الحدث
● شهد الأسبوع الأول من شهر يناير/كانون الثاني الجاري سلسلة إعلانات من واشنطن وبرلين وباريس بإرسال مركبات قتال حديثة إلى أوكرانيا للمرة الأولى منذ بداية الغزو الروسي؛ حيث أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا عن تزويد أوكرانيا بـ 50 مركبة قتالية من طراز “برادلي” (Bradley M2)، و40 مركبة قتال مشاة من طراز “ماردر” (Marder) على التوالي، بالإضافة لمنظومة الدفاع الجوي باتريوت مقدمة من ألمانيا. بينما تعهدت فرنسا بإرسال عدد غير معلوم من مركبات الاستطلاع المدرعة (AMX-10 RC) والتي توصف مجازاً على أنها دبابات خفيفة ذات عجلات.
● في سياق متصل؛ أعلنت بولندا أنها ستنقل سرية من دبابات “ليوبارد 2” (Leopard 2) ألمانية الصنع إلى أوكرانيا، كما نقلت بعض المصادر أن هناك مناقشات جارية في بريطانيا حول تسليم أوكرانيا دبابة القتال البريطانية “تشالنجر 2” (Challenger 2).
التحليل: تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا يضمن مواصلة استنزاف روسيا
- تختلف المركبات القتالية المرسلة إلى أوكرانيا بشكل كبير عن دبابات القتال الرئيسية، فهي عبارة عن مركبات قتال مدرعة أصغر حجماً وأكثر قدرة على الحركة من الدبابات، كما أنها مجهزة بمدفع رئيسي من عيار أصغر من الدبابة النموذجية، فهي مخصصة للاستخدام في مجموعة من الأدوار المتنوعة، تشمل نقل القوات ودعم المشاة والقيام بمهام الاستطلاع.
- يمكننا النظر إلى تأثير هذه الإمدادات على ساحة المعركة في أوكرانيا من أكثر من زاوية:
- من الناحية العملياتية، لن تستطيع أوكرانيا الشروع مباشرة في استخدام الأسلحة الغربية الجديدة، إذ إن هذه المركبات تتطلب عدة أسابيع للتدريب على التشغيل، وكذلك إنشاء مسارات لوجيستية لتوفير قطع الغيار، في حين أن وجود عدة أنظمة مختلفة للمركبات (أمريكية-ألمانية-فرنسية) يجعل هذه العملية أكثر تعقيداً ويزيد من حجم التحديات اللوجيستية.
- من الناحية التكتيكية، تمنح المركبات المدرعة القوات الأوكرانية قدراً أكبر من خفة الحركة والقدرة على دعم وحماية قوات المشاة أثناء نقلها إلى ساحة المعركة، لاسيما مع مواصلة روسيا شن هجمات بطائرات بدون طيار على المشاة الأوكرانية، بالإضافة إلى قدرتها على توجيه ضربات للدبابات الروسية حيث إنها مزودة بنظام صواريخ مضادة للدبابات.
- بالرغم من صعوبة تحديد العواقب الاستراتيجية التي سيتسبب فيها دخول المركبات الغربية الحديثة ساحة المعركة بين روسيا وأوكرانيا في الوقت الحالي، فمن المحتمل أن تساهم مركبات برادلي الأمريكية بجانب المركبات الألمانية والفرنسية في تعزيز قدرات القوات الأوكرانية ومنحها فعالية أكبر في “عمليات الأسلحة المشتركة”، حيث يمكن إشراكها إلى جانب الدبابات والمشاة. كما أن القدرات العالية للمركبات على المناورة إلى جانب سرعتها الكبيرة نسبياً ستسمح لأوكرانيا بتحقيق نجاحات في الاشتباكات الصغيرة.
- على الجانب الروسي؛ تواصل القوات الروسية استخدام العقيدة السوفيتية القديمة باعتبار أن غالبية السلاح الأوكراني ينتمي إلى منظومة التسليح السوفيتية، وهو أمر يجري تغييره بصورة جذرية خلال الحرب، الأمر الذي يستلزم من روسيا تغييرا في نهجها التكتيكي لمواجهة الأسلحة الغربية المتزايدة التي وصلت إلى أوكرانيا حتى تتجنب تكبد أي خسائر على نطاق واسع.
- تفتقر أوكرانيا إلى دبابات قتالية حديثة في معاركها مع القوات الروسية حيث تحتاج إلى نحو 300 دبابة وكذلك من 600 إلى 700 مركبات مدرعة و500 مدفع هاوتزر لتمكنها من صد الهجمات الروسية، والأهم من ذلك لتمنح أوكرانيا القدرة على شن هجوم مضاد جديد على القوات الروسية، بالإضافة إلى حاجة كييف للحصول على أنظمة دفاع جوي إضافية لمواجهة القصف الروسي الذي ارتفعت وتيرته في الشهور الأخيرة على المدن والبنية التحتية الحيوية الأوكرانية.
- أثبتت مجريات الحرب أن الاحتياج الأكثر إلحاحاً للقوات الأوكرانية -بجانب الدبابات الحديثة- هو استكمال منظومة تسليح مصممة على الطراز الغربي، حيث مازالت أوكرانيا تعتمد بصورة ملموسة على منظومة التسليح السوفيتية القديمة، الأمر الذي يجعلها تواجه أزمات متكررة بشأن سلاسل التوريد الخاصة بالذخيرة وقطع الغيار الروسية، والتي تحصل عليها من خلال شراء المعدات أو المخزونات المستعملة من دول شرق أوروبا، وهي تدابير مؤقتة لا يمكن الاعتماد عليها في المدى المتوسط والبعيد.
- منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 2000 مركبة قتالية إلى أوكرانيا، بما في ذلك مئات المركبات المقاومة للألغام وعربات همفي (Humvees)، وتقدم واشنطن المركبات المدرعة “برادلي” ضمن حزمة مساعدات إلى أوكرانيا تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، وتعد الولايات المتحدة أكبر مساهم في المساعدات إلى أوكرانيا، حيث أرسلت ما يناهز 48 مليار دولار في شكل دعم عسكري ومالي وإنساني لأوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي، مع وعود بـ 44 مليار دولار أخرى.
- وبالرغم من تقلبات السياسة الداخلية الأمريكية، فمن غير المرجح أن تُخفِّض واشنطن مساعداتها المالية والعسكرية لأوكرانيا، أو أن يتراجع التزام واشنطن تجاه دعم أوكرانيا عسكريا، خاصة مع النجاحات التي حققتها كييف في الشهور الأخيرة واستعادة مدينة “خيرسون” الاستراتيجية والتي مثلت دافعا قويا للإدارة الأمريكية لمواصلة دعم أوكرانيا.
- في الجانب الآخر؛ تبدو حكومة ألمانيا أكثر تحفظاً في دعمها العسكري لأوكرانيا مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وذلك على الرغم من زيادة برلين إنفاقها العسكري وتحولها البارز نحو إعادة التسلّح؛ حيث تتعامل مع التطورات الميدانية في ساحة المعركة بين روسيا وأوكرانيا من خلال محددين رئيسيين: عدم الدفع بمعدات تسليح متطورة لأوكرانيا، وعدم اتخاذ خطوات للدعم العسكري بشكل منفرد عن واشنطن وباقي الحلفاء الغربيين. وتستهدف ألمانيا من خلال تلك المحددات عدم الانخراط في مواجهة مباشرة ومفتوحة مع روسيا.
- لكنّ الانتقادات المحلية للمستشارية سواء من داخل أحزاب الائتلاف الحكومي أو من المعارضة تشكل ضغطا على موقف برلين؛ حيث قالت رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الألماني “ماري آغنيس شتراك-تسيمرمان” إن “حجة” المستشارية بعدم اتخاذ قرارات منفردة بخصوص تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا بطلت، في إشارة إلى القرار الفرنسي بمنح دبابات خفيفة لكييف. ولا ينظر داخليا لهذا الأمر فقط من زاوية الالتزام الألماني بدعم أوكرانيا، ولكن من زاوية النظر لدور ألمانيا أوروبيا وتنافسها التقليدي مع فرنسا، والذي يحتم على برلين اتخاذ زمام المبادرة.
خلاصة
- تأتي خطوة تزويد أوكرانيا بمركبات حديثة في إطار استراتيجية الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين والتي تعتمد على مواصلة دعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها على الدفاع، بما يضمن استنزاف روسيا عسكريا، ويحقق هدف الغرب الرئيسي بإلحاق هزيمة استراتيجية بموسكو، حتى لو كانت هزيمة “غير كاملة” من الناحية الميدانية.
- لا تؤكد خطوة إرسال مركبات قتالية متطورة فقط على الالتزام الغربي بدعم ومساعدة أوكرانيا، ولكن الأهم من ذلك أنها توجه إلى موسكو رسالة تؤكد على استعداد الغرب لحرب طويلة، تشير تقديرات غربية إلى أنها مستمرة عام ونصف على الأقل (حتى منتصف 2024).
- لا تزال الإمدادات العسكرية في المجمل تستهدف تعزيز دفاعات أوكرانيا وليس تطوير إمكانياتها للقيام بهجوم مضاد واسع لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا. وبالرغم أن تزويد أوكرانيا بدبابات قتالية حديثة (أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية) لا يزال قيد المناقشة بين واشنطن وحلفائها، إلا أنه من المرجح أن يتوصلوا في وقت قريب إلى اتفاق بتزويد أوكرانيا بتلك الدبابات. وستتوقف أهمية هذا الاتفاق على عدد الدبابات التي سيمنحها الغرب لأوكرانيا وما إذا كانت كافية لضمان تغيير استراتيجي في ساحة المعركة، وتوفر منظومات الدفاع الجوي اللازمة لحماية القوات البرية في أي تحرك هجومي واسع.