الحدث
أفاد موقع وول ستريت جورنال في مطلع يناير/كانون الثاني أن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء قواعد جديدة للطائرات بدون طيار في عدة دول في غرب أفريقيا بما في ذلك غانا وكوت ديفوار وبنين. وتقترح واشنطن إقامة قاعدة طائرات بدون طيار في قاعدة “تامالي” للقوات الجوية في غانا، على مقربة من حدود بوركينا فاسو، كما أن هناك ثلاثة مطارات في كوت ديفوار قيد المناقشة، بينما تقترح الولايات المتحدة مطار “باراكو” في بنين، حيث يقع المطار في منطقة بعيدة بما يكفي عن حدود بوركينا فاسو لتوفير منطقة عازلة من هجمات الجماعات المسلحة.
التحليل: قواعد أمريكية في غرب أفريقيا ضمن استراتيجية واشنطن لتثبيت نفوذها في القارة
تعرضت الولايات المتحدة منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في يوليو/تموز الماضي لضغوط وتحديات جديدة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، حيث إن واشنطن كانت قد حولت مركز عملياتها الإقليمية إلى النيجر لمواجهة الجماعات المسلحة في المنطقة بعد موجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها كل من مالي وبوركينا فاسو في عامي 2021 و2022. واعتمدت واشنطن بشكل رئيسي في عملياتها الأمنية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا على قاعدتين للطائرات بدون طيار في وسط وجنوب النيجر، حيث شكلت هذه القواعد جزءاً أساسيا من الجهود الأمريكية لمواجهة الجماعات المسلحة في المنطقة، وذلك من خلال القيام بدوريات واسعة النطاق بواسطة طائرات بدون طيار من أجل مراقبة أنشطة الجماعات المسلحة وتوجيه الدعم للقوات المحلية أثناء العمليات القتالية.
- بالرغم من أن الولايات المتحدة علقت معظم مساعداتها لحكومة النيجر، وقلصت تواجدها العسكري من 1100 جندي إلى نحو 650 جندي، ولكن في الوقت نفسه حرصت واشنطن على الحفاظ على تواجدها العسكري في النيجر حيث استأنف الجيش الأمريكي -بشكل جزئي- عملياته من القواعد الجوية في النيجر في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، وكذلك قدمت السفيرة الأمريكية لدى النيجر، كاثلين فيتزجيبون، أوراق اعتمادها إلى وزير الخارجية النيجري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي إشارة إلى اعتراف أمريكي بالمجلس العسكري والقبول بالواقع الجديد والتعامل معه.
- ويعزو الحرص الأمريكي على استمرار التواجد العسكري في النيجر إلى الدور الحيوي الذي تقدمه قاعدة أغادير المعروفة باسم القاعدة الجوية 201، والتي تعد المنشأة الوحيدة في هذا الجزء من القارة المخصصة لتشغيل الطائرات بدون طيار والتي توفر قدرات استطلاعية ورقابية وهجومية بالغة الأهمية للقوات الأمريكية. كما يعبر استمرار التواجد الأمريكي في النيجر عن رغبة واشنطن في احتواء النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة، خاصة وأن الشراكة الروسية المتنامية مع بوركينافاسو ومالي من المحتمل أن تتسع لتشمل النيجـر المتحالف مع كلا الدولتين.
- ومع ذلك لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد الكلي على قاعدتيها الجويتين في النيجر لمواصلة عملياتها الأمنية في المنطقة؛ إذ مازال مستقبل علاقات واشنطن مع المجلس العسكري النيجري محل غموض في ظل توجه المجلس المحتمل إلى تعزيز علاقاته مع روسيا، الأمر الذي برز مع توقيع المجلس العسكري وموسكو في ديسمبر/كانون الأول الماضي اتفاقيات لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، فضلا عن اتخاذه قرارات سلبية تجاه الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة بموجب القانون لا تستطيع مواصلة العمليات الأمنية وتقديم المساعدات التنموية للنيجر بشكل كامل بعد أن وصفت عملية الاستيلاء على السلطة في النيجر بأنها انقلاب، الأمر الذي يفرض على واشنطن ضرورة البحث عن بدائل أخرى أكثر استقرار في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
- وتأتي المباحثات الأمريكية مع دول غرب أفريقيا الساحلية في إطار جهود واشنطن لتثبيت نفوذها الأمني في منطقة الساحل وغـرب أفريقيا في ظل تفكك الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، خاصة وأن واشنطن كانت تعول إلى حد كبير على القوات الفرنسية التي كانت تقود الجهود العسكرية الغربية في منطقة الساحل وغـرب أفريقيا. كما أن التحول الجغرافي نحو دول غـرب أفريقيا الساحلية لا يعد مفاجئا، حيث تمتلك الولايات المتحدة علاقات عسكرية متطورة مع كل من كوت ديفوار وغانا وبنين، وشهد العام الماضي مشاركة كوت ديـفوار وغانا في التدريبات العسكرية الأمريكية السنوية مع الشركاء الأفارقة (Flintlock)، كما شاركت بنين أيضاً في مناورة عسكرية مع الولايات المتحدة.
- وتتماشى الخطوة الأمريكية مع تنامي التنافس الجيوسياسي بين القوى الدولية في أفريقيا، ونظرة إدارة بايدن للقارة باعتبارها تضم قوى فاعلة جيوسياسيا بما يؤثر على المصالح الأمريكية. وتواصل واشنطن بذلك استراتيجيتها الشاملة في القارة، القائمة على مزيج من الشراكات الأمنية والعسكرية، مع تعزيز التعاون في التجارة والاستثمار في المنطقة استنادا إلى الالتزام الذي تعهدت به أمريكا في أواخر 2022 باستثمار 55 مليار دولار في أفريقيا حتى نهاية عام 2025، بما يشمل مشاريع البنية التحتية الصغيرة والتنمية الصناعية المحلية ومشاريع الطاقة الخضراء.