الحدث
حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن، حكومة الاحتلال الإسرائيلي من عواقب عمليات القصف العشوائي التي تقوم بها في غزة، والتي “ستكلفها فقدان الدعم الدولي لها”، داعيا رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” إلى “تغيير حكومته”. وجاءت هذه التحذيرات في ظل تزايد التباينات بين بايدن ونتنياهو بشأن تطورات ومآلات الحرب والترتيبات التي ستعقبها في القطاع. هذه المواقف جاءت بعد ساعات قليلة من تصويت الإدارة الأمريكية ضد قرار بوقف إطلاق النار في غزة تبنّته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأكثرية الثلثين، 153 مقابل 10 وامتناع 23.
التحليل: تصعيد ملحوظ من إدارة بايدن تجاه نهج إدارة حكومة نتنياهو
تزداد فاتورة التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل مع مرور الوقت بالنظر للقلق المتزايد دولياً بشأن العواقب الإنسانية للحرب في غزة في ظل زيادة الدعم لوقف إطلاق النار بين دول العالم، وكان لافتاً تأييد دول داعمة لإسرائيل وحليفة للولايات المتحدة على وقف إطلاق النار مثل أستراليا وكندا والهند واليابان وكوريا الجنوبية، وهي الدول التي كانت تميل في السابق إلى الامتناع عن التصويت أو التصويت ضد وقف إطلاق النار. كما يتعرض بايدن لضغوط داخلية في الحزب الديمقراطي للتراجع عن موقفه المتشدد في دعم دولة الاحتلال.
- على الرغم من التصعيد اللفظي الملحوظ من قبل إدارة بايدن تجاه نهج إدارة حكومة نتنياهو للحرب، إلا أن التوجهات الأمريكية التي تبلورت عقب معركة “طوفان الأقصى” لا تزال كما هي، بتركيزها على البعد الجيوسياسي الذي يؤطر الجهود الدبلوماسية والاستخبارية الأمريكية في سياق منع اندلاع تصعيد إقليمي يؤدي لتغيير أولويات الأمن القومي الأمريكي. في هذا الإطار تضغط الإدارة الأمريكية لتغيير “شكل الحرب” في قطاع غزة، وليس تغيير هدفها الأساسي المتعلق بالقضاء على حركة حماس، لتنتقل بموجب ذلك للمرحلة الثالثة المتمثلة في اللجوء للعمليات العسكرية الدقيقة ووقف “الحرب المكثفة”، وهنا يتحدث الاحتلال عن عام 2024 باعتباره “عاماً قتالياً”.
- تصاعد الجهود الأمريكية التي عبرت عنها تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول سلوك حكومة نتنياهو، ومن ثم زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وزيارة رئيس أركان الجيش الأمريكي تشارلز براون، بالإضافة لزيارة وزير الدفاع لويد أوستن، تُخفي استمرار التخوفات في أوساط الإدارة الأمريكية من إمكانية اتساع نطاق الصراع في المنطقة، في ظل التقاط الجيش الأمريكي إشارات حول إمكانية مبادرة دولة الاحتلال لتنفيذ ضربة مفاجئة لحزب الله في لبنان، بالإضافة لخطورة التأثيرات الجيوسياسية التي تنطوي عليها هجمات الحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر.
- في المقابل، لا تزال استجابة حكومة نتنياهو للضغوط الأمريكية تتسم بكثيرٍ من البطء، بل تعمد نتنياهو خلال الأيام الماضية أن يُقدم سردية سياسية للمجتمع الصهيوني تقوم على التصدي للضغوط الأمريكية، واستحضر في هذا الإطار التحذير مما حصل مع (ديفيد) بن غوريون الذي اعتبر نتنياهو انسحابه من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في عام 1956 جاء مدفوعاً بالاستسلام للضغوط الأمريكية فضلا عن افتخاره بأنه منع قيام دولة فلسطينية مصححا بذلك خطيئة أوسلو.
- يروج فريق نتنياهو ومؤيدوه لمؤامرة أمريكية تستهدف تفكيك حكومته من خلال ضغوط إدارة بايدن التي تطالب بإقصاء الصهيونية الدينية من الائتلاف الحكومي والاستعاضة عنهم بالتحالف مع غانتس وساعر، لكن الحقيقة أن نتنياهو يروج لمضامين إعلامية حول تصديه للضغوط الأمريكية في إطار محاولته إعادة شد صفوف اليمين الصهيوني ناحيته واستعادة جمهور الليكود الذي نزحت أصواته لصالح حزب غانتس.
- باتت إدارة بايدن تدرك محدودية تأثير استراتيجيتها الحالية على حكومة نتنياهو، في ظل انشغال الأخير ببقائه السياسي واتساع نطاق الخلافات السياسية في دولة الاحتلال، مما يُرجح أن تلجأ مع الإدارة خلال الفترة المقبلة لتغيير طبيعة تعاطيها مع حكومة نتنياهو، وذلك عبر زيادة الضغوط السياسية واللجوء لأدوات جديدة للتأثير على اتجاهات الحرب.
- بالمحصلة، ستعمل الإدارة الأمريكية على ضمان نجاح جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه المتعلقة باستهداف “حركة حماس”، سواء بينتها العسكرية أو قادتها السياسيين، لكن مع تغيير شكل الحرب، والسعي في الوقت ذاته للدفع باتجاه تحقيق انفراجه في ملف الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، بالتوازي مع ضمان دخول مزيدٍ من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، على اعتبار أن هذه الملفات قد تؤدي لنزع فتيل التصعيد الإقليمي وتخفف من حدة الاشتباك في الجبهات الخارجية.
- كما أن الولايات المتحدة ستظل على خلاف كبير مع حكومة الاحتلال بشأن ترتيبات اليوم التالي للحرب، بالنظر لموقف نتنياهو الرافض لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وتشدده فيما يتعلق بديمومة “السيطرة الأمنية” الإسرائيلية هناك. بالإضافة للخلاف القديم بين إدارة بايدن ونتنياهو بخصوص مسائل الاستيطان وحل الدولتين ورفض الاحتلال التعاطي مع أي حلول سياسية، وهذه قضايا قد تؤجل الإدارة الأمريكية التعاطي معها في ظل أولوية الملفات الأخرى، كما أن عامل الوقت لا يوفر مساحة كافية للمناورة أمام إدارة بايدن التي ستجد نفسها خلال أسابيع مستنزفة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
إقرأ أيضاً:
✚ استئناف حرب غزة: أهداف الاحتلال واضحة لكنّها مازالت بعيدة
✚ سيناريوهات طوفان الأقصى والحرب على غزة
✚ الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة
✚ لماذا شنت حماس هجوم 7 أكتوبر؟