانيا في مواجهة الحوثيين، وهو ما جعل الحوثيين يعتبرون أن “إعادة تجميع ميليشيا متناثرة متصارعة في إطار واحد” هو أمر “يدفع للتصعيد”، بحسب كبير مفاوضي الحركة “محمد عبد السلام”.
الخلاصة
- يمكن النظر إلى خطوة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن من زاوية أهميتها على المستوى الإقليمي، وإمكانية أن تسهم في خفض التوترات الجيوسياسية في المنطقة، ومن المتوقع أن تسعى السعودية بدعم من واشنطن من أجل استمرار الهدنة مع الحوثيين، وتجنب احتمالات التصعيد العسكري، بينما على المستوى المحلي، سيكون على المجلس تجاوز تبايناته الداخلية وبناء جبهة موحدة يمكنها خوض مسار تفاوضي يتوقع أن يكون طويلا وشاقا مع الحوثيين، خاصة وأن الحركة لم ترسل حتى الآن إشارة إيجابية تجاه انفتاحها على التفاوض مع المجلس الجديد.
- ميدانيا، من المتوقع أن تهدأ حدة المعارك لكن دون توقف كامل، حيث سيسعى كل طرف لتعزيز مواقعه على الأرض لخوض عملية التفاوض من موقع قوة، وعلي سبيل المثال؛ مازالت المعارك بين القوات الحكومية اليمنية والحوثيين متواصلة من أجل السيطرة على محافظة مأرب الغنية بموارد الطاقة.