تسعى كل من الهند والصين إلى موازنة الكفة بتقديم مسار مواز للحزام الصيني “خيط اللؤلؤ”، حيث أطلقت الهند عليه اسم استراتيجية “قلادة الألماس”، تمتد قلادة الألماس من منطقة آسيا الوسطى إلى منغوليا واليابان وفيتنام وإندونيسيا وسنغافورة وسيشيل وعمان وإيران.
لكن هدفها يتمثل في تكوين كتلة لاحتواء الصين بشكل رئيسي، إذ تُجري نيودلهي مناورات دفاع مشترك وتدريبات بالأسلحة المشتركة، كما تُوسِّع نطاق شراكاتها الاقتصادية وتُكوِّن ممرات صناعية وبدأت مؤخراً في توقيع صفقات أسلحة ستقلب الموازين.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو كيف تخطط الهند للتغلب على الصين.
يُغطي المحيط الهندي نحو خُمس المياه على سطح الكوكب ويربط بين ثلاث قارات و28 دولة، ويُعَدُّ من الطرق الرئيسية للتجارة العالمية لأنه يربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي.
كما يساهم المحيط الهندي في تحقيق الازدهار عن طريق التجارة لكنه مثّل نقطةً لدخول القوى الاستعمارية في الماضي، وتتطلع الصين اليوم إلى مواصلة تلك الاستراتيجية التي يلعب “خيط اللؤلؤ” دوراً رئيسياً فيها.
“خيط اللؤلؤ”
- يمتد من مومباسا إلى جيبوتي إلى كراتشي وجوادر ثم كولمبو وهامبانتوتا وصولاً إلى شيتاغونغ وسيتوي وجزر كوكوس
- بسطت الصين شبكتها على أوسع نطاقٍ كما يفعل غواص اللؤلؤ ليستخرج اللؤلؤ الثمين من أعماق المحيط الهندي
- تتفاوض الصين الآن على حقوق استخدام ميناء الدقم العماني
- تبني ميناء مياه عميقة في جزيرة لامو الكينية
- تضغط على جزر المالديف لإنشاء قاعدة غواصات في ماراو
لكن مع كل لؤلؤة تُضاف إلى خيطها، سنجد أن سياسة فخ الديون الصينية تُخلِّف سيلاً من الوعود التي لا تتحقق إذ تُكرَه الدول المثقلة بالديون والعاجزة عن السداد على تقديم تنازلات جيوستراتيجية.
استراتيجية “قلادة الألماس”
تتطلع الهند إلى استغلال تلك المظالم، لهذا وضعت استراتيجية قلادة الألماس التي تسعى نيودلهي من خلالها إلى إنشاء مظلة أمنية عن طريق:
- زيادة قواعدها البحرية في الخارج
- توقيع شراكات عسكرية جديدة
- توسيع نطاق هيمنتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
- يتمثل هدفها النهائي في تعطيل استراتيجية خيط اللؤلؤ الصينية
وقد دخلت الهند في فورة نشاط دبلوماسي وأبرمت الصفقات يميناً ويساراً منذ الإعلان عن استراتيجيتها.
اتفاقيات الهند مع الدول
- وافقت سيشيل على إنشاء قاعدةٍ بحرية في جزيرة أسومبشن عام 2015 مع تأجيرها للبحرية الهندية بصفةٍ حصرية، إن امتلاك موطئ قدم في سيشيل سيمنح الهند قاعدةً للعمليات داخل القارة الإفريقية.
وإذا استخدمت البحرية الهندية المعدات المناسبة فستنجح في مواجهة الوجود الصيني سواء داخل جيبوتي أو كينيا. - بعد عامٍ واحد أبرمت إيران اتفاقاً مع الهند لبناء أول ميناء مياهٍ عميقة في جابهار عام 2016.
وانطلاقاً من جابهار ستنجح الهند في الاتصال بممر النقل بين الشمال والجنوب الذي يربط مومباي بموسكو مروراً بإيران وأذربيجان، ومن المنظور الهندي يمكن القول إن امتلاك حصةٍ في جابهار يمثل مقاومةً مباشرة للوجود الصيني في كراتشي وميناء جوادر. - أمنّت الهند وصولها إلى ميناء الدقم الاستراتيجي في عُمان، حيث جرى توقيع المعاهدة في عام 2018.
نجحت الهند في زيادة وارداتها الهيدروكربونية المنقولة بحراً من الخليج بفضل امتلاكها موطئ قدمٍ في شبه الجزيرة العربية فضلاً عن أن ميناء الدقم يقع بين جيبوتي وجوادر، أي أنه يؤدي دور نقطة الثقل المقابلة لتلك المواقع الصينية، كما يتفرّد ميناء الدقم بفضل موقعه قرب مضيق هرمز الذي يُعَدُّ من أهم نقاط الاختناق في العالم. - وقعت نيودلهي اتفاقاً آخر مع سنغافورة عام 2018 حتى تُوفر الدعم اللوجستي للبحرية الهندية عبر إعادة التسليح والتزود بالوقود من قاعدة شانغي البحرية السنغافورية، وتختلف معاهدة سنغافورة عن سابقاتها لأنها تُتيح للهند دخول بحر الصين الجنوبي.
- وقعت الهند اتفاقاً مع إندونيسيا في العام نفسه وأمّنت وصولها العسكري إلى ميناء سابانغ الذي يحتل موقعاً مثالياً على المدخل الشمالي لمضيق ملقا، ومن المثير للاهتمام هنا أن عمق ميناء سابانغ يبلغ نحو 40 متراً، مما يعني أن الهند تستطيع استخدامه كمحطةٍ لغواصاتها.
يُذكر أن نحو 80% من واردات النفط الخام والغاز الطبيعي الصينية تمر عبر مضيق ملقا مما يُحوّل المضيق إلى نقطة ضعفٍ استراتيجية بالنسبة لبكين وفرصة استراتيجية بالنسبة لنيودلهي. - تعمل الهند منذ عام 2020 على عسكرة أرخبيل أندمان ونيكوبار الذي يقع شمال مضيق ملقا
وستكتسب نيودلهي أفضلية تفاوضٍ أكبر أمام الصين كلما زادت الأصول التي تنشرها البحرية الهندية في محيطها.
تحسين علاقات الهند مع الدول المحيطة بالصين
- اتفقت مع منغوليا في عام 2015 على تطوير ممرٍ جوي ثنائي من أجل تعزيز التجارة والسياحة والتواصل بين الشعبين، وتأمل منغوليا أن تنجح الهند في التفاوض مع روسيا والصين بالتوازي مما قد يساعد منغوليا في موازنة سياساتها الموضوعة.
- في عام 2015 انطلق رئيس الوزراء الهندي مودي في جولةٍ كبرى بمنطقة آسيا الوسطى حيث اجتمع بزعماء كازاخستان وأزوبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ولا شك أن منطقة آسيا الوسطى تعُجُّ بالإمكانيات الواعدة إذ تمتلك احتياطيات من:
- الهيدروكربونات
- معادن الأرض النادرة
- رواسب اليورانيوم
- إمكانات الطاقة الكهرومائية
- هي سوق يضم ملايين المستهلكين
وقد تضاعف حجم تجارة الهند مع دول آسيا الوسطى بعد زيارة مودي، لكن حجم التجارة المتبادلة هنا من المرجح أن ينمو أكثر، وكلما زاد حجم النفوذ الهندي في آسيا الوسطى زادت معه قدرتها على كبح نفوذ القوى المنافسة.
- عام 2017 دشّنت الهند واليابان مبادرةً مشتركة باسم ممر النمو الآسيوي الإفريقي.
تهدف هذه المبادرة إلى تطوير البنية التحتية وتسريع النمو الاقتصادي وتعزيز نفوذ نيودلهي وطوكيو داخل إفريقيا مع تحدي النفوذ الصيني هناك في الوقت ذاته.
أسباب ضعف استراتيجية “قلادة الألماس” الهندية
أقامت الهند علاقة صحية مع جميع الدول المحيطة بالصين تقريباً، لكن الكثيرين يرون قلادة الألماس الهندية ضعيفةً عند مقارنتها بخيط اللؤلؤ الصيني ويتجلى ضعف الإيمان هذا في منطقة آسيان تحديداً أكثر من غيرها.
- يُقِر أعضاء آسيان بمقومات الهند المتعددة لكنهم يشككون في عزيمة الهند وقدرتها على مواكبة مستوى الصين
- يُعزى الشطر الأعظم من تلك الشكوك إلى البيروقراطية الهندية سيئة السمعة وفشلها في الوفاء بوعودها السابقة
- هناك مشكلات خارج منطقة دول آسيان، إذ تعاني بعض الصفقات الموقعة من التذبذب
- تمتلك الصين نفوذ ضغط كبير في سيشيل مثلاً بينما تتقلب سيشيل في سياساتها للوفاء بالتزاماتها تجاه الهند والصين
- تواجه الشركات الهندية صعوبةً في إنجاز أعمالها داخل إيران نظراً للعقوبات الشديدة الموقعة على البلاد
- يجري التفاوض على حلولٍ بديلةٍ باستمرار حتى تتفادى الشركات الهندية خطر العقوبات الثانوية
- إن الصين أكثر ثراء من الهند وتستطيع ضخ الأموال في مناطقٍ تعجز عنها الهند
- استثمرت الصين حتى الآن قرابة 60 مليار دولار في الجزء الأفريقي فقط من خيط اللؤلؤ
- جاء أكبر استثمار للهند في ميناء جابهار بتكلفةٍ تصل إلى 8 مليارات دولار
مبيعات الأسلحة
وتُعتبر العديد من تلك السلبيات خارجة عن سيطرة نيودلهي لكن المجال الذي أغفلته الهند وبدأت تتراجع فيه بعض الشيء هو مجال مبيعات الأسلحة.
- أنشأت الهند محطات رادار ساحلية وأنظمة تحكم في بنغلاديش وسريلانكا وسيشيل والمالديف وتُعَدُّ هذه الأنظمة الدفاعية جديرةً بالاحترام
- الصين زودت حلفاءها بأسلحةٍ أكثر تطوراً مثل الغواصات والطائرات المقاتلة وغيرها
- تُمثّل مبيعات الأسلحة طريقةً رائعة لتحسين العلاقات وإقامة شراكات استراتيجية
- أتقنت الصين فن مبيعات الأسلحة ببراعة ولهذا عززت من تواجدها في أنحاء آسيا والمحيط الهادئ
- الهند بدأت تتعلم من أخطائها وشرعت في زيادة تركيزها على مبيعات الأسلحة
- في ديسمبر/كانون الثاني عام 2022 عرضت “براهموس إيروسبيس” الهندية بيع صواريخ فرط صوتية لفيتنام والفلبين ويقع كلا البلدين على الحافة الخارجية لحدود الصين وكلاهما يشعر بريبة وعداء كبيرين تجاه بكين
ومن الواضح أن بكين ليست سعيدةً بوصول تلك الأسلحة إلى فيتنام والفلبين لكن هذا هو الغرض الأساسي من الاستراتيجيات الكبرى في المقام الأول، إذ يتمحور هدف الهند والصين حول خنق بعضهما البعض للسيطرة على التجارة سواءً حدث ذلك باستخدام خيطٍ من اللؤلؤ أو قلادةٍ من الألماس أي إنها حرب قائمة بطريقةٍ أو بأخرى.
وستلعب مبيعات الأسلحة دوراً حاسماً فيها على نحوٍ متزايد.
إقرأ أيضاً:
كيف توازن الهند علاقتها بين روسيا والولايات المتحدة؟
الصين والهند في صراع للاستحواذ على السوق في آسيا.. من ينجح؟
استراتيجيتا اليابان وكوريا الجنوبية: تحالف استراتيجي مع الغرب لاحتواء الصين
زيارة “شي” إلى موسكو: الصين وروسيا تعززان شراكة إنهاء نظام القطب الواحد