مع استقبال وفد أوكراني.. إدارة سوريا الجديدة توازن العلاقات بين روسيا والغرب
سياقات - يناير 2025

الخبر

قاد وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيا وفدًا كبيرًا إلى سوريا في 30 ديسمبر/كانون أول 2024، في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، بهدف إقامة علاقات دبلوماسية مع القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع. وأعلن سيبيا أن أوكرانيا أرسلت 500 طن من دقيق القمح إلى سوريا، وأكد على التزام أوكرانكييفيا بدعم الأمن الغذائي في سوريا. ركزت المناقشات على بناء تعاون استراتيجي في كافة المجالات والقطاعات، بما في ذلك المشاريع المشتركة في الإنتاج الصناعي والغذائي، وتبادل التكنولوجيا، والأمن السيبراني.

سوريا تتجه لبناء العلاقات مع روسيا وفق منطق المصالح لا التبيعة 

التحليل: سوريا تتجه لبناء العلاقات مع روسيا وفق منطق المصالح لا التبيعة 

إن تطور العلاقات السورية الأوكرانية قد ينعكس بشكل إيجابي في عدد من الملفات، لكن لا يتوقع أن تكون تلك العلاقات على حساب قطع العلاقات مع روسيا. ويرجح أن يتخذ الشرع والإدارة الجديدة أدوار متوزانة مع روسيا تهدف إلى إعادة هندسة العلاقة بين البلدين دون قطعها. نرجح أن أولوية الشرع في الأجل القصير ستكون لبناء تفاهمات مع الولايات المتحدة والغرب لرفع العقوبات وتسوية ملف السيطرة الكردية، ووقف الاستهداف الإسرائيلي. لكن وعلى الرغم من أن ضعف روسيا على المستوى الدولي أصبح ظاهرا، وتجلى بصورة سافرة في سوريا نفسها، إلا أن موسكو تظل مهمة لتنويع بدائل الإدارة السورية الجديدة. 

قطعت أوكرانيا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا عام 2022 بعد اعتراف الأسد بضم روسيا للأراضي الأوكرانية بعد الهجوم الروسي في فبراير/شباط 2022 وهو ما تبعه قطع العلاقات من طرف سوريا في يوليو/تموز من نفس العام، وعملت أوكرانيا على فتح علاقات مع المعارضة في شمال سوريا حينها. ولعب الدعم العسكري الأوكراني دورًا متواضعًا في الإطاحة الفعلية بالأسد، إلا أنه كان مهمًا كجزء من جهد أكبر لتحدي الهيمنة الروسية. وبحسب تقارير، فقد زودت أوكرانيا هيئة تحرير الشام، بنحو 150 طائرة بدون طيار و20 مشغل لطائرات بدون طيار بهدف تعزيز قدراتها لاستهداف وتحييد المشاركة الروسية من قاعدتي حميم الجوية وطرطوس البحرية ونقاط تمركز قواتها. 

تأتي الزيارة الأوكرانية لسوريا كخطوة متوقعة ومتوافقًة مع سياسات الدول الغربية كاتجاه عام نحو إنشاء علاقات مع أحمد الشرع والإدارة الجديدة. كما تأتي الزيارة في إطار رغبة أوكرانيا بتقويض النفوذ الروسي في سوريا وذلك ضمن سياسة عامة تهدف إلى مكافحة النفوذ الروسي في العديد من المناطق، وتوظف كييف خلالها استراتيجيات دبلوماسية وعسكرية وإعلامية لمواجهة مصالح موسكو. ونشير في هذا السياق إلى الدعم الأوكراني  للجماعات المسلحة والمتمردة في مالي والنيجر وبوركينافاسو. كما برز بشكل واضح في الدعم الذي قدمته أوكرانيا للمتمردين في شمال مالي في نصب كمين لعناصر فاغنر في 27 يوليو/تموز مما تسبب في مقتل 84 عنصر من فاغنر و47 من القوات المالية.

بالرغم مما تقدمه الزيارة الأوكرانية من دعم شرعية دولية للنظام الجديد وفتح المجال لتطوير مجالات أخرى كالتعليم والصناعة والتكنولوجيا والغذاء، إلا أن دعوة وزير خارجية أوكرانيا إلى قطع علاقات سوريا الجديدة مع روسيا قد لا تحظى بقبول من أحمد الشرع والقيادة الجديدة. وتنظر أوكرانيا إلى تلك الخطوة كفرصة يمكن أن تحقق بها مكاسب استراتيجية في تحقيق اختراق في منطقة الشرق الأوسط لدفع الدول في اتخاذ قرارات سلبية تجاه روسيا تزيد من إضعاف روسيا على المستوى الدولي.

تشير تصريحات أحمد الشرع عن روسيا قبيل وصول الوفد الأوكراني بيوم إلى براغماتية وفهم لعمق المصالح الاستراتيجية التي يمكن أن تؤديها سوريا مع الأطراف الدولية متجاوزة نسبيا عن تاريخها مع النظام السابق. إذ أكد الشرع أن سـوريا لا تريد أن “تغادر روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها الطويلة الأمد” مع البلاد. وهو ما يشير إلى الرغبة في الحفاظ على علاقات مع روسيا، مما قد يضمن لها أن تمارس دورا في المشهد المستقبلي في سوريا لكن وفق قواعد وأسس مختلفة تلغي نمط التبعية وتؤسس لعلاقات متوازنة.

تعكس توجهات الشرع فهمًا للتعقيدات الجيوسياسية المحيطة بسـوريا، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع القوى الإقليمية وفي مقدمتهم تركيا، وإيران، والسعودية، و”إسرائيل”. وتشير دعوته إلى إقامة علاقات متوازنة إلى إدراك الحاجة إلى التنقل بين هذه التحالفات بعناية مع ضمان بقاء المصالح السورية في مركز الاهتمام، كما تؤكد حرصه على صناعة بدائل وسط ضبابية الدور الأمريكي الذي قد يتضح مع قدوم الإدارة الجديدة برئاسة ترامب إذ سيكون ملف “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) وآليات دمجها في النظام الجديد محل اهتمام الإدارة الأمريكية، وكذلك سيكون ملف العلاقات مع “إسرائيل” أحد الملفات التي قد تمارس أمريكا ضغوطا فيها.