الحدث
● وفقًا لتقرير نشرته “وول ستريت جورنال“، الثلاثاء 15 مارس/آذار، تجري المملكة العربية السعودية مجددا محادثات مع الصين لتحديد أسعار بعض مبيعات النفط السعودي باليوان الصيني، بعد توقفها منذ ست سنوات. ومنذ عام 1974، تبيع السعودية صادراتها النفطية بالدولار الأمريكي، بعد أن وقعت اتفاقية مع إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، مقابل تقديم واشنطن ضمانات أمنية للمملكة.
● تعد الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وتستقبل يوميا ما يناهز 10 مليون برميل نفط، وتحتل السعودية المركز الأول كأكبر مصدر نفط للصين، حيث بلغت واردات النفط السعودي إلى الصين في عام 2021 حوالي 1.75 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل تقريبا ربع إجمالي صادرات السعودية من النفط. وفي سياق متصل، بلغت عائدات النفط السعودي في عام 2021 ما يناهز 150 مليار دولار، أي أن عائدات النفط السعودي المصدر للصين تقترب من 40 مليار دولار.
التحليل: اختبار الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا
- ساهم ربط تسعير النفط بالدولار الأمريكي خلال العقود الماضية (80% من مبيعات النفط العالمية حالياً تتم بالدولار)، في تحول العملة الأمريكية إلى عملة احتياط عالمية تهيمن على احتياطي النقد الأجنبي لدي البنوك المركزية. مما أدى في النهاية إلى هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة الدولية، وهو وضع يعتمد استمراره إلى حد كبير على بقاء غالبية مبيعات النفط العالمية بالدولار الأمريكي. وفي حال تحولت المحادثات السعودية إلى خطوة فعلية، فإن تحول كهذا لا يعني فقط تقويض هيمنة الدولار على أسواق الطاقة، ولكن قد يؤثر بشكل مباشر على بنية النظام المالي الأمريكي، الذي استفاد إلى حد كبير من بقاء الدولار لعدة عقود كعملة احتياط عالمية، تمثل أحد ملامح الهيمنة الأمريكية دوليا.
- من الجدير بالذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تطرح فيها السعودية بيع صادراتها النفطية باليوان؛ ويبدو أن المملكة تستهدف من إعادة التلويح بهذه الورقة حث الإدارة الأمريكية لفتح نقاش جدي حول أبعاد الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في ظل تراجع الثقة لدى السعودية تجاه واشنطن، منذ قدوم إدارة “بايدن”.
- تصاعدتمشاعر عدم الرضا السعودية تجاه أمريكا بشكل لافت منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حيث تنظر السعودية بمزيد من التخوفات تجاه دور أمريكا التقليدي في المنطقة كضامن رئيسي للأمن الإقليمي ومُوَاجِه للتهديدات الإيرانية، لاسيما مع تراجع الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه الحرب في اليمن، وكذلك السعي الأمريكي لإبرام اتفاق نووي مع إيران، والذي ترى المملكة أنه سيؤدي إلى تعزيز وضع إيران إقليميا؛ ومن ثم مزيد من التهديد للسعودية وباقي دول المنطقة.
- كذلك، لعب العامل الشخصي دورا إضافيا في توتر العلاقة. حيث وضعت الإدارة الأمريكية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مأزق عقب نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل “خاشقجي”، ومعاقبة واشنطن لولي العهد بصورة ضمنية من خلال مقاطعة “بايدن” له والإعلان رسميا في أكثر من مناسبة أن اتصالات الرئيس الأمريكي ستقتصر على الملك “سلمان”.
- التوتر بين واشنطن والرياض بات أكثر وضوحا مؤخرا ضمن تداعيات حرب أوكرانيا؛ إذ حاولت واشنطن إقناع السعودية بزيادة انتاجها من النفط حتى تتمكن أمريكا وباقي دول أوروبا من فرض عقوبات على صادرات النفط الروسية دون أن يتسبب ذلك في ارتفاع أسعار النفط. في المقابل، لم تستجيب السعودية للمطالب الأمريكية بسبب العلاقات المتوترة بين الجانبين، وبسبب عدم رغبة الرياض في الاصطدام مع روسيا في ظل حرص السعودية على علاقتها مع موسكو، وحرصها على بقاء تحالف أوبك بلس كجبهة موحدة وقوية قادرة على ضبط أسواق النفط وتحقيق المصالح السعودية.
- ومع هذا، فمازال من غير المرجح أن تمضي السعودية قدما في خطوة تسعير النفط باليوان، حيث تدرك المملكة أن سياسة التوازن بين أمريكا والصين التي انتهجتها في السنوات الأخيرة لم تعد ملائمة مع تصاعد التنافس بين أمريكا من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى؛ وأن الاستمرار في تلك السياسة يمكن أن يؤدي إلى خسائر جسيمة في علاقاتها مع واشنطن. وفي نفس الوقت، تدرك السعودية أن خطوة تسعير النفط باليوان لا تضر بالاقتصاد الامريكي وحسب؛ ولكن سيكون لها انعكاساتها الحادة على الاقتصاد السعودي الذي يرتبط إلى حد كبير بالدولار الأمريكي.
- أما من جهة الصين، فإن المخاوف من هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي تجددت مع العقوبات الأمريكية على روسيا بسبب غزو الأخيرة لأوكرانيا، وقبلها العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران بسبب برنامجها النووي. في ظل التنافس الاستراتيجي بين الصين وأمريكا، تسعى بكين بجدية لإضعاف هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي الدولي، من خلال محاولاتها المستمرة لمزاحمة الدولار كعملة احتياطية عالمية، عبر سياسات تحفيزية لاستخدام اليوان الصيني في التعاملات التجارية البينية مع الدول التي تتعامل معها.