للمرة الأولى منذ أكثر من 75 عاماً، تتأرجح أمريكا الجنوبية على حافة صراع مسلح كبير بعدما أعلنت فنزويلا أنها قد سُلِبَت منطقة إيسيكويبو في غيانا بصورةٍ غير قانونية، عند تأسيس الحدود قبل أكثر من قرنٍ كامل، وأصدر الرئيس نيكولاس مادورو سلسلةً من الإعلانات التي تشير إلى تخطيط حكومته لضم المنطقة الواقعة شرق نهر إيسيكويبو بالقوة إن لزم الأمر.
- يجري إنشاء مدرج هبوط جديد لتمكين العمليات العسكرية في المنطقة
- تشييد مشروعات سكنية جديدة لتعزيز النفوذ المحلي
وتطالب فنزويلا بالسيادة على منطقة بحرية خاصة تتقاطع مع مياه غيانا الإقليمية. وتحتوي تلك المياه على النفط، وبكميات كبيرة.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو لماذا تريد فنزويلا غزو غيانا؟
إيسيكويبو – المنطقة المتنازع عليها
يُعد إقليم إيسيكويبو موطناً لأراضٍ شاسعة من غابات الأمازون المطيرة، وبمساحة تعادل اليونان تقريباً. كما أنه غني بالرواسب المعدنية مثل الذهب والنحاس، ويقع الإقليم غرب نهر إيسيكويبو ويقطنه نحو 128 ألف نسمة يشكلون 16% من إجمالي سكان غيانا. لكن الكتب المدرسية والخرائط الحكومية الفنزويلية تعتبر إيسيكويبو من المناطق المتنازع عليها، وهذا هو الحال منذ الستينيات لكن جذور هذا النزاع تسبق ذلك بقرنٍ كامل، عندما كانت القوى الاستعمارية تحكم المنطقة.
- لم تتفق إسبانيا مع بريطانيا على الحدود بين المستعمرتين آنذاك
- التفاهم العام كان يقول إن الحدود يجب أن تتبع نهر إيسيكويبو
- كان اكتشاف الذهب وتكليف المستكشفين برسم الخرائط وسياسات أوروبا من الأسباب التي زادت الوضع تعقيداً
ولهذا ورثت فنزويلا هذا النزاع الإقليمي عندما أعلنت استقلالها.
مفاوضات واتفاقيات حول إيسيكويبو
- في عام 1899، قرر محكّمون من بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة اعتبار الإقليم جزءاً من غيانا، التي كانت مستعمرةً بريطانية في ذلك الوقت، لكن فنزويلا جادلت ببطلان القرار لأنها كانت غائبةً أثناء المفاوضات ولأن الولايات المتحدة هي التي مثّلت جانبها.
- زعم المسؤولون الفنزويليون أن المحكّمين تآمروا لخداع بلدهم وسلبها تلك الأرض، وكشفت الأدلة المقدمة بعد عقود عن وجود مخالفات قانونية في عملية التحكيم.
- أدت التبادلات الدبلوماسية اللاحقة إلى التوصل لاتفاق جديد عام 1966 ما أعاد اعتبار إقليم إيسيكويبو كمنطقةٍ متنازع عليها، وجرى تكليف الأمم المتحدة بحل النزاع، لكن ذلك لم يسفر عن شيء. بينما تقول غيانا إن الاتفاق الأوّلي عام 1899 يظل قانونياً وملزماً.
- رفعت القضية إلى محكمة العدل الدولية، التي حكمت لصالحها نوعاً ما أو قضت باستمرار الوضع الراهن على الأقل، لكن هذه الأمور الفنية لم تمنع كاراكاس من المطالبة بالأرض التي يراها العديد من مواطنيها على أنها ملك لهم.
استفتاء حول إيسيكويبو في فنزويلا
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول، أجرت فنزويلا استفتاءً لتأكيد سيادتها على إقليم إيسيكويبو.
- وافق نحو 95% من الناخبين الفنزويليين على المطالبة بالإقليم
- الاستفتاء كان غارقاً في الجدل
- قال المجلس الانتخابي الوطني إنه أحصى أكثر من 10 ملايين صوت
- عدد المصوتين لصالح إيسيكويبو فاق الذين صوّتوا لإعادة انتخاب هوغو تشافيز عام 2012
- التصويت جاء متبوعاً على الفور بحملة اعتقالات كبيرة لأولئك الذين عارضوا الضم بحسب مزاعم
كما لم يتضح بعد كيف ستفرض كراكاس نتائج التصويت، إذ لم تشهد أمريكا الجنوبية نزاع أراضٍ منذ أكثر من 75 عاماً.
فهل ستكون فنزويلا هي الدولة التي تكسر فترة اللاحرب الطويلة؟
وفي المقابل، تنظر غيانا إلى الاستفتاء باعتباره خطوةً نحو الضم وقد أثار التصويت قلق سكانها.
- اقترح مادورو قانوناً جديداً يحظر على جميع الشركات الفنزويلية التعامل مع غيانا تجارياً
- يبني الجيش الفنزويلي الآن مهبط طائرات في لاكامورا على الحدود مع غيانا وهو مهبط سيكون مفيداً عند تنفيذ العمليات اللوجستية لضم إيسيكويبو
- تبني فنزويلا في الجوار مساكن جديدة للسكان المحليين قرب الحدود المتنازع عليها وربما يتم استخدام تلك المساكن كنقطة انطلاق لعمليات توغل إضافية في أراضي غيانا
هل سيكون غزة إيسيكويبو سهلا؟
والآن أصبحت احتمالية الصراع المسلح أكثر أرجحية من ذي قبل، لكن غزو إقليم إيسيكويبو فعلياً سيكون مهمةً يائسة. إذ إن المنطقة هي عبارة عن غابة يصعب ترويضها حرفياً وتنقصها البنية التحتية للطرق والمراكز السكانية.
- ستعلق المركبات المدرعة وستتعثر الخدمات اللوجستية سريعاً
- الغزو عبر النهر ليس ممكناً لأنه ليس عميقاً بما يكفي ولا يناسب حتى بحرية المياه البنية
- إن كثافة الغابة تجعل أي عملية عسكرية كبيرة مهمةً مستحيلة
- الطريق المعبد الوحيد من فنزويلا إلى غيانا يمر عبر البرازيل
- نشرت البرازيل نحو 600 جندي وعربات مدرعة على الحدود الشمالية لتأمين بنيتها التحتية
ولهذا ليس الغزو الشامل خياراً مطروحاً. وتستطيع فنزويلا شن هجوم برمائي من الناحية التقنية والنزول في جورج تاون، ثم إجبار غيانا على تسليم إقليم إيسيكويبو، لكن في حال تدخل البحرية البريطانية أو الأمريكية، فسوف تنهار الخطة الفنزويلية أسرع من قلعة رمال في وقت المد، ولا تمتلك غيانا قوةً عسكرية ذات شأن، إذ إن جنودها البالغ عددهم 4,150 جندياً هم أقل من اللازم لتأمين حدودها البرية، ناهيك عن قتال فنزويلا.
أهمية ما يحيط إقليم إيسيكويبو
لهذا من المحتمل أن يجرب مادورو حظه في إيسيكويبو، وسيحصل على جائزة كبيرة لو نجحت مساعيه، إذ إن النزاع حول إيسيكويبو لا يتعلق بالإقليم نفسه، بل بما يوجد قبالة سواحله مباشرةً، ففي عام 2015، عثرت شركة ExxonMobil على خزانٍ يحوي 11 مليار برميل من النفط الخام على الأقل.
ويقع جزئياً داخل منطقة غيانا الاقتصادية الخالصة، وهذه الكمية تستحق القتال من أجلها.
- ارتفعت القيمة الاقتصادية لإيسيكويبو بعد الاكتشاف مباشرةً
- بدأت غيانا في ضخ النفط عام 2019
- وصل إنتاجها إلى 278 ألف برميل/يوميا بحلول 2022
- أسفر هذا عن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 57%
- من المتوقع أن تظل غيانا واحدةً من أسرع اقتصادات العالم نمواً مع تسجيل معدلات نمو من خانتين في السنوات المقبلة
- أصبحت على الطريق لتصير أغنى دول أمريكا الجنوبية على أساس نصيب الفرد
وتدفقت مليارات الدولارات على العاصمة جورج تاون منذ اكتشاف ثروتها الجديدة. وقد استغلت غيانا أموالها الجديدة لإنشاء مشروعات بنية تحتية كبرى.
- تبني الآن أول موانئها في المياه العميقة
- تطور منشآت جديدة للطاقة لمضاعفة إنتاجها الوطني من الطاقة
- على المستوى الدولي أبرمت اتفاقيات لبيع نفطها للصين وقطر وماليزيا وربما الهند مستقبلاً
وتتحول غيانا ببطء وثقة من منطقة معزولة جيوسياسياً إلى دولة نامية مع مستقبل واعدٍ أكثر في انتظارها، لكن كل ما يحدث يثير استياء فنزويـلا المجاورة، حيث تمتلك فنزويـلا أكبر احتياطيات نفط مؤكدة على وجه الأرض، متفوقةً بذلك على السعودية نفسها.
لكن التضخم المفرط في السنوات الأخيرة أعاق قدرة الحكومة على الاستثمار في الإنتاج وأثار أزمةً اقتصادية، ونتيجةً لذلك، تراجع إنتاج النفط منذ فترة ليست بالقصيرة. ففي العام الذي شهد اكتشاف غيانا للنفط
انخفض إنتاج فنزويـلا من 2.5 مليون برميل يومياً إلى أقل من مليون برميل في اليوم، إذا استمرت الأوضاع بهذا المعدل، فسيتفوق إنتاج غيانـا من النفط على إنتاج فنزويلا في غضون عقد واحد.
ولن يكون هناك أمر أكثر إذلالاً من ذلك بالنسبة لحكومة مادورو، وقد أثر التضخم المفرط على الحالة الاجتماعية والاقتصادية لفنزويـلا، إذ أفاد صندوق النقد الدولي بأن البلد عانى من أكبر زيادة في أسعار المستهلك على مستوى العالم هذا العام مع وصول معدل التضخم إلى 360%.
ولا عجب في أن شعبية مادورو قد تراجعت بينما يستمر تآكل قدرات الحكومة الفيدرالية بسبب الفساد، لذا فإن مادورو بأمس الحاجة إلى انتصار سياسي. ولهذا قد يمنحه إقليم إيسيكويبو تذكرة خروج من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية.
وإذا استولت فنزويـلا على المنطقة، فستتمكن حينها من المطالبة بالثروات البحرية الموجودة في منطقة غيانـا الاقتصادية الخالصة، لكن العقبة هي أن الكثير من النفط الموجود قبالة ساحل غيانـا يقع في الشرق أي بمنأى عن نقطة تساوي البعد البحرية لإيسيكويبو.
ومن أجل المطالبة بالنفط الموجود في الشرق، وسّعت فنزويـلا حدودها البحرية مع غيانـا بشكلٍ أحادي. حيث أنشأت مساحةً تُسمى منطقة الدفاع البحري الأطلسي المتكامل.
- تقسم تلك المنطقة الممتلكات البحرية لغيانـا بشكلٍ مناسب
- تقلص مياه غيانـا في الجرف البحري القاري
يُذكر أن فنزويـلا ليست عضوةً في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولا تعترف كذلك بالحدود البحرية الدولية مع غياناـ لهذا فإن اعتبار مطالب فنزويـلا البحرية انتهاكاً للقانون الدولي هو أمر قابل للنقاش، لكنه يظل أمراً سيئاً بالنسبة لغيانـا في جميع الأحوال.
ولا شك أن مطالب فنزويـلا البحرية والإقليمية ستفيد الحكومة في كراكاس، حتى لو كانت مجرد خطاب سياسي ولم تؤد لقتال مطلقاً. إذ إن المطالبة بالمنطقة رسمياً تمنح مادورو فرصة تعزيز أوراق اعتماد حزبه الاشتراكي الموحد مع تصوير المعارضة السياسية على أنها خائنة وغير وطنية.
صراع أكبر من فنزويلا
- إن الولايات المتحدة مشتتة ومنهكة بسبب حرب أوكرانيا وحرب “إسرائيل” على غزة
- سيكون من الصعب على واشنطن مواجهة جبهة جيوسياسية جديدة في أمريكا الجنوبية
- ستكون روسيا والصين وإيران أوائل المستفيدين من عملية عسكرية أمريكية ضد فنزويـلا
- إن بوتين من حلفاء مادورو المقربين إذ اشترت فنزويـلا من روسيا معدات عسكرية بقيمة تتجاوز الـ12 مليار دولار حتى عام 2011
- من المعروف أنه تضمن أنظمة إس-300 للدفاع الجوي وهذا يجعل الدفاع الجوي الفنزويلي الأفضل في أمريكا الجنوبية
- ساعد بوتين مادورو على تعزيز سلطته في كراكاس
- منح الأخير مصداقية سياسية على أقل تقدير أي إن روسيا قد تحاول الضغط على الفنزويليين وإقناعهم أنهم سيفلتون من العقاب بعد استيلائهم على الأرض الآن
- سيكون فتح جبهة جيوسياسية جديدة أمراً كارثياً بالنسبة للولايات المتحدة
ولا تملك الولايات المتحدة -رغم قوتها- سوى عدد محدود من مجموعات حاملات الطائرات القتالية الجاهزة للنشر. لهذا يتعيّن على واشنطن ترتيب أولويات معاركها
إقرأ أيضاً:
✚ الممر بين المحيطين في أمريكا الجنوبية.. هل يحلّ محلّ قناة بنما؟
✚ حرب غزة تعزز مسار دول الجنوب العالمي بعيدا عن السياسة الأمريكية
✚ أردوغان يستقبل رئيس فنزويلا: تركيا ماضية في نهج مستقل عن الغرب
✚ كولومبيا تلحق بربيع اليسار في أمريكا اللاتينية وتعيد انتباه واشنطن إلى الكاريبي