استشراف حالة الدولة
- أسهمت التطورات السياسية الأخيرة في تعزيز نفوذ المحافظين في السياسة الإيرانية، الأمر الذي أظهره وصول “رئيسي” إلى سدة الحكم، إضافة لزيادة حضورهم في المؤسسات السيادية، والذي يتزامن مع ضعف ما يعرف بالتيار الإصلاحي، ومن المرجح أن يستمر هذا الأمر في التوسع خلال الفترة المقبلة، خاصة أن قضية خلافة “خامنئي” مطروحة على جدول أعمال السياسة الداخلية.
- رغم حالة الغموض والمفاوضات الشاقة، مازالت العودة للاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية هو الخيار المفضل للطرفين؛ وذلك نظراً لحاجة إيران الاقتصادية الملحة لرفع العقوبات، ومصلحة الولايات المتحدة بتسوية هذا الملف، في ظل تفاقم أزمة الطاقة وتجنب تفجر الأوضاع في المنطقة، لكن ليس من المتوقع أن يؤدي الاتفاق مع الولايات المتحدة إلى تراجع الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين، كما لن يوقف تنامي العلاقات مع روسيا. إقليميا؛ لن ينتج عن الاتفاق النووي المحتمل تغيرا جوهريا في أجندة إيران في المنطقة.
- إقليمياً، تواجه إيران تحديات ومنافسة محتدمة مع عدة أطراف إقليمية، حيث يتمثل التحدي الأساسي في تنامي العلاقات الإسرائيلية في الإقليم على وقع “اتفاقيات أبراهام” مع دول خليجية وعربية، وإعادة استئناف العلاقات مع تركيا، ومع هذا، ستظل العلاقات مع تركيا تحقق مصالح حيوية أمنيا واقتصاديا، رغم التنافس الجيوسياسي طويل الأمد، وبينما يعمل الدبلوماسيون الإيرانيون ومسؤولو الاستخبارات على فتح حوارات مع دول في المنطقة منها مصر والأردن؛ فإن العلاقات الإيرانية الخليجية تتجه نحو مزيد من الهدوء.
- ستأخذ المواجهة الإسرائيلية الإيرانية منحى أكثر صدامية على صعيد العمليات الأمنية المتبادلة، خاصة بعد الضربات الموجعة في الداخل الإيراني، كما لن تتوانى إيران في مواجهة التحالفات الأمنية، بين دول عربية و”إسرائيل”؛ حيث تعمل طهران في مقابل ذلك على خلق جبهة إقليمية مضادة تمتد من اليمن مرورا بالعراق وحتى سوريا ولبنان.
- تواجه إيران واقعاً اقتصادياً صعباً، لكن ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة منسوب صادراتها النفطية يُسهم في تحسين وضعها الداخلي ووضعيتها التفاوضية، ففي حال التوصل لاتفاق نووي سيحقق الاقتصاد الإيراني قفزة على صعيد النمو الإجمالي والمؤشرات الاقتصادية الكلية.
- من المرجح أن تتكرر الاحتجاجات المناهضة للحكومة، مدفوعة بمطالب اقتصادية، لكن من غير المتوقع أن تعرض هذه المظاهرات بقاء النظام السياسي في إيران للخطر نظرًا لقدرة النظام وخبرته في التعامل مع هذه الاحتجاجات، وقوة الجهاز الأمني، وافتقار هذه التحركات إلى قيادة سياسية ذات ثقل، تتمتع بالمصداقية الكافية لدى الجماهير الإيرانية، والأهم من ذلك، لوجود قاعدة صلبة لنظام إيران السياسي تمكنه من الاحتفاظ بولاء شريحة من الشارع الإيراني.
البيئة السياسية
- أسهم فوز “إبراهيم رئيسي” في الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران 2021، في تعزيز سيطرة التيار المحافظ في إيران، الذي يمثل الخط الأيديولوجي الصُلب لنظام الثورة، وهو ما ألقى بظلاله على الإدارة الحالية؛ حيث ظهرت أكثر حذرًا في خطوات التوصل لتفاهمات طويلة الأمد مع الغرب، وأكثر اعتمادًا على الأجهزة الأمنية للنظام.
- تشير خارطة التوازنات الداخلية إلى احتمالية إعادة انتخاب “رئيسي” حتى عام 2029؛ وبالنظر لنفوذ وهيمنة مجلس صيانة الدستور في تحديد طبيعة المرشحين، فمن المرجح أيضا أن تكون نتيجة الانتخابات المقبلة للبرلمان الإيراني أوائل عام 2024 لصالح المحافظين.
- بالإضافة للرئيس والبرلمان، تظل مؤسسات السلطة الرئيسة: المرشد الأعلى، ومجلس خبراء القيادة، تظل تحت سيطرة المحافظين، مدعومة بمؤسسة أمنية أيديولوجية تتمثل في الحرس الثوري، لذلك؛ فإن من المرجح أن تستمر هيمنتهم على السلطة في إيران خلال العقد الجاري.
- أنصار الرئيس الإيراني قدّموا لحكومتهم الحالية باعتبارها “أول حكومة شعبية ثورية”، تجسيدا لما أطلق عليه “خامنئي” في شباط/ فبراير 2019 عنوان “الخطوة الثانية للثورة”، حيث يرى المقربون من “رئيسي” أنه لم يقدم نفسه يوماً على أنه أصولي، وإنما ممثل لتيار جديد سيثبت نفسه على الساحة الإيرانية في المرحلة القادمة إلى جانب التيارين التقليديين، الأصولي والإصلاحي: تيار حزب الله الثوري، على حد تعبيرهم، أو (الحزب اللهي) وهو تيار نشط طويلاً في إيران تحت عناوين أصولية، وكانت لهم مؤسساتهم وصحفهم وحتى قناتهم التلفزيونية داخل بوتقة قنوات الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وفي اللحظة الراهنة يبرز هذا التيار سياسياً من دون مواربة، إلى جانب التيارين التقليديين، الأصولي والإصلاحي.
- أظهرت التطورات في بنية الدولة خلال السنوات الأخيرة أن ما يعرف بتيار الاعتدال الذي قاده خلال الفترة الماضية الرئيس السابق “حسن روحاني”، يشهد حالة تراجع واسعة، في ظل عملية إعادة هيكلة للمشهد السياسي الإيراني تجري على نحو سريع، وتحمل معها وجوها جديدة إلى الساحة السياسية.
- على الخط نفسه؛ تشهد الساحة الإيرانية احتمالية تراجع التيار الأصولي التقليدي لتطال جزءً وازناً من قاعدته الشبابية التي تجد شريحة كبيرة منها أن تيار “حزب الله الثوري” أكثر تمثيلا لأفكارها، وأكثر ثورية من الشخصيات التي تقود التيار منذ سنوات، وأكثر شبابا بما يتناسب مع مطلب “خامنئي” بتشكيل حكومة شبابية “حزب لاهية” تحكم الجمهورية الإسلامية.
- مطالب “خامنئي” عبّرت عن مخاوف تساور النخبة الإيرانية حول مؤسسة الحكم والحوزات، في ظل تقدم المرشد الأعلى في السن، (83 سنة)، كذلك أعرب “خامنئي” ورفاقه مرارًا وتكرارًا، في السنوات الأخيرة، عن قلقهم بشأن انتشار توجهات علمانية في الحوزات، التي تعد محضنا أساسيا لرجالات الدولة، لا سيما فكرة الفصل بين الدين والسياسة، كما يتزايد هذا القلق أيضًا بين رجال الدين التقليديين – حتى أولئك الذين يختلفون مع النظام الإيراني.
- في الأثناء شهد أكبر جهاز أمني، وهو استخبارات الحرس الثوري، عزلا لرئيسه “حسين طائب” من منصبه، بعد عدة ضربات أمنية واستخباراتية تلقتها البلاد، ويعتبر “طائب” أحد كبار المسؤولين في إيران وأكثرهم نفوذاً وقرباً من “خامنئي”، خاصة في مرحلة ما بعد أحداث الحركة الخضراء عام 2009، وهو عام تحوَّل فيه هذا الجهاز من التبعية لقائد الحرس الثوري لشؤون الاستخبارات، إلى وكالة مستقلة بذاتها يُساءل رئيسها مباشرة من المرشد الأعلى.
- ويبدو النهج الذي اتُبِع في تعيين الرئيس الجديد للجهاز، العميد “محمد كاظمي”، وهو عسكري محترف، خلافاً للعرف المتّبع في تعيين القيادات الاستخباراتية على مستوى رؤساء أجهزة الاستخبارات ووزارة الاستخبارات من رجال الدين، فيه إشارة واضحة لتغيّر نهج إدارة الفيلق من الإدارة التي تستند إلى كاريزما رجال الدين، إلى إدارة تنظيمية أكثر احترافا.
السياسة الخارجية
- يبرز أحد أهداف زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى الشرق الأوسط، التي أجريت منتصف تموز/يوليو، باعتبارها جزءً من المساعي الأمريكية لاحتواء المخاوف الأمنية لدى حلفائها التقليديين بشأن الاتفاق النووي، وذلك من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية.
- سيعتمد استقرار البيئة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير على مخرجات جلسات التفاوض حول العودة للاتفاق النووي، وبلا شك ستتضمن العودة إلى الاتفاق تنازلات مؤلمة سياسيا، لكن الولايات المتحدة لا تزال ترى العودة إلى الاتفاق النووي يخدم مصلحتها الجيوسياسية، كما تشير بعض التقديرات إلى احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي قبل انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة، المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
- من جهة إيران؛ مازال التوصل لاتفاق هو الخيار المفضل جيوسياسيا، حيث تبرز أولوية المفاوض الإيراني في رفع العقوبات، كما تعمل حكومة “رئيسي” في الوقت ذاته على تحييد تأثير العقوبات في حالة سيناريو عدم وجود صفقة، وهي تعتزم القيام بذلك من خلال تكثيف إنتاجها الصناعي وصادراتها، لا سيما مع الصين وروسيا، لكن من دون اتفاق ستظل قدرة طهران على تهميش أثر العقوبات محدودة، خاصة وأنه في حال انهيار المحادثات سيكون من المرجح أن تتبنى أوروبا، وليس الولايات المتحدة فقط، موقفا أكثر حزما تجاه طهران.
- أظهر “بايدن” استعداده للتنازل عن حوالي ثلثي عقوبات الرئيس السابق “ترامب”، مع الإبقاء على تلك التي تتعلق بالجوانب غير النووية لسلوك إيران، في المقابل تريد إيران أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات بشكل يمكن التحقق منه أولاً، وتطالب بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تترك خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى، ليس من المؤكد أن طهران ستتمسك بكل مطالبها الراهنة؛ حيث تشير بعض التقديرات إلى أن إيران تماطل حتى موسم الشتاء الذي تراهن أنه سيعطيها ميزة إضافية من خلال زيادة الطلب على صادراتها النفطية كبديل أساسي للصادرات الروسية، ومع ذلك؛ فإن من المهم استحضار السيناريو الآخر الذي قد يُفضى لفشل المفاوضات بالنظر لزيادة وتيرة التوترات بين إيران والغرب.
- في الأثناء، تعمل إيران على تعميق علاقتها مع الصين، وقد كشفت زيارة وزير الدفاع الصيني إلى إيران قبل أسابيع، حجم الاهتمام المشترك لتعزيز التعاون العسكري، حيث تركّز العلاقات العسكرية المتنامية على بناء قواسم مشتركة متزايدة بين القوات المسلحة، في ظل مشاركة الطرفين بصورة متنامية في عدد من التدريبات البحرية المشتركة في المحيط الهندي وخليج عُمان. فبينما كانت إيران متحفظة تاريخياً بشأن الانفتاح على التحالفات العسكرية، وصف الرئيس الإيراني “رئيسي” العلاقات العسكرية الإيرانية مع الصين بأنها “استراتيجية” بطبيعتها، كما أن انضمام إيران مؤخرًا إلى منظمة “شنغهاي” للتعاون، يوفر هيكلًا رسميًا لتعزيز العلاقات بين الطرفين.
- تنظر بكين إلى معارضة طهران للولايات المتحدة على أنها تزيد من نفوذ الصين عالميا، كما أن سياسة النظام الإيراني في الشرق الأوسط تعقد جهود الولايات المتحدة لتحويل تركيزها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن جانبها؛ تنظر إيران إلى الصين باعتبارها شريانا اقتصاديا مهما -كأكبر شريك اقتصادي- وداعمًا دبلوماسيًا ضد ضغوط الولايات المتحدة، ففي مارس/أذار 2021، وقع الجانبان اتفاقية تعاون مدتها 25 عامًا كأحدث مؤشر على انتقال العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية.
- وعلى الرغم من التناقضات، يبدو أن تداعيات حرب أوكرانيا تدفع العلاقات الإيرانية الروسية إلى مزيد من المصالح المشتركة، حيث استقبلت طهران الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أول زيارة له خارج البلاد منذ بدء الحرب، وناقش الجانبان تطوير آليات التجارة بالعملات المحلية لتجنب العقوبات الأمريكية التي تستهدف البلدين، وليس من الواضح بعد إلى أي مدى قد تتطور العلاقات الثنائية، لكنّ عداء البلدين للولايات المتحدة سيزيد من مجالات التعاون في المدى المنظور بينهما.
- ● إقليمياً، تواجه إيران تحديات ومنافسة محتدمة مع عدة أطراف، حيث يتمثل التحدي الأساسي في تنامي العلاقات الإسرائيلية في الإقليم على وقع “اتفاقيات أبراهام” مع دول خليجية وعربية، وإعادة استئناف العلاقات مع تركيا، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن مسألة “التهديد الإيراني” أصبحت تشكل أساسا إقليميا لدى بعض الدول للعمل المشترك من أجل تقويض أو موازنة نفوذ إيران، وهو ما يظهر في التنسيق الخليجي الغربي في لبنان، وفي العراق، بالإضافة للضغوط التي تمارسها مصر على سوريا لاتخاذ خطوات واضحة تجاه إعادة تعريف علاقات دمشق مع إيران كشرط للعودة للجامعة العربية.
- في ذات الوقت؛ يشتد التنافس التركي الإيراني طويل الأمد، حيث تفرض تعدد ساحات الاشتباك بين الطرفين اختبارا صعبا عليهما خلال الفترة المقبلة، في ظل المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة، ولا يقتصر الأمر على مخاوف طهران تجاه اتساع نفوذ تركيا في شمال سوريا وحول مدينة حلب، لكنّ تصاعد التنافس في العراق بات لافتا خلال الأشهر الماضية، والذي من المتوقع أن يستمر، حيث ثمة مؤشرات على استهداف إيران لمشاريع الغاز التي قد تمر عبر كردستان نحو تركيا، بالإضافة لجهود المجموعات العراقية المسلحة الموالية لإيران التي تعمل على الحد من تصاعد النفوذ التركي في العراق بشكل عام.
- في نفس الوقت؛ وبينما يعمل الدبلوماسيون الإيرانيون ومسؤولو الاستخبارات على فتح حوارات مع عدد من الأطراف في المنطقة منها مصر والأردن؛ فإن العلاقات الإيرانية الخليجية تتجه نحو مزيد من الهدوء، وبينما تحافظ العلاقات مع سلطنة عمان ودولة قطر على حيويتها، فإن الإمارات تبدو حاسمة في خيار احتواء التوتر مع إيران وتفعيل قنوات الدبلوماسية، وتعزيز العلاقات التجارية، ولا يزال رئيس الوزراء العراقي يتحرك على خط الرياض- طهران، حيث يواصل عمله لاستمرار المحادثات السعودية – الإيرانية، في ظل إمكانية رفع مستوى التمثيل بين البلدين، وإن كان هذا المسار يتوقع أن يظل بطيئا، وقد يؤدي التوصل لاتفاق نووي إلى تسريع هذه الخطوات.
- تشهد العلاقة مع الكويت مرحلة من تراجع الثقة؛ حيث تنظر قيادة الكويت الحالية لتنامي القدرات العسكرية الإيرانية خاصة الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية كتهديد يجعل من تعزيز دفاعات البلاد أولوية عسكرية، كما أن الكشف عن خلايا تابعة لحزب الله في البلاد قد أثار حفيظة قيادة البلاد وعزز الشكوك تجاه الاستهداف الإيراني للبيئة الداخلية، ومع هذا، لا تزال الكويت تنتهج سياسة تعتمد على القنوات الدبلوماسية، وتجنب التصعيد الإعلامي والسياسي.
إقرأ أيضاً:
طائرات إيران المسيرة إلى روسيا.. صفقة تكتيكية تفتح الآفاق لعلاقات استراتيجية
“بايدن” يعود للشرق الأوسط بمشروع دفاعي يوحد حلفاءه مع إسرائيل ضد إيران
إيران.. وضع أمني حساس واقتصاد متهاوٍ وتوترات خارجية تميل للحرب
الحالة الاقتصادية
- تتمتع إيران باقتصاد أكثر تنوعًا من معظم منتجي النفط الإقليميين الآخرين، لكنها تعتمد على النفط والغاز في جزء كبير من إيراداتها المالية، في حين أن طبيعة بيئة الأعمال المعقدة، والمخاطر المتعلقة بالعقوبات الأمريكية والقطاع المصرفي الضعيف، كلها عوامل تحول دون دخول المستثمرين الأجانب بقوة إلى الاقتصاد الإيراني.
- تشير التقديرات الغربية إلى أن الاقتصاد الإيراني سيعاني خلال الفترة المقبلة ما لم يتم رفع العقوبات في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وضيق التمويل العام، وارتفاع معدلات البطالة، وتقييد الوصول إلى العملات الأجنبية، والاستثمار الأجنبي المحدود للغاية.
- ارتفع إنتاج النفط الخام الإيراني بنسبة 20٪ في عام 2021، خلال فترة المفاوضات حول العودة للاتفاق النووي، وفقًا لبيانات أوبك، كما تشير تقديرات أخرى إلى نسب أكثر من ذلك بكثير عقب الحرب الأوكرانية، تغض إدارة “بايدن” الطرف عنها، ومن المؤكد أن إنتاج النفط الإيراني سيحقق صعوداً ملحوظا حال جرى التوصل لاتفاق نووي، مما يغذي النمو الاقتصادي.
- تتوقع IHS Markit أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لإيـران إلى 5.9٪ في السنة المالية 2022 وإلى 9.0٪ في السنة المالية 2023، حيث تستفيد القطاعات غير النفطية أيضًا من التطورات السياسية في حال أخذت منحى إيجابيا، حيث ستسمح السيولة الإضافية المتوفرة بتوسيع الإنفاق الحكومي، مما سيوفر حافزًا إضافيًا للنمو الاقتصادي الحقيقي.
- وفي حال تحسنت الظروف الجيوسياسية سينعكس ذلك بصورة إيجابية على العملة المحلية، بما يؤدي إلى ارتفاع جزئي في قيمة الريال على المدى القريب، وهو ما يمهد الطريق لتخفيف جزئي من ضغوط أسعار المستهلكين، وإن كان يقابلها ارتفاع في أسعار السلع العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، كما سيؤدي الارتفاع المحدود المتوقع لقيمة الريال إلى تخفيف الضغط على أسعار المستهلك، مع توقع انخفاض متوسط التضخم السنوي من 43.4٪ في 2021 إلى 28.9٪ في 2022، وإلى 13.2٪ في 2023.
- في المقابل، تتوقع “وحدة معلومات إيكونوميست”، التي ترجح عدم التوصل إلى اتفاق خلال فترة “بايدن” الرئاسية المتبقية، أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل طفيف فقط، إلى 2.7٪، في السنة المالية 2022/23، بخلاف النسبة التي جرى توّقعها سابقاً بحدود 6.9٪.
البيئة الأمنية
- على الرغم من انحسار مخاطر الحرب الإقليمية نظرًا لإعطاء إدارة “بايدن” الأولوية للدبلوماسية، وتجنب الأطراف الإقليمية هذا الخيار، لا تزال هناك مسارات يمكن أن تؤدي لاندلاع صراع عنيف في المنطقة، لكن فرص هذه المسارات لا تزال غير مرتفعة بالنظر لاستمرار جولات المفاوضات حول الملف النووي.
- من المرجح أيضا أن تستمر المواجهات بين إيـران و”إسرائيل” من خلال العمليات المتبادلة دون عتبة الحرب، لكن هذا النوع من المواجهة قد ينتقل للاشتباك المباشر في حال طرأ خلل على قواعد الاشتباك أو سوء تقدير موقف من أي من الطرفين، كذلك تشير العمليات خلال الأشهر الأخيرة إلى أن “إسرائيل” باتت أكثر جرأة في استهداف الداخل الإيراني مباشرة، حيث تجاوزت الهجمات الإسرائيلية البرنامج النووي لتطال ترسانة إيـران المتنامية من الطائرات بدون طيار، فضلا عن علماء وضباط بارزين في الحرس الثوري.
- ليس من المفاجئ أن تنظر إيـران إلى “اتفاقيات أبراهام” كتهديد كونه يجلب النفوذ الإسرائيلي لدى جيران إيـران الجنوبيين المباشرين، حيث أظهرت إيـران قلقها لأول مرة في أغسطس/آب 2020، حيث أصدرت تحذيرات مباشرة إلى الإمارات، لكن بعد أقل من عامين، توسعت العلاقات الخليجية مع “إسرائيل” لتشمل المجالين العسكري والأمني، خاصة في البحرين التي باتت تستضيف بصورة دائمة ضابط اتصال بحري إسرائيلي، كما يشارك ضباط من أجهزة الأمن الإسرائيلية في تدريب ضباط مخابراتها ضمن توجيهات ملكية بإعادة هيكلة أجهزة الأمن البحرينية وسرعة الانفتاح على التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية.
- ويجرى العمل إقليمياً على تشكيل ترتيبات أمنية واستخبارية تجمع بعض دول المنطقة مع “إسرائيل” في منظومات عمل مشتركة ترعاها الإدارة الأمريكية بصورة مباشرة، في خطوات تستهدف محاصرة النشاط الإيراني في المنطقة، لكنّ فرص هذه التحالفات ما زالت محدودة، وعلى الأرجح ستقتصر على ترتيبات ثنائية -وليس تحالفا إقليميا بالمعنى المقصود- تجتذب بعض الدول العربية المستهدفة، وستظل في إطار بناء منظومة دفاع جوي مشتركة، وربط آليات الإنذار المبكر بين هذه الدول، لكنّها أبعد من أن تتحول لتحالف عسكري على غرار “ناتو إقليمي”.
- في المقابل؛ وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية الداخلية، لا يبدو أن إيـران ستتوانى في مواجهة التحالفات الأمنية، الرسمية أو غير الرسم، بين دول عربية و”إسرائيل”؛ حيث تشير عمليات إيـران الأخيرة في أربيل، وتزايد أنشطتها في سوريا، وتنامي قدرات الحوثيين في اليمن، فضلا عن المجموعات المسلحة الموالية في العراق، إلى أنها تعمل في المقابل على خلق جبهة إقليمية مضادة.
- في الداخل؛ تقوم أذرع الاستخبارات والأمن الداخلي في الحرس الثوري الإيراني بسلسلة تغييرات قيادية رئيسية، مع تعيينات جديدة في مناصب عليا، لتدارك الخلل الذي لحق بصورة البلاد عقب الضربات الإسرائيلية، ففي 23 يونيو/حزيران، أُقيل “حسين طائب” من منصبه كرئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني منذ تأسيسه في عام 2009، وعين العميد محمد كاظمي، خلفا له، وكما أشرنا سابقا، فإن تعيين “كاظمي”، وهو المتدرّج في التراتبيات العسكرية الاستخباراتية، يعتبر تمهيداً لإعادة تنظيم جهاز الاستخبارات الأضخم في إيـران بعد الضربات التي تلقتها البلاد استخباراتياً وأمنياً.
- كذلك؛ وبعد يومين من عزل “طائب”، قام قائد الحرس الثوري اللواء “حسين سلامي” باستبدال “إبراهيم جباري”، قائد فيلق ولي الأمر في الحرس الثوري الإيراني، وهو الجهة المكلفة بتوفير الحماية والأمن للمرشد الأعلى وأسرته وموظفي مكتبه، كما كشفت جريدة “نيويورك تايمز”، في 29 من حزيران/ يونيو الماضي، عن اعتقال الجنرال “علي نصيري” من وحدة حماية الحرس الثوري، بتهمة التجسس لصالح “إسرائيل”، وذلك بعد شهرين من اعتقال عشرات من موظفي برنامج تطوير الصواريخ، للاشتباه في تسريبهم معلومات عسكرية سرية بما في ذلك مخططات تصميم الصواريخ إلى حكومة الاحتلال.
- من جهة أخرى؛ من المتوقع أن تواصل “إسرائيل” عملها في عرقلة النشاط العسكري الإيراني في سوريا من خلال الضربات الجوية العسكرية الموجهة، بينما توسع إيـران وجودها جنوب البلاد، حيث ستؤدي الضربات الجوية الإسرائيلية إلى مزيد من التوترات مع إيـران و”حزب الله”، ومع ذلك ستعمل إيـران على تجنب الدخول في تصعيد عسكري واسع.
- داخليا؛ لا تشكل الجماعات المسلحة الانفصالية في إيـران تهديدًا حقيقيًا لسلطة الدولة، حيث تفتقر للقدرة على تقويض قوات الأمن في المقاطعات التي تعمل فيها، لا سيما كرمانشاه وخوزستان وكردستان وسيستان وبلوشستان وأذربيجان الغربية، ومع ذلك؛ ستستمر احتمالات الهجمات منخفضة القدرة التي تستهدف قوات الأمن ومسؤولين بالحكومة وأصول الطاقة، مرجحة في هذه المقاطعات، ومن غير المرجح أن تؤدي أي مساعدة خارجية، على سبيل المثال من السعودية أو “إسرائيل”، إلى تحسين القدرات العسكرية لهذه الجماعات.
- من جهتها؛ ستواصل جماعة “مجاهدي خلق” هجماتها الميدانية والسيبرانية داخل إيـران، فقد تبنت الجماعة في أيار/ مايو الماضي اختراق 5138 كاميرا مراقبة، فضلًا عن اختراق الشبكة الإلكترونية الداخلية التابعة لبلدية طهران، وفي تموز/ يوليو، تبنت تفجير عبوتين ناسفتين في قاعدة “مالك الأشتر” التابعة لقوات التعبئة الشعبية “الباسيج” شرقي طهران، ومع هذا؛ فإن الجماعة ما زالت لا تمثل تهديدًا جديا للنظام الإيراني بقدر ما تشكل أحد التحديات الأمنية التي تتطلب الردع بعمليات مضادة، وهو ما يمكن الإشارة إليه من خلال إعلان “مجاهدي خلق” تأجيل مؤتمر “التجمع العالمي لإيران الحرة”، الذي كان سيعقد في مدينة “دوريس” بألبانيا يومي 23 – 24 تموز/ يوليو الجاري، وذلك بعد “رصد تهديدات أمنية”، وتحذير أطلقته السفارة الأمريكية باحتمال تعرض المؤتمر لعمل تخريبي.
إقرأ أيضاً:
تطور العلاقات لا يكفي للتحالف ضد إيران، اجتماع مصر والإمارات وإسرائيل
دعم “إسرائيل” لأوكرانيا يضعها في مواجهة خيارات صعبة بين روسيا والغرب
الوضع الاجتماعي
- أدت سنوات من النمو الاقتصادي الضعيف، والضغوط التضخمية الكبيرة، وضعف الأجور وزيادة البطالة إلى تفاقم شعور بخيبة الأمل من النظام السياسي في أوساط شعبية إيرانية، وهو ما ظهر في خروج مظاهرات في فترات متقطعة ضد النظام السياسي في إيـران، خاصة في أواخر عام 2017، ونوفمبر 2019.
- من المرجح أن تتكرر الاحتجاجات المناهضة للحكومة بشكل متقطع، مدفوعة بمطالب اقتصادية، من قبل محدودي الدخل والطبقة العاملة، خاصة وأن البيانات الرسمية تؤكد أن البلاد لا تزال عالقة في أزمة العمالة؛ حيث بلغ معدل البطالة الرئيسي – إجمالي العاطلين عن العمل كنسبة من السكان النشطين اقتصاديا، والذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر – 8.9٪ بداية العام الجاري.
- وفي وقت أدى الجفاف الشديد وانخفاض هطول الأمطار بشكل كبير في عام 2021 إلى اندلاع احتجاجات ومظاهرات بشأن ندرة المياه في محافظة أصفهان بوسط إيـران، حددت الحكومة ندرة المياه ونقصها على أنه خطر كبير على الاستقرار الاجتماعي المحلي ومحرك محتمل للتوتر أو الصراع في المستقبل، رداً على ذلك؛ اقترحت الحكومة بناء 45 سداً والانتهاء من الخطة الوطنية لنقل المياه بحلول عام 2025، وهذه الأخيرة جارية بالفعل وتتضمن عددًا متزايدًا من محطات تحلية المياه التي ستغذي أربعة خطوط رئيسية لإمداد المياه في المشروع.
- على الرغم من أن الهوة بين نظام الثورة وشرائح من الشعب الإيراني آخذة في الاتساع منذ مظاهرات 2009، فإن من غير المرجح أن يتعرض بقاء النظام السياسي في إيـران للخطر في المدى القريب؛ نظرًا لقدرة النظام وخبرته في التعامل مع هذه الاحتجاجات، وافتقار هذه التحركات الشعبية إلى قيادة سياسية ذات ثقل، تتمتع بالمصداقية الكافية لدى الجماهير الإيرانية على المستوى الوطني، والأهم من ذلك، لوجود قاعدة صلبة لنظام إيـران السياسي تمكنه من الاحتفاظ بولاء شريحة من الشارع الإيراني في ظل توسيع الاعتماد على الدعاية الأيديولوجية والاهتمام بالتعبئة الفكرية والثقافية.