الحدث
● أعلنت بريطانيا في 14 نوفمبر/تشرين ثاني، سحب قواتها البالغ عددها 300 جندي من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، بدعوى اعتماد باماكو على قوات فاغنر الروسية، وبدأت مشاركة بريطانيـا في البعثة أواخر 2020، وكان من المقرر لها أن تنهي مهامها أواخر 2023، ولم يذكر وزير الدفاع البريطاني تاريخا محددا لانسحاب قواته من مـالي.
● الانسحاب البريطـاني، سبقه إعلان التشيك انسحابها في 4 نوفمبر/تشرين الثاني وعدم التمديد لقواتها المشاركة في العملية “تاكوبا” والتي تنتهي مهامها في ديسمبر/كانون أول القادم، وكذلك تلاه إعلان ساحل العاج سحب قواتها، وفي نفس السياق، أعلنت فرنسا والدنمارك والسويد وكندا، في 17 فبراير/شباط الماضي، إنهاء العمليتين العسكريتين “برخان” و “تاكوبا”، بعد طلب رئيس المجلس العسكري بمالي في يناير/كانون الثاني 2022 خروج قواتهم لعدم رضاه عن أدائها، بعد تدهور شديد في العلاقات مع فرنسا، وتصاعد العمليات المسلحة ضد الجيش المالي، وبالفعل انسحب آخر جندي فرنسي من مـالي في أغسطس/آب الماضي، وفي نفس السياق أعلنت ألمانيا سحب قواتها آخر عام 2023 والبالغ عددها 1400 جندي.
التحليل: المجلس العسكري في مالي نحو مزيد من الخيار الروسي
- تعيش مـالي اضطرابا داخليا منذ عام 2012، وتُعتبر فرنسا هي اللاعب الدولي الرئيسي في مـالي؛ حيث قادت عملية التدخل الدولي تحت لافتة إنهاء الاضطراب وتحقيق الاستقرار، إلا أن التواجد الفرنسي ومن خلفه التواجد الأوروبي والأممي لمدة 9 سنوات لم يحقق الهدف المرجو منه، وتفاقمت الخسائر الفرنسية والدولية خلال تلك الفترة. ومع حدوث انقلابين في مـالي، عامي 2020 – 2021، الأول على الرئيس “بوبكر كيتا” المدعوم فرنسياً، والثاني على الحكومة الانتقالية التي شكل الشق المدني فيها حلفاء فرنسا، اضطربت العلاقة بين المجلس العسكري المـالي وفرنسا، على خلفية رفض باريس استمرار العسكريين في السلطة، وهددت فرنسا بتخفيض تواجدها وسحب قواتها، وعللت ذلك بأن استعانة المجلس العسكري بالقوات الروسية سيقوض استقرار البلاد.
- وهناك سببان رئيسيان لم تذكرهما فرنسا بخصوص دوافع انسحابها، وهما تنامي حالة الرفض الشعبي في دول الساحل للوجود الفرنسي، وتزايد المطالب الداخلية في فرنسا بضرورة الانسحاب بعد تزايد أعداد القتلى في صفوف عملية برخان، إذ سبق وأعلن رئيس أركان الجيوش الفرنسية في نهاية ديسمبر/كانون أول 2020، رغبة جيشه في الانسحاب من الساحل بعد انتكاس عملية “برخان”، التي كبَّدت فرنسا مقتل 50 عسكريًّا، وهو ما رفضه الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، إلا أن تسارع الأحداث وتعاقد مالي مع قوات فـاغنر سرع من وتيرة اتخاذ القرار.
- مع بداية عام 2022، بدأت قوات فاغنر بشكل رسمي الانتشار في مالي لتقديم الدعم العسكري واللوجيستي لقوات الجيش، وفق اتفاق ينص على نشر 1000 مقاتل، نظير 10 ملايين دولار، والسماح لفاغنـر بالتنقيب عن الذهب، ومع مغادرة القوات الفرنسية والأوروبية حلت محلها قوات فاغنـر، وعدد من المدربين الروس، وتلقت مـالي مساعدات عسكرية روسية تنوعت بين رادارات مراقبة حديثة وطائرات هليكوبتر وأسلحة أخرى، كان آخرها في أغسطس/آب الماضي، إذ استلمت مالي 6 طائرات حربية روسية.
- التواجد الروسي في مالي ليس جديداً على الساحة؛ إذ يتزايد التواجد الروسي في إفريقيا منذ 2015 كقوة تستطيع توفير بدائل عسكرية واقتصادية وسياسية، وفيما يتعلق بمـالي، توجد اتفاقية دفاع مشترك بين مالي وروسيا منذ عام 1994، أعيد تجديدها عام 2019، وفي 2016 وقعت مـالي عقدًا مع روسيا لشراء أربع طائرات هليكوبتر حربية، استلمت منهم اثنين من طراز Mi- 35M بين 2017 و2019، ومن إجمالي 143 مليون دولار واردات مالي من الأسلحة ما بين عامي 2000 و2019، صدرت روسيا لها ما نسبته 16.1٪ (23 مليون دولار)، محتلة المرتبة الثانية، بينما حلت فرنسا في المرتبة السابعة بنسبة 5.6٪ (8 مليون دولار).
- وبينما يعاني الجيش المـالي من ضعف تقني وعسكري ولا يتعدى عدد أفراده 10 آلاف جندي، فإن هذ الدعم الروسي يمثل بديلا حيويا للصمود أمام الهجمات المسلحة، وهو ما دفعه إلى عقد اتفاق مع قوات فاغنر الروسية أواخر عام 2021، لملء الفراغ الأمني، ولفرض توازن قوى يعزز عدم رضوخه للضغوط الفرنسية.
- أثر انسحاب فرنسا بشكل سلبي على دور البعثة الأممية “مينوسما” والتي يبلغ قوامها 14 ألف جندي، لذلك تتوالى الانسحابات لمعظم الدول المشاركة، حيث تعتمد القوات الأممية على الدعم الاستراتيجي واللوجيستي الفرنسي في حالة تعرضها لهجمات أو قيامها بتنفيذ مهام، ومع غياب هذا الدور وتوتر علاقات المجلس العسكري مع البعثة الأممية وتزايد عدد القتلى من البعثة علقت مصر مشاركة 1035 جندي من قواتها في البعثة بشكل مؤقت في يوليو/تموز الماضي، وأعلنت كوت ديفوار الانسحاب التدريجي لقواتها حتى أغسطس/آب 2023، بعد اعتقال 49 جنديًا من كوت ديفوار في باماكو في يوليو/تموز الماضي، ولم يُفرج سوى عن ثلاثة منهم، لذا من المتوقع أن تنسحب البعثة الأممية بحلول يونيو/حزيران 2023 مع انتهاء التجديد الأخير لها.
- وبالتزامن مع موجة الانسحابات هذه، قرر المجلس العسكري في مـالي، في مايو الماضي، الانسحاب من جميع هيئات مجموعة دول الساحل الخمس، ومنها القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب، احتجاجاً على رفض توليها رئاسة المجموعة، حيث تأخرت استضافة باماكو لمؤتمر قادة دول المجموعة الذي كان من المفترض عقده في فبراير/شباط 2022 برئاسة مالي، سبق ذلك فرض المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) مجموعة من العقوبات الاقتصادية التي تسببت في ضغوط قوية على مـالي.
الخلاصة
- يشكل الانسحاب الغربي بهذه الوتيرة المتسارعة فرصة كبيرة لروسيا لتعزيز نفوذها العسكري والأمني، ليس فقط في مـالي، ولكن منطقتي الساحل وغرب أفريقيا عموما، حيث تسعى موسكو عبر مرتزقة فاغنـر التموقع في المنطقة من جديد، مستغلة من أجل ذلك الانقلابات العسكرية وانتشار الجماعات المسلحة وتراجع نفوذ الدول الأوروبية، وهي عوامل باتت مواتية في مالي التي يجد مجلسها العسكري نفسه تحت ضغوط غربية وإقليمية متزايدة، تدفعه لزيادة الاعتماد الأمني على روسيا.
- لكنّ الاستعانة بقوات فاغنـر لن ينهي ما فشلت فيه قوات مهمة “برخان” و “تاكوبا” على مدار 9 سنوات؛ خاصة وأن الاستنزاف الروسي في أوكرانيا يحد من قدرتها على توسيع تواجدها العسكري خارج البلاد، وهو ما يظهر بالفعل منذ فبراير/شباط الماضي في عمليات سحب مقاتلي فاغنر من مناطق في أفريقيا مثل ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، لتلبية حاجة العمليات العسكرية في أوكرانيا، وهو الموقع الذي ولدت فيها أصلا هذه المجموعة عام 2014 في إقليم دونباس.
إقرأ أيضاً:
قوات فاجنر في مالي..صراعات النفوذ بين روسيا وفرنسا داخل أفريقيا
“بلينكن” في أفريقيا: سياسة أمريكا الجديدة نحو القارة لا تخفي تراجع أولوياتها
هل تنفصل إسكتلندا عن بريطانيا؟ استفتاء متوقع في 2023 لتحديد مصيرها