الحدث
● أعلنت روسيا في 27 أبريل/نيسان، وقف شحنات الغاز الطبيعي إلى بولندا وبلغاريا، بسبب عدم سداد الدولتين ثمن واردات الغاز الروسي بالروبل، وتعد هذه الخطوة الروسية أول انقطاع لإمدادات الغاز منذ أن وقّع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في 23 مارس/آذار الماضي، قانونًا لتنظيم مدفوعات الطاقة، يطالب الدول “غير الصديقة” بتسديد مدفوعات الغاز بالعملة المحلية الروسية “الروبل” وإلا ستقطع روسيا الإمدادات عنها، وتشمل قائمة هذه الدول الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، ودولا أخرى، ردا على فرضها عقوبات على روسيا وشركاتها ومواطنيها.
● جاء القرار الروسي بعد أن تواصل تدفق الغاز الروسي لأوروبا عبر خطوط الأنابيب الرئيسية خلال فترة الحرب وعلى مدار شهرين بصورة اعتيادية، رغم التوقعات باستخدام “بوتين” للغاز الطبيعي كسلاح للضغط على دول الاتحاد التي تتحصل على أكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز الروسي.
التحليل: بوتين يشهر سلاح الغاز الروسي وأوروبا تختبر البدائل
- لا تمثل بولندا وبلغاريا معاً سوى 6.5٪ من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا مما يعني أن الخسائر الروسية ستكون ضئيلة، لكنّ القرار يستهدف الضغط على أوروبا للحد من العقوبات ضد روسيا، وكذلك تخفيض الدعم الأوروبي الواسع لأوكرانيا، خاصة شحنات الأسلحة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الخطوة الروسية تستهدف معاقبة كل من بولندا وبلغاريا، حيث تتخذ بولندا موقفا متشددا تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا يتوقف دعمها للأخيرة على الأسلحة الثقيلة، في الواقع أصبحت بولندا مركز التعبئة العسكرية للقوات الأمريكية وحلف الناتو في أقرب نقطة تفصل بين أوروبا وروسيا، في الجانب الآخر، تميل الحكومة البلغارية التي تشكلت في نهاية العام الماضي أكثر إلى الغرب مقارنة بالحكومات السابقة التي كانت ترتبط بعلاقات تقليدية مع روسيا، أدانت بلغاريا الغزو الروسي وشاركت في العقوبات على موسكو، وهو الموقف الذي بدا مفاجئا لروسيا التي تتمتع بنفوذ كبير في بلغاريا.
- طورت كل من بولندا وبلغاريا البنية التحتية الخاصة بالغاز الطبيعي استعدادا لقطع الغاز الروسي، إذ أنشأت بولندا محطة لاستقبال الغاز المسال (Swinoujscie) في مارس/آذار الماضي، وقامت بمد خط أنابيب غاز البلطيق (Baltic pipeline) الذي يربطها مع النرويج، وينتظر الانتهاء منه في أكتوبر/تشرين الأول القادم، في الجانب الآخر، قامت بلغاريا ببناء خط ربط جديد مع اليونان (IGB) للحصول على الغاز القادم من أذربيجان والغاز المسال اليوناني بعد تحويله إلى غاز.
- وبالرغم من الجهود المبذولة من كلا البلدين، إلا إن إيجاد بدائل عاجلة للغاز الروسي لن يكون أمراً سهلا، لاسيما وأن إمدادات الغاز الروسي تمثل 50% من الاستهلاك البولندي، و90% من الاستهلاك البلغاري، وبناء على ذلك؛ من المرجح أن يواجه كلا البلدين نقصا وارتفاعا في أسعار الوقود، مما سيؤدي إلى تقييد الاستهلاك المحلي للغاز خلال الأشهر القادمة.
إقرأ أيضاً:
هل تسير روسيا على طريق الهزيمة الاستراتيجية في حربها ضد أوكرانيا؟
تداعيات الهجوم على أوكرانيا في العالم
أزمة أوكرانيا.. مغامرة بوتين تضع أمن الطاقة الأوروبي على المحك
قمة الناتو 2030 تطلق مواجهة مفتوحة بين الغرب والتحالف المضاد له
- بالرغم من إعلان عديد من الدول الأوروبية رفضها الامتثال للشرط الروسي وسداد مدفوعات واردات الغاز الطبيعي بالعملة الروسية الروبل، بالإضافة إلى تأكيد المفوضية الأوروبية أن سداد المدفوعات بالروبل يعد انتهاكا للعقوبات المفروضة على روسيا، ومع ذلك؛ يبدو أن عدة دول أوروبية بصدد التراجع عن رفضها للشرط الروسي بعد أن نفذت موسكو تهديداتها وأوقفت تدفقات الغاز عن كل من بولندا وبلغاريا، حيث أعلنت المجر وشركة الطاقة النمساوية “أو إم في” OMV موافقتهما على سداد ثمن واردات الغاز الروسي بالروبل، كما أعلنت شركة الطاقة الألمانية “يونيبير” Uniper، وهي أكبر مستورد للغاز الروسي في ألمانيا، أنها ستواصل الشراء بناء على الآلية التي طرحتها موسكو، في حين أعلن عملاق الطاقة الإيطالي إيني Eni عن نيته فتح حساب بالروبل في بنك “غازبروم” Gazprombank كواحدة من الخطوات اللازمة للوفاء بالشرط الروسي، علاوة على ذلك؛ ذكرت بلومبرج أن 10 شركات أوروبية فتحت قد حسابات لدى البنك الروسي لسداد ثمن واردات الغاز بالروبل.
- تنفق أوروبا ما يناهز مليار دولار يوميا على ورادات الطاقة (نفط /غاز/فحم) القادمة من روسيا، وهو الأمر الذي ينعكس على قدرة روسيا على مواصلة حربها المكلفة على أوكرانيا، لذا؛ فإن ثمة زخم متزايد داخل أوروبا لحظر واردات الطاقة الروسية، باعتبار أن هذه الخطوة هي الأداة الأكثر تأثيرا في تقويض الاقتصاد الروسي ومن ثم وقف آلة الحرب الروسية، ورغم ذلك، لا تزال خطوة حظر واردات الطاقة الروسية تثير جدلاً كبيراً داخل الاتحاد الأوروبي لعدة أسباب:
- أولاً: أدى اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي إلى إعاقة قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على واردات الغاز الروسية، حيث تحصل ألمانيا على 55% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، بالإضافة إلى حصولها على 34% و26% من احتياجاتها من النفط والفحم على الترتيب من روسيا، وهي أرقام ترجح صعوبة الاستغناء عن تلك الواردات في المدى القصير، وتصل المخاوف الألمانية من حظر الطاقة الروسي إلى ذروتها مع تصريح برلين عبر وزير اقتصادها في مارس الماضي، أن تداعيات الحظر ستؤدي إلى بطالة جماعية وفقر واضطراب اجتماعي واسع النطاق، وبالرغم من الجهود التي تقوم بها برلين للحصول على بدائل لواردات الغاز الروسية، إلا أن أغلبها قد تكون ناجعة في المدى المتوسط والبعيد، وما زال من الصعب أن تعتمد عليها ألمانيا في إطار استعدادها للشتاء القادم.
- ثانياً: استقبلت أوروبا عام 2021 حوالي 145 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، أو ما يتخطى ثلث احتياجاتها، وتشير أفضل التقديرات أن دول الاتحاد الأوروبي يمكنها خلال العام الجاري استبدال 75 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، أي نصف إمدادات الغاز الروسي فقط، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر مستويات تخزين الغاز الطبيعي في دول الاتحاد الأوروبي أقل بكثير من المستويات الطبيعية، وستحتاج الدول الأعضاء إلى ضخ حوالي 20 مليار متر مكعب من الغاز في مستودعاتها قبل نهاية هذا العام استعدادا للشتاء القادم، كما تشير تلك التحديات، إلى صعوبة إيجاد حلول قصيرة المدى لأزمة الطاقة الأوروبية.
- ثالثاً: تبذل واشنطن جهودا لتوفير بدائل عن الغاز الروسي لدول الاتحاد الأووربي، والتي كان من ضمنها الإعلان عن خطة كبرى لتوجيه الغاز المسال الأمريكي إلى أوروبا؛ ومع ذلك، لا تقدم الخطة الأمريكية حلولا عاجلة كافية لأوروبا، وبينما لم تبدأ واشنطن حتى الآن في الالتزام بتعهداتها، فإن الكمية التي يمكن أن توفرها في غضون الشهور القادمة لا تتخطي 10% من حجم الغاز الروسي المتدفق إلى أوروبا، بالإضافة إلى أن الخطة الأمريكية لا تسير فقط في مسار تقليل النفوذ الروسي في أوروبا وتحييد استخدام موسكو للطاقة كسلاح في صراعها مع الغرب، وإنما تمنح أمريكا أيضا مكاسب اقتصادية ضخمة عبر زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى القارة الأوروبية.
الخلاصة
- من غير المرجح أن يكون هناك قطع للغاز الروسي عن المزيد من البلدان حتى منتصف مايو/ أيار القادم، عندما يحين موعد المدفوعات التالية، ومع ذلك فإن من الصعب التكهن بما ستفعله روسيا بشأن صادرات الغاز بعد هذا التاريخ، لاسيما وأن عجلة الحرب مع أوكرانيا لا تزال مستمرة ولا يوجد دلائل أو مؤشرات على قرب نهايتها، وهو ما يجعل الاحتمالات قائمة أمام تكثيف روسيا لضغوطها على أوروبا وقطعها للغاز عن الدول الرافضة للسداد بالروبل أو الاستمرار في ضخ الغاز تخوفا من نقص عائدات الصادرات وتعميق الأزمة الاقتصادية في روسيا.
- في نفس الوقت، تشير الخطوات التي سارعت بها بعض الدول الأوروبية وشركات طاقة عملاقة بالاستجابة للضغوط الروسية، أن موسكو قد تحقق مكاسب قصيرة الأجل فيما يتعلق بمسألة الدفع بالروبل، لكنّ هذا المكسب، المالي والمعنوي، يظل محدودا في مجمل مشهد الحرب الأوكرانية الواسع، فإذا استطاعت روسيا فرض إرادتها في هذا الجزء، فلا يعني ذلك بداية تهديد الموقف الغربي الموحد تجاه دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا، كما أن مواصلة روسيا للحرب ستدفع دول الاتحاد للبدء قريبا في خطوة وقف واردات النفط باعتبار أن النفط الروسي من الممكن تعويضه من جهات أخرى دون نفس المستوى من العقبات اللوجستية التي تواجه مساعي تعويض واردات الغاز الروسية.