الحدث
الثلاثاء الماضي، عقد الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي اجتماعا -عن بعد- على وقع تصاعد الأحداث والتوترات شرق أوكرانيا، إذ تحشد روسيا ما يقرب من 100 ألف جندي وعدد ضخم من المعدات العسكرية على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا. جاءت التعزيزات العسكرية الروسية في أعقاب ضربة أوكرانية استهدفت انفصاليين مدعومين من روسيا في إقليم “دونباس” شرق أوكرانيا نهاية شهر أكتوبر عبر طائرة مسيرة تركية الصنع. الأمر الذي أثار تخوفات لدى أمريكا وأوروبا من احتمالية اجتياح الروس لأوكرانيا في مطلع عام 2022.
جذور الصراع
- على مدار السنوات السبع الأخيرة تصاعدت التوترات بين روسيا وأوكرانيا أكثر من مرة على خلفية عدم التزام أي من الطرفين ببروتوكل “مينسك”، وهو اتفاق جرى توقيعه بين الطرفين في عام 2015 بعد السيطرة الروسية على شبة جزيرة القرم، ورغم أن الاتفاق تسبب في انسحاب القوات الروسية من شرق أوكرانيا آنذاك إلا أن أوكرانيا لم تلتزم ببنود الاتفاق المتعلقة بمنح سلطات وصلاحيات سياسية لـ”الانفصاليين” في المناطق التي يسيطرون عليها ولم تعالج أوضاعهم القانونية في دستور جديد، حيث ترى أوكرانيا أن هذه الإجراءات تنتقص من سيادتها وتمنح روسيا نفوذا داخل أراضيها، وفي المقابل يستمر الدعم الروسي للانفصاليين الذين يواصلون نشاطهم العسكري في شرق أوكرانيا.
قراءة وتحليل
- تدرك روسيا الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا وتعتبرها من الدول التي تقع ضمن مجال نفوذها، مما يجعل من تعميق أوكرانيا لشراكتها الاستراتيجية مع أمريكا والغرب لاسيما التعاون الأمني والعسكري المتزايد، ومن تعزيز تواجد الناتو بالقرب من الحدود الروسية، مصدرا رئيسيا لقلق وغضب القيادة الروسية التي ترى في هذه الإجراءات تهديدا مباشرا لها.
- ما تسعى إليه روسيا من خلال التصعيد العسكري هو الوصول إلى تسوية أوسع مع أمريكا والناتو بخصوص أوكرانيا، ويبدو أن مضامين التسوية تشمل الحد من توسع الناتو شرقا قرب الحدود الروسية، مع الحصول على ضمانات بعدم تدخل أمريكا وأعضاء الناتو في تلك المنطقة، وتشمل أيضا امتثال أوكرانيا لاتفاقية مينسك التي تراها روسيا أداة للسيطرة على أوكرانيا وعرقلة خطواتها نحو الغرب.
- تدرك أمريكا وأوروبا العمق الاستراتيجي الذي تمثله أوكرانيا لروسيا وهو ما يعني أن علاقاتهما القوية مع أوكرانيا تحقق هدف حيوي يتمثل في استنزاف روسيا وإضعافها، ومع ذلك هناك صعوبات أمام انضمام أوكرانيا للناتو بسبب ما يمكن أن يسببه ذلك من استفزاز لروسيا، وعقبات أمام انضمام كييف للاتحاد الأوروبي بسبب أزماته الداخلية. حتى اللحظة، لم تبد الإدارة الأمريكية موقفا حازما ولم تعلن بشكل واضح عن عقوبات سياسية واقتصادية تردع روسيا عن المضي في التصعيد العسكري، ويبدو أن السبب في ذلك يعود حاليا إلى تركيز أمريكا على مواجهة الصين، وعدم دفع روسيا للتوجه نحو الانحياز الكامل للمعسكر الصيني، بالإضافة إلى إدراك أمريكا لإمكانات قوات الناتو هناك.
إقرأ أيضاً:
قمة الناتو 2030 تطلق مواجهة مفتوحة بين الغرب والتحالف المضاد لها
الجمود والأفق المسدود في تسوية الأزمة السورية
نورد ستريم 2: تدفق نفوذ روسيا الجيوسياسي إلى أوروبا
تقرير حالة دولة: روسيا
استشراف المستقبل
- تظل احتمالات الاجتياح الروسي لشرق أوكرانيا قائمة، وسيكون التدخل العسكري المباشر في أوكرانيا صعبا على أمريكا والناتو، وستبقي العقوبات القاسية هي خيارهم الأكثر ترجيحا لردع روسيا، ومن المرجح أيضا أن تدفع أمريكا في اتجاه إقناع أوكرانيا نحو الالتزام باتفاقية مينسك الأمر الذي قد يؤدي إلى وقف التصعيد الروسي وتجنب مواجهة عسكرية محتملة.
- على الجانب الآخر، من المحتمل أن تواصل روسيا تواجدها العسكري على الحدود الأوكرانية وأن يستمر تلويحها بالخيار العسكري حتى تحقق نتائج ملموسة بشأن الأزمة الأوكرانية، ويبدو أن أوكرانيا ستخرج من الأزمة أكثر ضعفا بعد فقدانها السيطرة الفعلية على الجزء الشرقي من أراضيها في إقليم دونباس. في المقابل، من غير المرجح أن تستجيب أمريكا وأوروبا لمطالب روسيا بشأن الحصول على ضمانات للحد من أنشطة الناتو داخل أوكرانيا، ما يعني أن الوصول إلى حل شامل للأزمة الروسية الأوكرانية ليس سهلا، على المدى القريب.