الملخص| تعد باكستان دولة محورية للأمن العالمي؛ نظرا لعدد سكانها الكبير، وهويتها الإسلامية، وارتباطاتها بما يسمى الحرب على الإرهاب، وقربها من أفغانستان، وترسانتها النووية.• تصاعد الاضطراب السياسي في باكستان وسط معارضة منظمة تعمل على إسقاط رئيس الوزراء “عمران خان” من الحكم، غير أن ذلك مستبعد، والمؤشرات تفيد بأنه سيكمل ولايته بدعم من الجيش، والاضطرابات في السنة المقبلة لن تصل إلى حد تعطيل شامل للحياة السياسية أو الاقتصادية. • تشهد البلاد حالات من العنف والأعمال المسلحة، ولا يلوح في الأفق نهاية لهذه الأعمال أو للصراع الخارجي المزمن مع الهند.• وبينما تسير العلاقة المعقدة مع الولايات المتحدة نحو مزيد من فقدان الثقة، وتتجه العلاقة التاريخية مع السعودية لتوتر عميق، تعزز إسلام آباد شراكتها الاقتصادية والإستراتيجية مع الصين، وتختبر مسارات إسلامية بديلة أبرزها مع تركيا. • عدم وجود قيود على التنقل وعدم وجود آليات فعالة لتعقب المخالطين للمصابين بكوفيد 19، أدى إلى تعقيد أجندة السياسة الداخلية لباكستان حتى يتم توفير لقاح عالمي، وهو ما لا نتوقع وصوله إلى باكستان حتى النصف الثاني من عام 2021 على الأقل.
البيئة السياسية- شهدت باكستان فترات متناوبة من الديمقراطية والحكم العسكري غير المستقر، لكن الجيش بقي في العموم هو القوة المهيمنة في البلاد. وتتمتع النخبة السياسية والجيش بمزايا غير متوفرة لبقية المجتمع. حافظت باكستان على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، على الرغم من البرنامج النووي الذي يعود لمنتصف السبعينيات، والذي بلغ قمته بتفجير 6 قنابل في عام 1998. غير أن هذه العلاقات أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر تعقيدا على خلفية غزو أفغانستان والحرب على تنظيم القاعدة، وفي مقابل ذلك تتقدم الشراكة الباكستانية الصينية بخطاً حثيثة اقتصاديا وإستراتيجيا.
- تصاعد الاضطراب السياسي في البلاد وسط معارضة منظمة لقيادة رئيس الوزراء “عمران خان”للبلاد. وفي خطوة مهمة، تجمعت أحزاب المعارضة الرئيسية في سبتمبر/أيلول 2018 لتشكيل تحالف “الحركة الديمقراطية الباكستانية” (PDM)، داعيًا إلى استقالة عمران خان الذي يتزعم الحزب الحاكم “باكستان تحريك إنصاف” (PTI). ويرجع ذلك إلى مزاعم عن شرعيته كقائد للبلاد (بعد فوزه المثير للجدل في الانتخابات العامة لعام 2018)، ودور الجيش في السياسة الباكستانية (التي يُنظر إليها على أنها زادت تحت قيادة عمران خان)، والمزاعم بأن النخبة الرئيسية يتم استهداف أعضاء أحزابها ظلماً من قبل الحكومة والقضاء.
- أحزاب المعارضة الرئيسية في هذا التحالف هما الحزبان الحاكمان السابقان “الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف” (PML-N)، و”حزب الشعب الباكستاني” (PPP)، بالإضافة إلى “مجلس العمل المتحد” (MMA) وهو تحالف سياسي يضم أحزابًا محافظة وإسلامية. ويقود “مجلس العمل المتحد” رجل الدين “فضل الرحمن” الذي قاد مسيرات آزادي (وتعني الحرية) ضد الحزب الحاكم في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
- تتمثل الأهداف الرئيسية لتحالف المعارضة في إجبار عمران خان على الاستقالة من منصبه، وتأمين إنهاء مشاركة الجيش في السياسة، والدعوة إلى قانون جديد للمساءلة. ويعتزم تحالف المعارضة تنفيذ “خطة عمل” مناهضة للحكومة من ثلاث مراحل، بدأت بالاجتماعات العامة في جميع أنحاء البلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والمظاهرات الاحتجاجية والتجمعات في ديسمبر/كانون الأول 2020، ومسيرة حاسمة إلى العاصمة إسلام آباد في يناير /كانون الثاني 2021. ونتيجة لتلك الأنشطة؛ من المتوقع أن تواجه حكومة عمران خان أياما صعبة واضطرابات ميدانية ستزيد من مخاطر استقرار الحكم والاقتصاد. كما أن هناك احتمالا بأن تنفذ المعارضة اعتصامات في البرلمان الاتحادي، مما قد يعطل البرلمان، وربما يؤثر على العملية التشريعية.
- ومع ذلك، وبسبب الدعم العسكري، ولأن انتخاب عمران خان حظي بشرعية رسمية، فإنه من غير المرجح أن تنحدر أي اضطرابات إلى أعمال عنف كبيرة، أو تؤدي إلى عدم إكمال عمران فترة ولايته الحالية. فالتقدير أن يحافظ حزب عمران خان على السلطة استنادا إلى أن الجيش سيستمر في تقديم الدعم للحكومة. وهذا مرجح بشكل خاص بعد أن أقر البرلمان تشريعًا في أوائل عام 2020 يسمح للجنرال “قمر جاويد باجوا” بتمديد فترة ولايته رئيسا لأركان الجيش وقائدا عاما له لمدة ثلاث سنوات. وستواصل القوات المسلحة ممارسة نفوذها الكبير على السياسة الخارجية والأمنية. وعلى المدى المتوسط، ستستمر بعض الجماعات الإسلامية المعارضة في تشكيل تهديد كبير للاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي.
- في المقابل سيواجه قادة أحزاب المعارضة تحديات قانونية، فهذا الزعيم الفخري لحزب الرابطة الإسلامية رئيس الوزراء السابق نواز شريف سُجن في السنوات الأخيرة بأحكام قضائية (حاليًا في الخارج لأسباب طبية)، كما سُجن شقيقه الأصغر الرئيس الحالي لحزب الرابطة “شهباز شريف” في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بسبب قضية فساد خلال فترة توليه منصب رئيس وزراء إقليم البنجاب في الفترة من 2013-2018. وفي الشهر نفسه وُجهت لائحة اتهام لزعيم حزب الشعب الباكستاني ورئيسه السابق “آصف علي زرداري” بتهمة الكسب غير المشروع، ولا يزال يواجه تحقيقات أخرى ذات صلة. وفي مواجهة هذه الإجراءات القانونية، سيضطر أكبر حزبين معارضين إلى تنسيق إستراتيجياتهما بشكل أوثق ضد الحكومة، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إعاقة متكررة للإجراءات التشريعية في البرلمان؛ لا سيما في مجلس الشيوخ حيث يشكل الائتلاف الحاكم أقلية.
- ازدادت المخاطر على الاستقرار السياسي في المدى القريب، حيث تبنى تحالف أحزاب المعارضة موقفا معارضا للمؤسسة العسكرية، وهو أمر نادر الحدوث في باكستان، مما يشير إلى توتر كبير في العلاقات السياسية الداخلية، وسيبقى رئيس الوزراء عمران خان وإدارته تحت ضغط متزايد في عام 2021.
- فُرضت قيود على مستوى البلاد في أبريل/نيسان الماضي لإبطاء انتشار فيروس كورونا، سرعان ما خففتها الحكومة في مايو/أيار بسبب تأثير هذه القيود على الاقتصاد. وتحسنت الأوضاع الاقتصادية إلى حد ما بفضل انخفاض حالات كوفيد 19 اليومية، ومبادرات الدعم الحكومية للقطاعات المستهدفة، والانتعاش الأخير في النشاط.
- وتظهر أحدث المؤشرات الاقتصادية أن مؤشر التصنيع واسع النطاق انتقل من الانكماش إلى الانتعاش في يوليو/تموز، حيث ارتفع بنسبة 5٪ على أساس سنوي. وكانت زيادة المبيعات في صناعات السيارات والإسمنت والبترول من المحركات الرئيسية. كما استقرت عملة باكستان “الروبية” بعد انزلاقها إلى أدنى مستوى لها عند 169 روبية للدولار الواحد في يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين مع توقع استمرار استقرارها. ومع ذلك، من المقرر أن ترتفع القروض المتعثرة في بعض القطاعات مع ظهور الآثار الثانوية لوباء كوفيد 19 في مختلف القطاعات؛ وعلى وجه التحديدالطيرانوالسياحة والشركات الصغيرة والمتوسطة.
- مع الاستقرار الأخير للأسس الاقتصادية الرئيسية (احتياطيات العملات الأجنبية والروبية) رفعت مؤسسات دولية مستوى الاتجاه العام لباكستان من “التدهور” إلى “المستقر”، فيما يستمر الفشل في الوصول إلى درجة “التحسن” في ظل عدم القدرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة، والمخاطر الأمنية العالية، وزيادة المخاطر السياسية.
- غير أن الخطر ما زال قائما من عودة ظهور كوفيد 19 بسبب عدم وجود قيود على الحركة وعدم وجود آليات فعالة لتعقب المخالطين للمصابين بالوباء. وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد أجندة السياسة الداخلية لباكستان حتى يتم توفير لقاح عالمي، وهو ما لا نتوقع وصوله إلى باكستان حتى النصف الثاني من عام 2021 على الأقل.
- وإلى جانب كفاحها لاحتواء انتشار فيروس كورونا، ستركز الحكومة في عام 2021 على دعم الانتعاش الاقتصادي وتخفيف الاختلالات المالية والخارجية في الاقتصاد. وسيركز الحزب الحاكم على أجندة السياسة الطموحة التي تم انتخابه بناءً عليها، بما في ذلك التوسع في الخدمات الاجتماعية وبناء المساكن وخلق فرص العمل والتأكيد القوي على إنشاء “دولة الرفاهية الإسلامية”، وهو برنامج جذاب من الناحية الانتخابية، نظرًا لارتفاع معدل الفقر في البلاد. ومع ذلك فإن ضعف الاقتصاد الكلي في البلاد سيعقد هذه الأجندة.
- نتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.8٪ في 2020/21 حيث إن النشاط الاقتصادي مقيد بالفيروس. ومع استمرار ضعف احتمالات الانتعاش القوي بعد الأزمة، نتوقع تمديد تعليق خدمة الديون من قبل مجموعة العشرين والمنظمات المتعددة الأطراف حتى نهاية عام 2021.وسيساعد ذلك مع إعادة تشغيل برنامج صندوق النقد الدولي المتوقف مؤقتًا حاليًا؛ على تخفيف ضغوط ميزان المدفوعات في عام 2021 وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة.
- ستكون أولوية الحكومة في عام 2021 تعزيز ثقة المستهلك والأعمال. وقد اتخذت الإدارة بالفعل خطوات لتحفيز الاقتصاد من خلال تقديم الدعم المالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) والأسر ذات الدخل المنخفض.
- علاوة على ذلك، سوف يعاني صنّاع السياسات الاقتصادية من تدخل عسكري أكبر خلال الفترة المقبلة. فقد قامت القوات المسلحة بتوسيع دائرة نفوذها في الأشهر الأخيرة، وتجلى ذلك في بعض التعيينات والتغييرات المؤسسية، وتشمل تعيين الجنرال “باجوا” في مجلس التنمية الوطني (NDC) الذي أُنشئ في يونيو/حزيران 2019 لوضع سياسات التنمية وتقديم المبادئ التوجيهية للتعاون الإقليمي. ومع تمتع الجيش بنفوذ أكبر، ستصبح المصالح التجارية المتنوعة للجيش أكثر رسوخا. وعلى وجه الخصوص، سيخضع قطاعا اللوجستيات والنقل -اللذان تهيمن عليهما الكيانات المدعومة من الجيش- لمزيد من التراجع في المنافسة، كما يمكن أن تؤدي مشاركة الجيش الكبرى في الشؤون الاقتصادية إلى زيادة مخاطر نزع المِلكية للمستثمرين الأجانب في الطاقة وصناعات استخراج الطاقة.
- من المتوقع أن تتواصل المظاهرات إزاء القضايا الدينية السنوات المقبلة، مع خطر العنف المرتبط بفرض تحديات على إنفاذ القانون. كما ستظل البيئة الأمنية متقلبة بسبب عنف الجماعات المسلحة.
- انخفضت هجمات الجماعات المسلحة بنسبة 13٪ في جميع أنحاء البلاد خلال عام 2019، وهو ما يمثل العام الرابع على التوالي من تراجع الهجمات. ومع ذلك، استمرت تهديدات هجمات الإسلاميين -خاصة طالبان باكستان- ضد قوات الأمن في المناطق الحدودية. ومن المرجح أن تظل المناطق الحضرية في بلوشستان وخيبر بختونخوا هي المواقع الأكثر تعرضًا للخطر بعيدًا عن المراكز التجارية الباكستانية في إسلام آباد وكراتشي ولاهور. ويشكل الانفصاليون البلوش تهديدًا متزايدًا في جنوب باكستان، ويستهدفون على الأرجح النشاط التجاري للحكومة الصينية والباكستانية.
- أدارت “حركة طالبان باكستان” تمردًا في إقليم خيبر بختونخوا لأكثر من عقد، لكن الحملات العسكرية المتعاقبة أجبرت قيادتها على البحث عن ملاذ في أفغانستان. وباستخدام الوضع المتفجر هناك، قامت الجماعة بتكييف إستراتيجيتها على استخدام قاعدتها الأفغانية لشن كمائن على الجيش الباكستاني على طول الحدود. وضغطت الحكومة الباكستانية على نظيرتها الأفغانية للتحرك ضد الحركة مقابل مساعدتها في دفع عملية السلام الأفغانية إلى الأمام، وهو الأمر الذي ربما دفع المسلحين إلى أن يصبحوا أكثر عدوانية.
- على النقيض من ذلك، قادت جماعة بلوش راجي أجوي سانغار (BRAS) وجيش تحرير البلوش (BLA) التابع لها، تمردًا انفصاليًا عرقيًا في بلوشستان لعقود. واستهدف جيش تحرير البلوش بشكل خاص مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) ومشاريع البنية التحتية الأخرى في المقاطعة، وربما كان الهجوم الأخير في 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جزءًا من هذه الإستراتيجية، حيث جاء في وقت حاولت فيه باكستان والصين تسريع وتيرة مشروع الممر الاقتصادي.
- يتماشى الهجوم مع التوقعات بأن المشاريع التي تدعمها الصين في مقاطعة بلوشستان ستظل معرضة لخطر هجوم المتمردين خلال الفترة القادمة. وتؤكد التطورات الأخيرة على المخاطر التي تهدد البيئة الأمنية، ومن المرجح أن تحدث هجمات إرهابية مماثلة بشكل دوري خلال 2021. وبينما سيكون الجيش قادرًا على احتواء أي توسع كبير في العنف، فإنه يرجح عدم القضاء على نشاط المتمردين.
مراجع استفدنا منها:
- Dun & Bradstreet Products and Services, Country Insight Snapshot: Pakistan, 16 October 2020.
- Economist Intelligence Unit, Country Report: Pakistan, 13 November 2020.
- Fitch Solutions, Pakistan: Country Risk Report Q1 2021, 25 September 2020.
- IHS Markit, Country/Territory Report – Pakistan: Economics and Country Risk, 28 October 2020.