انضمام إندونيسيا إلى مجموعة بريكس لا ينهي هشاشة المجموعة
سياقات - يناير 2025

الحدث

أعلنت البرازيل بصفتها ترأس حاليا مجموعة بريكس في 6 يناير/ كانون الثاني 2025 انضمام إندونيسيا للمجموعة كعضو كامل العضوية، لتنهي مسيرة طلب عضوية إندونيسيا الذي تقدمت به عام 2009. وذلك رغم إعلان قمة بريكس عام 2024 توقف المجموعة مؤقتا عن التوسع وقبول ضم دول جديدة.

إندونيسيا تبحث في بريكس عن مزايا اقتصادية وليس تحالفا جيوسياسيا

التحليل: إندونيسيا تبحث في بريكس عن مزايا اقتصادية وليس تحالفا جيوسياسيا

تبنت جاكرتا منذ استقلالها عام 1945 سياسة عدم الانحياز لضمان عدم تدخل القوى العظمى في شؤونها الداخلية، ضمن نهج “ألف صديق وصفر أعداء”. واهتمت جاكرتا بالمشاركة في المنتديات والمنظمات متعددة الأطراف، فنظمت مؤتمر باندونج لعدم الانحياز عام 1955، وساهمت في تأسيس رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عام 1967، وانضمت إلى مجموعة العشرين عام 2009. واتساقا مع هذا التوجه، زار الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، الذي تولى منصبه في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، الصين والولايات المتحدة لحضور مؤتمرات دولية.

ترى إندونيسيا نفسها كقوة صاعدة في ظل السياق الجيوسياسي الجديد لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تمثل حاليا بؤرة الصراع على النفوذ العالمي بين القوى الكبرى. فإندونيسيا هي أكبر دولة أرخبيلية في العالم، وهي القوة الآسيوية الصاعدة الوحيدة التي تطل على المحيطين الهادئ والهندي، الأمر الذي يخولها الاضطلاع بدور قيادي في المنطقة الممتدة من شواطئ شرق أفريقيا إلى الساحل الغربي في الأمريكيتين، كما أنها تشرف على طرق التجارة البحرية التي تشكل شرايين حيوية للقوى المؤثرة في شرق آسيا، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

يتيح انضمام إندونيسيا لمجموعة بريكس تعزيز دورها في الجنوب العالمي، وتنويع تجارتها، وتسريع معدلات التنمية عبر الانفتاح على اقتصادات عملاقة بالمجموعة مثل الصين والهند، مما يجذب الاستثمارات الأجنبية ويفتح الأسواق أمام التصدير، كما يوفر منتديات لحل الخلافات مثل النزاع مع الصين حول حقوق الصيد في سواحل جزر ناتونا ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة بإنـدونيسيا في بحر الصين الجنوبي.

قد يخلق انضمام إندونيسيا إلى مجموعة بريكس عددا من التحديات. فإدارة ترامب قد تنظر لتلك الخطوة على أنها تحد للمصالح الأميركية في جنوب شرق آسيا، وقد هدد الرئيس ترامب دول مجموعة بريكس بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% إذا سعت إلى إيجاد بديل للدولار في تعاملاتها المالية. كما قد تنظر دول الغرب لعضوية جاكرتا كخطوة تجاه موسكو وبكين، وقد ترى فيها اليابان اصطفافا إلى جوار الصين، مما يؤثر على علاقات إنـدونيسيا مع الدول المذكورة. ومع هذا، فمن المرجح أن تحافظ جاكرتا على توازن علاقاتها الدولية خاصة وأن الصين تشكل التهديد الأكثر إلحاحا لإنـدونيسيا، سواء عبر التنافس في مجالات التجارة والاستثمار في جنوب شرق آسيا أو عبر الاحتكاكات العسكرية حول جزيرة ناتونا.

في القمة المنعقدة بجنوب أفريقيا في عام 2023، توسعت مجموعة بريكس، ووُجهت دعوات رسمية للانضمام إلى ست دول تقدمت سابقًا بطلبات عضوية، وهي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، ووافقت كافة الدول باستثناء الأرجنتين التي رفض رئيسها اليميني خافيير مايلي الانضمام، في حين تظهر السعودية ترددا بخصوص الانضمام، وما زالت عضويتها محل غموض، ومن المرجح أن أولوية السعودية المتمثلة في التوصل لاتفاق دفاعي استراتيجي مع الولايات المتحدة تدفعها للتريث إزاء الاستجابة للدعوة، وإبقاء الباب مفتوحا دون الإعلان الرسمي عن تخليها عن فكرة الانضمام.

إن توسع عضوية مجموعة بريكس يزيد ظاهريا من قدراتها السياسية ومواردها الاقتصادية بما في ذلك حجم الاستثمارات والقدرات المالية، ويساهم في تعزيز ثقل المجموعة في مواجهة تكتلات كبيرة مثل مجموعة السبع، كما يعرقل جهود الغرب في حصار دول مثل روسيا وإيران اقتصاديا. ولكن في ذات الوقت يزيد توسيع المجموعة من هشاشتها لتباين أهداف ومصالح الدول الأعضاء. فالهند تتنافس مع الصين، وبينما لدى الصين وروسيا وإيران مشكلات عميقة مع الدول الغربية، فإن الهند والإمارات ومصر لديهم علاقات استراتيجية مع واشنطن والدول الأوروبية، كما تتصادم مصر مع إثيوبيا في ملفات سد النهضة والقرن الأفريقي. أي إن توسع المجموعة يضعف القدرة على التوافق، وهو ما دفع مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جيك سوليفان، للقول إن بلاده لا تنظر إلى بريكس كمنافس جيوسياسي.

نجحت مجموعة بريكس في الاستمرار، بل والتوسع، ولكنها تواجه تحديات متنوعة تحول دون تبني أجندة جيوسياسية متجانسة. ففيما تدفع دول مثل روسيا والصين وإيران باتجاه توظيف المجموعة لبناء تكتل دولي يقوض الهيمنة الغربية، تريد دول أخرى مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تجنب التورط في صراع كتل، والاحتفاظ بتوازن دولي في العلاقات، ودفع المجموعة باتجاه قضايا محل اهتمام عالمي مثل المناخ وتلوث البيئة، وهو توجه يتعزز بانضمام دول محايدة مثل إنـدونيسيا.