هل تقدم مصر على التدخل العسكري المباشر في ليبيا؟ وما تداعيات هذا التدخل إن حدث؟ وما طبيعة الموقف التركي؟
تحميل الإصدارموجز تنفيذي| تستعد مصر لتدخل عسكري لمنع القوات المدعومة من تركيا من التقدم إلى شرق ليبيا.
ستوجّه مصر رسالة بأنها جادّة في مسعاها، وفي الحال التدخل يُرجَّح أن تبقى القوات المصرية ضمن المنطقة الحدودية الشرقية في ليبيا.
قد يؤدي التدخل المصري المحدود إلى تجميد الصراع في ليبيا مؤقتًا، لكنه لن يدفعه إلى إعلاء كفة حلفائها على الأرض.
كما أن الانخراط المباشر لمصر سيثير أيضًا خطر المواجهة المباشرة مع تركيا، وبالرغم من أنها نتيجة غير محتملة في الوقت القريب لكن أبعادها يمكن أن تثير أو تزيد من حدة الصراع في جميع أنحاء المنطقة.
تهديدات السيسي أكثر من خديعة
- صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 20 يونيو/حزيران أن مصر لها حق مشروع في التدخل في ليبيا وأمر الجيش المصري بالاستعداد للقيام بذلك، كما أعلن السيسي أن خط الجبهة الذي يقع غرب سرت والجفرة في وسط ليبيا، هو “خط أحمر” داعياً إلى التزام القوى المتصارعة بالخطوط التي وصلت إليها، والبدء في محادثات لوقف إطلاق النار.
- تهديد السيسي هو محاولة للحفاظ على النفوذ وتأمين المصالح المصرية بعد أحداث الشهر الماضي التي أدت إلى تغيير في ميزان القوى في ليبيا. وكانت مصر والإمارات وروسيا قد دعمت قوات المشير خليفة حفتر في محاولة للاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل 2019، بينما تدخلت تركيا في يناير 2020 نيابة عن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، مما أدى إلى وقف تقدم قوات حفتر.
- وقد أدى الدعم العسكري التركي للقوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني إلى عكس التيار وانسحاب قوات حفتر من جبهة طرابلس في أوائل يونيو/حزيران بعد هزائم متتالية أشهرها كان في مدينة ترهونة جنوب طرابلس، منهيةً بذلك جهود 13 شهرًا للسيطرة على العاصمة.
- وكان السيسي قد اجتمع مع قادة من شرق ليبيا -بمن فيهم حفتر- لإعلان وقف أحادي لإطلاق النار في 6 يونيو. إن تأكيد السيسي في 20 يونيو على أن التدخل المصري سيكون مشروعًا يستند إلى الادعاء بأنه سيفرض وقفًا لإطلاق النار.
- رفضت حكومة الوفاق البيان بشكل قاطع واعتبرته “إعلان حرب”، بينما أدى ثبات الموقف التركي من عملية وقف إطلاق إلى انسحاب قوات حفتر من سرت والجفرة والعودة إلى تمركزات عام 2015.
موقف مصر المعقد
- سبب اهتمام مصر الأساسي بليبيا هو حماية أمنها على الحدود، فمصر لا تثق بحكومة الوفاق الوطني وترى في التدخل التركي تهديداً جدّياً وذلك لأسباب سياسية واقتصادية متنوعة.
- دعم مصر لقوات خليفة حفتر نابعٌ من أملها بأن يتمكن حفتر من بسط الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة.
- بعيدًا عن المخاوف الأمنية لحماية حدودها، فإن هدف مصر هو ردع تركيا عن مواصلة التقدم شرقا والجلوس على طاولة المفاوضات.
- التقدم الاستراتيجي التركي في ليبيا ومنطقة البحر المتوسط واقتراب بعض الأطراف العربية القوية في شمال أفريقيا من الموقف التركي ضرب ناقوس الخطر لدى النظام المصري الحاكم.
- تشكل تهديدات السيسي رسالة واضحة مفادها أن توسع تركيا لن يتم تركه دون رادع في ليبيا.
- يمكّن الممر البري لمصر مع ليبيا من نشر عدد أكبر من القوات المصرية وتركيا تدرك جيدًا هذه الميزة، لكن السؤال ليس ما إذا كانت مصر قادرة على التدخل، ولكن إذا كانت النية للقيام بذلك عالية؟!
دلائل حول تصاعد وتيرة التوترات
- مازالت القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني تستعد لشن هجوم على سرت، فيما أعلنت قوات حفتر الحظر جوي ونشرت تعزيزات كرد فعل.
- بدأ المرتزقة الروس بعمليات جوية مقاتلة خارج قاعدة الجفرة، وفقًا لصور الأقمار الصناعية التي أصدرتها القيادة الأمريكية الأفريقية (AFRICOM) في 18 يونيو.
- نشر المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية بياناً حول تنفيذ عملية برمائية كاملة -بإحدى مناطق البحر المتوسط- في إطار تدريب القوات المسلحة المصرية. وسبق ذلك اجتماع للرئيس عبد الفتاح السيسي مع قيادات أفرع القوات المسلحة المصرية.
- بدأت مصر بناء عتاد إضافي في السلوم على الحدود الليبية المصرية في 8 يونيو. وأشارت تقارير غير مؤكدة عن طائرات مصرية وربما إماراتية في الأجواء الليبية في 22 يونيو.
استشراف السياق
- من غير المحتمل أن تشارك كل من تركيا ومصر في تصعيد عسكري كامل وموسع باهظ المخاطر والتكاليف للأسباب التالية:
- مصر تواجه العديد من التحديات الداخلية التي تشمل التوترات المتزايدة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ومواجهة ضد مسلحي الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء والآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد-19.
- مصر قبلت بالفعل بالوجود التركي في غرب ليبيا وربما في الجنوب الغربي، على الأقل في المدى القريب.
- رغم أن مصر تملك مصالح اقتصادية في ليبيا تؤمّن سوقاً للعمّال المصريين، لكنها ليست مصالح كبرى، ولن يجازف نظام السيسي بانتشار عسكري قد يكون مكلفاً لحماية هذه المصالح.
- لا تزال هناك خيارات غير مباشرة مثل استغلال تجزئة القطاعات السياسية والأمنية في ليبيا لتمكين الفصائل المعادية لتركيا. وقد قال السيسي في خطابه في 20 يونيو/حزيران إن بإمكان مصر تدريب وتسليح الميليشيات القبلية لمحاربة “الميليشيات الإرهابية”، في إشارة إلى القوات المدعومة من تركيا.
- الأهم هو أن مصر لن تنخرط في حرب كبرى في ليبيا فقط لتحقيق أهداف استراتيجية للإمارات أو السعودية. اعتبارات الأمن القومي المصري فحسب ستتحكم بقرار التدخل من عدمه. ويتجلّى ذلك في رفض إدارة السيسي الانضمام إلى الجهود الإماراتية-السعودية المشتركة في اليمن، على الرغم من قوة العلاقة السياسية التي تجمعه بالدولتين الخليجيتين، والمشاريع المالية والاقتصادية الضخمة التي استثمرتها الإمارات والسعودية في مصر.
- في جميع الحالات، يعتبر الانتشار العسكري الملاذ الأخير بالنسبة للقاهرة، ويقدر المراقبون أنه حتى إذا حدث تدخل عسكري كامل، فمن غير المرجح أن تنتشر القوات المصرية في عمق ليبيا، قرب سرت والجفرة، وستبقى بدلاً من ذلك على طول المنطقة الحدودية على الجانب الليبي بهدف التأمين والردع.
- السيناريو الآخر مبني على أخطاء في تقديرات أطراف الصراع؛ فمن الواضح أن مصر والإمارات وروسيا أساءوا في تقدير مدى عزم تركيا في الدعم العسكري لحلفائها والذي أدى إلى التفوق الأخير، وقد يؤدي سوء تقدير مماثل إلى تفجير للأزمة إذا ما تجاوزت تركيا “الخط الأحمر” وشكلت تهديدات أكبر على مصر من خلال دعم حملة عسكرية على الهلال النفطي، فقد تجبر بذلك مصر على رد فعل عنيف ومباشر. ويعد هذا السيناريو “الصراع المباشر” غير المحتمل حتى الآن.
آثار التدخل المصري على الوضع الليبي
- في حالة الدخول المصري إلى ليبيا فسوف تسعى مصر إلى كبح جماح حفتر ومنعه من إطلاق محاولة ثانية للسيطرة على غرب ليبيا وطرابلس، وهي خطوة عارضتها في 2019.
- سيتضح لحفتر أن الهدف من أي دعم تقدّمه مصر في المستقبل -بما في ذلك التدخّل المباشر في ليبيا- هو للحؤول دون سقوطه ليس إلا، وأن عليه القبول بمسار سياسي جديد.
- سيجمد هذا السيناريو الصراع الحالي حول الجبهة، مما يسمح بتخفيض مؤقت للصراع.
- من غير المحتمل أن يقوم الخصوم الآخرون لتركيا، بما في ذلك الإمارات وروسيا والسعودية، بعملية عسكرية كبيرة لإخراج تركيا. من المرجح أنهم سيسعون إلى تقويض الطموحات التركية بمرور الوقت، خاصة إذا واصلت تركيا التمركز العسكري في غرب ليبيا.
- قد تواصل الإمارات تعزيز توريد الأسلحة والعمليات القتالية لقواتها الجوية ولحفتر، بالتنسيق مع الجيش المصري. لكن ليس من المتوقع أن تقلب الإمارات الموازين بشكل أكبر مما فعلت في السابق.
الموقف الدولي
- بغض النظر عن آفاق العمل العسكري وما قد يترتب على مثل هذا التدخل، وضعت مصر الآن أوراقها على الطاولة، فمن المرجح أن يجبر هذا الموقف تركيا على إعادة النظر في الخطط للمضي قدماً في هجمات سرت والجفرة.
- سوف تسعى تركيا إلى إعادة مفاوضات القنوات الخلفية مع الولايات المتحدة وروسيا للوصول إلى اتفاق. وستنمو أدوار الولايات المتحدة وروسيا كوسيطين على المدى المتوسط لأن تركيا ستتطلع إلى تعويض افتقارها إلى النفوذ السياسي في المنطقة، خاصة بعد أن حصل اقتراح السيسي على موافقة غالبية الدول العربية.
- ويُرجَّح أن تحظى مصر أيضاً بقدرٍ من التعاطف الدولي وحتى الدعم العلني من روسيا وبعض البلدان الأوروبية.
- ومن شأن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية الأساسية أن تُبدي على الأرجح تفهّمها لهذه الخطوة، لكن لن تمنح دعماً غير مشروط. والسبب هو تخوّفها من احتمال حدوث مزيد من التصعيد العسكري في ليبيا ومزيد من النزاعات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومن توسّع النفوذ الروسي. لذلك فالأرجح أن نشهد إطلاق جهود دبلوماسية لضمان أن يكون التدخل المصري دفاعياً ومحدوداً وتدريجياً.