عبر العاصمة الأذربيجانية باكو، تمرّ سكة حديدية تمثل مسار النقل البري الوحيد بين الشرق والغرب، ويسمح هذا المسار، الذي يُطلق عليه اسم الممر الأوسط، بشحن بضائع الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا، وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتعطّل سلاسل التوريد ونقص السلع الغذائية ورفع أسعار السلع، بدأ هذا الممر يحدث ثورةً في التجارة العالمية.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو كيف يكتسب “الممر الأوسط” الزخم الآن.
الممر الأوسط.. أقصر طريق بين آسيا وأوروبا
يمتدّ الممر الأوسط من الصين، مروراً بكازاخستان، وقيرغيزستان وأوزبكستان، وتركمانستان ليعبر بحر قزوين وصولاً إلى أذربيجان وجورجيا قبل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.
ويوفر الممر الأوسط أقصر طريقٍ بري بين آسيا وأوروبا، لهذا زادت أحجام الشحنات فيه بمقدار ستة أضعاف عام 2022.
- تستقر تركيا عند نقطة الالتقاء الجغرافية التي تربط أوروبا، وروسيا، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط ل
- تعمل أنقرة على توفيق مصالحها مع الاتجاهات الجيوسياسية الأوسع واستغلال الفرص متى سنحت أمامها
- سعت تركيا إلى التكامل مع مبادرة الحزام والطريق الصينية
- تعمّقت العلاقات الثنائية بين البلدين لدرجة أن تركيا والصين اتفقتا عام 2015 على تنسيق مشروعات البنية التحتية في البلدين
- من بين هذه المشروعات خط سكة حديد باكو-تبليسي-قارص الذي افتُتِح عام 2017 ليحل محل السكك الحديدية السوفيتية التي تمر عبر أرمينيا
- أصبح الممر الأوسط أقصر طرق السكك الحديدية العابرة لمنطقة أوراسيا مما يعزز خطة أنقرة لتصبح مركزاً للشحن بالحاويات بين الصين والاتحاد الأوروبي
أبرز ميزات الممر الأوسط
- يُتيح المشروع لبكين فرصة تنويع طرق التجارة لأن استقرارها السياسي والاقتصادي يعتمد على التجارة الدولية
- يتفادى الممر الأوسط المرور بالمناطق عالية الخطورة مثل إيران وأفغانستان وروسيا ونقاط الاختناق مثل ملقا وسوندا ولومبوك
- يعدّ الممر ضرورياً لبكين من أجل تنويع محفظة مشروعاتها الجيواقتصادية
- تسعى بكين لإنهاء المشروع عن طريق بناء سكة حديد من قارص إلى أدرنة على الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور وذلك مروراً بجسر السلطان سليم الأول ونفق مرمرة
- عند ربطه بخط سكة حديد باكو – تبليسي – قارص سيختصر الممر الأوسط الطريق بمسافة 7,000 كيلومتر
- ستنخفض أوقات الشحن من شهرين إلى أسبوعين وسيرتفع عدد الركاب من مليون شخص إلى ثلاثة ملايين شخص
- سيزيد حجم البضائع المنقولة من 6 ملايين إلى 15 مليون طن
- بحلول عام 2034، سيمثل الممر الذراع المركزي لما تصفه بكين بطريق الحرير الحديدي
تركيا.. منفذ الشحن الرئيسي بالبحر المتوسط
- زادت تركيا حجم استثماراتها في البنية التحتية للموانئ بما في ذلك:
- تطوير ميناء مرسين بتكلفة 3.8 مليار دولار
- تطوير ميناء فيليوس بتكلفة 870 مليون دولار
- تطوير ميناء إزمير بتكلفة 1.2 مليار دولار
- عام 2015، اشترى ائتلاف تجاري صيني نحو ثلثي أسهم ميناء كومبورت التركي مقابل مليار دولار
- زادت أهمية تركيا على الجانب الأوروبي بفضل ممر الغاز الجنوبي وهو خط الأنابيب الذي يمر عبر الأراضي التركية ليربط أذربيجان بإيطاليا مروراً بجورجيا واليونان وألبانيا
كان الممر الأوسط بمثابة موضوع هامشي حتى وقتٍ قريب وذلك على صعيد شؤون الجغرافيا الاقتصادية لأوراسيا، إذ اعتبروا أن جمعه بين الشحن البحري والسكك الحديد يجعله بمثابة نموذج متعدد يفتقر إلى الكفاءة مقارنةً بممر السكة الحديد الشمالي المباشر في روسيا، علاوةً على أن دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان كانت تخشى تداعيات تقويض النفوذ الروسي لهذا لم تكن هناك حركة كبيرة بطول الممر الأوسط قبيل الفترة الأخيرة.
لكن العقوبات المرتبطة بضم روسيا للقرم دفعت دول آسيا الوسطى إلى محاولة الخروج من عباءة موسكو.
- أدى توقيع معاهدة الحدود البحرية لبحر قزوين عام 2018 إلى إزالة العوائق في وجه التكامل الإقليمي
- مع وجود البنية التحتية الجديدة بدأت أحجام التجارة عبر الممر الأوسط في الزيادة لترتفع بنسبة 50% بين عامي 2020 و2021
- بدأ استخدام الممر بواسطة شركات مثل ميرسك الدنماركية وNurminen Logistics الفنلندية وRail Brigde Cargo الهولندية و CEVA Logistics الفرنسية وADY Container وشركات صينية
- أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى صعود هذا الاتجاه
- تأثرت جميع التدفقات التجارية بين روسيا وأوروبا
- تراجعت الشحنات عبر الممر الشمالي بنسبة 40%
- تسببت الأفعال الروسية داخل أوكرانيا في تحويل موسكو إلى شريكٍ غير موثوق
ففي التجارة، يمكن أن تتجاوز الدول عن السلوكيات غير الأخلاقية لكنها لا تتساهل بالدرجة نفسها مع التصرفات غير المتوقعة ومنذ بداية الحرب الأوكرانية جذب الممر الأوسط ثلث تجارة الممر الشمالي ومن المتوقع أن تزيد حصته بستة أضعاف في 2022مقارنةً بإحصاءات عام 2021أي ما يعادل 3.2 مليون طن من البضائع
إقرأ أيضاً:
زيارة “رئيسي” إلى بكين في 2023 .. شراكة الصين وإيران استراتيجية لكنّها غير متكافئة
زيارة “شي” للرياض: شراكة السعودية والصين ليست بديلا عن التحالف مع أمريكا
الصين في ولاية “شي” الثالثة: تعزيز السيطرة المحلية وتصعيد التنافس الدولي
جنوب شرق آسيا..حلبة جديدة للمنافسة الأمريكية الصينية
الدول المشاركة في الممر الأوسط
استغلت أنقرة قوتها الناعمة لتحقيق المكاسب في آسيا الوسطى، فوقعت شراكات استراتيجية جديدة مع كازاخستان وأوزبكستان، ثم وسّعت نطاق مسؤوليات منظمة الدول التركية التي تضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان بالإضافة إلى تركمانستان والمجر كعضوين مراقبين.
وتعمل الدول المشاركة في الممر الأوسط على:
- تقوية الاتصال فيما بينها بإضافة الموانئ والعبّارات والقطارات الجديدة
- وضع اللوائح والمعايير الفنية اللازمة لتطوير منظومة متكاملة لإدارة الجمارك والحدود
- يعتمد نجاح الممر الأوسط على بحر قزوين وعلى العلاقة بين أذربيجان وكازاخستان
- نجحت كل منهما في تطوير وتوسعة موانئها وأصبح لديها مطارات وسكك حديدية جديدة
- تعمل كل منهما على زيادة أسطولها من سفن الشحن حتى تستوعب زيادة معدلات الشحن
تعقيدات مشروع الممر الأوسط
ولا شك أن بناء سكة حديد عبر بحر قزوين هو أمرٌ ممكن فنياً لكن موسكو وطهران لديهما حق الاعتراض على مشروع كهذا، لهذا من المرجح أن يظل الممر الأوسط عالقاً في نموذجه المتعدد.
تعقيدات في تركمانستان وقيرغيزستان
- يمكن وصف بنيتهما التحتية بأنها متهالكة
- تُعَدُّ مرافق ميناء تركمانباشي ناقصة التطوير وغير جذابة نتيجة تعريفات الشحن المرتفعة
- الحاجة إلى التطوير والتكامل التنظيمي حتى يصبح هذا المسار عمليا
- بالنسبة لقيرغيزستان، يشكك مشرعوها في أن السكة الحديد يمكنها أن تجلب المكاسب الاقتصادية للبلاد
- يُشير التصميم إلى أن هدفها الأساسي هو مجرد ربط مدينة كاشغر الصينية بأسواق مربحةٍ أكثر
تعقيدات بسبب الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان
وبهذا سنجد أن الطريق الذي يمر عبر كازاخستان يظل الطريق الأكثر معقولية، وبخلاف أوجه القصور في البنية التحتية قد تؤدي التوترات الإقليمية إلى تعطيل المشروع ومنها الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان مثلاً، فمنذ اندلاع الحرب عام 2020 اقترح الساسة إعادة فتح خطوط السكك الحديدية التي يرجع تاريخها إلى الحقبة السوفيتية وإنهاء الحصار بالتعاون مع تركيا.
وأشار المسؤولون الأرمن إلى أن هذه الخطوة قد ترفع إجمالي الناتج المحلي لبلادهم بمقدار الثلث في غضون عامين لكنها ستُلزم أرمينيا بالتخلي عن مطالبها الإقليمية لصالح أذربيجان.
تعقيدات بسبب المخاوف الإيرانية
علاوة على المخاوف من أن بناء خط سكة حديدية بطول ممر زنغزور وصولاً إلى نخجوان قد يعزل أرمينيا عن إيران، وكذلك يشعر المسؤولون الإيرانيون بالقلق من النزعة الانفصالية داخل مناطقهم التي تهيمن عليها أغلبية عرقية آذرية تحمل اسم أذربيجان الإيرانية.
ولهذا تعارض طهران استخدام ممر زنغزور لأنه قد يُعزز نفوذ باكو بين الإيرانيين الأذربيجانيين.
تعقيدات بسبب مشكلات خاصة بجورجيا
يعاني المسار الرئيسي عبر جورجيا من حزمة مشكلات خاصة إذ إن مخاوف التهميش من التجارة الإقليمية قد تدفع روسيا إلى استغلال حلفائها الانفصاليين في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وقره باغ لتعكير صفو الأجواء بطول خط سكة حديد باكو-تبليسي-قارص.
مخاوف صينية
تخشى بكين أن يؤدي تركيز أنقرة على التكامل التركي إلى تفاقم النزعة الانفصالية بين الأويغور في سنجان الذين تسببت إساءة معاملتهم في اندلاع التوترات من قبل، لكن تحتل الأعمال التجارية مقعد الأولوية حيث تُعَدُّ الصين ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا.
- ارتفع حجم التجارة الثنائية بينهما من مليار دولار عام 2001 إلى 36 مليار دولار في 2021
- هناك أكثر من 1,200 شركة صينية داخل تركيا
- يصل حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في البلاد إلى أربعة مليارات دولار
إن البراغماتية هي السياسة القائمة في الوقت الراهن ويستطيع الممر الأوسط أن يُحدث تحولاً في البنية الجغرافية والاقتصادية لمنطقة أوراسيا، إذ سيقرب الاتحاد الأوروبي إلى دول القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى والصين مما سيعزز مكانة تركيا الإقليمية بالتبعية.
لكن نجاح المشروع سيعتمد بنسبةٍ كبيرة على غياب البدائل القابلة للنجاح. فضلاً عن أن غياب الاستقرار الجيوسياسي بطول الممر الأوسط وخاصةً من القوى الإقليمية التي ستخسر الكثير بسببه قد يؤدي إلى إضعاف جاذبيته.