الملخص
• بعد تراجع “التهديدات المشتركة” التي ارتبطت بثورات الربيع العربي وصعود الأحزاب الإسلامية عن سلم الأولويات، يبدو أن العلاقة الوثيقة بين السعودية والإمارات تتراجع، وتعود مجددا لطابعها التنافسي ما سيجعل كل طرف يضع الاعتبارات الوطنية والداخلية أولوية.
• رغبة الدول الخليجية المعتمدة على النفط في تنويع موارد الاقتصاد يزيد من حدة المنافسة بينها. لذلك، فإن التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي من المرجح أن يستمر وربما يتصاعد بين الحين والآخر. ورغم جدية إجراءات السعودية، فإن الإمارات ليست بصدد الاستسلام إزاء المساعي السعودية لإزاحتها عن موقعها كمركز رائد للأعمال في منطقة الخليج، ويتوقع أن تبقى كذلك خلال السنوات القليلة القادمة على الأقل.
• تبنت الرياض إجراءات أبرزها حرمان الشركات الدولية من التعاقد مع الحكومية السعودية ما لم تنقل مقراتها الإقليمية، التي تقع غالبا في دبي، إلى المملكة. كما حرمت المنتجات المصنعة في المناطق الحرة، والتي تمثل غالبية صادرات الإمارات، من المزايا الجمركية المطبقة بين دول الخليج، وهو ما تسبب في تراجع صادرات الإمارات للسعودية بنحو الثلث.
• تدرك الإمارات تفوق الاقتصاد السعودي على اقتصادها من حيث الحجم، وفرص النمو المرتبطة بعدد السكان والعامل الجغرافي والموارد الكبيرة المتوفرة للسعودية، وهي ليست بصدد التنافس مع السعودية على حجم الاقتصاد، ولكن ستحرص على البقاء كمركز لإدارة الأعمال في المنطقة.
• وبينما تتصاعد أجواء التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي، ثمة اقتراب سعودي عُماني لافت يفتح الباب لتحول جيوسياسي أوسع من مجرد التعاون الاقتصادي. وبينما تنظر الإمارات بقلق لهذه الديناميكية السعودية العُمانية الجديدة، يُرجح أن تظل الكويت بمعزل عن إعادة ترتيب التحالفات داخل مجلس التعاون، نتيجة لقوتها المالية النسبية، مقارنة بالبحرين وسلطنة عُمان.
• التنافس الاقتصادي لن يسير بمعزل عن السعي للهيمنة الجيوسياسية في الخليج. لذلك، نرجح أن التنافس بين البلدين، وداخل مجلس التعاون بصورة عامة، سيشمل أبعادا أوسع من الاقتصاد، دون أن يعني هذا بالضرورة أن علاقات التعاون القائمة تتجه للانهيار. لأن السعودية والإمارات ما يزالان في إطار تعاون استراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، ويواصلان تشارك العديد من المصالح.
مقدمة
- في النصف الثاني من رئاسة “ترامب” للولايات المتحدة، اتخذت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مسارات مختلفة بشأن قضايا سياسية رئيسية، بما في ذلك الحرب في اليمن والتطبيع مع “إسرائيل”. ازدادت نقاط الخلاف منذ أن تولى الرئيس “جو بايدن” منصبه. في اليمن، وجدت السعودية والإمارات نفسيهما على طرفي نقيض من القتال؛ حيث تواصل الرياض دعم حكومة الرئيس “عبد ربه منصور هادي” التي يشارك فيها حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين وهو ما تعتبره أبوظبي أمراً خطيراً. بينما تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) وتركز بشكل كبير على أجندتها الخاصة بانتزاع تواجد استراتيجي في جزيرتي سقطرى وبريم (ميون)، حتى بعد إعلانها الانسحاب من العمليات القتالية في اليمن، وهو القرار الذي ترك الرياض أكثر انكشافًا.
- وعلى الرغم من قدرة الحليفين على احتواء التناقضات الإقليمية خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن الخلافات باتت أكثر تصاعدا بين ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وولي عهد أبوظبي الشيخ “محمد بن زايد” منذ أن قادت الرياض الطريق نحو المصالحة مع قطر في قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021. كانت الإمارات أقل حماسًا تجاه هذا التطور، الذي يبدو أنه عكر صفو العلاقة الشخصية الوثيقة بين “محمد بن سلمان” و”محمد بن زايد”، والتي كانت منذ عام 2013 ذات تأثير رئيسي في المشهد السياسي والأمني في الخليج، وفي المنطقة عموما. مؤخرا، أضافت خطط ولي العهد السعودي الاقتصادية الطموحة إلى الخلافات السياسية تنافسا اقتصاديا متزايدا قد يمهد لإعادة تعريف العلاقات السعودية الإماراتية، وربما العلاقات الخليجية بصورة عامة.
طريق السعودية لانتزاع الزعامة الاقتصادية
- تشترك دول الخليج في هدف اقتصادي أساسي، يتمثل في تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط. من المحتمل أن يفتح ذلك الباب أمام التعاون، لكن حملة التنويع هذه تزيد أيضًا من حدة المنافسة على بعض الاستثمارات. خلال الأشهر القليلة الماضية أظهرت السعودية في عدة مناسبات أنها لن تساوم حول حيازة الزعامة الاقتصادية في المنطقة، استنادا إلى الموارد الكبيرة وحجم الاقتصاد والثقل الديمغرافي. ومن ثم، أصبح التنافس الاقتصادي أحد السمات الرئيسية لديناميكيات العلاقة السعودية الإماراتية بصورة خاصة. ويمكن رصد أبرز الخطوات السعودية فيما يلي:
أولا: الانتقال الإجباري من دبي للرياض
- أعلنت المملكة العربية السعودية في فبراير/شباط أنها ستقصر عقود القطاع العام السعودي على الشركات التي يقع مقرها الإقليمي في السعودية اعتبارًا من عام 2024. وبالنظر لكون القطاع العام السعودي المملوك للدولة يمثل القاطرة الرئيسية للمشروعات التنموية في البلاد – كما هو الحال في كافة دول الخليج – فإن الحرمان من التعاقدات الحكومية يعني عمليا الخروج من السوق السعودي الذي يبلغ نحو ضعف السوق الإماراتي من ناحية الناتج المحلي الإجمالي.
- لا شك أن هذا القرار يتوافق تماما مع أهداف رؤية السعودية 2030 التي يشرف عليها الأمير “محمد بن سلمان” للتوسع الصناعي وخلق فرص العمل وتنويع موارد الاقتصاد. لكن بالنظر إلى حقيقة أن معظم الشركات الدولية يقع مقرها الإقليمي حاليًا في دبي، فإن هذا الإعلان يكشف كيف أن المملكة لا تتبنى نهج اقتسام المنافع الاقتصادية حتى مع حليفها الوثيق، وأن ولي العهد السعودي يرى أن بلاده مؤهلة أكثر من غيرها لتبوأ هذا الموقع إقليميا. ومع ترجيح أن تخضع غالبية الشركات لهذا الانتقال الإلزامي، فإن قرارا “اقتصاديا” مثل هذا ستكون له تداعيات استراتيجية على العلاقة بين الحليفين.
ثانيا: التعريفات الجمركية
- في 3 يوليو/تموز 2021، أصدرت الحكومة السعودية قرارًا ينص على أن الوصول التفضيلي إلى الأسواق بموجب اتفاقيات تعريفة مجلس التعاون الخليجي لن ينطبق بعد الآن على البضائع القادمة من المناطق الحرة أو تلك التي تتضمن أي مدخلات “إسرائيلية”. وفقًا للمرسوم السعودي، فإن المنتجات التي تصنعها الشركات ذات القوى العاملة المحلية التي تقل عن 25٪ أو المنتجات ذات القيمة المضافة المحلية أقل من 40٪ سيتم استبعادها من مزايا الوصول التفضيلي للسوق السعودية. تعكس الخطوة السعودية عزما متسارعًا لتحفيز التنمية الصناعية المحلية، من خلال جعل الواردات أقل تنافسية من حيث التكلفة، وسعيا جادا لتحل محل الإمارات كمركز أعمال في المنطقة.
- لكنّ هذا المرسوم، الذي تم الترويج له باعتباره يستهدف دعم توطين الإنتاج الصناعي في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، يستهدف أيضا صراحةً صادرات الإمارات، حيث تمثل المنتجات المصنوعة في المناطق الحرة، ولا سيما “جبل علي” في دبي، نسبة كبيرة منها. لذلك، ظهرت تداعيات القرار على الفور، حيث سجلت الصادرات الإماراتية للسعودية تراجعا بنحو 33٪ على أساس شهري بعد تطبيق هذه الإجراءات في يوليو/تموز الماضي.
- تعتبر السعودية والإمارات شريكان تجاريان مهمان. حيث بلغ متوسط التجارة بينهما 15.5 مليار دولار أمريكي سنويًا في 2019-2020. وعقب اتفاق التطبيع، أبرمت “إسرائيل” والإمارات العديد من الاتفاقيات التجارية حتى أصبحت العلاقات الثنائية وجهًا رئيسيًا للسياسة الخارجية والاقتصادية لكليهما. قاومت السعودية التطبيع، ومن ثم فإن القرار أيضا يضمن عدم وصول أي منتجات ذات مدخلات “إسرائيلية” ليس فقط عبر الإمارات، ولكن أيضا عبر البحرين التي وقعت اتفاقا مماثلا للإمارات مع “إسرائيل”. هذا القرار يعكس رغبة سعودية في تقييد بعض المزايا الاقتصادية التي قد تحققها الإمارات من العلاقة التجارية مع “إسرائيل”.
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. إعادة تموضع استراتيجي في باب المندب والقرن الأفريقي
التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات يُسهم في توتر العلاقات الثنائية
نهاية سياسات الغضب: قوى الشرق الأوسط تعيد التموضع وتفتح أبوابها الموصدة
مخاطر وآفاق الشرق الأوسط في العام 2021
ثالثا: الطيران والموانئ
- بعد أن استهدف في السابق موقع دبي كمركز إقليمي بارز للشركات متعددة الجنسيات، يهدف ولي العهد السعودي إلى مواجهة عمالقة الطيران في المنطقة. ففي إعلان صدر في 30 يونيو/حزيران، قال إنه يريد إنشاء شركة طيران جديدة كجزء من استراتيجية وطنية أوسع للنقل والخدمات اللوجستية، تستهدف جعل السعودية من أفضل خمس خطوط نقل جوي عالمية للركاب، وزيادة عدد الوجهات الدولية إلى 250 ومضاعفة سعة الشحن إلى أكثر من 4.5 مليون طن سنويًا. يعني هذا أن شركة الطيران المزمع إنشاؤها ستكون في منافسة محتدمة مع طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية. كذلك، أعلنت المملكة أنها ستوسع مرافق الشحن لتستوعب 40 مليون حاوية، لتقترب من طاقة ميناء دبي البالغة 43.3 مليون حاوية.
- لكنّ الإعلان حول شركة الطيران فاجأ الخبراء، نظرًا لارتفاع تكاليف إنشاء شركة جديدة من نقطة الصفر في وقت كانت فيه الرياض لديها الكثير من الأولويات الأخرى للتركيز عليها، خاصة مع وجود شركة الخطوط الجوية السعودية. تتمتع المملكة بنقاط قوة مقارنة بأسواق الخليج الأخرى، بما في ذلك عدد أكبر بكثير من السكان، وفي الأوقات غير الوبائية، حصة كبيرة من السياحة الدينية في العالم. كما تلاحظ الحكومة عدد السعوديين الذين يسافرون عبر الدوحة ودبي، والذين من الممكن أن يوفروا أساسًا جيدًا لأي شركة طيران جديدة. ومع هذا، فإن المبالغ الهائلة من الاستثمار في شركة جديدة، مازالت بدون ضمان للنجاح. فقد تكبد مشروع آخر طموح للغاية خسائر مستمرة، هو شركة طيران الاتحاد في أبوظبي، مما اضطره إلى التراجع في مواجهة ظروف السوق الصعبة، رغم بناء أسطول كبير وشبكة طرق واسعة.
الإمارات لم تستسلم
- تدرك الإمارات تفوق الاقتصاد السعودي على اقتصادها من حيث الحجم، وفرص النمو المرتبطة بعدد السكان والعامل الجغرافي والموارد الكبيرة المتوفرة للسعودية. ومن ثم فإنها ليست بصدد التنافس مع السعودية على حجم الاقتصاد، ولكنها في المقابل ليست بصدد الاستسلام إزاء المساعي السعودية لإزاحتها عن موقعها كمركز للأعمال في المنطقة، والتي تتفوق الإمارات على غيرها من دول الخليج في توفير الظروف الملائمة لبيئة الأعمال الجاذبة للشركات الدولية. فبينما ارتفع ترتيب السعودية في سهولة ممارسة الأعمال التجارية عالميا من المرتبة 92 إلى المرتبة 62 العام الماضي، إلا أنها ما تزال بعيدة عن تصنيف الإمارات التي تأتي في المرتبة 16 على مستوى العالم. أي أن الإمارات ستعمل على الاحتفاظ بنقاط تميزها النوعية، كما ستعمل على تعزيز استقلالها الاقتصادي عن السعودية، وهو ما يمكن ملاحظته فيما يلي:
أولا: الدفاع عن الحصة السوقية في أوبك
- في الخامس من يوليو/تموز، علق تحالف أوبك+ (الذي يضم أوبك ومجموعة من المنتجين من خارج أوبك بقيادة روسيا) إلى أجل غير مسمى المحادثات بشأن سياسة الإنتاج الجماعية، بعد أن رفضت الإمارات، بصورة مفاجئة، الاتفاق المقترح والذي كانت تتبناه السعودية. لم يكن اللافت هو عدم توافق الحليفين الخليجيين داخل أوبك حول سياسة الإنتاج المقترحة، ولكن تبادل الانتقاد بين مسؤولي البلدين في المنظمة بشكل علني غير مسبوق طوال سنوات الشراكة التي بدأت منذ عام 2011 على خلفية مواجهة الثورات العربية. تم احتواء الخلاف خلال أيام، وتمكنت الإمارات من تعديل شروط الاتفاق بما يزيد من حصتها الإنتاجية برفع خط الأساس لإنتاجها إلى 3.65 مليون برميل يوميا بدلا من 3.168 م.ب/ي.
- كان التوصل إلى هذه التسوية بمثابة فوز كبير للإمارات، خاصة وأن المسؤولين في السعودية كانوا مصرين على عدم فتح الباب أمام أي مراجعات من المحتمل أن تؤدي إلى مزيد من طلبات الأعضاء. وكان واضحًا أيضًا منذ البداية أن الإمارات كانت تأمل في الوصول إلى حل وسط، وتجنب الاضطرار إلى اللجوء إلى خيار الخروج من المجموعة. شارك مسؤولون كبار في إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” في محادثات الوساطة خوفا من ارتفاع أسعار النفط، ولتجنب حدوث خلاف أوسع بين حليفين رئيسيين لواشنطن.
- سلط هذا الخلاف الضوء على اتجاه أبوظبي المتزايد للرد على دور السعودية التقليدي كقائد لمجموعة المنتجين. أرسلت الإمارات بوضوح رسالة مفادها أنها مستعدة وراغبة في الدفاع عن مصالحها الوطنية، وأن “محمد بن زايد” لا يقبل بصيغة علاقة “أخ أكبر وأخ أصغر” وإنما يرى في بلاده نظيرا للسعودية في المنطقة. وهي رسالة سبق تأكيدها في اليمن حين قررت الإمارات منفردة الانسحاب دون إبلاغ شركائهم السعوديين بشكل كامل.
- وبينما تم حل نزاع أوبك بحل وسط، فإن المنظمة ليست في مأمن من الاشتباكات المستقبلية، لأن الفقاعة مازالت تحت السطح وتتمثل في رغبة العديد من الدول، بما فيها الإمارات، في التحرر من قبضة السعودية الضيقة، أو على الأقل إعادة تعريف علاقتها بالمملكة. لذلك، وعلى الرغم من متانة العلاقات حاليا بين ولي العهد السعودي وأمير قطر، وتقدمها الشامل، إلا أن قطر أكدت خلال الشهر الجاري أن مسألة عودتها لمنظمة أوبك غير واردة. ولن يكون من المستغرب أن تحذو الإمارات حذو قطر وتترك المنظمة، حيث تدرك الدولتان أن نهاية عصر النفط تقترب وتريدان الاستفادة من احتياطياتهما الهائلة قدر الإمكان.
ثانيا: مبادرات اقتصادية
- بدأت الإمارات السماح للأجانب بالتملك الكامل في الأنشطة الاقتصادية ابتداء من بداية شهر يونيو/حزيران. وهي خطوة تأتي تطبيقا لتعديلات قانون الشركات التي أعلنتها الدولة نوفمبر/تشرين ثاني 2020 والتي منحت المستثمرين الأجانب إمكانية تأسيس الشركات وتملكها بشكل كامل دون الحاجة لاشتراط جنسية معينة، كما تم إلغاء الشرط الذي يلزم الشركة الأجنبية التي ترغب في فتح فرع لها داخل الدولة بأن يكون لها وكيل من مواطني الدولة، بهدف “تعزيز مرونة الاقتصاد ودعمه، ورفع جاذبية البيئة الاستثمارية في الدولة”.
- أعلنت السلطات الإماراتية في أوائل سبتمبر/أيلول الجاري أنها تخطط لإطلاق 50 مبادرة اقتصادية جديدة. وأعلنت عن أول 13 مبادرة في 5 سبتمبر/أيلول، تضمنت تخصيص 1.36 مليار دولار أمريكي لدعم القطاعات ذات الأولوية وتحفيز الصناعة والمساهمة في التنويع الاقتصادي. تشمل التدابير المهمة الأخرى مزيدًا من التعديل لقواعد الإقامة الأجنبية: توسيع نطاق العمال (وأسرهم) المؤهلين للحصول على تأشيرات “ذهبية” مدتها عشر سنوات غير مرتبطة بصاحب العمل، وإدخال “تأشيرة خضراء” تمكن المستثمرين ورجال الأعمال من الحصول على الإقامة في الإمارات. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت تأشيرة تستهدف جذب المهنيين ذوي المهارات العالية و”العاملين لحسابهم الخاص” للعمل في مجالات مثل التكنولوجيا. وتأمل السلطات أن تساعد هذه الإجراءات في مواجهة الهجرة الجماعية للعمال الوافدين في ذروة جائحة فيروس كورونا، وجذب العمال القادرين على دعم جهود الإمارات لبناء اقتصاد قائم على الابتكار.
- تتماشى هذه المبادرات الجديدة مع التركيز طويل الأمد على التنويع الاقتصادي بعيدًا عن صناعات الهيدروكربونات، ونحو تطوير الصناعات المتقدمة والاستثمار في التكنولوجيا. ولا يمكن هنا إغفال وجود دافع متسارع وراء هذه الإجراءات، يتمثل في مواجهة الإمارات لمنافسة متزايدة على الصعيد الإقليمي، في ظل تبني جيران الإمارات، ولا سيما السعودية، إصلاحات تهدف إلى جذب الاستثمارات ورأس المال البشري الذي سيؤثر على هيمنة الإمارات. لذلك، كان على أبوظبي اتخاذ موقف استباقي لخلق بيئة صديقة للأعمال في محاولة لدعم نمو القطاع الخاص والحفاظ على تفوق جاذبية الدولة للأعمال.
سباق على القوة الناعمة
- لا يقتصر الأمر على الشركات الأجنبية. ففي أوائل سبتمبر/أيلول أبلغت إدارة قناتي العربية والحدث، المملوكتان للدولة السعودية، العاملين ببدء الانتقال للبث من الرياض، بحيث من المخطط أن تبلغ ساعات البث من الرياض 12 ساعة يوميا اعتبارا من يناير/كانون ثاني 2022، على أن تكتمل عملية النقل تماما خلال نحو عامين. كذلك، فإن كلا من مجموعة “إم بي سي” (MBC)، أكبر شركة إعلامية في الشرق الأوسط والتي تمتلك فيها الحكومة السعودية حصة أغلبية، والشرق للأخبار، وهي قناة إخبارية تلفزيونية حديثة الإنشاء، ناقشتا داخليا أيضا خطط لبدء الانتقال إلى الرياض.
- بعد عامين ونصف من افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي، حول مسؤولو الثقافة الفرنسية والشركات الخاصة انتباههم إلى مشاريع التراث الثقافي الطموحة في السعودية، والتي كان أكبرها تحويل مدينة العلا القديمة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي إلى منطقة جذب سياحي. وقعت فرنسا مع السعودية اتفاقية مدتها 10 سنوات في عام 2018 تمنح باريس دورًا بارزًا في المشروع الذي يغطي منطقة بحجم بلجيكا تقريبًا. وبالإضافة إلى جيش من المستشارين الفرنسيين، تم توظيف شركة العلاقات العامة Publicis، التي يشغل مديرها السابق كليمان ليوناردوزي الآن منصب مستشار اتصالات الرئيس “ماكرون”. ولتعزيز حضورها، يوجد لدى الحكومة الفرنسية أيضًا مستشارين عاملين في وزارة الثقافة السعودية.
- كذلك، يضع “محمد بن سلمان” طاقته في مشروع بقيمة 20 مليار دولار لتطوير موقع بوابة الدرعية التراثي في ضواحي الرياض، وبناء حي جديد حول الموقع لجذب السعوديين والمغتربين العائدين كجزء من طموحاته لمضاعفة عدد سكان الرياض البالغ 5 ملايين نسمة بثلاثة أضعاف بحلول عام 2030.
- في المقابل، تعتبر الإمارات المشاريع الفرنسية السعودية ضارة بمبادرات القوة الناعمة الثقافية التي أبرمتها هي مع فرنسا. فقد كشفت صحيفة La Tribune de l’Art في يوليو/تموز الماضي أن الإمارات تتطلع إلى إدخال بند حصري في عقدها مع فرنسا، والذي يستمر حتى 2037، يستهدف الحد من نطاق مشاركة فرنسا في المشاريع الثقافية السعودية.
- بالإضافة لما سبق، يواجه “التحالف السويسري الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع” (ALIPH)، تحديات مماثلة نتيجة التنافس السعودي الإماراتي. تأسست المنظمة نتيجة شراكة بين كل من رجل الأعمال توماس كابلان والإمارات وفرنسا والولايات المتحدة. وفي مارس/آذار، انضم للمنظمة رئيس مجلس إدارة هيئة العلا “بدر بن عبد الله”، وهي خطوة تعكس تصميم السعودية على أن يكون لها رأي في التراث الثقافي المهدّد ليس فقط في المنطقة، ولكن في أجزاء أخرى من العالم.
إقرأ أيضاً:
اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد “بايدن”
تقرير حالة دولة الإمارات العربية المتحدة
تداعيات أزمتي كورونا والنفط على القطاع الخاص الإماراتي
التنافس الاقتصادي في سياق جيوسياسي أوسع
- بينما تخيم أجواء التنافس الاقتصادي على علاقات السعودية والإمارات، تقترب قطر وعُمان من قيادة سعودية حريصة فيما يبدو على تطوير سمعة دولية أفضل. وتشير مستجدات علاقات السعودية مع الإمارات وقطر وعُمان، بعد تسعة أشهر فقط من قيادة الرياض الطريق في رأب الصدع مع قطر، إلى أن مجلس التعاون الخليجي يشهد إعادة ترتيب داخلية.
- يبدو أن زيارة السلطان “هيثم بن طارق آل سعيد” إلى السعودية تضع مسقط بقوة في المعسكر السعودي لأسباب ليس أقلها الفوائد المحتملة التي قد تتدفق على الاقتصاد العُماني الذي يعاني. فيما أقامت قطر علاقة أقوى مع الرياض، كما يتضح من زيارات الشيخ تميم بن حمد المتكررة إلى السعودية.
- وعلى الرغم من المرارة التي خلفها الانسحاب الإماراتي من اليمن، فإن أبوظبي أيضا تشعر بالمرارة؛ ففي الغرف المغلقة، يعرب مسؤولو أبوظبي عن استيائهم من المواقف السعودية تجاه الإمارات. ويقولون، بحسب جيوبوليتكال فيوتشرز، إن البلدين اتفقا على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في وقت واحد، لكن الملك “سلمان بن عبد العزيز” رفض المضي قدما في الصفقة؛ ما جعل الإمارات تبدو كمن تخلى عن القضية الفلسطينية.
- في المقابل، زادت عُمان بشكل مطرد من نفوذها في اليمن. حيث سعى السلطان “هيثم آل سعيد” إلى حماية الأمن العُماني من خلال محادثات مباشرة مع الحوثيين. تدعم علاقة مسقط التاريخية مع محافظتي المهرة وحضرموت في شرق اليمن دورها في تلك البلاد وتضفي عليه الشرعية، حيث توفر السلطنة قاعدة للعديد من زعماء القبائل اليمنية ورجال الأعمال، وهناك العديد من المواطنين العُمانيين في المهرة. لذلك، يمثل الحفاظ على الاستقرار في هذه المناطق ضرورة للأمن القومي العُماني خوفًا من احتمال وصول الصراع والحرب إلى أراضيها.
- في المقابل، أدت علاقة عُمان الحذرة مع الإمارات وانعدام الثقة الأوسع بين الدولتين وتداخل الجماعات عبر حدودها المتبادلة في بعض الأحيان إلى تأجيج التوترات بينهما. حيث تلقي مسقط باللوم على أبوظبي في تشجيع الاضطرابات الاجتماعية في الشمال العُماني – وخاصة في شبه جزيرة مسندم. مزيج المخاوف الأمنية والضغوط الاقتصادية والشكوك المتعلقة بأهداف الإمارات شجع السلطان “هيثم آل سعيد” على تطوير نهج جديد تجاه السعودية.
- لم يمر الدفء في العلاقات بين الرياض ومسقط – الذي أكدته زيارة وزير الاستثمار السعودي “خالد الفالح” في أواخر أغسطس/آب – دون أن يلاحظه أحد في أبوظبي. حيث قاد “الفالح” وفدا من كبار المسؤولين الحكوميين ومستثمري القطاع الخاص من الرياض إلى “منتدى الاستثمار السعودي العُماني”، الذي استضافه مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض بمسقط يوم 30 أغسطس/آب، إلى جانب “مجلس الأعمال السعودي العُماني المشترك”.
- كانت الإمارات تحاول تقويض الديناميكية السعودية العُمانية، لاعتبارات جيوسياسية ولأنها تزيد من مجال المنافسة التجارية. فمثلا، تم الكشف خلال الصيف أن شركة أسياد للملاحة المملوكة للهيئة العُمانية للاستثمار تفكر في شراء موانئ ومحطات في الخارج، ربما في شرق إفريقيا والهند. وهذا ما يجعلها منافسًا محتملاً لموانئ دبي العالمية. وبعد أن أعلن الجانبان في يوليو/تموز، خلال زيارة السلطان هيثم إلى السعودية، الاتفاق على تسريع الانتهاء من الطريق البري الرابط بين البلدين بطول نحو 800 كم؛ عقد مسؤولون أمنيون عُمانيون وسعوديون محادثات في 13 سبتمبر/أيلول حول تطوير معبرهم الحدودي، الذي سيمكّن حركة المرور المباشرة بين السلطنة والمملكة. وفي الوقت الذي يتم فيه تسويق الطريق البري والمعبر الحدودي الجديد كمبادرة اقتصادية، فإن له اعتبارات سياسية واضحة؛ فحتى الآن على الشاحنات والسيارات السفر عبر أبوظبي. كما ستمنح عُمان السعودية إمكانية الوصول المباشر إلى المحيط الهندي، عبر شبكة موانئها سريعة التطور.
- وتشمل التطورات المحتملة، والتي تم الإعلان عنها مؤخرا، خط أنابيب لتصدير النفط الخام السعودي عبر عُمان متجاوزا مضيق هرمز، عبر استخدام الميناء الجديد في مدينة “الدقم” ومرافق تخزين النفط الضخمة تحت الأرض التي يتم بناؤها بالقرب من منطقة “رأس مركز“. كما أعلنت مسقط في 25 أغسطس/آب أن عقد بناء طريق بطول 52 كيلومترا بين “رأس مركز” و”الدقم”، رسا على شركة إنشاءات عُمانية سعودية مشتركة. وسيكتمل بناء هذا الطريق بحلول عام 2024.
- من بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وقعت البحرين في منتصف الطريق بين السعودية التي كانت تتمتع تقليديًا بأقوى اعتماد اقتصادي عليها ودولة الإمارات التي ترتبط معها بشكل وثيق في قضايا مثل عدم الثقة في قطر والحماس لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. يبقى أن نرى ما إذا كان الملك “حمد بن عيسى آل خليفة” سيحافظ على مسار ثابت بين الرياض وأبوظبي أم أنه سيضطر للميل أكثر نحو أحدهما. فيما يبدو من المرجح أن تظل الكويت بمعزل عن إعادة ترتيب الولاءات داخل مجلس التعاون، نتيجة لقوتها المالية النسبية، مقارنة بالبحرين وسلطنة عُمان.
استشراف المآل
- بعد تراجع “التهديدات المشتركة” للبلدين عن سلم الأولويات والتي ارتبطت بثورات الربيع العربي وصعود الأحزاب الإسلامية، يبدو أن العلاقة الثنائية بين السعودية والإمارات تختتم عقد الشراكة الوثيقة، وتعود مجددا لطابعها التنافسي الذي سيضع فيه كل طرف اعتباراته الوطنية والمحلية أولوية يدافع عنها. لذلك، فإن التنافس الاقتصادي من المرجح تماما أن يستمر وربما تتصاعد حدته بين الحين والآخر. ورغم جدية السعودية في الانفراد بالزعامة الاقتصادية في المنطقة، فإن الإمارات ستظل مركز الأعمال الرائد في منطقة الخليج، خلال السنوات القليلة القادمة على الأقل.
- وعلى الرغم من أن الخلاف حقيقي، وربما خطير، فإن السعودية والإمارات ما تزالان في إطار تعاون استراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي لأنهما يواصلان تشارك مصالح تجعلهما شريكين في كثير من الأحيان رغم التنافس الثنائي. يرى الجانبان التهديدات بشكل مختلف إلى حد ما، بيد أن كلاهما لديه نفس المخاوف الرئيسية: إيران وشبكة وكلائها الإقليميين خاصة مع احتمالات التوصل لاتفاق نووي، تركيا ونفوذها الإقليمي الناشئ، والتهديد المستمر لبعض الجماعات، وبالتأكيد أي دور محتمل للأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية.
- وفي منطقة منقسمة بين قوى الوضع الراهن وقوى التغيير، فإن الإمارات والسعودية راسختان في معسكر الوضع الراهن. ويعد الخلاف الحالي في جزء منه طبيعياً بين الدول المتحالفة، خاصةً أنه خلاف لا يمزق شراكتهم الأساسية في مصالح ذات طابع استراتيجي. ومن ثم، فإن العلاقات الثنائية من المتوقع أن تستمر رغم الخلافات، كما حدث عندما اختلف الطرفان حول قضايا مثل اليمن وقطر و”إسرائيل” وتركيا، لأن الفوائد من هذه العلاقة مازالت تفوق التكاليف.
- وهناك مؤشرات يمكن مراقبتها للمساعدة في تحديد الاتجاه الذي قد تسير فيه العلاقات:
- إلى أي مدى ستتحدى الإمارات السعودية، كما فعلت في مواجهة “أوبك+”، دون التشكيك أو تقويض الدور القيادي الأكبر للسعودية؟
- استمرار القدرة على التنسيق السياسي إقليميا رغم المنافسة الاقتصادية. أي قدرة كلا البلدين على تجزئة الخلافات في فترات الخلاف، دون السماح لعلاقاتهما بالتحول إلى التوتر.
- كيف ستؤثر التطورات المحلية والإقليمية والعالمية المتغيرة بسرعة على تصوراتهم للتهديدات والمكانة الجيوسياسية؟ سيكون من المهم هنا بشكل خاص مراقبة أي تحول “حقيقي” في مواقف الحليفين تجاه تركيا وإيران و”إسرائيل”. فقيام أي من الطرفين بخطوة استراتيجية تجاه أي من هذه القوى تضر بمصالح الطرف الآخر، ولا شك ستعكس تحولا حقيقيا أوسع من مجرد التنافس الاقتصادي بين الحلفاء.
- من جهة أخرى، فإن تصاعد التنافس الاقتصادي سيكون له مع الوقت تأثيرا ملموسا على الواقع الجيوسياسي في الخليج والمنطقة. حيث بدأت تظهر بالفعل مؤشرات ذلك بالنظر لتنامي علاقات السعودية مع سلطنة عُمان، والسعودية مع قطر؛ ومثّل الاقتصاد البوابة الرئيسية لنمو العلاقات بين مسقط والرياض، فالمشروعات الاقتصادية بينهما مثل خطوط الأنابيب على سبيل المثال تعيد تعريف العلاقات السياسية والاعتبارات الجيوسياسية في المنطقة.
- لذلك، فإن التنافس الاقتصادي لن يسير بمعزل عن السعي للهيمنة الجيوسياسية في الخليج. وعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أنه من غير المرجح أن يكون الأمير “محمد بن سلمان” سعيدًا بأن الإمارات ما تزال تسعى للحصول على قدرة جوية هجومية على شكل طائرات F35 وطائرات بدون طيار مسلحة من طراز MQ-9B وطائرة EA-18G Growler. هذه الحزمة ستجعل من أبوظبي القوة الجوية الأولى في الخليج، وهو المركز الذي احتلته الرياض منذ عقود. وبالمثل، تلقت الإمارات العام الماضي باتفاقها مع “إسرائيل” نفوذاً إضافياً لمواصلة الدفاع عن مصالحها في المنطقة. نرجح أن التنافس بين البلدين، وداخل مجلس التعاون بصورة عامة، سيشمل أبعادا جيوسياسية أوسع من الاقتصاد، دون أن يعني هذا بالضرورة أن علاقات التعاون القائمة تتجه للانهيار.
المصادر
Al-Saif, B. (2021, July 7). Battle of the barrels. Carnegie Middle East Center.
Gulf States Newsletter. (2021, July 15). Riyadh and Abu Dhabi become a coalition of the less willing.
Gulf States Newsletter. (2021, July 15). Gulf alliances start to shift, from Abu Dhabi to Riyadh to Muscat.
Gulf States Newsletter. (2021, September 16). Distrust between Oman and UAE feeds into Yemen strategies.
The Economist Intelligence Unit (EIU). (2021, July 7). Saudi customs tariff rules target UAE free zones. EIU ViewsWire, Series 19 of 35, P. 19.
The Economist Intelligence Unit (EIU). (2021, August 6). Mideast Gulf States united, but tension lurks.
Intelligence Online. (2021, July 20). Paris caught in UAE-Saudi Arabia power struggles over arts programmes.
Ibish, H. (2021, July 8). The UAE and Saudi Arabia: The Partnership Endures Despite Oil Dispute. The Arab Gulf States Institute in Washington.
Khashan, H. (2021, July 15). The Saudi-UAE alliance turns sour. Geopolitical Futures.