الخبر
أعلن البنتاغون أنه قصف 30 هدفاً في اليمن منذ يوم السبت 15 مارس/آذار، وأوضحت القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم) أن الغارات ضربت أهدافا لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، بهدف “ردع الأعداء واستعادة حرية الملاحة البحرية”. وقالت وسائل إعلام تابعة للحوثيين إن نحو 40 غارة أميركية استهدفت صنعاء وصعدة والبيضاء، وأكدت وزارة الصحة اليمنية مقتل 53 شخصاً على الأقل، من المرجح أن بينهم كوادر في جماعة أنصار الله. في مقابل ذلك، استهدف الحوثيون حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” في البحر الأحمر. وفي 16 مارس/آذار، قال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن “الحوثيين يتخذون قراراتهم بشكل مستقل”، مؤكدًا أن إيران لا تتدخل مباشرة في هجماتهم. وفي خطاب تلفزيوني، قال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي: “سنواجه التصعيد بالتصعيد”. فيما كتب ترامب على منصة Truth Social مهددًا “إذا لم تتوقف هجمات الحوثيين فورًا، فسوف تمطر عليكم جهنم كما لم تروا من قبل!” كما حذر إيران من “عواقب وخيمة”، قائلا إن القيادة الإيرانية ستُعتبر مسؤولة عن كل طلقة أطلقها الحوثيون.

التحليل: أمريكا تهاجم اليمن والحوثيون يميلون للتصعيد لكنّ الجغرافيا السياسية تقيدهم
مع تقدم المفاوضات بين روسيا وإدارة ترامب، وحرص إيران على تجنب أي تصعيد عسكري مع الولايات المتحدة، فإن الحوثيين سيواجهون معادلة جيوسياسية أوسع من قدراتهم. وإذا توسعت الهجمات الأمريكية بما يهدد بتقويض قدرة الجماعة على ممارسة السلطة في مناطق سيطرتها، فإن الحوثيين سيعيدون ضبط استراتيجيتهم بما يجنبهم مواجهة حرب شاملة دون حماية من إيران أو روسيا.
ترسل الهجمات الأمريكية رسالة واضحة حول نهج ترامب الذي تتم قراءته بصورة خاطئة على نطاق واسع في المنطقة؛ إذ يسود افتراض أن ترامب يتجنب الحروب والعمليات العسكرية نظرا لأنه يرغب بقوة في إنهاء حرب أوكرانيا، كما ضغط من أجل التوصل لصفقة تبادل الأسرى في غزة حتى قبل تسلمه الرئاسة رسميا.
لكنّ سعي ترامب لإنهاء الحروب لا يعني أبدا أنه سيتجنب العمليات العسكرية. في الواقع، تؤدي رغبة ترامب لإنهاء الحروب لتبنيه نهجا عسكريا حاسما يستهدف إخضاع الأطراف الأخرى ومن ثم دفعها لوقف الحرب. لذلك؛ فإنه يتبنى مقاربة أكثر حسما ضد الحوثيين مقارنة بإدارة بايدن. وفي اليوم الثاني من تنصيبه رئيسا، أعاد البيت الأبيض تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ودخل التصنيف حيز التنفيذ في 4 مارس/آذار الجاري، بهدف ممارسة مزيد من الضغط على الحوثيين لوقف الهجمات.
ويعزز سلوك ترامب في غزة من هذا الاستنتاج. إذ يمارس ترامب ضغطا متزايدا على حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية، ولم تظهر إدارته أي تردد في دعم استئناف الحرب بقسوة على قطاع غزة فجر الثلاثاء 18 مارس/آذار، بهدف إخضاع حماس وإجبارها على القبول بشروط الاحتلال لإنهاء الحرب.
لذلك؛ من المتوقع أن تستمر الحملة العسكرية الأمريكية على اليمن لعدة أسابيع، ومن المرجح أن تتوسع لتشمل مواقع إضافية في اليمن. لكنّ استمرار الحملة الجوية حتى مع تصاعدها يعني أن واشنطن تستهدف ردع الحوثيين وإيقاف هجماتهم وليس إلحاق هزيمة كاملة بالجماعة وإنهاء سيطرتها على صنعاء وشمال اليمن، لأن هذا يتطلب حملة برية أوسع. ومع هذا، فقد تؤدي الحملة الجوية إذا طالت مدتها إلى تصعيد إقليمي خطير. إذ صرح مايك والتز، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في 16 مارس/آذار، أن الضربات الأمريكية رسالة تحذيرية لإيران، مشيرًا إلى أن استهداف الأصول الإيرانية في اليمن قد يكون جزءًا من الحملة ضد الحوثيين.
إذا قررت الولايات المتحدة استهداف السفن الإيرانية التي من المحتمل أنها تقدم دعما للحوثيين، أو المستشارين الإيرانيين الداعمين للجماعة، فمن المحتمل أن تتسع دائرة الرد الحوثي والإيراني لتشمل منشآت النفط والغاز الإقليمية في الخليج العربي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، خاصة وأن الحوثيين قد يتهمون الإمارات أو السعودية بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، حتى لو لم تقدم هذه الدول دعمًا مباشرًا للحملة العسكرية، وبالتالي قد تعود الجماعة لاستهداف الأراضي السعودية أو الإماراتية.
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى ثم حرب غزة، أظهر الحوثيون – بخلاف باقي مكونات “محور المقاومة” الإيراني – استقلالا نسبيا عن طهران، واتسم سلوكهم بنهج أكثر جرأة مقارنة بالمجموعات المسلحة العراقية على سبيل المثال. ويمكن القول دون مبالغة إن الحوثيين ذهبوا أبعد بكثير مما توقعت إيران، وربما أبعد مما تريد. ويرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين:
- الأول: نظرة الحوثيين لأنفسهم وللصورة التي يريدون ترسيخها حول الجماعة عربيا وإسلاميا. فقد أرادت الجماعة تقديم نفسها ليس كمجموعة متمردة محسوبة على إيران، وإنما كحركة مقاومة يمكنها التأثير في صراع إقليمي واسع، وذلك بهدف تعزيز شرعيتها محليا وإقليميا.
- ثانيا: على وقع قدرتهم على تعطيل الملاحة الدولية، طور الحوثيون علاقات خاصة مع كل من روسيا والصين خلال الأشهر الماضية، وثمة تقارير حول تلقيهم دعما استخباراتيا من روسيا، وإرسال مقاتلين من اليمن إلى ساحة المعركة في أوكرانيا. ولا شك أن شراكة من هذا النوع مع قوى دولية أعطت للحوثيين مزيدا من الثقة، ومنحتهم هامشا أوسع للعمل بصورة مبادرة وليس كمجرد تابع لإيران.