الحدث
أشارت وكالة رويترز في 18 نوفمبر/تشرين الثاني إلى انقطاع كابلين حيويين للاتصالات في بحر البلطيق، أحدهما يربط فنلندا وألمانيا والآخر يربط السويد وليتوانيا. وأعلنت الحكومة الألمانية أن الأضرار التي لحقت بكابلي الاتصالات البحريين هي نتيجة لما وصفته بـ “عمل تخريبي”. وفي سياق متصل؛ ركزت السلطات ومجتمع الاستخبارات مفتوحة المصدر (OSINT) على أحد السفن الصينية التي غادرت ميناء أوست لوجا الروسي على بحر البلطيق باعتبارها مسؤولة عن الحادث.
التحليل: الكابلات البحرية بدائل روسيا غير العسكرية للضغط على الدول الداعمة لأوكرانيا
تعدُ كابلات الألياف الضوئية الممتدة تحت سطح البحر البنية التحتية الرئيسية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والتجارة الرقمية حول العالم. ويمر 95% من البيانات العالمية عبر شبكة الكـابلات البحرية، بما في ذلك البيانات المرتبطة بالعمليات العسكرية وأنظمة الدفاع، بالإضافة إلى دورها الجوهري في التجارة الدولية، إذ يتم نقل ما يقرب من 10 تريليون دولار من المعاملات المالية يومياً عبر هذه الكابلات. ويزيد عدد الكابلات حاليا عن 600 خط، قيد التشغيل أو تحت الإنشاء، وتمتد على مسافة 1.2 مليون كيلومتر تقريباً. ويتزايد الاعتماد على الكابلات البحرية في ظل التحول المضطرد نحو الخدمات السحابية وانتشار شبكات الجيل الخامس (G5).
بالرغم من الأهمية الاستراتيجية للكابلات البحرية فإنها ضعيفة ومعرضة إلى حد كبير للقطع والتلف، ويعود ذلك إلى عوامل أهمها أن البنية التحتية للكابلات البحرية غير محمية إلى حد كبير ومواضعها الدقيقة متاحة في المجال العام، ولا تزال قدرات الإصلاح حول العالم محدودة فضلا عن الافتقار الشديد إلى أنظمة الكابلات البديلة لإعادة توجيه تدفق البيانات حال تعطل أحد الكابلات البحرية. وعلى مستوى القانون الدولي تغيب الحماية الرسمية عن الكابلات البحرية لأنها لا تنتمي رسمياً إلى أي دولة بسبب أن الملكية وحقوق التشغيل لمعظم الكابلات تعود للقطاع الخاص.
وسعت روسيا جهودها لتطوير القدرات البحرية للمراقبة والتخريب تحت سطح البحر عبر سفن التجسس والغواصات المتخصصة، وأصبحت قادرة على تدمير وإتلاف أجزاء من الكـابلات البحرية الأوروبية والتسبب في أضرار بالغة للاقتصادات الغربية. وتنظر روسـيا إلى الكابلات البحرية للاتصالات والإنترنت باعتبارها نقطة ضغط ضد أمن الدول الغربية؛ في حين تتمتع روسـيا بموقع جغرافي استثنائي يمنحها الاتصال بالإنترنت بأوروبا وآسيا عبر الكابلات الأرضية، ما يجعلها أقل اعتمادا على الكابلات البحرية مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا.
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا باتت الكابلات البحرية في المحيط الأطلسي وبحر الشمال وبحر البلطيق معرضة للخطر من التخريب الروسي المحتمل، خاصة بعد أن رصدت تقارير زيادة النشاط العسكري الروسي حول الكابلات البحرية الرئيسية في أكثر من مناسبة. كما أشارت تحقيقات إلى ضلوع روسـيا في ثلاث حوادث بارزة أدت إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية البحرية سواء الكابلات أو خطوط الأنابيب في السنوات الأخيرة، هي:
- أولاً، في مطلع عام 2022، انقطع كابل اتصالات بحرية قبالة سواحل النرويج عند نقطة عبرتها سفن صيد روسية، وتسبب الحادث الذي عرف بـ “هجوم سفالبارد” في تعريض تدفقات البيانات بين أرخبيل سفالبارد بالبر الرئيسي للنرويج للخطر.
- ثانياً، في سبتمبر/أيلول 2022، تسببت سلسلة من الانفجارات تحت الماء في إتلاف خط أنابيب نورد ستريم 1 المسؤول عن نقل الغاز الطبيعي من روسـيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ووقع الحادث داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للدنمارك والسويد.
- ثالثاً، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقف خط أنابيب الغاز Baltic Connector بين فنلندا وإستونيا عن العمل وفي نفس التوقيت انقطع كابل بحري يربط بين البلدين وكابل آخر يربط بين السويد وإستونيا. وأفادت التحقيقات أن سفينة شحن روسية وأخرى صينية هما المسؤولتان عن الحادث.
بشكل عام، تأتي الهجمات الروسية المحتملة على البنية التحتية الحيوية للاتحاد الأوروبي في سياق الرد الروسي على الدعم العسكري الغربي المقدم لأوكرانيا، وتفضل موسكو استخدام خيارات متنوعة بدلا من العمل العسكري المباشر بما في ذلك إتلاف الكابلات البحرية التي قد تسبب الفوضى وتفرض تكاليف كبيرة على خصومها. لكن يظل من الصعب توسيع نطاق الهجوم على الكابلات البحرية لتحقيق تأثير ملموس، خاصة للدول التي لديها أنظمة كابلات بديلة لتشغيلها في حالة تعطل أحد الكابلات البحرية. ومع ذلك؛ فإن القدرات الروسية المتطورة على شن هجمات دقيقة ضد كابلات مختارة من الممكن أن تتسبب في حدوث اضطرابات كبيرة للدول الغربية الداعمة لأوكرانيا.
تقع صناعة وتثبيت وصيانة الكـابلات البحرية بالكامل في أيدي القطاع الخاص، وتقوم في الوقت الحالي 4 شركات خاصة بتصنيع وتثبيت 98% من الكابلات البحرية حول العالم. إذ تستحوذ شركة SubCom الأمريكية وشركة الكاتيل (ASN) الفرنسية، ونيبون (Nippon) اليابانية على حصة سوقية تبلغ 87%، بينما تستحوذ شركة HMN الصينية (هواوي مارين سابقا) على 11%. وتعود ملكية الكـابلات البحرية لشركات القطاع الخاص التي تقوم بتشغيلها وصيانتها، وتقوم بتأجير النطاق الترددي على كابلاتها، وتمتلك أو تستأجر شركات أمازون وجوجل وميتا ومايكروسوفت حوالي نصف النطاق الترددي البحري عالميا، وذلك لضمان الربط بين مراكز البيانات الخاصة بهم.
ويبلغ متوسط انقطاع الكابلات من 100 إلى 150 مرة سنوياً معظمها بسبب عوامل بشرية عرضية مثل معدات الصيد التجاري أو الشحن. ولكن الكابلات البحرية أصبحت ضمن الأهداف المحتملة للتخريب المتعمد خلال الصراعات والأزمات الجيوسياسية في السنوات الأخيرة. ولا يتطلب إتلاف الكابلات قدرات بحرية متطورة، فمن خلال استخدام السفن المدنية لمعدات المراسي يمكنها تمزيق الكـابلات البحرية في المياه الضحلة، وكذلك يمكن أن تتسبب الغواصات الصغيرة في أضرار للكابلات إذا اصطدمت بها، كما يمكن استخدام المتفجرات تحت الماء نظرا لسهولة تنفيذها وصعوبة تعقب أو معرفة الجهات الفاعلة.