الملخص
– أمرت الحكومة المركزية بشن عمليات عسكرية في إقليم تيغراي ضد حكومة الإقليم، الأمر الذي قد يتصاعد ويتحول إلى صراع أعمق من شأنه إشعال انقسامات عرقية وعشائرية أخرى في عموم إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي.
أعلنت حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد حالة طوارئ لمدة ستة أشهر في إقليم تيغراي، وقطعت شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الأخرى. ورداً على ذلك، حظرت “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” رحلات الطيران في مجالها الجوي وقالت إن القيادة الشمالية انشقت وانضمت إليها، مع أنَّ هذا نفاه آبي أحمد.
– يُعَد التصعيد العسكري في تيغراي محتملاً، في ظل رفض كلا الطرفين الشروط التي يضعها الآخر وتقدير كلٍ منهما أنَّ له اليد العليا سياسياً وعسكرياً. لكنَّ الصراع بين قوات الدفاع الإثيوبية وقوات تيغراي لن يكون عملية سريعة وحاسمة، بل ستكون مطولة وذات تداعيات طويلة الأجل على الأمن الإقليمي.
– من شأن تزعزع الاستقرار في إثيوبيا أن يتحول إلى أزمة إقليمية أعمق تضر بمبادرات الاستقرار التي عززتها أديس أبابا في السابق.
قد يؤدي توجيه الموارد لإقليم تيغراي إلى تقليص قدرة إثيوبيا على إدارة مصالحها في الصراع الصومالي. ومن شأن زعزعة الاستقرار أن تمتد أيضاً وتؤثر على الانتقال السياسي الهش في السودان، وهو ما يتضمن تسريح المليشيات النشطة في مناطق السودان الحدودية ولها روابط عرقية وعائلية عبر الحدود داخل إثيوبيا.
مقدمة
شنَّت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني هجوماً على قاعدة القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي، وهي موقع عسكري وطني في تيغراي، مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا، والسيطرة -على ما يبدو- على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك مدرعات ومدفعية، بل وحتى بعض العتاد الجوي حسبما أفادت بعض التقارير. ورداً على ذلك، أعلن رئيس الوزراء آبي أحمد حالة الطوارئ في تيغراي، وقطع الإنترنت وخطوط الهاتف الأرضي، مما أدَّى عملياً إلى عزل الإقليم عن بقية إثيوبيا. وتجاهل آبي أحمد دعوات الأمم المتحدة للتفاوض مع قادة الإقليم، ونشر قوات الدفاع الإثيوبية ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وأعقب ذلك مباشرةً بغارات جوية ضد مواقع الأسلحة الثقيلة حول مدينة ميكيلي عاصمة الإقليم.
انتشر القتال منذ ذلك الحين في المناطق الشمالية الغربية بطول حدود تيغراي مع إقليم أمهرة، وقرب الحدود مع السودان وإريتريا. وأُبلِغَ عن أكثر من 8 مواجهات كبرى، من جنوب شرقي الولاية إلى شمالها الغربي. وأفادت تقارير بسيطرة قوات الدفاع الإثيوبية على بلدة دنشيشة الصغيرة على بُعد 50 كم من منطقة الحدود الثلاثية. ولا تزال التقارير بشأن الضحايا غير واضحة، لكن يبدو أنَّ الأعداد كبيرة.
استبدل رئيس الوزراء آبي أحمد رئيس أركان الجيش وأجرى تعديلاً وزارياً استبدل بموجبه رئيس الاستخبارات ووزير الخارجية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني. ورئيس أركان الجيش الجديد هو جنرال أشار مؤخراً إلى الصراع الجاري باعتباره “حرباً”. ويُرجَّح أن يكون هدف التعديل الوزاري في هذا الوقت هو تعزيز الدعم للحملة العسكرية ضد إقليم تيغراي، وهو ما يشير إلى نية لمواصلة الصراع المسلح في شمال إثيوبيا.
وعلى الرغم من الدعوات لتدخل دبلوماسي دولي لمنع تدهور الوضع، لاسيما وأنَّ استمراره يهدد القبضة السياسية الهشة في إثيوبيا ويضع الدولة الفدرالية في خطر التفكك، كان الاهتمام الدولي حتى الآن مقتصراً على دعوات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لضبط النفس.
توترات عرقية داخلية
تتمثَّل خلفية الصدامات المسلحة الأخيرة في شمال إثيوبيا في الأزمات السياسية والاجتماعية المتعددة التي أصابت النظام الفدرالي الذي تأسس عام 1994 ويقوم على أساس عرقي، ونتجت هذه الأزمات في الغالب من جرَّاء التنافسات والصدامات العرقية المستمرة والخلافات المناطقية بين النخب الأقاليمية (لاسيما من أقاليم تيغراي وأمهرة وأورومو) من أجل السيطرة على الحكومة والمؤسسات والماليات الفدرالية.
وتنخرط الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي -التي تسيطر على ولاية إقليم تيغراي- في صراعٍ مرير مع الحكومة المركزية على مدار العامين الأخيرين. ويُعَد تعمُّق الخلاف على مدار الأشهر القليلة الماضية هو السبب المباشر لاندلاع الحرب الأهلية في البلاد، وأعلنت قيادة تيغراي أنَّها مستعدة لمواجهة عسكرية مطولة مع الحكومة المركزية إذا لزم الأمر.
وإثيوبيا عبارة عن اتحاد فدرالي من 85 مجموعة عرقية، يتراوح عدد سكان كلٍ منها ما بين 25 مليوناً وحتى 200 نسمة فقط. وأكبر عرقية هي أورومو (25.5 مليون نسمة) وأمهرة (20 مليونا)، في حين يمثل تيغراي نحو 7% من السكان. ولطالما كانت هناك توترات عنيفة بين تلك المجموعات. وقد سيطرت قومية تيغراي ومليشيات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على حكومة أديس أبابا خلال تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وحين كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تدير البلاد عملياً، كان إقليم تيغراي يتمتع باهتمام واستثمارات أكبر من بقية أجزاء البلاد، وهو سبب مباشر للاستياء لدى المجموعات العرقية الأخرى.
أثار آبي أحمد، رئيس الوزراء المنتمي لعرقية أورومو، التوتر مع عرقية تيغراي من خلال إبعاد شخصيات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من الحكومة. وتحرك لتحويل الائتلاف الحاكم -“الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية”- إلى حزب واحد متعدد العرقيات. فرفضت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التعاون، وغادرت شخصياتها الرئيسية أديس أبابا وعادت إلى إقليم تيغراي للدفع بأجندة جديدة تنادي بالاستقلال. وفي الوقت نفسه، بدأت عدة مجموعات عرقية أخرى التعبير عن تجدد الرغبة في الحصول على حكم ذاتي أكبر في أقاليمها، أو حتى الاستقلال الكامل.
وأدَّى مقتل موسيقار وناشط شهير من عرقية أورومو يدعى هاشالو هونديسا في يونيو/حزيران 2020 بأديس أبابا، إلى اندلاع جديد للعنف العرقي على صعيد البلاد، وقُتِل خلال الأشهر الثلاثة التالية 200 شخص على الأقل في العنف بين المحتجين الأورومو وقوات الأمن والمجموعات العرقية المنافسة. ولاحقاً، في سبتمبر/أيلول 2020، أجرى التيغراي انتخاباتهم البرلمانية خلافاً للتعليمات الواضحة من أديس أبابا، وأعلن آبي أحمد أنَّها غير قانونية بوضوح خوفاً من حركة استقلال جديدة. وردَّ بحجب التمويلات المخصصة بالأساس لبرامج الرعاية الاجتماعية في تيغراي، وحلَّ الحكومة الإقليمية، ووافق على حكومة انتقالية في الإقليم.
شهد الأسبوع الماضي مستويات غير مسبوقة من العنف العرقي. فأسفرت الاشتباكات بين إقليم عفر والمليشيات الصومالية في الشرق عن سقوط قرابة 30 قتيلاً. وأسفر هجوم شنَّته مليشيات من أورومو في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني على عرقية أمهرة في إقليم أوروميا عن مقتل 50 شخصاً على الأقل، وتشريد أكثر من 700، وتدمير 20 منزلاً في ثلاث قرى أمهرية.
مخاوف من تمدد الصراع
تهدد المواجهة العنيفة في تيغراي بإثارة صراعات عرقية وأقاليمية أخرى في إثيوبيا إذا قدّر القادة الأقاليميون أنه يمكنهم هزيمة حكومة آبي أحمد والحد من محاولاته لتقوية سيطرة الحكومة الفدرالية على أقاليمهم.
وتفكر مجموعات عرقية أخرى في إقليم “الأمم والشعوب والقوميات الجنوبية” هي الأخرى بإجراء استفتاءات لتأسيس أقاليمها الخاصة بها، عقب استفتاء منطقة سيداما الناجح عام 2019 لتصبح ولاية لمجموعات ولايتا وكفا وكوراج العرقية. ويخشى القادة في أديس أبابا إذا نجحت هذه المساعي من نتيجة كارثية قد تطالب فيها المزيد من المجموعات العرقية بالحكم الذاتي أو محاولة الانفصال.
ومن ثَمَّ، يهدد اندلاع الصراع المسلح بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الفدرالية بتمزيق البلاد، ويُشكِّل تهديداً جسيماً للأمن الإقليمي. ومع انهيار الترتيبات الدستورية التي تسعى لحل التنافسات والخلافات العرقية والسياسية بصورة سلمية، تشهد إثيوبيا تسييساً للعِرق بما يؤدي إلى نتائج مميتة على نحوٍ متزايد، وهو ما يؤجج الاحتجاجات الشعبية والتمرد المسلح والمذابح و”التطهير العرقي” وأعمال الإرهاب والمشاعر الانفصالية.
ووفقاً لمراقبين، لن يكون الصراع بين قوات الدفاع الإثيوبية وقوات تيغراي عملية سريعة وحاسمة، بل ستكون في الواقع عملية مطولة وذات تداعيات طويلة الأجل على الأمن الإقليمي. فالجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ليست مجموعة من اللصوص والانتهازيين، بل لديها سجل حافل من النجاحات، فهي التي قادت الإطاحة بالحكومة الشيوعية الوحشية في عام 1991، وهو الأمر الذي أدى إلى هيمنتها على الحكومة في السنوات العشرين التالية. وتتشكَّل قيادتها من المحاربين القدامى في تلك العملية، وجنودها مقاتلون ذوو خبرة. وتُقدِّر مجموعة الأزمات الدولية عدد قوات تيغراي مجتمعةً بنحو 250 ألفاً (قوات شبه عسكرية ومليشيات محلية)، وتفيد المعلومات بامتلاك الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لعتاد عسكري ذي نوعية جيدة.
وفي الوقت نفسه، يُرجَّح أن تعاني قوات الدفاع الإثيوبية بسبب تشكيلتها العرقية. فهي بعيدة عن كونها جيشاً واحداً متجانساً، وتشبه إلى حدٍ كبير مجموعة من المليشيات العرقية التي جرى تجميعها معاً في التسعينيات بصفتها قوة دفاع وطنية.
وحين هيمنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على الحكومة، كان التيغراي يهيمنون على قوات الدفاع الإثيوبية، وكان يُعتَقَد أنّهم يسيطرون على نحو 90% من المناصب العسكرية ومراكز القيادة بحلول العقد الثاني من الألفية الجديدة. ومع أنَّ التركيبة العرقية الحالية لقوات الدفاع الإثيوبية غير واضحة، لكنه يُرجَّح أنَّ جزءاً كبيراً منها لن يشعر بارتياح إزاء شن عمليات في إقليم تيغراي، ومن الممكن جداً أن يُختَبَر ولاء الجنود الأفراد للنظام في أديس أبابا إذا ما طال أمد الصراع.
تداعيات إقليمية
يُشكِّل قرار إرسال القوات الفدرالية إلى إقليم تيغراي تهديداً مباشراً لمنطقة القرن الإفريقي وما يتجاوزها. إذ تُعَد إثيوبيا، بسكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، ثاني أكبر بلد في إفريقيا وتحد ست دول إفريقية أخرى في كلٍ من منطقتي القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.
وينتشر عدم الاستقرار المزمن والاحتياجات الإنسانية الحادة في أرجاء المنطقة. وقد يؤدي الاشتعال المطوّل للأوضاع بين الفصائل المسلحة تسليحاً جيداً داخل إثيوبيا إلى دفع مئات الآلاف من اللاجئين لاجتياز الحدود، وتعطيل طرق التجارة، وإجبار أديس أبابا على التخلي عن دور دولة الارتكاز الإقليمي والوسيط والشرطيّ وحافظ السلام. وقد يكون هذا السيناريو الكارثي محتملاً في منطقة غير مستعدة للتعامل مع المزيد من الاضطرابات أو التداعيات الإنسانية التي قد تؤثر على أكثر من 9 ملايين شخص بحسب الأمم المتحدة.
وقد يُفاقِم هذا الأمر الانخراط الإقليمي في الصراع، فربما تختار مصر زيادة نفوذها في إثيوبيا بهدف التأثير على القرار السياسي الإثيوبي بخصوص سد النهضة الذي تعتبره القاهرة تهديداً لأمنها القومي، وكذلك رداً على التحالف الناشئ بين أديس أبابا وأسمرة.
السودان
لا يوجد مكان تزداد فيه حدة التهديدات بعدم الاستقرار أكثر من السودان المجاور الذي أعلن بعد يومين من بدء القتال إغلاق أجزاء من حدوده الشرقية مع إثيوبيا، وأفادت تقارير بالبدء في تمركز أكثر من 6 آلاف من قواته في ولاية القضارف التي تحد إقليم تيغراي. وتشير تقارير متناقلة من داخل السودان إلى أنَّ الحجم الكبير عادةً من التجارة عند نقاط التفتيش الحدودية قد تقلَّص بالفعل، وأنَّ سائقي الشاحنات من قومية تيغراي يُمنَعون من إرسال حمولاتهم إلى السودان خشية أن ترى السلطات الفدرالية في أديس أبابا في ذلك محاولة لدعم مقاومة التيغراي.
وفي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، بدأت أولى الشاحنات المحملة باللاجئين الإثيوبيين في العبور إلى داخل ولاية القضارف، بحسب وسائل إعلام محلية، وسيجري إسكانهم في مخيمات اللاجئين الجديدة التي تُعَد لاستقبال الفارِّين من القتال في إقليم تيغراي.
وفي الوقت نفسه، جرى أيضاً إيقاف شحنات أسلحة وذخيرة متجهة إلى قوات تيغراي في طريقها من السودان، الأمر الذي يزيد المزيج القابل للانفجار في السودان. وشهدت ولايات أقصى شرق السودان بالفعل أعمال عنف قبلية ومليشياوية في الأشهر الأخيرة، بل ووقعت اشتباكات حتى مع القوات على الجانب الإثيوبي من الحدود. ومن الممكن جداً أن يؤدي حدوث تدفق للأسلحة والمقاتلين واللاجئين إلى المنطقة في إطلاق العنان لتوترات كبيرة جديدة ثَبُتَ أنَّ حكومة السودان الانتقالية غير مستعدة للتعامل معها.
إريتريا
يحد إقليم تيغراي إريتريا (انظر الخريطة بالأعلى)، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تتصدر النزاع بين البلدين، مما أدَّى إلى ترسيخ حالة من العداء بين قادة التيغراي وإريتريا، ولا تزال هذه الحالة مستمرة حتى اليوم. وتُعَد إريتريا طرفاً رئيسياً في تصاعد الصراع في إثيوبيا ومتورطة فيه منذ اندلاع العنف، فقد سمحت للقوات الموالية للحكومة الفدرالية باللجوء إلى أراضيها بعد استيلاء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على القيادة الشمالية للجيش.
ولم يحظ اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا لعام 2018 –والذي حاز آبي أحمد بسببه جائزة نوبل للسلام- إلا على تطبيق جزئي لم يشمل التيغراي أو يحظى بدعمهم. ويتهم مسؤولو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي رئيس الوزراء والرئيس الإريتري بالتواطؤ لزعزعة استقرار إقليم تيغراي وتشويه إرث ونجاحات الحقبة التي هيمنت فيها الجبهة.
وعلى هذا النحو، نشأ تحالف جديد بين أديس أبابا وأسمرة عقب توقيع اتفاق السلام بين البلدين في يونيو/حزيران 2018 وما تبع ذلك من زيارات متبادلة بين قيادتي البلدين، آخرها كانت زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى سد النهضة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهي الزيارة الأولى التي يجريها رئيس أجنبي. وقد يُترجَم هذا التحالف إلى تحالف عسكري وعمليات مشتركة ضد إقليم تيغراي، وهناك أدلة على استضافة أديس أبابا عدداً من المستشارين العسكريين الإريتريين.
الصومال وجنوب السودان
لا يقل تأثُّر الصومال وجنوب السودان بالعواقب المحتملة لنشوب حرب بين الحكومة الفدرالية الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لكنَّهما ليستا في وضعٍ يسمح لهما بتقديم مساعدة على الصعيد السياسي، ولكلٍ منهما عدد كبير من اللاجئين داخل إثيوبيا نتيجة الصراعات الأهلية بكلٍ منهما، ولا تجد أيٌّ منهما نفسها مستعدة لإعادة مئات الآلاف من مواطنيهما في المدى القريب.
وبات الصومال وجنوب السودان يعتمدان على حضور إثيوبي كبير لحفظ السلام من أجل المساعدة في تقليص إراقة الدماء الطائفية في البلدين. وكانت إثيوبيا سحبت الأسبوع الماضي قرابة 600 من قواتها المنتشرة في المنطقة الحدودية الغربية في الصومال، مع أنَّها أبقت حتى الآن على إسهامات قواتها في بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال كما هي.
وعلى الرغم من أنَّه يجرى استبدال هؤلاء بوحدات من الشرطة الإثيوبية، حذَّر تقرير أمني للأمم المتحدة من أنَّ عمليات إعادة الانتشار هذه قرب الحدود مع الصومال ستجعل المنطقة أكثر عرضة لتوغلات محتملة من حركة الشباب التي تمثل التمرد المرتبط بتنظيم القاعدة ويحاول الإطاحة بالحكومة في الصومال.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الصومالية -التي تقرر إجراؤها مطلع 2021 بعد عدة تأجيلات- فإنَّ حدوث فراغ أمني في الصومال ناتج عن تقليص القوات الإثيوبية قد يلغي بسرعة سنوات من الجهود الدولية الرامية لإرساء مظهر من مظاهر الأمن والاستقرار في البلد المضطرب منذ فترة طويلة. وينبغي الاعتراف بأنَّ هذا يمثل السيناريو الأسوأ ولن يحدث إلا إذا طال القتال بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وقوات آبي الفدرالية وتطلَّب إعادة انتشار لموارد الجيش الإثيوبي أكبر مما حدث حتى الآن.
مآلات متوقعة
بالنظر إلى عدم استعداد بعض القادة الشماليين في الجيش الإثيوبي السماح للجيش الفدرالي بالتدخل في الإقليم، فهناك إمكانية بأن يتدهور الوضع أكثر. وهذا مُرجَّح بشكل خاص في ظل تحرُّك التيغراي بصورة أكبر نحو الانفصال، إذ يوفر الدستور هذا الحق، وأصدر قادة الإقليم بيانات عديدة بهذا الصدد. ويُعد ذلك خطرا كبيرا يتمثل في استغلال الحركات الإثنية القومية في الولايات الأخرى الأحداث في تيغراي لشن حملات مماثلة. ويواجه آبي أحمد بالفعل حملة قوية لنيْل الحكم الذاتي في إقليم أوروميا، بينما تُظهِر إحدى المحاولات القومية العنيفة للإطاحة بحكومة إقليم أمهرة عام 2019 خطر وقوع أحداث مماثلة هناك. وهناك أيضاً خطر حدوث تصعيد وعنف أهلي بين جماعات السكان هناك، وهو ما كان بالفعل في تصاعد قبل المواجهة العسكرية في إقليم تيغراي.
لقد بات الانهيار الاجتماعي الاقتصادي الآن شبه حتمي، وهو مؤكد على مستوى إقليم تيغراي، لكنَّه محتمل جداً على الصعيد الوطني كذلك. وفي ظل بيئة عدم الاستقرار والبطالة التي تلوح في الأفق، يكون الاضطراب الأهلي عادةً هو النتيجة الأكثر توقعاً في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. لكن بوجود مثل هذا المجتمع الممزق من المجموعات العرقية، يبدو من المرجح أن يمثل عدم الاستقرار المتنامي ببساطة أداة تجنيد لشباب التيغراي إلى جانب المليشيات المسلحة. وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى امتداد العملية العسكرية الحالية وتحويلها إلى صراع أهلي طويل المدى، وهو ما سيحتاج إلى دعم دبلوماسي أوسع للوصول إلى نتيجة مُرضية بصورةٍ ما.
ومع ذلك، من غير المحتمل أن يحدث هذا ما لم يتصاعد الصراع بصورة كبيرة، وأخفقت الوساطات والتدخلات الدولية في الحد من الصراع. ويُعَد الميل نحو الانفصال مقبولاً كثيراً لدى الكثير من المجموعات العرقية داخل إثيوبيا، لكن من المستبعد أن تقف الحكومة الفدرالية مكتوفة الأيدي إزاء ذلك. وتعتبر الحكومة الفدرالية أي محاولة للانفصال غير شرعية، وأنَّ السلطة التنفيذية الحالية في تيغراي تشكَّلت بصورة غير قانونية. ومن شأن الانفصال والاستقلال أن يثير صراعات هامشية مع مجموعة أمهرة العرقية (التي تتحالف قيادتها حالياً مع آبي أحمد) بسبب النزاعات على الأراضي التي ضمَّها إقليم تيغراي من إقليم أمهرة قبل بضعة عقود.
ويعني ذلك أنَّ الأزمة قد تتصاعد في غياب تسوية سياسية للصراع بين الحكومة الفدرالية وسلطات تيغراي، مما يهدد وحدة البلاد والاستقرار الإقليمي، لاسيما مع الصعوبة المتزايدة في الفصل بين التوترات الداخلية والصراعات الإقليمية.
ورغم ذلك، يبدو أنَّ الحرب الحالية التي تشنها الحكومة الإثيوبية في إقليم تيغراي تُعقِّد الوضع أكثر في إثيوبيا ولن تؤدي إلى نصر حاسم لأي طرف. واستناداً إلى تاريخ إثيوبيا، يتمثل السيناريو الأكثر ترجيحاً أن يشتد الصراع على مدار الشهرين المقبلين قبل أن يبدأ في الانحسار. وفيما مضى كانت الأنظمة الإثيوبية التي أعلنت حروباً شاملة على التمردات المسلحة في الماضي قد انتهت بالتورط في حرب عصابات لا تنتهي في الريف لتهزم في نهاية المطاف ويُسقطها المتمردون أو يبعدونها عن السلطة بفعل احتجاجات شعبية واسعة.