الحدث
انعقدت في جدة، يوم 19 يوليو/تموز 2023، القمة الأولى لدول مجلس التعاون الخليجي مع دول آسيا الوسطى: كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان. وركزت القمة على تطوير التعاون المشترك في النقل والأمن الغذائي وأمن الطاقة والمياه والاستثمار. وأكد البيان الصادر عن القمة على أهمية تعزيز الحوار الاستراتيجي في إطار خطة عمل مشتركة تمتد إلى عام 2027، ودعم الجهود الإقليمية والعالمية لمكافحة الإرهاب والتطرف، كما أكد على عقد القمة القادمة في سمرقند بأوزبكستان في عام 2025. وسبق أن وُضع الأساس لهذه القمة خلال اجتماع وزراء خارجية دول الخليج ودول آسيا الوسطى في سبتمبر/أيلول 2022 بالرياض، حيث اتفق خلاله على إضفاء الطابع المؤسسي على علاقات الجانبين.
التحليل: دول الخليج تختبر نهجها المشترك إزاء دول آسيا الوسطى
تقع آسيا الوسطى في قلب منطقة اعتبرها عالم الجغرافيا السياسية البريطاني، “هالفورد ماكندر”، جزيرة العالم التي تتيح لمن يهيمن عليها السيطرة على العالم، حيث تحيط بها روسيا والصين وإيران وتركيا وأفغانستان وشبه القارة الهندية، وتُعد حاليا ساحة تنافس بين تلك الأطراف بالإضافة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويعيش في دول أسيا الوسطى 77 مليون شخص على مساحة تزيد عن 4 مليون كيلومتر مربع، أغلبهم من الشباب، حيث يبلغ متوسط العمر في طاجيكستان 25.3 عامًا بينما يبلغ نظيره في دول الاتحاد الأوروبي 43.9 عاما.
- فضلا عن الموقع الجغرافي الذي تمر عبره خطوط النقل البرية بين أوروبا والصين، وتتميز منطقة آسيا الوسطى بتوافر الموارد الطبيعية، حيث تمتلك تركمانستان رابع أكبر احتياطيات الغاز في العالم، فيما كازاخستان من أكبر دول العالم إنتاجا لليورانيوم، ومصَدّره الأول إلى الاتحاد الأوروبي، فضلا عن وجود مساحات شاسعة صالحة للزراعة.
- وبينما تظل روسيا هي الضامن الأمني للمنطقة، ولديها قواعد عسكرية في قيرغيزستان وطاجيكستان، كما أصبحت الصين هي الشريك الاقتصادي الأول بتبادل تجاري بلغ 70 مليار دولار في عام 2022، وباتت المنطقة في قلب مشروع الحزام والطريق، حيث يمر منها طريقان بريان: الخط الشمالي إلى موسكو عبر كازاخستان، والخط الرئيسي إلى قيرغيزستان وأوزبكستان، ثم إلى إيران، ثم تركيا ودول أوروبا.
- تستهدف دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من الفرص الاقتصادية بالمنطقة، خاصة في قطاعات البنية التحتية والزراعة والاتصالات، في تنويع الاستثمارات الخليجية استعدادا لعصر ما بعد النفط، ولتعزيز الأمن الغذائي في ظل استيراد دول الخليج 60٪ من غذائها من الخارج، وللوصول إلى أسواق جديدة واعدة تتسم بنمو سريع، حيث قفز الناتج المحلي الإجمالي لدول أسيا الوسطى من 63 مليار دولار عام 2010 إلى 347 مليار دولار في عام 2021.
- كذلك تسعى دول الخليج إلى التنسيق مع دول آسيا الوسطى المنتجة للنفط، وبالأخص كازاخستان الدولة العضو في أوبك بلس، بخصوص كميات الإنتاج والأسعار، بالإضافة لتعزيز التعاون الأمني خشية صعود التيارات الإسلامية في آسيا الوسطى بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، ولتأمين المصالح الخليجية في المنطقة التي تنشط فيها بجوار الدول الإقليمية الكبرى مثل تركيا وإيران. لذلك؛ تحرص دول خليجية على الانضمام إلى منظمة “شنغهاي للتعاون”، لتعزيز فرص التعاون اقتصاديا وأمنيا مع دول المنظمة التي تضم دول آسيا الوسطى.
- بلغ حجم التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ودول آسيا الوسطى 3.1 مليار دولار في عام 2021، وهو مبلغ ضئيل عند مقارنته بنظيره بين الصين ودول آسيا الوسطى البالغ 70 مليار دولار، وحتى عند مقارنته مع نظيره بين هذه الدول وتركيا الذي تجاوز 12.8 مليار دولار عام 2022. ولذا تأمل دول الخليج في زيادة حجم التبادل التجاري عبر إيجاد منصات مؤسسية متعددة الأطراف للتنسيق، وهو ما توفره القمة الأخيرة، والتي سيتلوها منتدى استثماري، في السعودية أيضا، بين الطرفين.
- من جهة أخرى؛ فقد أثرت حرب أوكرانيا على دول آسيا الوسطى، حيث طالت حزم العقوبات الغربية بنوكا وشركات ورجال أعمال روس لهم استثمارات ومعاملات تجارية مع أسيا الوسطى. وبدأت الدول الأوروبية في البحث عن طرق نقل للبضائع والمواد الخام بعيدا عن الأراضي الروسية، وهو مستجد يطال على سبيل المثال كازاخستان التي تُعد رابع أكبر مورد للنفط إلى الاتحاد الأوروبي، لكن طريق التصدير الرئيسي لنفطها يمر عبر روسيا، كما تسعى تركيا أيضا لتنفيذ مشروع طريق بري يربطها بدول آسيا الوسطى أو ما يطلق عليه “العالم التركي”.
- وبالتالي؛ تبحث دول آسيا الوسطى عن مستثمرين دوليين لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تحتاجها، فانعقدت في مايو/أيار 2023 قمة الصين وآسيا الوسطى بالصين، وقمة الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى في يونيو/حزيران 2023 بقرغيزستان. وتمثل الشراكة مع دول الخليج فرصة واعدة للتعاون الاقتصادي في ظل امتلاك دول الخليج وفورات مالية ضخمة، قد تساهم في موازنة النفوذ والتمويل الصيني في المنطقة.
- ومع هذا؛ تظل فرص التعاون الثنائي بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى أكثر احتمالية واستقرارا من فرص التعاون متعدد الأطراف؛ حيث توجد عدة عقبات أمام الشراكة المؤسسية الجماعية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، من أبرزها أن كلا الجانبين لا يمثلان كتلة متجانسة، فمجلس التعاون الخليجي يمثل إطارا فضفاضا شهد أزمات متعددة، مثل أزمة حصار قطر، فضلا عن التوتر المتصاعد بين السعودية والإمارات، وتراجع الثقة بين قطر والإمارات. وفي المقابل، توجد خلافات بين دول آسيا الوسطى، مثل الخلافات على تقاسم موارد المياه وشبكات الطاقة الموروثة من العهد السوفيتي، والاشتباكات الحدودية المتكررة بين قيرغيزستان وطاجيكستان.
- وبالرغم من هذه العقبات؛ فإن تدشين هذه الآلية الجماعية لعمل دول الخليج في منطقة آسيا الوسطى، رغم تنافس هذه الدول فيما بينها، قد يحسن من ميزتها التنافسية في مواجهة لاعبين آخرين مهتمين بالمنطقة لأسباب جيوسياسية، خاصة روسيا والصين وتركيا والولايات المتحدة وإيران. وتؤكد القمة أن المنافسة على النفوذ والفوائد الاقتصادية في آسيا الوسطى، ستكون أكثر حدة في المرحلة القادمة، مع احتدام التنافس بين القوى الدولية، وتزايد تأثير القوى المتوسطة الصاعدة.