الحدث
أعلنت الصين والهند يوم الجمعة 25 أكتوبر/تشرين أول الجاري بدء تنفيذ اتفاق إنهاء المواجهة العسكرية على حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، وذلك عقب توصل البلدين في 22 من الشهر الجاري إلى اتفاقية بشأن تسيير دوريات مشتركة على الحدود، لم تعلن تفاصيلها بعد، فيما يمثل أكبر تحسن للعلاقات بين بكين ونيودلهي منذ الاشتباكات الحدودية بين البلدين عام 2020. وقد بدأت القوات على جانبي الحدود الانسحاب من منطقتي ديبسانج وديمشوك، وإزالة هياكل مثل الأكواخ والخيام إلى مواقع كانت موجودة فيه قبل بدء الصراع في أبريل/نيسان 2020.
التحليل: الاتفاق لا يبشر بتحول استراتيجي في علاقات الصين والهند
يعد الاتفاق خطوة جيدة في طريق احتواء التوتر بين القوتين الآسيويتين، ويقلل مخاطر المواجهة الحدودية التي كانت معرضة للاشتعال في أي وقت، كما يبرز قدرة الدولتين على إدارة التوترات بينهما رغم احتدام التنافس الجيوسياسي. ومع ذلك، لا يشير الاتفاق إلى عودة العلاقات الهندية الصينية قريباً إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 2020، كما لا يبشر بتحول استراتيجي في جوهر الصراع القائم بينهما، ويعود ذلك إلى عدة أسباب جوهرية:
- أولاً، يمتد تاريخ الصراع الحدودي بين الصين والهند لعقود طويلة، ومتروك دون حسم نهائي، ومن الواضح أن الاتفاقية الراهنة لم تتطرق لمسألة ترسيم الحدود، ولا تعني بالتالي انتهاء النزاع طويل الأمد، وإنما احتواء التوتر العسكري وبقاء الوضع عند خط السيطرة الفعلي. ولا شك أن هذه الموجة من المواجهات العسكرية تسببت في اتساع فجوة عدم الثقة بين الهند والصين، وأظهرت للهند أن لدي الصين نوايا عسكرية لحسم هذا الصراع الطويل.
- ثانياً، لا تنظر بكين بشكل إيجابي إلى التعاون الدفاعي المتزايد بين نيودلهي وواشنطن؛ إذ تعتبره الصين، عن حق، خطوة أساسية ضمن استراتيجية واشنطن الأوسع لاحتواء بكين. وتشير التقديرات إلى نمو هائل في التعاون الدفاعي بين الهند وأمريكا إذ كانت الصفقات الدفاعية بين البلدين قريبة من الصِفر في عام 2008 بينما بلغت أكثر من 20 مليار دولار في عام 2020.
- ثالثاُ، من المؤكد أن التنافس الجيوسياسي بين بكين ونيودلهي سيستمر في تشكيل علاقتهما الثنائية؛ إذ تتصادم طموحات الصين لتوسيع نفوذها في منطقة الإندو-باسيفيك مع المخاوف الأمنية والجيوسياسية الهندية حول مجال نفوذها في المحيط الهندي. وتسعى بكين إلى تطويق نيودلهي عبر بناء علاقات وثيقة مع الدول المجاورة للهند، بما يشمل باكستان وبنجلاديش وسريلانكا ونيبال وجزر المالديف، وفي المقابل تعمق الهند علاقتها مع غالبية دول الجوار، كما بدأت في تطوير العلاقات الدفاعية والاستراتيجية مع دول جنوب شرق آسيا مثل سنغافورة والفلبين وفيتنام، فضلا عن الشراكة الناشئة مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.
أشعل قدوم الرئيس الصيني شي جين بينج للسلطة في عام 2013 الصراع الحدودي بين بكين ونيودلهي، بعد أن ساد السلام والهدوء على طول الحدود المتنازع عليها تاريخياً بين البلدين لمدة ثلاثة عقود. فقد استولت الصين في أربع مناسبات بين عامي 2013 و2020 على أجزاء من الأراضي على طول الحدود الهندية الصينية في جبال الهيمالايا. ووصل الصراع الحدودي إلى ذروته بين الجارتين في ربيع 2020 بعد اشتباكات عنيفة في وادي جالوان في منطقة لاداخ الحدودية في أقصى شمال الهنـد مما أدى إلى سقوط قتلى من الجانبين لأول مرة منذ 45 عاما.
أدت حادثة 2020 إلى تغير لافت في الاستراتيجية الهندية التي اعتمدت على ضبط النفس في مواجهة محاولات الصين المتكررة لتغيير الوضع على الأرض، فقد عززت نيودلهي وجود قواتها على طول الحدود مع الصين والتي تبلغ 3500 كيلو متر؛ مما أدى إلى زيادة الوجود العسكري للبلدين على الحدود المتنازع عليها بما يزيد عن 60 ألف جندي لكل دولة. بالإضافة إلى ذلك، عززت الهند العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، لتحديث تقنيات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والقدرات اللوجستية التي تعزز تأمين حدودها مع الصين.
في الأجل القريب، يخفف احتواء التوتر العسكري مع الصين من الضغوط على نفقات الهند الدفاعية ويسمح لها بالتركيز على النمو الاقتصادي. وترغب الهند في استثمار الرسوم الجمركية التي فرضتها أمريكا وشركاؤها على السلع الصينية وذلك من خلال جذب الشركات الصينية للتصنيع داخل الهند ثم التصدير إلى جميع أنحاء العالم، وقد رفعت الهند القيود المفروضة على الاستثمارات الصينية قبل وقت قصير من الاتفاقية الحدودية.
من جانبها؛ تحاول بكين من خلال الاتفاق احتواء مخاوف جيرانها وترميم الموثوقية معهم كشريك وليس كتهديد، إذ أدى تزايد أنشطة بكين العسكرية في مياه بحر الصين الجنوبي وحول جزيرة تايوان إلى دفع عدد من جيرانها، بما في ذلك الهند، إلى إقامة علاقات أمنية أوثق مع واشنطن.