الخبر
افتتحت جمهورية تشاد قنصليتها العامة في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية، في 14 أغسطس/آب 2024، بحضور وزير الشؤون الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، ووزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة. جاء ذلك تنفيذا للالتزام الذي قطعه الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي إيتنو، في سبتمبر/أيلول 2022 بإقامة وجود دبلوماسي في الداخلة، الواقعة في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها مع الجزائر التي تدعم استقلال الصحراء المغربية، مما يعتبر خطوة حاسمة لدعم سيادة المغرب على هذه الأراضي.
التحليل: اختراق مغربي جديد في أفريقيا لترسيخ سيادتها على الصحراء الغربية
سبق هذا في أواخر يوليو/تموز الماضي، إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن اقتراح المغرب بالحكم الذاتي المحدود تحت سيادته هو “الأساس الوحيد” لحل النزاع، ما يمثل تغييرا ملحوظا في موقف باريس التاريخي، لتنضم فرنسا إلى قائمة متزايدة من الدول الغربية الداعمة للمغرب، بما في ذلك أمريكا وإسبانيا، التي حظرت محكمتها العليا في يونيو/حزيران 2020 استخدام الأعلام والرموز والشعارات الخاصة بالبوليساريو في المباني والأماكن العامة الإسبانية. وأثار قرار الحكومة الفرنسية رد فعل سلبي من جانب الجزائر التي اتهمت فرنسا بدعم التوسع المغربي.
تجسد هذه التطورات الاختراق الدبلوماسي الكبير للمغرب نحو فرض واقع سياسي في قضية الصحراء الغربية على حساب الجزائر. حيث تتماشى خطوة تشاد مع عدد متزايد من الدول التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، لتنضم تشاد إلى 29 دولة افتتحت بالفعل بعثات دبلوماسية لها هناك، مما يزيد من عزلة جبهة البوليساريو أفريقيا ودوليا، ويقلل من نفوذ الجزائر في المنطقة. كما تميل الكفة عربيا لصالح المغرب، حيث تحظى الرباط بدعم معلن أو ضمني من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن على الأقل.
وبالرغم من اعتراف منظمة الوحدة الأفريقية بالجمهورية الصحراوية عام 1984 تحت اسم “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وهو نفس العام الذي انسحبت منه المغرب من عضوية الاتحاد، إلا أن الاتحاد الأفريقي أخذ يميل لكفة المغرب منذ عام 2016، بتقيد مشاركة الجبهة في المؤتمرات مع عودة المغرب لعضوية الاتحاد. وتزامن ذلك مع تقديم 28 دولة أفريقية ملتمسا لطرد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من الاتحاد الأفريقي في 18 يوليو 2016.
لعبت دولة الاحتلال “الإسرائيلي” دورا في دعم جهود فرض سيادة المغرب الصحراء الغربية. واشتمل اتفاق تطبيع العلاقات في ديسمبر/كانون أول 2020، اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، مما عزز موقف المغرب في الساحة الدولية. في المقابل قطعت الجزائر علاقاتها بالمغرب في أغسطس/آب 2021، متهما المغرب بدعم جماعات انفصالية في الجزائر. من جهة أخرى، شكل دعم الامارات للمغرب جزءا من استراتيجيتها الأوسع لتعزيز العلاقات مع “إسرائيل” تحت سقف الدعم الأمريكي، خاصة في المسائل الاقتصادية والأمنية، مما نتج عنه توترا كبيرا في العلاقات الجزائرية الإماراتية يقترب لنقطة اللا-عودة.
لا تنفصل خطوة تشاد عن رؤية كلية أطلقها الملك محمد السادس في نوفمبر/تشرين ثاني 2023، تهدف إلى تعزيز التنمية الشاملة للبلدان الواقعة على طول الساحل الأطلسي لأفريقيا، وتعزيز الوصول البحري للدول غير الساحلية في منطقة الساحل، بما في ذلك مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد من أجل تنمية اقتصادها. وتندرج هذه المبادرة في إطار رؤية المغرب الأوسع حول تعزيز العلاقات التجارية وفتح مجال لمشاريع تنموية مشتركة بين بلدان الساحل الأفريقي وإقليم الصحراء.
قدمت أمريكا دعما سياسيا للمبادرة من خلال استضافتها لاجتماعات وزارية رفيعة عبر المجلس الأطلسي في واشنطن لبحث دور الشراكة من أجل التعاون الأطلسي. واعتمدت الدول الأفريقية الأطلسية مؤخرا خطة عمل لمعالجة الأولويات المشتركة مثل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والقرصنة البحرية والهجرة غير الشرعية، مع التركيز على الاقتصاد الأزرق والطاقة والاتصال. وتأتي خطوات أمريكا الداعمة للمغرب وسط انحسار تواجدها العسكري والأمني في منطقة الساحل، ما يضع المغرب كحليف ووكيل، مع تحول التركيز الأمريكي من منطقة الساحل إلى غرب أفريقيا.
قد تدفع تلك التحركات المغربية الجزائر للعب دور أكثر خشونة في منطقة الساحل لتقويض الحضور المغربي المتزايد للحفاظ على نفوذها الإقليمي، وبينما ينظر للجزائر كصديق تاريخي لروسيا، تقف المغرب في المعسكر الأمريكي، مما قد يدفع موسكو وواشنطن إلى التنافس عبر تقديم دعم سياسي وعسكري، مما يصنع ديناميات جيوسياسية جديدة في الإقليم المضطرب.