الحدث
أعلنت الحكومة المجرية تأجيل نشر قوة من الجيش المجري تتألف من 200 جندي في تشاد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التشادية المقررة في مايو/أيار 2024. وذلك بعد إعلان سابق من وزير الدفاع المجـري كريستوف بوبروفنيسكي في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بأن بلاده ستدشن مهمة عسكرية في تشـاد نهاية العام بهدف الحد من الهجرة وتقديم المساعدات الإنسانية.
التحليل: لماذا تخطط المجر لنشر قوات عسكرية في تشاد؟
يأتي المخطط المجري ضمن تزايد الاهتمام الأوروبي بالأمن في منطقتي شمال أفريقيا والساحل، لارتباطهما مباشرة بالأمن الأوروبي؛ ولتأثيرهما على معدلات تدفق اللاجئين غير الشرعيين. وهكذا؛ باتت تهيمن مجددا على أوروبا المقاربة الاستراتيجية التي تعتبر أن حدود أوروبا الجنوبية – جيوسياسيا – هي الصحراء الأفريقية الكبرى، وأن البحر المتوسط ليس مجرد “فاصل” بين أوروبا وشمال أفريقيا وإنما “موصل”. ولذلك؛ وقّع الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الماضية اتفاقيات متنوعة مع تونس وموريتانيا ومصر تقوم على تقديم حوافز اقتصادية لتلك الدول لتحسين أوضاعها الداخلية ودعم قدراتها في مواجهة الهجرة غير الشرعية.
- خططت بودابست لنشر قوة عسكرية في النيجر لمركزيتها في مسارات تهريب المهاجرين غير النظاميين إلى القارة الأوروبية، ولوجود قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية بها آنذاك، واتسامها بالاستقرار النسبي مقارنة بدول الجوار الإقليمي بمنطقة الساحل والصحراء. لكن الانقلاب العسكري في النيجر ضد الرئيس محمد بازوم أطاح بالمخطط المجري، وبمجمل النفوذ الغربي، ومن ثم برزت تشـاد كدولة بديلة لانتشار القـوة المجـرية.
- تتبنى حكومة فيكتور أوربان المجرية أفكارا يمينية ضد المهاجرين، وتتهم الاتحاد الأوروبي بالتقاعس عن منع الهجرة غير النظامية من المنبع، ولذا دفعت للبرلمان المجـري بمشروع قرار لنشر قوة من الجيش في تشاد، وافق عليه البرلمان في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، على أن تُنشر القوة بمدى زمني يمتد من مطلع عام 2024 إلى نهاية عام 2025، لدعم الحكومة التشـادية في عمليات مكافحة الإرهاب، وأداء المهام الاستشارية والدعم والتوجيه للجيش التشادي، باعتبار أن ذلك يساهم في تحقيق الاستقرار، ومن ثم تحسين الأوضاع الاقتصادية بما يعمل على تقويض دوافع الهجرة غير النظامية.
- بحثت الحكومة المجـرية مخططها مع نجامينا خلال زيارات متبادلة بين وزراء خارجية ودفاع البلدين، فضلا عن لقاء لمسؤولين مجريين مع الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي، لكن اللافت هو حضور جاسبار أوربان نجل رئيس الوزراء المجري في كافة اللقاءات التحضيرية المتعلقة بنشر القوات في تشـاد، رغم أنه ضابط برتبة صغيرة في القوات الخاصة يبلغ من العمر 32 عاما، لكنه يمتع بعلاقة شخصية مع كريمو ديبي، الأخ غير الشقيق للرئيس التشادي، ضمن نمط الدبلوماسية العائلية، وبالتالي أصبح جاسبار ضابط اتصال بين المجر وتشاد.
- تسير بودابست في بعض توجهاتها الخارجية بمعزل عن حلفائها الغربيين، فقد ماطلت في الموافقة على انضمام السويد لحلف الناتو، كما قررت إعادة تخصيص 18 مليون دولار من مساهمتها في مرفق السلام الأوروبي المعني بدفع نفقات الأسلحة الأوروبية المرسلة إلى أوكرانيا، لتوجهها إلى إنشاء مركز تدريب عسكري في تشاد لضباط الجيش. ولدعم المهمة العسكرية، أعلن بيتر زيجارتو وزير الخارجية المجـري في مطلع مارس/ أذار 2024 أن بلاده ستشرع في تدشين بعثة دبلوماسية في نجامينا، كما ستشغل المركز الإقليمي للتنمية والمساعدات الإنسانية الذي سبق افتتاحه في العاصمة التشـادية في عام 2018.
- لقد تأجل انتشار القوة المجرية في تشاد عدة مرات على وقع تحديات عملية، من المرجح أن تعرقل من آفاق مخطط المجـر بنشر قواتها في تشـاد، أو تقصر على الأقل من فترة انتشارها. وتتمثل تلك العقبات فيما يلي:
- أولا: خططت بودابست لتنفيذ المهمة بشكل ثنائي دون تنسيق مع باريس التي تتمتع بنفوذ تاريخي في تشاد، ولديها قوات عسكرية منتشرة في البلد، وهو ما يضع المجر بمفردها في دولة تمتد مساحتها لنحو 1.3 مليون كيلومتر مربع، ويعيش بها 18 مليون نسمة، ولا تمتلك المجـر خبرة كافية للتعامل مع تعقيداته المحلية، بما في ذلك الافتقار إلى المهارات الثقافية واللغوية اللازمة لهذا النوع من العمليات العسكرية المدنية، خاصة معرفة اللغات واللهجات المحلية وفهم الهياكل القبلية والمجتمعية والأوضاع السياسية المحلية بدقة.
- ثانيا: تشهد تشـاد نشاطا لجماعات مسلحة متمردة منها بوكو حرام في منطقة بحيرة تشـاد، فضلا عن التناحر الداخلي بين صفوف قبيلة الزغاوة التي ينتمي لها الرئيس الانتقالي ديبي، وهو ما سيدخل القـوة المجـرية في متاهة من أزمات متداخلة يصعب التعامل معها، بما فيها احتمال أن يطلب ديبي دعمها في مواجهة خصومه المحليين – مثل الاشتباكات في العام الجاري بين القوات الموالية لديبي وابن عمته يحيى ديلو والتي انتهت بمقتل الأخير- الأمر الذي قد يورط بودابست في صراعات أهلية لا تنتهي. وهو ما دفع الحكومة المجـرية لتأجيل نشر قواتها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية لاستكشاف بيئة ما بعد الانتخابات ومدى استقرار تشـاد.
- ثالثا: أوضح وزير الدفاع المجـري أن مشاركة جنود بلاده ستتم بشكل تطوعي، وهو نهج يواجه عقبات مع انخفاض أعداد المتطوعين، وتخوف العسكريين المجـريين من العمل في بيئة مجهولة، إذ اعتادوا على تنفيذ عمليات انتشار على نطاق صغير في إطار متعدد الأطراف ضمن حلف الناتو، ودون التكليف بمهام قتالية خطيرة، مع التمتع بمظلة حماية جوية أمريكية.
- رابعا: التحديات المالية تظل جوهرية؛ فرغم زيادة مخصصات الإنفاق العسكري في المجـر في موازنة عام 2024 بنسبة 29% مقارنة بالعام السابق، بما يبلغ ما يعادل 4.63 مليار يورو، وهو مبلغ ضئيل لا يغطي نفقات عمليات خارجية مستمرة لأنها تصبح باهظة التكلفة، وهو ما يقيد قدرة المجـر على مواصلة نشر قواتها في تشـاد حال البدء بها.