ازداد حجم الصادرات الروسية إلى الهند وإيران بعد بدء هجومها على أوكرانيا وانقطاعها عن الأسواق الأوروبية، في محاولة لتعويض بعض أوجه القصور، ورغم نمو حجم التجارة بين روسيا وإيران والهند، إلا أن البنية التحتية الأساسية ما تزال تحت الإنشاء. وتسعى موسكو لتعزيز تجارتها بطول محورٍ عمودي عبر السفن، والسكك الحديدية، والطرق البرية.
ويُعد ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي أساسياً لتحقيق ذلك، إذ سيربط بين سانت بطرسبرغ ومومباي مروراً بإيران، ويعد هذا المشروع الطموح بالغ الأهمية عقب الحرب الأوكرانية لكن آفاقه تعتمد على الهند وتعاونها.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو شرحا للتجارة الروسية المزدهرة حديثا مع الهند وإيران.
تعدّ إيران بمثابة جسرٍ بري محصن يربط القوقاز والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا معاً، لكن وضعية إيران المنبوذة بسبب العقوبات الاقتصادية والتدخل الأجنبي، حرمتها من استغلال آفاقها الجيوسياسية بدرجةٍ كبيرة.
وبسبب تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن وبين الأخيرة وطهران أيضا، أصبحت تجارة خصوم أمريكا البحرية عرضة للخطر. ويشمل هذا طريق الشحن التقليدي بين روسيا والهند الذي يمتد من سانت بطرسبرغ عبر البلطيق، ليمر حول أيبيريا ويعبر المتوسط قبل أن يجتاز قناة السويس والبحر الأحمر، ثم يمر باليمن وصولاً إلى مومباي.
ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي
لذا سعت موسكو لتقليل اعتمادها على التجارة البحرية ونحجت بتوقيع تفاقيةً مع حكومات الهند وإيران في سبتمبر/أيلول 2000 لتأسيس ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي، انضمت للاتفاقية خلال السنوات التالية دول كازاخستان وبيلاروسيا وعمان وطاجيكستان وأذربيجان وأرمينيا وسوريا. كما انضمت إليهم بلغاريا كعضو مراقب.
لكن لم تحصل جميع الدول على حصةٍ متساوية، فبعد سنوات من المفاوضات برزت روسيا وإيران والهند باعتبارها العمود الفقري للمشروع.
- يَعِدُ ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي بشبكة نقلٍ متعددة الوسائط تضم حلقات وصل بين السكك الحديد والموانئ
- سينقل هذا المسار المُخطّط البضائع من سانت بطرسبرغ وموسكو إلى فولغوغراد ثم إلى ميناء مدينة أستراخان جنوباً
- سينقسم الممر إلى مسارين إذ سيتألف الفرع الغربي من سكة حديد تمر عبر باكو في أذربيجان وصولاً لإيران
- سيمتد الفرع الشرقي بحراً ليربط بين روسيا وإيران عبر بحر قزوين
- سيتداخل المساران المتوازيان عند مدينة بندر أنزلي الإيرانية ليمتدا معاً في اتجاه الجنوب قبل أن يتفرعا ثانيةً قرب زاهدان
- سيصل كل قطار بعدها إلى وجهته الأخيرة في مينائي بندر عباس وجابهار
- ستواصل البضائع رحلتها عبر بحر العرب قبل أن تحط الرحال في مومباي
خصائص ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي
- يبلغ طول الممر الرأسي نحو 7,200 كم إجمالاً أي أقل بفارقٍ كبير عن طريق البحر المتوسط الذي يمتد 16,000 كم
- الممر قد يخفض تكاليف الشحن بمقدار الثلث وأوقات الشحن بمقدار الخُمسين
- تسهيل التجارة بين إيران وروسيا والهند
- فتح الباب أمام احتياطيات الطاقة في بحر قزوين (النفط، الغاز، الطاقة الشمسية، الكهرومائية وطاقة الرياح)
- سيمنح الدول الثلاث سيطرةً على موارد بحر قزوين
إحياء مشروع ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي
إن رغبة روسيا في إحياء المشروع نابعةً من الضرورة الاقتصادية قبل أن تكون نابعةً من الاتجاه للتحرر الهادئ، إذ ظلت فكرة الممر خاملةً بدرجةٍ كبيرة لمدة عقدين ولم تكن على قائمة الأولويات من الأساس حتى جاءت العقوبات الغربية الأخيرة لتمنح المشروع أهميةً جديدة باعتباره شريان حياة اقتصادي لروسيا.
- استثمرت موسكو ونيودلهي وطهران في 102 مشروع بنية تحتية ثقيلة بطول محور الممر وبتكلفة إجمالية تبلغ 38 مليار دولار
- يشمل خطة موسكو لتحويل قناة الدون-فولغا إلى ممر صالح للملاحة التجارية بتكلفةٍ تبلغ مليار دولار
- سيؤدي ربط نهري الدون والفولغا إلى توحيد الممرات المائية الرئيسية في روسيا وتحويلها إلى منظومةٍ واحدة
- سيؤدي إلى ربط أسواق بحر قزوين بالبحر الأسود لتظهر سلاسل قيمةٍ جديدة بطول ممر النقل الشمالي الجنوبي الذي يمتد من روسيا إلى إيران
- هذه العملية ستتطلب مرور البضائع عبر أذربيجان سواءً عن طريق البر أو البحر
- خصصت كل من باكو وطهران مبلغ 500 مليون دولار لبناء مشروع سكة حديد آستارا-رشت وإنهائه بحلول 2025
- تُعَدُّ هذه السكة الحديد من أهم عناصر نجاح ممر النقل
- من المرجح أن يعمل ميناء باكو بطاقته القصوى في المستقبل القريب مما قد يجعل سكة حديد آستارا-رشت منفذاً أكثر اعتمادية للتجارة الروسية الإيرانية
كما يوجد عنصر بنية تحتية آخر لم يكتمل وهو خط السكة الحديد المتصل الذي يربط زاهدان وجابهار، يُعَدُّ هذا الخط ضرورياً لدمج الطرق البرية والبحرية في ممر متعدد الوسائط لكنه مشروع باهظ بتكلفةٍ تبلغ 1.6 مليار دولار، ولا يقدم شركاء إيران مساعدةً كبيرة إذ تعطي نيودلهي الأولوية لربط مومباي بجابهار، بينما تركز موسكو مواردها على جهودها الحربية في أوكرانيا، مما يترك إيران بخيارات قليلة -إن لم تكن معدومة- لجمع الاستثمارات الأجنبية الكافية.
وجاءت تلك المشروعات المادية مصحوبةً ببعض فنون الحنكة السياسية إذ وقع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي اتفاق تجارة حرة مع إيران في يناير/كانون الثاني 2023، وستتسارع وتيرة التبادل التجاري الثنائي بمجرد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
العقوبات الغربية على روسيا وإيران
يُعَدُّ تعامل روسيا وإيران مع الدول المحايدة وسيلةً لتوفير التنوع التجاري الضروري حتى تخرجا بذلك من عباءة الهيمنة الاقتصادية الصينية، وتعتبر موسكو وطهران أكثر حكومتين خاضعتين للعقوبات في العالم، ولهذا سيتمثل ردهما الطبيعي في زيادة التقارب مع الدول المحايدة كالهند.
التبادل التجاري مع الهند
سجلت نيودلهي زيادةً بأربعة أضعاف في حجم تجارتها مع روسيا خلال 2022 إذ اشترت الهند النفط الروسي بأسعار مخفضة بفضل العقوبات الغربية على موسكو، وسيعزز ممر النقل الشمالي الجنوبي هذه العلاقة الاقتصادية المربحة للطرفين عن طريق دمجها داخل التضاريس المادية لمنطقة أوراسيا.
لكن لدى نيودلهي دوافعها الخاصة لزيادة تعاملاتها التجارية، وهي دوافع يتعارض بعضها مع أهداف الكرملين الجيوسياسية، إذ تخطط الهند لزيادة إجمالي قيمة تجارتها من 640 مليار دولار إلى تريليوني دولار بحلول 2030. لهذا يُعتبر ممر النقل الشمالي الجنوبي مجرد وسيلةٍ لتحقيق أهدافها.
- استحوذت نيودلهي على عمليات ميناء جابهار في إيران منذ عام 2018
- سيمنح الهند وصولاً تجارياً إلى الخليج العربي بنهاية المطاف مع رؤيةٍ تستهدف دخول أسواق آسيا الوسطى عبر المزيد من مشروعات البنية التحتية
- الهند لديها مبرر استراتيجي لمشروع جابهار الجانبي يتمثلذلك في تطويق الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني
لكن نيودلهي قد تدخل في خلافٍ مع موسكو بتحديها العلني لمصالح بكين. إذ أن مقت روسيا والصين المتبادل لواشنطن يقربهما من بعضهما البعض لكنهما تعجزان عن نسيان تاريخهما الطويل والمضطرب، وفي هذه الأثناء، تتقرب الهند من الكتلة الغربية أكثر وتُوطِّد علاقاتها بتحالف كواد الذي تقوده الولايات المتحدة.
- أصبحت الصين وجهةً رئيسية للنفط الروسي منذ العام الماضي
- ليس في وسع موسكو تجاهل بكين بعد أن خسرت وصولها إلى الأسواق الأوروبية
- في حال تصعيد التوترات الصينية الأمريكية فقد تجد الهند وروسيا أنهما صارتا على جانبين متقابلين في الصراع
- تُلقي كل هذه الاعتبارات بظلال الشك على مصير الممر الرأسي
- يتمثل جانبٌ أكثر تعقيداً في إيران حيث تُخيّم التوترات منذ فترة على علاقتها بجارتها أذربيجان
- يرجع السبب جزئياً إلى العلاقات الوطيدة لأذربيجان مع إسرائيل وتركيا
- المخاوف حيال الميول الانفصالية الكامنة في مناطق إيران ذات الأغلبية الأذربيجانية
- إذا قرر الانفصاليون الإيرانيون الأذربيجانيون حمل السلاح، وساءت الأوضاع فقد تجد إيران نفسها تسلك نفس طريق يوغوسلافيا نحو البلقنة
- طهران قد تغير رأيها في المشروع بأكمله في حال أدت سكة حديد آستارا-رشت الجديدة إلى تهديد سلامة الدولة الإيرانية
إن ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي هو مشروع طموح ويستهدف رفع مكانة روسيا والهند وإيران، لكن كل دولة تريد الخروج من الصفقة بالمزايا التي ستخدم مصالحها وربما تتفق جميع الأطراف على الاتجاه العام لكن أولوياتهم السياسية المختلفة قد تُنذر بصدعٍ في المستقبل.
إقرأ أيضاً:
الهند والصين ومخططات التنافس العسكري والإقتصادي
ممر الشمال-الجنوب: روسيا وإيران نحو مزيد من التعاون الاستراتيجي
كيف توازن الهند علاقتها بين روسيا والولايات المتحدة؟
الشراكة الحذرة: آفاق العلاقات الإيرانية الروسية على وقع حرب أوكرانيا