بدء ملء سد النهضة: خيارات التفاهم والتصعيد في المرحلة المقبلة
سياقات - يوليو 2020
توترات النيل تدخل مرحلة جديدة – قديمة مع بدء الملء
- تجاوزت إثيوبيا عتبة حاسمة بعد سنواتٍ من التوترات مع مصر والسودان، بإكمالها الملء المبدئي لسد النهضة الإثيوبي الكبير، فييوليو/تموز 2020.
- حجزت إثيوبيا كمية صغيرة نسبياً من المياه –تكفي لإدارة توربينين- وستستغرق خمس سنوات على الأقل لملء خزان السد الضخم(تمثل هذه الفترة مصدر خلاف شديد).
- تحثّ القاهرة أديس أبابا على التوضيح، بعدما أظهرت صور الأقمار الصناعية الأوروبية المياه تملأ السد. وصرَّحت إثيوبيا بأنَّ ارتفاعمستويات المياه نتيجة طبيعية لموسم الأمطار الغزيرة الحالي، لكنَّ أديس أبابا كانت حدَّدت هذا الشهر ليكون موعداً نهائياً لبدء ملءالسد، البالغة قيمته 4.6 مليار دولار.
- ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد منتصِراً وتصالحياً، في 22 يوليو/تموز 2020، فأعلن أنَّ إثيوبيا أظهرت للعالم أنَّ بإمكانها”الوقوف على قدميها بثبات”، في حين أضاف أنَّ التوصل إلى “اتفاق يُشكِّل اختراقاً” مع مصر والسودان يقترب أكثر.
- تبدو مصر أقل ثقة بخصوص النقطة الثانية. فلطالما اتّهمت إثيوبيا –التي تمسك بمعظم الأوراق التفاوضية باعتبارها دولة المنبع- بإحباط المفاوضات كلما اقترب التوصل إلى اتفاق.
- يبدو أنَّ الولايات المتحدة متفقة في ذلك مع مصر، خصوصاً منذ رفض إثيوبيا اتفاقاً صاغته في فبراير/شباط 2020. وحسب بعضالتقارير، تبحث الولايات المتحدة قطع مساعدات عن إثيوبيا إذا توقفت المباحثات مجدداً.
استئناف المباحثات
- مع ذلك، تتراجع المخاوف من أنَّ الملء الأول سيمثل نقطة توتر، بعدما أعاد الجانبان الالتزام بمباحثاتٍ يقودها الاتحاد الإفريقي. وعقدالقادة آخر قممهم الافتراضية كجزء من تلك العملية، وقالت كل الأطراف بعدها إنَّ هناك اتفاقاً على مواصلة المباحثات.
- نظراً لعدم وجود مؤشرات على تخفيف الحكومة الإثيوبية لحدة موقفها، فليس معروفاً على أي أساس قبلت مصر استئناف المباحثات، ومن غير الواضح ما هو التقدم الذي جرى إحرازه.
- ولكن من المؤكد أن العودة للمفاوضات هو المسار الوحيد المتاح لمصر في الوقت الحالي، حيث إن السياسة الإثيوبية تمتاز بالثباتالاستراتيجي في هذا الملف، فيما أن التكتيكات المصرية لمنع إثيوبيا من بناء السد قد فشلت جميعها، ابتداء من منع التمويل الدوليلإنشاءات السد إلى فشل تكتيكات التأخير في مواسم ملء السد.
- مع ذلك، تنطوي كل خطوة مهمة في هذه العملية التي تمتد عدة سنوات على خطر حدوث اشتعال، وتبقى قضايا أساسية –لاسيمابخصوص التزامات إثيوبيا خلال فترات الجفاف- دون حل.
نقاط الخلاف
- على الرغم من تنامي العدائيات وانعدام الثقة بين كلا الطرفين على مدى عقد من المفاوضات، فإنَّ الكثير في الواقع قد تحقق فيالمفاوضات حتى الآن. إذ اتفق الطرفان على كيفية ملء إثيوبيا للسد، وكم المياه الذي ستدعه يمر حين تكون الأمطار كافية.
- وافقت إثيوبيا أيضاً على السماح بمرور كميات محددة سلفاً من المياه، بحسب مستوى السد وتدفق النيل الأزرق إلى الخزان، حتىفي سنوات الجفاف.
- لكنَّ مصر –مدعومة بالولايات المتحدة- تريد التزام إثيوبيا بحصص إضافية من المياه في فترات الجفاف، التي تمتد إلى أربع أوخمس سنوات. وتريد من إثيوبيا تعويض مصر والسودان بعد انقضاء فترات الجفاف الطويلة، من خلال السماح بعبور مياه إضافيةللتعويض عن تراجع التدفقات خلال فترات الجفاف.
- القضية الرئيسية الأخرى العالقة في المفاوضات هي أنَّ مصر تريد أن يتم تسوية آليات فض النزاعات من خلال التحكيم الدوليالمُلزِم. وتصر إثيوبيا على اتفاق فضفاض أكثر تُسوَّى فيه الخلافات عند نشوئها من خلال المفاوضات بين الدول الثلاث فقط، كماينص “إعلان المبادئ” بخصوص السد لعام 2015، والذي وقَّعه رؤساء حكومات الدول الثلاث. وفشلت الجولات المتتالية من المباحثاتفي إحداث أي اختراق بخصوص تلك النقاط.
الانتقال السوداني
- تمتعت إثيوبيا بدعم هادئ من السودان في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وكانت الخرطوم تتوقع أن يُسهِم السد في تنميتهاالاقتصادية، لكنَّ السودان ظلَّ محايداً من الناحية الرسمية في الخلاف بهدف تقليل الاحتكاك مع جارتيه القويتين.
- يشعر السودان الآن بقلق متنامٍ حيال إمداداته المائية، واحتمال وقوع فيضانات كارثية في حال فشل السد.
- تتمتع مصر بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي ومعظم مؤسسات التمويل متعددة الأطراف، التي تأمل الحكومةالسودانية الجديدة أن تساعدها في إعادة اصطفافها الدولي والبحث عن المساعدة المالية.
- تحاول الحكومة السودانية المؤقتة إزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. وتسعى كذلك للحصول على تمويلات مندول الخليج لدعم الانتقال الاقتصادي للبلاد.
- علاوة على ذلك، وبعكس الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، لم يعد رئيس الوزراء الجديد عبدالله حمدوك، مستعداً لغض الطرفعن الانتهاكات الحدودية الإثيوبية.
خطوط الانقسام الإقليمية
- امتد النزاع حول سد النهضة الإثيوبي إلى خطوط الانقسام الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي وشمال إفريقيا.
- إذ استقبل الرئيس السيسي نظيره الإريتري أسياس أفورقي، في القاهرة، يومي 6-7 يوليو/تموز، لإجراء مباحثات، تضمَّنت نقاشاً حول السد. وبعد أقل من أسبوع على زيارة أفورقي، أصدر وزير الإعلام الإريتري بياناً يشير إلى أنَّ اتفاق السلام الإريتري معإثيوبيا مثَّل خيبة أمل لإريتريا حتى الآن، مضيفاً أنَّه “بعد عامين من التوقيع على اتفاق السلام، تواصل القوات الإثيوبية وجودها فيأراضينا السيادية… ولم تُستأنَف العلاقات التجارية والاقتصادية بين كلتا الدولتين إلى الحد أو النطاق المطلوب”.
- وبالنظر إلى مشكلات إثيوبيا في الداخل، لا يسع آبي أحمد تحمُّل متاعب جديدة مع إريتريا. وربما لا تتطلع إريتريا للمتاعب، لكنَّ مشكلات آبي أحمد قد تسمح لأفورقي بجعل نفسه وسيطاً، واضعاً نصب عينيه ربما التأكيد على مخاوف إريتريا بشأن اتفاقالسلام لعام 2018 مع إثيوبيا.
- تدهورت علاقات مصر مع الصومال على خلفية سد النهضة. وتركيا أيضاً ربما تنظر إلى الخلاف بشأن السد باعتباره فرصة لمجابهةالمُنافِسة الإقليمية مصر في إفريقيا. والتقى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبيوالرئيس الإثيوبي السابق، مولاتو تيشومي ويرتو، هذا الأسبوع في أنقرة، وعلى الأرجح تبادلا وجهات النظر بشأن السد.
مخاطر نشوب حرب بين البلدين
- إلى جانب المعاناة من التبعات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا، فإنَّ مصر متمددة أكثر من اللازم على الجبهات الأخرى، نظراً للتوترات شرقي البحر المتوسط، وانخراطها في الصراع الليبي، ومخاوفها الأمنية الداخلية.
- تمر إثيوبيا أيضاً بمرحلة انتقال ديمقراطي حساس، وتتصارع مع العنف الإثني داخلياً فيما تحارب الجائحة. ومع عودة مصر إلىاستقرار سياسي أكبر بعد عدة سنوات مضطربة، لن يرغب الرئيس السيسي في تعريض موقف النظام في المفاوضات للخطر منخلال الدخول في حرب مع إثيوبيا.
- مع ذلك، قد يتصاعد الموقف سريعاً ويؤدي إلى توترات إقليمية متزايدة في حال مجيء عام جافٍّ أو ضعف تساقط الأمطار. وقدتشجع الأهمية البالغة لقضايا المياه بالنسبة لمصر الجماهير محلياً على الخروج إلى الشوارع، بالرغم من تقييد قنوات الاحتجاج. وفي هذا السيناريو، قد تختار مصر القيام بتحرك أقوى ومباشر أكثر ضد إثيوبيا.
رأي وخلاصة السياق
- في النتيجة، لا تزال احتمالية نشوب مواجهة عسكرية بين إثيوبيا ومصر أمراً مستبعداً، فكلا البلدين ليسا في موقعٍ يمكنهما منالانخراط في صراعٍ عسكري مستمر. الخيار الوحيد لمصر هو في التفاوض لاسيما مع عدم وجود رغبة دولية في التدخل، وقبولالتفاوض يعني أن هناك تفهماً مصرياً للإجراء الإثيوبي ببدء المرحلة الأولى من ملء بحيرة السد.
- يُستبعَد التوصل إلى اتفاق تفاوضي في المدى القصير، على الأقل ليس بالشروط المصرية القديمة، وستبدأ إثيوبيا ملء السد دونالتوصل إلى اتفاق. وسيدفع هذا مصر للسعي إلى تدخل من مجلس الأمن الدولي مجدداً.
- لا نتوقع تدخلاً أمريكيا حاسما في ملف سد النهضة لاسيما أن كلا من مصر وإثيوبيا حليفان لها، ويبدو أن الإدارة الأمريكيةستخذل مصر في وساطتها مع إثيوبيا، ومؤشر ذلك في تراجع الاهتمام الأمريكي إلى درجة تولي موظف في وزارة الخزانة متابعة هذا الملف، رغم أن الإثيوبيين اتهموا الإدارة الأمريكية بالرغبة في محاباة مصر، وانسحبت من اجتماع الوساطة الأخير مع تأكيدقبولها بهذه الوساطة، ومن المتوقع أن تظل الإدارة الأمريكية في وضع التفاوض لتجنب تطور الأمور إلى الأسوأ.
- لا تملك مصر فرصةً حقيقيةً لوقف ملء السد خلال موسم الأمطار الحالي، لكنَّ موقفها التفاوضي في المفاوضات بشأن جدول الملءتَعزَّز بقرار السودان الأخير الاصطفاف إلى جانب مصر.
- المتوقع هو أن تبدأ إثيوبيا ملء الخزان خلال فترة الأمطار الموسمية الغزيرة لهذه السنة، قبل أن تُبطّئ وتيرة الملء مع تصاعد الضغطالدولي. ولن تقدم الحكومة المصرية المسألة داخلياً باعتبارها تمثل تنازلاً، بل باعتبارها من مصلحتها.
- سيُبقي المسؤولون المصريون –لاسيما في الجيش ووزارتي الخارجية والري- على موقف متشدد في مواجهة إثيوبيا، مدفوعينبمخاوف بشأن قدرة مصر طويلة الأجل على التحكم في إمدادات المياه.
- سيعالج أي اتفاق بين البلدين جدول ملء السد، والتنازلات بشأن معدل الملء خلال سنوات الجفاف فقط.
- ستظل إثيوبيا حذرة من الدخول في معاهدة مُلزِمة طويلة الأجل. وتنبع المخاطر السلبية لهذا التوقع من التغيُّرات في الظروفالهيدرولوجية (المائية).