الحدث
● قدم أعضاء بالكونجرس من الحزبين الأمريكيين يوم 9 يونيو/حزيران 2022، مقترح تشريع يهدف إلى إنشاء نظام دفاع جوي متكامل عبر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يشمل المشروع مصر والأردن والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلى “إسرائيل”، ويطلب التشريع من وزارة الدفاع الأمريكية قيادة الجهود لإنشاء نظام دفاع جوي لصد الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار من قبل إيران ووكلائها في المنطقة.
● في نفس السياق، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها يوم 26 يونيو/حزيران، أن اجتماعا سريا عقد خلال شهر مارس/آذار الماضي في مدينة شرم الشيخ المصرية، جمع مسؤولين عسكريين من الولايات المتحدة وإسرائيل مع آخرين من مصر والسعودية وقطر والإمارات والبحرين والأردن؛ بهدف بحث إمكانية التنسيق لمواجهة التهديدات الإيرانية.
التحليل: التحالف الدفاعي الإقليمي في سياق حسابات واشنطن وحلفائها
أولا: الأجندة الأمريكية… طمأنة الحلفاء
- تستهدف واشنطن من طرح مشروع التحالف الدفاعي في القمة الإقليمية المرتقبة في الرياض منتصف شهر يوليو/تموز، التأكيد لحلفائها الغاضبين، خاصة السعودية والإمارات والكويت والبحرين، استمرار التزامها بدورها في المنطقة كضامن رئيسي للأمن الإقليمي، وطمأنتهم بأنها لن تتخلى عن هذا الدور، وعن شراكتها الاستراتيجية معهم، لاسيما بعد أن تزايدت التخوفات من تراجع الالتزام الأمريكي في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وإخفاق واشنطن في صياغة استراتيجية لكيفية مواجهة التهديدات الإيرانية الإقليمية.
- كما تستهدف الإدارة الأمريكية مواصلة تحفيز جهود توسيع نطاق “اتفاقيات أبراهام”، كالتزام أمريكي لا يرتبط بهوية الإدارة وانتمائها الحزبي، حيث تربط واشنطن عن قصد بين حاجة دول بالمنطقة لتعزيز أمنها، بتطوير التعاون المشترك مع “إسرائيل”، كونها تشترك مع هذه الدول حيال المخاوف من إيران.
- ويأتي المقترح الأمريكي في الوقت الذي تبدو فيه احتمالات إبرام اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران قائمة، وربما مازالت هي المرجحة نسبيا، ومن ثم تخشى السعودية و”إسرائيل”، الحليفان الإقليميان لواشنطن أن يمنح رفع العقوبات إيران مكاسب اقتصادية ضخمة تسمح لها بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وفي المقابل، تعرض الولايات المتحدة هذا المقترح كاتفاق مواز للاتفاق النووي؛ يحقق توازنا في الشرق الأوسط، لمواجهة فرص إيران المتوقعة لتعظيم قوتها بعد رفع العقوبات.
- وفي سياق تنامي التنافس الأمريكي الصيني، والمواجهة الواسعة بين الغرب وروسيا، تزايد الاهتمام الأمريكي بضمان عدم تزايد وتمدد النفوذ الصيني والروسي في منطقة الشرق الأوسط، وتنامي العلاقات بين الصين وروسيا من جهة، وشركاء أمريكا التقليديين من جهة أخرى، وبناء على ذلك؛ تسعى إدارة “بايدن” أولا لقطع الطريق على تنامي التعاون العسكري والاقتصادي بين بكين وموسكو مع دول المنطقة، من خلال التزام واشنطن بتطوير دفاعات هذه الدول، وضمان عدم حاجتهم للجوء إلى منافسيها.
- وتسعى الإدارة الأمريكية ثانيا خلال القمة الإقليمية؛ بحسب معلومات “أسباب”، للترويج لـ”مبادرة الشراكة الدولية Partnership Global Initiative PGI”، والتي تتعهدها واشنطن ودول مجموعة السبع، وترصد لها تمويلا يبلغ نحو 600 مليار دولار، وتستهدف تمويل مشاريع إنمائية ربحية في الدول النامية في مجالات متعددة أهمها المناخ، والصحة، والطاقة، والتحول الرقمي، ضمن جهود مجموعة السبع للتصدي لمشروع الحزام والطريق الصينية.
إقرأ أيضاً:
اجتماع النقب: “إسرائيل” تقود حلفاءها الجدد دون أجندة إقليمية موحدة
توتر العلاقات السعودية الأمريكية.. مناورات قد تعيد تأكيد الشراكة
كولومبيا تلحق بربيع اليسار في أمريكا اللاتينية وتعيد انتباه واشنطن إلى الكاريبي
اتفاق الغاز الثلاثي يضع “إسرائيل” ومصر في معادلة أمن الطاقة الأوروبية
ثانيا: تباين حسابات الأطراف الإقليمية
- طورت “إسرائيل” علاقاتها خلال السنوات الأخيرة مع عدد من الدول العربية لتنتقل من مرحلة السرية والعزلة الإقليمية إلى الانخراط في علاقات رسمية، باتت أقرب للتحالفات؛ ومع ذلك لا يبدو أن المشروع الأمريكي سيلقى القبول الكافي من كافة الدول المشاركة، كما أنه مازال يواجه معوقات تتمثل فيما يلي:
- من ناحية العراق، سيكون رفض المشروع والانسحاب منه هو الأمر المرجح، بسبب التواجد “الإسرائيلي” خاصة بعد أن أقر البرلمان في شهر مايو/أيار الماضي قوانين مكافحة التطبيع في البلاد، بالإضافة إلى أن هذا الترتيب يطرح كمشروع معادٍ لإيران، أو لمواجهة تهديداتها، وهو ما لا يمكن تمريره عراقيا في ظل نفوذ إيران الواسع داخل البلاد.
- تمنع التشريعات في الكويت من إقامة أية علاقات مع “تل أبيب، كما أوسع البرلمان الكويتي في عام 2018 القانون الخاص بمكافحة التطبيع ليشمل حظر العلاقات بين الكويتيين و”الإسرائيليين” عبر الإنترنت، وبحسب معلومات أسباب، فقد أبلغت الكويت الجانب الأمريكي أنها لن تكون جزءً من أي اتصالات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي حتى ولو بصورة سرية، ليضع هذا قيودا على التعاون وحدوده، لكنّه لا يعني أن الكويت ستتخلف عن هذا المشروع تماما في حال المضي قدما في تحقيقه، حيث تهمين هواجس الأمن على قيادة الكويت حاليا، خاصة الحاجة للتأمين ضد الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، ومن ثم فإن الكويت ربما ستسعى لترتيب مع الجانب الأمريكي، يضمن استفادتها من مظلة الدفاع الجوي الإقليمية دون الاتصال المباشر مع “تل أبيب”.
- ترفض الإمارات حتى الآن المشروع الإقليمي. أولا؛ لأنها تسعى لاتفاقية ثنائية مع كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، تلبي متطلباتها الأمنية الاستراتيجية، تعتقد أنها ستكون أكثر فاعلية من مظلة إقليمية مليئة بالتناقضات، وثانيا؛ لأن اشتراك أبوظبي في تحالفات إقليمية -تبدو بوضوح ضد إيران- يخالف سياسة التوازن التي تحرص عليها الإمارات، والتي تتطلب عدم تصعيد العداء مع طهران، وتعزيز الروابط التجارية معها، لذلك كررت الإمارات عقب قمة النقب، وعقب نشر التقارير الخاصة بهذا المشروع الإقليمي، أنها لن تكون جزءً من تحالفات إقليمية عسكرية تستهدف أي دولة بعينها.
- بالإضافة إلى ذلك؛ فإن قطر وعمان تحافظان على علاقات جيدة مع إيران والتي تحقق مصالح مشتركة للطرفين. ويشير اختيار إيران للدوحة كمكان لاستئناف المباحثات النووية إلى أن قطر رغم تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن نجحت في كسب ثقة إيران كدولة صديقة، ومن ثم فإن انضمام قطر لتحالف تعتبره إيران معاديا سيقوض من هذه المكانة.
- في المقابل؛ تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز اتصالاتها السرية مع إسرائيل، وعلى الرغم من أنه غير مرجح بعد اتخاذ خطوات نحو التطبيع الرسمي بين الجانبين في المدى القريب، إلا أن المخاوف الأمنية الإقليمية المشتركة والهجمات المتكررة من الحوثيين والإيرانيين على المنشآت النفطية السعودية؛ تحفز الرياض لتعميق التعاون الأمني مع “تل أبيب” والمشاركة في المشروع الأمريكي من أجل الاستفادة من تقنيات الدفاع الجوي الإسرائيلية (القبة الحديدية) والأمريكية التي ستكون حاضرة في المظلة المقترحة.
- ولا تقتصر الاتصالات الحالية بين السعودية و”إسرائيل” على مسألة منظومة الدفاع المشتركة، لكنها تشمل أيضا الترتيبات الخاصة بتسلم السعودية السيادة على جزيرتي “تيران” و”صنافير” من مصر، وفتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي عموما، وليس فقط الرحلات المتوجهة للإمارات والبحرين.
- الموقف المصري أيضا يبدو لافتا، فما زالت مصر تنأى بنفسها عن سياسة التعبئة الإقليمية ضد إيران، لكنّ الضغوط الاقتصادية التي تواجهها البلاد قد تدفع النظام المصري للتعاطي الإيجابي مع المشروع الأمريكي خاصة إذا كانت السعودية راغبة في ذلك، كما أن التعاون العسكري الثنائي المصري الإسرائيلي بات الإعلان عنه مسألة وقت، وبالتالي لن يكون مفاجئا انضمام مصر لمظلة دفاع جوي إقليمية تشمل “إسرائيل”.
- في المقابل؛ وعلى الرغم من أن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في إيران تدفع طهران للمضي قدما في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي؛ لكن من غير المرجح أن تتجاهل إيران مساعي تشكيل تحالفات تستهدفها، ومن ثم فإنها ستعمل في المقابل على استمرار صداقتها مع قطر وعُمان لقطع الطريق على تشكيل جبهة خليجية موحدة، بالتوازي مع تعزيز جبهتها الإقليمية التي تمتد من اليمن مرورا بالعراق ثم سوريا ولبنان، وفصائل فلسطينية.
الخلاصة
- من المرجح أن يجتذب مشروع التحالف الدفاعي الأمريكي بعض الدول المستهدفة، وسيظل في إطار بناء منظومة دفاع جوي وربط آليات الإنذار المبكر بين هذه الدول، لكنّه أبعد من أن يتحول لتحالف عسكري على غرار “الناتو” الإقليمي التي سبق اقتراحها في عهد إدارة “ترامب”.
- تسعى واشنطن لخلق بيئة جيوسياسية هادئة نسبياً في منطقة الشرق الأوسط، وتجنب توتر علاقاتها مع حلفائها بالمنطقة؛ مما يمنحها المزيد من التركيز على مناطق أكثر أولوية في صراعها مع كل من الصين وروسيا، وقد ينجح “بايدن” خلال القمة الإقليمية في إقناع حلفائه الغاضبين باستمرار الالتزام الأمريكي تجاههم، لكن من غير المرجح أن ينجح في توحيد موقفهم تجاه نهج التعاطي مع إيران، أو حدود العلاقة مع “إسرائيل”.