الملخص
نقلت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات منسوبة لمصادر أمنية تفيد بأن وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أجرى مناقشات رفيعة المستوى مع مسؤولين إسرائيليين تناولت ما يوصف بأنه انتهاكات مصرية لبنود اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين. كما قال مسؤول أمني إسرائيلي، لصحيفة “إسرائيل هيوم”، إن “إسرائيل” طالبت كلا من مصر والولايات المتحدة بتفكيك البنى العسكرية التي أقامها الجيش المصري في سيناء، بالمخالفة للملحق الأمني لاتفاق السلام.

التحليل: التوتر بين مصر وإسرائيل
لا تمثل زيادة عدد القوات المصرية في سيناء مسألة جوهرية، لأنه يمكن التراجع عنه ببساطة. لكن ما يثر قلق جيش الاحتلال هو تزايد البنى العسكرية المصرية والتي تشير لإعادة انتشار قد تكون طويلة الأجل.
وما يزيد من الشكوك، أن هذه التطورات تتزامن مع مؤشرات متزايدة في العشر سنوات الأخيرة تثير قلق المراقبين الإسرائيليين، مثل التسليح المتسارع والحديث للجيش المصري، والذي بلغ نحو 50 مليار دولار، وزيادة البنية التحتية العسكرية مثل بناء 8 موانئ، ومستودعات طوارئ ضخمة بحجم ملعب كرة قدم، منها أكثر من 2 مليون متر مربع من مستودعات المعدات وحدها، وما قد يصل إلى 60 جسرا ونفقا على قناة السويس تسمح بنقل فرق عسكرية كاملة إلى سيناء خلال ساعة. وأخيرا، زيادة احتياطي الوقود الاستراتيجي في سيناء من نحو 40 مليون لتر إلى ما لا يقل عن 180 مليون لتر، وفق تقديرات إسرائيلية.
وعلى الرغم من تقدير “إسرائيل” بأن مصر متمسكة باتفاقية السلام كخيار استراتيجي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي يثير شكوكا حول المستقبل حال تغير نظام الحكم. وفي ضوء ذلك؛ نتج عن حرب طوفان الأقصى تعثر مسيرة الصعود الاستثنائية للعلاقات المصرية الإسرائيلية خلال العقد الأخير؛ فقد وضعت البلدين مجددا أمام تناقض واسع في المصالح والضرورات.
ففي حين باتت “إسرائيل” لا تستطيع التعايش مع وجود كتلة بشرية ضخمة من الفلسطينيين -الذين تشيع فيهم الرغبة في المقاومة- على مقربة من حدود مستوطناتها، تشعر مصر في المقابل بمخاطر أمنية حال استقبال أعداد ضخمة من الفلسطينيين مما قد ينذر بتقويض الاستقرار الأمني الهش في سيناء، فضلا عن احتمالية انفجار الغضب الشعبي جرّاء ما سيُعتبر تواطؤاً مصريا مع خطة التهجير.
وعلى الرغم من أن التطورات الأخيرة تدفع باتجاه إعادة صياغة العلاقة مجددا في ضوء ما تمثله الخطط الإسرائيلية من تهديد للمصالح المصرية، إلا أن القيود التي تفرضها أزمة الاقتصاد المصري وتأثيرها على مجمل حالة الدولة، تحد من قدرة مصر على اتخاذ مواقف حاسمة معارضة لطموحات “إسرائيل”، خاصة في ظل الدعم الواسع الذي تتلقاه تل أبيب من الإدارة الأميركية والإمارات واعتماد القاهرة على استمرار تدفق المساعدات المالية الدولية والإقليمية. وفي حال دعم ترامب بشكل نهائي وجاد خطة تهجير الفلسطينيين، وإذا تبنتها السعودية، فسيكون من المرجح أن تتجاوب معها مصر نظير مكتسبات مالية واقتصادية، مع إجراء تعديلات ما على الخطة للحد من تداعياتها على الاستقرار الأمني الداخلي
لن تستعيد العلاقات المصرية الإسرائيلية انتعاشها في المدى القريب، وسيتجدد مناخ عدم الثقة طويل الأمد بين الجانبين بعد أن كانت ثمة آمال بأن دفء العلاقات بات هو عنوان مستقبلها. وبينما ستظل الخلافات الثنائية تطفو بين البلدين بشكل متكرر، إلا أن الجانبين سيواصلان إدارة خلافاتهما في إطار حرص متبادل على استمرار معاهدة السلام وما نتج عنها من شراكة أمنية ومكاسب اقتصادية. وبما أن العلاقات المصرية الإسرائيلية قد نشأت بمحفز أميركي، وتطورت بوصفها جزءا من استراتيجية العلاقات المصرية الأميركية بالأساس، فسوف تظل أيضا مدفوعة بحرص مصري على مواصلة الشراكة السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة.
خلفية: العلاقات المصرية الإسرائيلية من السلام البارد إلى شراكة السيسي – نتنياهو
في مايو/ آيار 2024، أعادت “إسرائيل” انتشار قواتها على محور فيلادلفيا بين مصر وقطاع غزة، وأدخلت دبابات وآليات ثقيلة في المنطقة الحدودية، بما يمثل خرقا لاتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها. ونظرت الدوائر الأمنية في مصر لهذا الخرق باعتباره تهديدا أمنيا بعيد المدى. فبعد أربعة حروب بين مصر و”إسرائيل”؛ حددت “اتفاقية السلام” عام 1979 ترتيبات أمنية على الحدود المشتركة، تسمح فقط بتواجد وحدات تابعة للشرطة المدنية المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة. في المقابل، سمحت لـ”إسرائيل” بنشر 4 كتائب مشاة، بما لا يزيد عن 180 مركبة شخصية مدرعة و4000 جندي. ولا يُسمح بالدبابات والمدفعية والصواريخ المضادة للطائرات بالتواجد في المنطقة.
أسست معاهدة كامب ديفيد ما عرف بـ”السلام البارد”، وتطورت العلاقات ببطء وتحفظ حتى السنوات الأخيرة من عهد مبارك التي شهدت تسارعا تمثل في توقيع اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة “الكويز” عام 2004 بين مصر و”إسرائيل” والولايات المتحدة، وتسمح بإنشاء مناطق صناعية مؤهلة لتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة معفاة من الجمارك، بشرط مساهمة كل طرف من أطراف الاتفاقية بمكونات محلية بنسبة لا تقل عن 11.7%. وفي 2005 وقع البلدان اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل بمعدل 1.7 مليار متر مكعب سنويا لمدة 20 عاما.
ولكن سرعان ما توترت العلاقات عقب ثورة يناير 2011. بعدما اقتحم متظاهرون السفارة الإسرائيلية في القاهرة سبتمبر/ أيلول، وانهار اتفاق تصدير الغاز بعد حوادث تفجير خط نقل الغاز بين العريش وعسقلان، وسادت أجواء من القلق في “إسرائيل” مع صعود جماعة الإخوان للحكم. بيد أن تحولا كبيرا طرأ بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013، والذي رأت فيه تل أبيب شريكا في العداء للإسلاميين.
ومع اندلاع تمرد داعش في سيناء، طلبت القاهرة إدخال تعديلات على الملحق الأمني لمعاهدة السلام، للسماح للجيش المصري بنشر قوات ومعدات عسكرية، واتفق الجانبان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 على تلك التعديلات، كما قدمت “إسرائيل” الدعم الجوي والاستخباري لمساعدة الجيش المصري على احتواء التهديد. ووصلت القوات المصرية في سيناء، بحسب التقديرات الإسرائيلية، إلى 66 ألف جندي، بما يمثل 3 أضعاف ما قررته اتفاقية السلام.
وفي فبراير 2018، وقعت مصر ودولة الاحتلال اتفاقية استراتيجية لتصدير الغـاز إلى مصر بقيمة 19.5 مليار دولار، وبدأت مصر في استقبال واردات الغـاز الإسرائيلي مطلع عام 2020. وفي يونيو/حزيران 2022، وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي اتفاقية لتصدير الغاز الإسرائيلي المسال عبر مصر إلى الاتحاد. وبينما مثلت الشراكة في مجال الطاقة علامة بارزة على دفء العلاقات، بعد تنامي الشراكة الأمنية، فإنها لم تلبث أن وضعت النظام المصري في موقع ضعف إزاء قدرة “إسرائيل” على الضغط على مصر التي تواجه أزمة طاقة متكررة. والآن على وقع تصاعد التوتر بين الجانبين، تلوح حكومة نتنياهو برفع أسعار الغاز بنسبة 40٪، وهي رسالة ضغط لا تخطئها القاهرة.