الحدث
قال الصندوق السعودي للتنمية، في بيان يوم الإثنين 6 مارس/آذار حول الوديعة السعودية، إن المملكة العربية السعودية وافقت على إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، واصفا القرار بأنه “دليل على التزام السعودية بدعم جهود تركيا لتعزيز اقتصادها”، من جانبه، ثمّن وزير الخزانة والمالية التركي “نورالدين نباتي” الخطوة، وقال إنها “نتيجة إيجابية لثقة إدارة المملكة العربية السعودية بالاقتصاد التركي”، وسبق هذا في يوم الجمعة 3 مارس/آذار، توقيع “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة” بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، في مراسم افتراضية بحضور رئيسي البلدين “رجب طيب أردوغان” و”الشيخ محمد بن زايد”، حيث أعرب “أردوغان” عن ثقته في رفع حجم التبادل الثنائي إلى 25 مليار دولار خلال 5 أعوام، بينما أكدت حكومة الإمارات أن الاتفاقية ستحقق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والطموحة.
التحليل: الوديعة السعودية تذهب بالعلاقة مع تركيا أبعد من مجرد تهدئة التوترات
- سبق أن أشرنا في تقييم “أسباب” لتداعيات زلزال تركيا الجيوسياسية إلى أن مستوى الدعم الاقتصادي المقدم من السعودية والإمارات سيعكس إلى أي مدى تراهن كلا الدولتين على الاستثمار في شراكة طويلة الأمد مع أنقرة. وعلى الرغم من أن النقاشات حول الوديعة السعودية والاتفاقية مع الإمارات جارية قبل أشهر من زلزال 6 فبراير/شباط، إلا أن توقيت إتمامهما لا يمكن عزله عن سياقه الراهن، سواء الأعباء الاقتصادية التي خلفها الزلزال -والتي قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن أضراره المباشرة وغير المباشرة قد تتجاوز 100 مليار دولار-، أو موسم الانتخابات التركية الأصعب منذ صعود حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002. لذلك؛ تعتبر الوديعة السعودية والاتفاقية الإماراتية إشارة لا تقبل الشك حول توجه الرياض وأبوظبي لتطوير العلاقة مع أنقرة وليس مجرد تهدئة التوترات.
- بالنسبة لبعض المراقبين؛ فإن خطوة الرياض تحديدا لها أجندة واضحة قبل الانتخابات الرئاسية التركية في 14 مايو/أيار، فهي تُظهر أهمية “أردوغان” من وجهة نظر ولي العهد السعودي، والترحيب السعودي بإعادة انتخابه لضمان مضي التفاهمات التركية السعودية قدما، خاصة وأن الإقراض السعودي لتركيا لا يأتي مع أي قيود، في الوقت الذي تشدد فيه الرياض شروط الائتمان لدول أخرى متعثرة، مثل باكستان ومصر وتونس والبحرين. ومع أن هذا قد يكون غير مستبعد، إلا أن القرار السعودي قبيل الانتخابات قد يشير إلى أن الأمير “محمد بن سلمان” تعمد تنفيذ الاتفاق وعدم الانتظار لما بعد الانتخابات للتأكيد أن الشراكة السعودية التركية هي شراكة بين الدولتين ولا ترتبط بهوية الفائز في الانتخابات المقبلة.
- كانت وتيرة التطبيع التركي الإماراتي متسارعة وواضحة وبلغت حد استلام أبوظبي دفعات من صفقة طائرات بدون طيار تركية، والآن يمثل إضافة تركيا لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة تأكيدا من الإمارات على تمسكها الاستراتيجي بسياسة تصفير المشاكل القائمة على تعزيز الروابط التجارية مع القوى الإقليمية. في المقابل؛ كانت وتيرة التعافي العلاقات السعودية التركية أبطأ، لكن الآن بات واضحا أن اللاعبين المهمين في العالم الإسلامي والمنطقة قد اتفقا على أسس لتطوير العلاقات في المدى المتوسط على الأقل، ومن المتوقع أن نشهد تدفقا في الاستثمارات السعودية ونشاطا أوسع في التجارة بين الجانبين، بينما ستكون تركيا أكثر التزاما تجاه تلبية احتياجات السعودية الأمنية خاصة ما يتعلق ببرامج التصنيع العسكري المشترك.
ومع هذا؛ سيكون من المبالغة النظر إلى الشراكة السعودية التركية الناشئة باعتبارها محورا أو تحالفا إقليميا صاعدا؛ حيث سيظل التنافس الجيوسياسي كامنا في علاقة البلدين، خاصة مع الصعود الواسع للدور التركي في المناطق التي تعتبرها السعودية مجال نفوذها الأساسي، في الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي.