الحدث
اقترحت جيبوتي منح إثيوبيا حق الوصول الحصري إلى أحد موانئها، وتحديدًا ميناء تاجورة، الذي يقع على بعد حوالي 100 كيلومتر من الحدود الإثيوبية، بحسب تصريح وزير خارجية جيبوتي، حمود علي يوسف. ويتضمن الاقتراح استخدام إثيوبيا لممر تم إنشاؤه حديثًا للوصول إلى الميناء في المنطقة الشمالية من جيبوتي. وأشار وزير الخارجية إلى أن المقترح سيناقش بين رئيس بلاده ورئيس وزراء إثيوبيا في القمة الصينية الإفريقية، دون تقديم تفاصيل محددة حول الشروط.
تحليل: أزمة القرن الأفريقي تتصاعد: آبي أحمد لن يتخلى عن بناء قوة إثيوبيا البحرية
ليس من المرجح أن يكون المقترح الجيبوتي كافيا لاحتواء التنافس المتصاعد في القرن الإفريقي؛ لأن إثيوبيا لا تواجه حاليا مشكلة تتعلق باستقرار خطوط نقل البضائع، وإنما يعمل آبي أحمد على إعادة بناء قوة البلاد البحرية العسكرية، كضرورة لتأكيد نفوذها في القرن الإفريقي، وهو ما يضع أديس أبابا في مواجهة مع القاهرة ومقديشو، اللتان تنظران لتحركات آبي أحمد كخطوات عدائية لفرض هيمنة بلاده على مصالح جيرانها، سواء مصالح مصر الاستراتيجية في البحر الأحمر وقناة السويس، أو مصالح الصومال في بقاء البلاد موحدة ومنع مسلسل الانفصال الذي لن يقتصر على أرض الصومال.
سبق أن أعلنت هيئة النقل البحري والخدمات اللوجستية في البلاد بأن إثيوبيا بدأت استخدام ميناء تاجورة الذي تم بناؤه بتكلفة تقدر بنحو 90 مليون دولار عام 2020، بجانب إنشاء بنية تحتية تربط الميناء من خلال طريق يبلغ طوله 120 كم من الميناء إلى مدينة بلهو الساحلية بتكلفة 156 مليون دولار. وتعتمد إثيوبيا – الدولة الحبيسة منذ انفصال إريتريا عنها عام 1993 – على ميناء جيبوتي الرئيسي في تأمين ما يصل إلى 95٪ من تجارتها الدولية. ومن المقرر أن يخضع ممر أديس أبابا-جيبوتي، لترقية بمنحة قدرها 730 مليون دولار من مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي.
يستهدف الاقتراح دون شك تحقيق مكاسب اقتصادية وضمان استمرار استفادة اقتصاد جيبوتي من عوائد الخدمات اللوجستية المقدمة لإثيوبيا. كما تراهن جيبوتي على أنه يمثل حلا نظريا مناسبا لإثيوبيا، لكنّ هذا يتوقف على ما إذا كان العرض يشمل تقديم قاعدة عسكرية دائمة أم لا. في حال حصلت إثيوبيا على قاعدة عسكرية في جيبوتي، فإن هذا قد يحتوي التصعيد مع الصومال، لكنّه لن يكون مرضيا لمصر التي قد تتضرر علاقاتها مع جيبوتي جراء ذلك.
تشكلت ملامح الأزمة الراهنة من خلال التطورات الرئيسية التالية:
- توقيع اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية وميناء لوجيستي في أرض الصومال، في يناير/كانون أول 2024، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال، وهو ما وضع إثيوبيا في مواجهة مع الصومال، فضلا عن مصر التي اعتبرت الخطوة تهديدا يخل بميزان القوى في القرن الأفريقي.
- عملت الصومال على محاصرة التحركات الإثيوبية من خلال رفع مستوى الحضور التركي، إذ وقعت اتفاقية “التعاون الدفاعي والاقتصادي” في فبراير/شباط 2024، والتي تقوم تركيا بموجبها ببناء وتدريب القوات البحرية الصومـالية؛ كما تمنح الاتفاقية تركيا “سلطة شاملة” لحماية البحر الصومـالي وحدوده المائية من أي تهديد خارجي، فيما ستحصل تركيا على 30٪ من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال.
- في 14 أغسطس/آب 2024 أعلن عن بروتوكول للتعاون العسكري المشترك بين مصر والصومال، بالتزامن مع افتتاح المقر الجديد للسفارة المصرية في مقديشو. إذ ستساهم مصر بقوات عسكرية في بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال “أوصوم”، بدءا من يناير/كانون ثاني 2025. فضلا عن إرسال قوات أخرى في الاتفاق الثنائي بين البلدين. وبدأت مصر بالفعل، في 27 أغسطس/آب، إرسال مساعدات عسكرية محدودة للصومال وعدد من الجنود للمرة الأولى منذ أربعة عقود.
- من جهة أخرى، انتقلت قوات إثيوبية مؤخرًا إلى عدد من المطارات الرئيسة في منطقة جيدو بالصومال (لوق، ودولو، وباردري)، المتاخمة للحدود الإثيوبية؛ بهدف منع نقل القوات المصرية جوًا إلى المنطقة، والتي من المتوقع أن تحل محل القوات الإثيوبية المتمركزة حاليًا في قواعد مختلفة في جميع أنحاء جنوب غرب الصومال وجوبالاند وهيرشبيلي، وذلك مع قرب انسحاب القوات الإثيوبية المشاركة في مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، والتي من المقرر لها الانسحاب في ديسمبر 2024. وتعد المطارات في منطقة جيدو نقاط وصول مهمة للمدن هناك، خاصة وأن الطرق الرئيسية تسيطر عليها جماعة الشباب أو أنها عرضة لهجماتها. بينما اتخذت سلطة إقليم أرض الصومال إجراءات للحد من الحضور المصري الناعم مثل غلق المكتبة الثقافية المصرية.
تواجه إثيوبيا، التي يتواجد بها نحو 80 عرقية، مشهدا داخليا مضطربا، يجعل من فرص استغلاله إقليميا أمرا واردا. وقد يساهم تصاعد التوتر مع الصومال إلى تأجيج الحس القومي الصومالي في شرق إثيوبيا الذي يتواجد فيه العرقية الصومالية، بينما الجبهة الشمالية التي تنتشر فيها قوات جبهة تحرير “تيغراي” ويحتمل أن تعود للنشاط من جديد بخلاف تنامي صعود حركات متمردة أخرى كجبهة “تحرير أورومو” التي تمثل أكبر عرقية بنسبة تقارب 32٪. ومع هذا؛ فإن إثيوبيا قد أظهرت قدرة على التصدي للتدخلات الخارجية، مقابل قدرتها هي على التأثير على جيرانها الأصغر. بالإضافة لذلك؛ فإن تصاعد التوتر مع الصومال ومصر من شأنه أن يؤجج الحس الوطني الإثيوبي، وهو أمر تكرر في ملف سد النهضة الذي تحول إلى مناسبة للتعبئة الوطنية ضد “الإرث الاستعماري”.
يعتبر التحرك المصري في الصومال تحولا استراتيجيا في الصراع مع إثيوبيا، إذ يفتح مجال تنافس أوسع، ويبقي على احتمالات المناوشات العسكرية على الحدود الصومالية الإثيوبية. ويمثل التواجد في الصومال ورقة مصرية محتملة لتعزيز موقف القاهرة التفاوضي في ملف “سد النهضة” الذي استطاعت إثيوبيا أن تفرض إرادتها فيه. لكن في الرؤية الأوسع، فإن مصر تستهدف منع إثيوبيا من الحصول على موطئ قدم عسكري دائم في باب المندب لأنه يمنح أديس أبابا نفوذا على الملاحة في قناة السويس بعد أن بات لها نفوذا لا شك فيه على مياه النيل.
مقابل تصاعد حدة الصراع بين إثيوبيا من جهة والصومال ومصر من جهة أخرى، يرتفع الحضور التركي في القرن الإفريقي، ليس فقط عسكريا، ولكن أيضا من خلال لعب دور الوساطة. إذ تمتلك تركيا العديد من الأوراق الاقتصادية والدفاعية عند كلا البلدين تجعل لها نفوذا وتأثيرا في إنجاح الوساطة، خاصة أن لعب دور الوساطة جاء بعد طلب آبي أحمد. ومع هذا، ليس من المستبعد فشل الوساطة التركية، نظرا لتعقد المسألة واستبعاد تخلي الطرفين عن مصالحهما الحيوية، وهو أمر سيضع تركيا في مأزق؛ لأنها من ناحية ملزمة بالدفاع عن سيادة الصومال البحرية، ومن ناحية لا تريد التضحية بعلاقتها المهمة مع إثيوبيا.
تتابع الإمارات التحركات الإقليمية بحذر، وإن كان انحيازها لإثيوبيا ولأرض الصومال ليس محل شك، وهو ما جعلها توقف دفع رواتب 9000 جندي صومالي. كما أرسلت زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة موسى للإمارات مطلع الشهر الجاري رسالة أكثر من رمزية، وسبق أن وقع الجانبان اتفاقية تعاون دفاعي عام 2023 تركز على مكافحة “الإرهاب”، كما تلقت إثيوبيا في يوليو/تموز 2024 شحنة كبيرة من المركبات المدرعةMCAV-20 التي صنعتها شركة الدفاع الإماراتية Calidus. وأظهرت مقاطع الفيديو ما لا يقل عن 28 مركبة MCAV-20 يتم نقلها بالقطار إلى أديس أبابا.