بين ترامب وهاريس.. فك شيفرة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق والعالم
مآلات - أكتوبر 2024

ملخص

يضع كل من ترامب وهاريس نصب عينيه الدفاع عن موقع واشنطن الدولي، والدفاع عن نظام الهيمنة الغربية، في مواجهة القوى الراغبة في تغييره. لكنّ نهج كل منهما سيختلف إزاء طريقة تحقيق ذلك؛ حيث يعتمد ترامب نهج إبرام الصفقات بدلا من الالتزام بالقيود المؤسسية والتحالفات، وهو ما يجعل مواقفه أقل تنبؤية. بينما تؤكد هاريس على أهمية التحالفات والتعاون المتعدد الأطراف، وهو ما سيجعل سياستها الخارجية قابلة للتنبؤ وبلا تحولات كبيرة.
بغض النظر عن الفائز في سباق الرئاسة، فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستواصل إعطاء الأولوية للتعامل بحزم مع الصين، وستظل العلاقات الأمريكية الصينية تتأرجح بين التنافس والصراع. ويتفق المرشحان على أهمية فرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية، بينما يختلف المرشحان حول قيمتها، والقطاعات التي ينبغي استهدافها.
تزيد التوقعات أن الساحة الأساسية التي سيظهر فيها اختلافات جوهرية بين ترامب وهاريس هي أوروبا وليس أي مكان آخر في العالم. وبينما من غير المتوقع أن يتخلى ترامب عن التمسك بحلف “الناتو”، فإنه سيواصل “سياسة حافة الهاوية” لإجبار الأوروبيين على إنفاق المزيد على ميزانياتهم الدفاعية. ورغم وعوده الانتخابية، فمن الصعب تخيل أن طريق ترامب ممهد لعقد صفقة مع بوتين تنهي الحرب في أوكرانيا.
ستكون منطقة الشرق في قلب أولويات كلا المرشحين؛ على وقع حرب غزة وتهديدات المواجهة المباشرة بين إيران و”إسرائيل”. وسيواصلان الالتزام الكامل بأمن “إسرائيل”، ودعم أهداف حربها في غزة ولبنان، وسيكون الفارق بين المرشحين في مستوى حرية التصرف الممنوحة لنتنياهو. وسيواصلان تعزيز العلاقات مع شركاء واشنطن في المنطقة، خاصة دول الخليج، ومصر، والأردن، والمغرب. وسيولي ترامب أهمية لمواصلة “اتفاقيات أبراهام”، وستكون فرص توصل السعودية معه لاتفاق أمني أكثر احتمالا.
من المرجح أن ولاية ترامب الثانية ستشهد عودة حملة الضغط والإجراءات الرادعة القوية ضد إيران. لكنّ الأخطر هو أن نهجه العدائي قد يتطور في ظل الوضع الإقليمي الراهن إلى دعم هجمات إسرائيلية تستهدف برنامج طهران النووي. وهو ما يعني أن فوز ترامب سيضع إيران أمام خيارات أكثر حدية: تقديم تنازلات كبيرة تكفي لإرضاء ترامب، أو المضي قدما في خيارات تصعيد مفتوحة.
من المبكر الجزم بسياسة هاريس نحو إيران في ظل التصعيد الإقليمي المستمر الذي يُبقي على هامش كبير من اللايقين، لكن يمكن توقع تمسكها بنهج حذر تجاه إيران، يواصل الدمج بين خيارات العقوبات والضغط العسكري والتفاوض، وليس الحرب.

بين ترامب وهاريس.. فك شيفرة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق والعالم

مقدمة 

تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لانتخابات رئاسية في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في ظل تباين واضح في السياسة الخارجية بين المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي الحالي. يركز هذا العدد من مآلات على سؤال ما قد يعنيه فوز ترامب أو هاريس على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأربع القادمة.

من المهم قبل استشراف السياسة الخارجية لكل من ترامب وهاريس، التمييز بين الخطاب السياسي لأي مرشح خلال الحملة الانتخابية وما سيكون قادراً على فعله إذا تولى السلطة. لا يعني هذا أن ملامح السياسة الخارجية ليست في الخطاب السياسي للمرشح، ولكنّ السياقات الواقعية قد تحد من قدرته على الالتزام بكافة وعوده ونهجه في بعض الأحيان عندما يتولى منصبه. 

كذلك من المهم الانتباه إلى حقيقة أن لدينا بالفعل سجل فترة ولاية ترامب الأولى والتي يمكن من خلالها توقع سياسته الخارجية. وبينما لا تمتلك هاريس رصيداً يمتد لأربع سنوات لتحليله إذ إن منصب نائب الرئيس الأمريكي -بشكل عام- لا يتمتع بنفوذ كبير في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، لكن من الممكن توقع السياسة الخارجية لهاريس استنادا على خطابها السياسي بعد ترشحها للرئاسة، إلى جانب مواقفها أثناء فترة ولايتها في مجلس الشيوخ (2017-2021)، وبالتأكيد ملاحظة أنها لن تكون بعيدة تماما إلى درجة التناقض عن خط الإدارة الحالية.

ترامب وهاريس: نهجان مختلفان لتحقيق أهداف قد تكون واحدة

لا شك أن كلا المرشحين يضع نصب عينيه الدفاع عن موقع الولايات المتحدة في السياسة العالمية، والدفاع عن النظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية، في مواجهة القوى الراغبة في تحدي ذلك. ولا يوجد اختلاف جوهري في تحديد التهديدات العالمية التي يجب على الولايات المتحدة أن تتصدى لها، خاصة الصعود الصيني، والصراع مع روسيا، والسباق على التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة، ومواجهة “الحركات الإرهابية”، والأنظمة المناهضة للغرب مثل كوريا الشمالية وإيران. ولكن نهج كل من المرشحين سيختلف إزاء بعض أو كل هذه القضايا.

يؤكد ترامب بقوة على نيته إنهاء الصراعات الخارجية التي تشارك فيها الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى، ويعتمد نهجا يقوم على إبرام الصفقات بدلا من الالتزام بالقيود المؤسسية أو التحالفات، وهو ما يجعل مواقفه أقل تنبؤية، خاصة وأنه لا يعتمد بالضرورة على آراء البيروقراطية الأمريكية التقليدية. في المقابل، تؤكد هاريس على أهمية التحالفات القوية والتعاون المتعدد الأطراف، وخاصة مع الشركاء الرئيسيين في أوروبا والناتو، لتعزيز مصالح أمريكا الاستراتيجية، وهو ما يجعل من المرجح لها أن تتعهد سياسة خارجية قابلة للتنبؤ وبلا تحولات كبيرة.

يتفق كل من ترامب وهاريس على وضع الأمن الاقتصادي في مركز أجندتهما السياسية. وهذا يعني على الأرجح مواصلة خطط إعادة توطين سلاسل التوريد إلى بلدان ذات تحالفات استراتيجية مع واشنطن، وكذلك إعادة الإنتاج إلى الداخل الأمريكي، مع استمرار سياسة التعريفات الجمركية. وسوف يؤدي هذا النهج إلى ارتفاع تكاليف التصدير إلى أمريكا، واضطراب في بعض سلاسل التوريد العالمية، مما يمكن أن يلحق الضرر باقتصاديات دول أخرى، خاصة الصين.

الصين: تَنافُس مستمر لا يتوقف على نتائج الانتخابات 

بغض النظر عمن سيفوز في السباق إلى البيت الأبيض فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستواصل إعطاء الأولوية للتعامل بحزم مع الصين، والتصدي لجهود بكين التي تهدف إلى تقويض الهيمنة الأمريكية، والتحول إلى نظام دولي متعدد الأقطاب. ولذلك؛ ستظل العلاقات الأمريكية الصينية تتأرجح بين التنافس والصراع.

مثَّل الصعود الصيني في السنوات الأخيرة أعظم تحد سياسي واقتصادي للولايات المتحدة، مما دفع الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاتخاذ مقاربة متشابهة نحو إعادة التوازن بين الأمن القومي والاقتصاد، عبر الاستفادة من القوة الاقتصادية لتعزيز أهداف السياسة الخارجية الأمريكية وحماية الأمن القومي. ويتجلى ذلك في اتفاق ترامب وهاريس على أهمية فرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية؛ لحماية القطاعات الحيوية وتحفيز التصنيع المحلي، بينما يختلف المرشحان حول القطاعات التي ينبغي استهدافها والدول التي ينبغي معاقبتها.

تعد التعريفات الجمركية عنوانا رئيسيا للمواجهة الاقتصادية الأمريكية مع الصين. ويقترح ترامب تعريفة جمركية بين 10% و20% على معظم الواردات، و60% على السلع الصينية، بينما تعارض هاريس تلك القيمة المرتفعة؛ خوفا من انعكاساتها السلبية على المستهلك الأمريكي. وتتعهد المرشحة الديمقراطية بمواصلة سياسية بايدن في استخدام الرسوم الجمركية بشكل انتقائي، مثل واردات رقائق أشباه الموصلات. ويتوافق تحليل بنك جولدمان ساكس مع رؤية هاريس؛ حيث يتوقع أن تعزز سياستها النمو الاقتصادي، بينما يحذر من يؤدي نهج ترامب، إلى جانب سياسات الهجرة الصارمة، إلى انخفاض الناتج الاقتصادي.

ينصب تركيز ترامب في المواجهة الأمريكية مع الصين على الجوانب الاقتصادية والتجارية، حيث طرح ترامب خطة مدتها أربع سنوات للتخلص التدريجي من جميع الواردات الصينية من السلع الأساسية. كما تعهد بفرض قواعد تحد بشكل صارم من الاستثمار الأمريكي في الصين والاستثمارات الصينية في أمريكا لتقتصر على تلك التي تخدم المصالح الأمريكية فقط. بينما تولي هاريس الأولوية للتركيز على المنافسة التكنولوجية مع الصين، مثل ضوابط تصدير أشباه الموصلات المتقدمة لتقييد وصولها إلى الصين، وتحفيز النمو المحلي للصناعات الاستراتيجية المرتبطة بالمعادن الحرجة والطاقة المتجددة.

الإندو-باسيفيك: اختبار مكانة واشنطن كشريك موثوق

على الرغم من أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لها آثار محدودة على المشهد الجيوسياسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ باعتبار أن سياسة احتواء الصين في المنطقة ليست محل جدال بين الحزبين الأمريكيين، إلا أن ثمة مخاوف إزاء تداعيات إعادة انتخاب ترامب على تحالفات الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة التي تعهدتها إدارة “بايدن”، خاصة أستراليا، وكوريا الجنوبية واليابان، والفلبين، والهند خصوصا على صعيد الشراكة العسكرية الناشئة مع نيودلهي، فضلا عن التحالفات الأمنية مثل تحالف “أوكوس” (Aukus) (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا)، وتحالف “كواد” (Quad) (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند)، وتحالف “سكواد” (SQUAD) (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والفلبين).

من الناحية الاقتصادية، من المحتمل أن تؤدي سياسات ترامب الحمائية وزيادة التعريفة الجمركية على السلع الصينية، لارتفاع عام في أسعار السلع الصينية مما سينعكس سلباً على اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا وقد يتسبب في اضطرابات تجارية كبيرة في المنطقة؛ حيث ترتبط دول الإقليم بروابط تجارية أساسية مع بكين وتعتمد على وارادتها بصورة كبيرة، في ظل أن دول رابطة جنوب شرق آسيا “آسيان” هي الشريك التجاري الأول للصين بحجم تجارة بلغ 975.3 مليار دولار عام 2022. إلى جانب ذلك، سيكون على دول المنطقة أخذ تهديدات ترامب بالانسحاب من الإطار الاقتصادي للازدهار على محمل الجد؛ حيث انسحب ترامب بالفعل في فترة ولايته الأولى من إطار مماثل وهو ” الشراكة عبر المحيط الهادئ” (TPP).

على الجانب الآخر، فإن فوز هاريس سيعني مواصلة التزام واشنطن بتحالفاتها في المنطقة مع تعميق الشراكات الاقتصادية مع شركائها لمواجهة النفوذ الصيني عبر التركيز على التجارة والتنمية الاقتصادية والتعاون في مجال تغير المناخ، وكذلك استمرار المشاركة في الأطر التي تقودها دول المنطقة مثل رابطة “الآسيان” (ASEAN) والإطار الاقتصادي للازدهار في الإندو-باسيفيك (IPEF)، بالإضافة لتعزيز الروابط العسكرية في المنطقة.

فيما يتعلق بتايوان، قد يميل ترامب إلى الانخراط في مقايضة مع بكين بهدف انتزاع تنازلات تجارية في مقابل فرض قيود على التعاون الأمني ​​الأميركي مع تايوان. لكنّ هذه الصفقة لا تبدو مرجحة بصورة كبيرة؛ حيث ستواجه بمعارضة حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه الذي يرى غالبية أعضائه أن الردع المتكامل للصين يتطلب مضاعفة التدابير الأمنية الاقتصادية فضلا عن تبنى كثير من الأعضاء مواقف متعاطفة مع تايوان. في حين ستولي هـاريس الأولوية للحفاظ على الاستقرار في مضيق تايوان مع حث تايبيه على بذل المزيد من الجهود لتعزيز قدراتها الدفاعية.

العلاقات عبر الأطلسية والناتو: الأمن الأوروبي على المحك

تزيد التوقعات أن الساحة الأساسية التي سيظهر فيها اختلافات جوهرية بين ترامب وهاريس هي أوروبا وليس أي مكان آخر في العالم. من المؤكد أن ترامب والفريق الجمهوري المصاحب له في البيت الأبيض سيكونان أقل اهتماما بالعلاقات الأوروبية في مقابل التركيز على ما يعتبرونه التحدي الأكبر المتمثل في الصعود الصيني المتزايد. وبينما من غير المتوقع أن يتخلى ترامب عن التمسك بحلف “الناتو”، فإنه سيواصل “سياسة حافة الهاوية” لإجبار الأوروبيين على إنفاق المزيد على ميزانياتهم الدفاعية، وزيادة المساهمة في أعباء أمن القارة الأوروبية، بما في ذلك تكاليف دعم أوكرانيا.

على المستوى الاقتصادي قد تواجه دول أوروبا -مثل غيرها من دول العالم- في حال فوز ترامب فرض تعريفات جمركية مرتفعة على صادراتهم للولايات المتحدة تتراوح بين 10% و20%، الأمر الذي سيؤدي إلى تقويض التجارة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي والتي تبلغ 1.3 تريليون دولار، وسوف يستلزم هذا بعض الخيارات الصعبة بالنسبة للحكومات الأوروبية التي قد تجد نفسها في نزاع تجاري مع الولايات المتحدة.

لم يُظهِر تـرامب أي ميل لمواصلة دعم أوكرانيا بالمستوى الحالي، بل تؤكد تصريحاته عزمه تقليص التزامات واشنطن العسكرية العالمية، وفي مقدمتها المخصصة لأوكرانيا. وبينما يتعهد ترامب بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في غضون أيام من وصوله للبيت الأبيض، فإنه من الصعب تخيل أن ثمة طريق ممهد ينتظر ترامب لعقد صفقة مع بوتين؛ حيث لا يمكن لتـرامب ببساطة قبول شروط بوتين لوقف الحرب، لأنها تعني استسلاما غربيا كاملا لروسيا. كما أن بوتين لن يتخلى ببساطة أيضا عن شروطه، خاصة التزام أوكرانيا بعد الانضمام للناتو؛ لأن ذلك سيجعل أي إنجاز ميداني عسكري دون مغزى.

يعني هذا أن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو فشل ترامب في إقناع بوتين بإبرام صفقة، وهو ما سيضطر ترامـب إلى زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، أو على الأقل مواصلته، كوسيلة لمزيد من الضغط على بوتين لحمله على إبرام صفقة لإنهاء الحرب أو على أقل تقدير لضمان عدم فوز بوتين في ساحة المعركة

وجه بايدن في يوليو/تموز الماضي رسالة دعم قوية لشركاء واشنطن الأوروبيين، عبر خطة نشر صواريخ أمريكية بعيدة المدى في ألمانيا في عام 2026 للتأكيد على التزام واشنطن بأمن أوروبا. وتظهر خطابات هاريس نفس القدر من الحماس الذي أظهره بايدن للتعاون عبر الأطلسي ومواصلة دعم أوكرانيا. وقد نجح نهج بايدن في حث أعضاء حلف الناتو على زيادة الإنفاق الدفاعي، مما أدى إلى أن 23 من أصل 32 من حلفاء الناتو ينفقون الآن أكثر من 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع. وربما تكون هاريس أقل حذرا من بايدن إزاء مستويات دعم أوكرانيا من أجل حسم الصراع، مثل توريد أسلحة أكثر تقدمًا إلى كييف ورفع بعض القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأمريكية.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة بصورة عامة لم تعد لديها نفس الحماسة إزاء توفير كل احتياجات أوروبا الأمنية. ولذلك؛ سيتعين على أوروبا أن تتحمل المزيد من المسؤولية فيما يتعلق بدعم أوكرانيا، وفي خطط تأمين القارة بصفة عامة على المدى الطويل، وهو الأمر الذي يظهر في سعي دول غربية، خاصة ألمانيا، لزيادة إنفاقها العسكري وتطوير قدراتها الدفاعية الذاتية.

الشرق الأوسط: دعم متواصل لإسرائيل ومواجهة للتهديدات الإيرانية 

سيكون الشرق الأوسط في قلب أولويات كلا المرشحين؛ على وقع حرب غزة المستمرة وتصاعد التوتر بما يهدد بمواجهة مباشرة بين إيران و”إسرائيل”. ولا شك أن كلا المرشحين سيواصل الالتزام الكامل بأمن “إسرائيل”، ودعم أهداف الحرب في غزة، خاصة تقويض قدرات حماس العسكرية ومنع عودتها لحكم قطاع غزة، وفي لبنان تحقيق الأمن لسكان مستوطنات شمال “إسرائيل” وإضعاف قدرات حزب الله، وفرض تسوية جديدة تلبي اعتبارات “إسرائيل” الأمنية على الجبهة الشمالية. الفارق بين المرشحين سيكون في مستوى حرية التصرف الممنوحة لنتنياهو من أجل تحقيق تلك الأهداف، وفي نهج التعامل مع إيران.

ربما تختلف هـاريس عن بايدن في ممارسة معارضة أقوى للسلوك الإسرائيلي خاصة إزاء المدنيين الفلسطينيين في غزة. على الرغم من أن هـاريس تسير عموما على نهج بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكن يمكن أن تكون الحرب على غزة واحدة من القضايا التي يظهر فيها قدر من الاختلاف بين بايدن وهاريس؛ حيث تعد هـاريس أقل ارتباطًا عاطفيًا وأيديولوجيًا بإسرائيل مقارنة مع بايدن، كما أنها المسؤول في إدارة بايدن التي دعت مرارا وتكرار إلى وقف إطلاق النار وكذلك تجاهلت كلمة نتنياهو أمام الكونغرس.

تشير سياسية ترامب التي اتسمت بالحزم مع إيران في ولايته الأولى إلى أنه من المرجح أن ولايته الثانية ستشهد عودة حملة الضغط والإجراءات الرادعة القوية ضد إيران. لكنّ الأخطر هو أن نهج ترامـب العدائي تجاه إيران قد يتطور في ظل الوضع الإقليمي الراهن إلى دعم هجمات إسرائيلية أكثر تطورا تستهدف برنامج طهران النووي. وهو ما يعني أن فوز ترامب قد يضع إيران أمام خيارات أكثر حدية، تقلص من قدرتها المعتادة على المناورة، ما يعني، إما تقديم تنازلات كبيرة تكفي لإرضاء ترامـب، أو المضي قدما في خيارات تصعيد مفتوحة.

بالرغم من أن من المبكر التنبؤ بحسم بسياسة هـاريس نحو إيران في ظل التصعيد الإقليمي المستمر الذي يبقي على هامش كبير من اللايقين، لكن يمكن توقع تمسك هـاريس بنهج حذر تجاه إيران، يواصل الدمج بين خيارات العقوبات والضغط العسكري والتفاوض، وليس الحرب، مع مواصلة منح “إسرائيل” دائما القدرة على الدفاع عن نفسها عبر مواصلة المساعدات العسكرية لإسرائيل ونشر قوات أمريكية ضخمة في المنطقة لردع إيران.

سيواصل كلا المرشحين تعزيز العلاقات مع شركاء واشنطن في المنطقة، خاصة دول الخليج، ومصر، والأردن، والمغرب. ومن المرجح في حال فوز ترامـب، أن يولي أهمية خاصة إلى مواصلة “اتفاقيات أبراهام”، خاصة مع المملكة العربية السعودية، مما يجعل فرص توصل المملكة لاتفاق أمني مع الولايات المتحدة أكثر احتمالية مع ترامـب منها حال فوز هاريـس؛ فرغم أن الأخيرة ستعمل على تعزيز العلاقات الأمنية مع الرياض وستواصل جهود الوساطة للتطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، إلا أن ترامـب سيكون أكثر انفتاحا على منح الرياض صفقة قريبة، كما أن ولي العهد السعودي يبدو أكثر حماسة للعمل مع ترامب.

الجنوب العالمي: تحركات أمريكية رمزية مقابل خطوات جادة لبكين وموسكو

يمثل الجنوب العالمي تحديا رئيسيا أمام أي إدارة أمريكية جديدة حيث تعرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لاتهامات متزايدة بشأن ازدواجية المعايير فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا دولية متنوعة، مثل تناقض المعايير إزاء الحربين في أوكرانيا وغزة، مما يلقي بتداعيات على النظام الدولي. فضلا عن فرض أمريكا قواعد اقتصادية لا تخدم دول الجنوب العالمي والدول الفقيرة.

وفي المقابل فإن الصين وروسيا حققتا تقدما ملموسا في الجنوب العالمي في العقد الأخير حيث تواصل روسيا تعزيز نفوذها في أفريقيا، وتستكمل الصين مشاريع البنية التحتية الضخمة في آسيا وأفريقيا، بينما يتآكل النفوذ الغربي خاصة في منطقة الساحل. إلى جانب ذلك. فإن الخطاب السياسي لكل من بكين وموسكو يدعم حقوق شعوب الجنوب العالمي ويقدر تطلعاتهم وطموحاتهم السياسية والاقتصادية، في مواجهة الهيمنة الغربية وإرثها الاستعماري.

وبالرغم من أن هاريس تبدو أكثر ميلا إلى التعددية وتعزيز النظام الدولي، بينما ترامـب يبدو أكثر ميلا للانعزالية والقومية. ومع ذلك فإن الاختلاف ضئيل بين المرشحَين الديمقراطي والجمهوري فيما يتعلق بدعم تطلعات دول الجنوب العالمي لنظام دولي أكثر توازناً وعدالة، ومن غير المتوقع حدوث تحول محوري في سياسات الولايات المتحدة المتعلقة بالجنوب العالمي، بينما ستقتصر جهود أي ممن سيفوز في الانتخابات الرئاسية على التحركات الخطابية والرمزية إلى حد كبير، والتي ستكون أكثر حضورا حال فوز هاريـس.