هل تؤثر وفاة رئيسي وعبد اللهيان على سياسة إيران الخارجية؟
سياقات - مايو 2024
تحميل الإصدار

الحدث

أعلنت السلطات الإيرانية وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين بتحطم مروحية، يوم الأحد 19 مايو/أيار، في محافظة أذربيجان الشرقية. وكان على متن المروحية إلى جانب الرئيس الإيراني ووزير الخارجية إمام جمعة تبريز آية الله آل هاشم ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، والعميد سيد مهدي موسوي رئيس وحدة حماية الرئيس الإيراني، وعنصر من الحرس الثوري والطيار ومساعد الطيار ومسؤول فني. وأعلنت الوفاة بعد نحو 15 ساعة من إعلان التلفزيون الرسمي الإيراني تعرض مروحية الرئيس لحادث في طريق عودته بعد مشاركته مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، في افتتاح سد على حدود البلدين.

هل تؤثر وفاة رئيسي وعبد اللهيان على سياسة إيران الخارجية

التحليل: هل تؤثر وفاة رئيسي وعبد اللهيان على سياسة إيران الخارجية؟

لا تتأثر الدولة التي تقوم على مؤسسات كبيرة وقديمة مثل إيران بغياب البيروقراطيين والمسؤولين مهما كانت خبرتهم. صحيح أن الأشخاص لهم أهمية في مسيرة الدول، وأحيانا تكون لقراراتهم انعكاسات أطول من أعمارهم على سياسة الدول وحتى على الجغرافيا السياسية الإقليمية أو الدولية، لكنّ هذا ينطبق على حالات محددة، ترتبط بقادة التأسيس بعد ثورة أو تحول كبير، أو زعماء تضعهم الظروف في فترات تحول جيوسياسي كبرى. ولا يبدو أن “رئيسي” أو “عبد اللهيان” سيكون لغيابهما هذا التأثير. 

  • ومن حيث الأهمية، كان “سليماني” الأهم في النظام دون منازع بعد “خامنئي”، خاصة وأنه حمل على عاتقه تأسيس وتطوير شبكة النفوذ الإيراني الإقليمية المتصلة حتى المتوسط. وبينما لا يزال منصبه غير مشغول من بعده بصورة كافية، إلا أن السياسة الخارجية الإيرانية قد مضت في طريقها الأساسي دون معوقات، كما لم يتأثر توازن القوى الداخلي بين المؤسسات المتنافسة.
  • ولا يعني هذا أن “رئيسي” بلا أهمية في المشهد السياسي الإيراني. لكن لا تتمثل أهميته في كونه رئيس البلاد؛ فمنصب الرئاسة رغم أهميته في السياسة الإيرانية، إلا إنه ليس المنصب الذي يوحد النظام، ويضبط توازنات القوى بين أجنحته المتعددة، إذ يقوم بهذا الدور حصرا المرشد الأعلى. أما أهمية “رئيسي” فتنبع من ثقله الشخصي داخل مؤسسات النظام المعقدة، فإلى جانب تواجده في مجتمع العلماء كونه أحد رجال الدين، قد عمل طوال تاريخ الجمهورية الإسلامية تقريبا في المؤسسة القضائية إلى أن أصبح رئيسها في مارس 2019، كما انضم بقرار من المرشد، منذ عام 2006، إلى مجلس خبراء القيادة المسؤول عن انتخاب وعزل المرشد الأعلى. وفي عام 2016، اختاره خامنئي لرئاسة مؤسسة “مرقد الإمام الرضا ومجمعه” (العتبة الرضوية المقدسة) وهو منصب له ثقل ديني رفيع، فضلا عن النفوذ الاقتصادي الذي يتضمنه، إذ تقدر ميزانيتها بمليارات الدولارات، وتمتلك ما يزيد عن 30 من الشركات والمصانع والمناجم، ولها أذرع اقتصادية متعددة ومتنوعة. والأهم من ذلك، أن هذا الاختيار يعكس مدى ثقة خامنئي في رئيسي.
  • هذا الثقل جعل “رئيسي” أحد أبرز المرشحين لخلافة خامنئي. أي إن غيابه قد يكون له تأثير هامشي على سياسة البلاد الراهنة، لكنّه قد يؤثر على مستقبل خلافة خامنئي، وهو ملف مازال من غير الواضح إن كان سيضعف النظام في حال أدى لخلافات وانقسامات بين المتنافسين، أم سيعيد ترميم نقاط ضعفه البادية مؤخرا، في حال صعد مرشد جديد قوي محل اتفاق بين مختلف الدوائر، وهي الحالة التي راهن كثيرون على أن “رئيسي” يمثلها. والآن، يخدم غياب “رئيسي” طموح منافسين آخرين أبرزهم “مرتجى على خامنئي”، الذي تفيد مؤشرات عدة على سعيه الحثيث لخلافة والده
  • خارجيا؛ من المرجح أن الرحيل المفاجئ للرئيس الإيراني ووزير خارجيته المخضرم لن ينتج عنه تحول في سياسة البلاد الخارجية بصورة عامة. خاصة وأن التوجهات الرئيسية لا يحتكرها رئيس البلاد، كما لا يضعها وزير الخارجية، وإنما يكون القول الفصل فيها للمرشد الأعلى، فضلا عن الدور المؤثر للقادة العسكريين في الجيش والحرس الثوري. وعند الحديث عن سياسة البلاد تجاه قضايا مثل الملف النووي والحرب في غزة والتوتر مع “إسرائيل”، وحتى الشراكة مع روسيا والصين، فضلا عن سياسة احتواء التوترات مع دول الخليج، فالأرجح أن كل هذه القضايا لن تشهد تغيرا جوهريا في ظل أن تركيبة النظام نفسها لم تتغير، إذ يظل المحافظون مهيمنون على مؤسسات الحكم بصورة واسعة.
  • سيوجه جزء من اهتمام قيادة إيران إلى الشأن الداخلي مؤقتا، وهو الأمر الذي قد يبطئ وتيرة التفاعل مع بعض الملفات الخارجية لحين انتخاب الرئيس الجديد وتشكيل فريقه خاصة وزير الخارجية الجديد. وبموجب الدستور الإيراني، أصبح النائب الأول لرئيس البلاد “محمد مخبر” رئيسًا مؤقتًا. وسيعمل مخبر في مجلس ثلاثي يضم أيضًا رئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية. ويتولى هذا المجلس تنسيق تنظيم الانتخابات الرئاسية خلال فترة الخمسين يومًا القادمة.
  • لكن من جهة أخرى؛ ستظل ظروف الحادث غامضة ولا يمكن الجزم قريبا بحقيقتها. فثمة أساس منطقي لاحتمال أن يكون الحادث هو عملية اغتيال تقف وراءها “إسرائيل”، بهدف ترميم قدرة الردع تجاه إيران، بعد استباحة الجيش الإيراني للعمق الإسرائيلي، وسماح الغرب بذلك، بينما جاء الرد الإسرائيلي في أصفهان متواضعا وباهتا إعلاميا وسياسيا، مما ترك دولة الاحتلال في معادلة فقدت فيها توازن الردع الذي طالما تمسكت بتثبيته. لكن إثبات أو نفي هذا الاحتمال سيظل على الأرجح بعيد المنال؛ فلن تعلن إيران أنها عملية اغتيال لأن هذا يتطلب منها ردا واسعا سيضعها في مواجهة عسكرية مفتوحة مع دولة الاحتلال، وبالتالي مع الولايات المتحدة، وهو أمر ستظل إيران حريصة على تجنبه.