حكومة الدبيبة تصطدم مع القاهرة بينما توازن ليبيا الهش على مفترق طرق
سياقات - أغسطس 2024

الحدث

أصدرت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية (حكومة الدبيبة) ، المعترف بها دوليا، بيانا أعربت فيه عن رفضها لاستقبال الحكومة المصرية ما سمته بـ”الأجسام الموازية التي لا تحظى بالاعتراف الدولي بشكل رسمي”، وذلك عقب استقبال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، لرئيس وزراء حكومة شرق ليبيا، أسامة حماد، في مدينة العلمين غربي مصر. واعتبرت الخارجية في بيانها أن هذه الخطوة “تمثل خروجا عن الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى الانقسام والاحتراب وتتنافى مع الدور المصري المنتظر في دعم وحدة ليبيا واستقرارها”. وأفادت مصادر حكومية ليبية بتوجيه إدارة المراسم بوزارة الخارجية مذكرة للسفارة المصرية بطرابلس بضرورة مغادرة دبلوماسيين “يمارسون مهاما استخبارية” بالسفارة خلال 72 ساعة.

تفاقم الصراع الليبي الداخلي يعقد حسابات حكومة الدبيبة

التحليل: تفاقم الصراع الليبي الداخلي يعقد حسابات حكومة الدبيبة

تأتي هذه التطورات رغم استئناف الزيارات بين طرابلس والقاهرة. حيث استقبل “مدبولي” نظيره الليبي “عبدالحميد الدبيبة” في القاهرة في يوليو/تموز الماضي، بعد انقطاع دام نحو 3 سنوات، مما أعطى انطباعا أن القاهرة بصدد الاستسلام للأمر الواقع والتخلي عن عدائها الطويل مع حكومة الدبيبة.

لكن التطورات الليبية الداخلية من المرجح أنها جددت آمال مصر حول التخلص من حكومة الوحدة الوطنية التي تبدو محاصرة حاليا؛ حيث تخوض الحكومة صراعا ضد تحالفات مختلفة، أبرزها تحالف رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، الذي تمكنه صلاحياته من عرقلة تمويل الحكومة بالتعاون مع مجلس النواب الذي جدد سحب الثقة من الحكومة واعتمد مؤخرا مشروع ميزانية للحكومة الموازية وقدمه للنبك المركزي لتنفيذه.

بالإضافة لذلك؛ خسرت حكومة الدبيبة معركة انتخابات المجلس الأعلى للدولة، حيث “خالد المشري”، أحد أبرز خصوم الدبيبة، في استعادة رئاسة المجلس الأعلى للدولة، مدعوما من محافظ البنك المركزي وبلقاسم حفتر وعقيلة صالح، وهو ما يضعف موقف الحكومة السياسي ويضعها أمام مواجهة جديدة. وعلى الرغم من خلفيات المشري الإسلامية، إلا أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع القاهرة، بما في ذلك مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل.

لذلك؛ تعكس إجراءات الخارجية الليبية الصارمة تجاه القاهرة، مستوى التوتر التي تمر بها الحكومة في ظل تفاقم الصراع الداخلي، فرغم انحياز القاهرة الدائم لخصم حكومة الوحدة الوطنية، القائد العسكري خليفية حفتر، إلا أن حكومة “الدبيبة” حرصت على الحفاظ على علاقة جيدة مع القاهرة وتجنب الصدام معها، وذلك عبر مراعاة المصالح المصرية وتقديم امتيازات اقتصادية حصرية، تجاوزت معها قيمة المشروعات المتعاقد عليها مع الشركات المصرية في مختلف القطاعات في طرابلس، وعبر مدن ليبيا، 4.5 مليار دولار.

ويعكس تعاطي الحكومة مع الجانب المصري تقدير الدبيبة بعدم جدوى محاولات إنعاش العلاقات مع القاهرة، بعد أن راهن على زيارته الأخيرة إلى العلمين ولقائه بنظيره المصري كبداية جديدة مع القاهرة، لكنّ الاستقبال المصري لرئيس الحكومة الموازية “أسامة حماد” مثّل مفاجأة لطرابلس، واعتبرته تصعيدا لا ينفصل عن إجراءات رئيس مجلس النواب “صالح” ضدها.

يلعب رئيس المخابرات المصرية، اللواء “عباس كامل”، الذي زار بنغازي قبل أيام من زيارة حماد للعلمين، دورا محوريا في رسم العلاقة بين طرابلس والقاهرة. وتعتقد دوائر حكومة الدبيبة أن “كامل” يمثل الجناح المؤيد للتصعيد ضد الحكومة، كونها – من وجهة نظره – تمثل عائقا أمام المشروع المصري في ليبيا المرتبط بحفتر، وأن فرص إسقاطها والدفع بحكومة تابعة لحفتر باتت أفضل على ضوء تغيرات المشهد المحلي المشار إليها سابقا، بالإضافة لتقارب أنقرة مع كل من القاهرة ومعسكر الشرق (حفتر – صالح).

وتكشف الأحاديث الدائرة في أروقة الحكومة عن حالة من التذمر والاعتراض على دور جهاز المخابرات المصرية في الملف الليبي، وهو ما يفسر طلب مغادرة عناصر المخابرات بالسفارة المصرية في طرابلس. وقد نجحت الحكومة الليبية سابقا في دفع عجلة التقارب مع مصر عبر قنوات بعيدة عن تأثير دوائر “كامل”، وبحسب مصدر حكومي ليبي، فإن ابن الرئيس المصري والضابط الرفيع في جهاز المخابرات العامة، محمود السيسي، يمثل توجه التيار المؤيد للتقارب مع طرابلس، وهو أحد المسارات التي تحاول حكومة الوحدة الوطنية العمل من خلالها.

لكنّ هذا التقدير قد يكون مبالغا؛ في ظل حقيقة أن التوجهات الرئيسية للسياسة المصرية، خصوصا في ملف له اعتبار استراتيجي خاص مثل الملف الليبي، تدار بصورة مركزية من قبل الرئيس نفسه وكبار مساعديه، ولا تخضع لتوجهات متعارضة داخل الأجهزة المعنية.

ومن المرجح أن تستمر أزمة علاقات حكومة الدبيبة مع مصر، خاصة في ظل البيئة السياسية الحالية التي يتجه معها المشهد الليبي مجددا إلى احتمال الاحتراب والعسكرة. وليس من الواضح بعد إلى أي مدى يمكن لحكومة الدبيبة أن تتحدى التحالفات المحلية المناوئة لها، لكن يظل من غير المستبعد أنها قادرة على شراء ولاءات محلية، سياسية وقبلية وعسكرية، والاحتفاظ بدعم أطراف خارجية، ما يعني أن جهود إسقاطها ليست عملية سهلة ومضمونة النتائج.