انقلاب النيجر يفاقم أزمات غرب أفريقيا ويهدد مصالح القوى الدولية
مآلات - أغسطس 2023
تحميل الإصدار

ملخص

● يرتبط انقلاب النيجر بشكل مباشر بالعلاقات المتوترة بين الرئيس النيجيري بازوم وكبار قيادات الجيش، والصراع على السلطة محليا، ولا يمثل الانتماء العرقي على الأرجح العامل المحرك لقادة الانقلاب، كما أنه من الواضح عدم وجود دوافع خارجيةإقليمية أو دولية وراء تحركهم، ومع هذا؛ فإن تداعيات الانقلاب ستكون على الأرجح أوسع بكثير من دوافعه المحلية.
● تظهر المؤشرات أن الانقلاب من غير المرجح أن يكون قصير الأجل، ومن غير المتوقع أن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى عكس مسار الانقلاب وعودة بازوم إلى السلطة، حيث تميل كفة الأوضاع الداخلية إلى صالح استمرار الحكومة العسكرية. وبينما تعاني كتلة غرب أفريقيا من أوضاع أمنية مضطربة، بالإضافة لانحياز حكومات من أعضاء المجموعة إلى المجلس العسكري في النيجر، فإن فرص التدخل العسكري الخارجي تظل محدودة.
● من المتوقع أن تتدهور العلاقات بين النيجر وشركائها الغربيين في الأجل القصير، ومن المحتمل أن تتشكل جبهة إقليمية تضم مالي وبوركينافاسو والنيجر لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية على الحكومة العسكرية الجديدة، مستفيدة من تنامي مشاعر العداء لفرنسا إقليميا، وقد تسعى هذه الجبهة لتلقي بعض الدعم من جهات دولية أخرى.
● لكن من المحتمل أكثر أن أهمية النيجر الاستراتيجية لشركائها الدوليين، وعلى رأسهم فرنسا والولايات المتحدة، قد تدفع هذه الدول لمقاربة براغماتية، تستند أكثر إلى الحلول الدبلوماسية، للحفاظ على التعاون الأمني في المدى الطويل، ولتجنب دفع قادة الانقلاب إلى شراكة استراتيجية مع روسيا.
● من المحتمل أن تدفع الضرورات الأمنية والمصالح الاقتصادية شركاء النيجر للعمل مع قادة الانقلاب لقبول خارطة طريق للانتقال إلى الحكم المدني في أقرب وقت. وحتى ذلك الحين، سيظل مستقبل الانتقال الديمقراطي في النيجر مهددا كلما طالت فترة بقاء المجلس العسكري في السلطة، إذ من المتوقع أن يواصل تعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة ويحكم قبضته على العملية السياسية.
● وسيكون من المرجح أن تحافظ الصين والقوى الإقليمية العربية على مجالات التعاون الاقتصادي والعسكري القائمة مع الحكومة العسكرية، دون أن تتدخل بصورة عدائية ضدها. أما تركيا؛ فإن التنافس الجيوسياسي الواسع مع فرنسا سيدفعها لتبني نهجا براغماتيا تجاه الحكومة العسكرية في النيجر، والحرص على تعزيز العلاقات.

خارطة أفكار إنقلاب النيجر

مقدمة

  • احتجزت عناصر من الحرس الجمهوري النيجيري يوم الأربعاء 26 يوليو/تموز الماضي الرئيس النيجري “محمد بازوم”، وبحلول يوم الخميس أعلنت قيادة الجيش في البلاد دعمها للانقلاب، وأعلن الجنرال عبد الرحمن تشياني (قائد الحرس الرئاسي منذ عام 2011، وجنرال منذ عام 2018) يوم الجمعة تنصيب نفسه رئيسا للسلطة العسكرية المؤقتة، “المجلس الوطني لحماية الوطن” (Conseil National pour la Sauvegarde de la Patrie CNSP)
  • علق شركاء النيجر الغربيون المساعدات، بما في ذلك المساعدة الأمنية، وفي 30 يوليو/تموز، فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” (ECOWAS) عقوبات مالية وتجارية على النيجر، تشمل تجميد أصول النيجر في البنك المركزي الإقليمي، وحظرت السفر بين النيجر والدول الأعضاء في المجموعة، كما طالبت بإعادة بازوم إلى منصبه في غضون أسبوع، محذرة من أنها ستتخذ “جميع الإجراءات اللازمة لاستعادة النظام الدستوري”، بما في ذلك استخدام القوة. 
  • في 6 أغسطس/آب، انتهت المهلة التي أعطتها “إيكواس” للمجلس العسكري في النيجر لإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة أو مواجهة تدخل عسكري محتمل من قبل المجموعة. وفي 8 أغسطس/آب، اتفق رؤساء أركان “إيكواس”، على حشد قوة من 25 ألف عسكري للتدخل المحتمل في النيجر، وقال مسؤول في الرئاسة النيجيرية لإذاعة “RFI” الفرنسية إنّ “نيجيريا مصرّة على قيادة للعملية، وستوفر أكثر من نصف القوات التي تنوي التدخل في النيجر إذا لزم الأمر”.
  • شهدت النيجر أربع انقلابات ناجحة منذ استقلالها عام 1960. في كل مرة، أعاد الجيش الحكومة إلى المدنيين وحافظ على سياسة خارجية ثابتة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع فرنسا. كماشهدت البلاد أيضًا انقلابات فاشلة، آخرها عام 2021، قبل أيام من تنصيب بازوم رئيسًا، حين حاول أفراد من سلاح الجو الاستيلاء على القصر الرئاسي، لكنهم هُزموا بعد أن تصدى لهم الحرس الرئاسي. 
الدوافع الرئيسية لانقلاب النيجر

الدوافع الرئيسية لانقلاب النيجر

  • يرتبط انقلاب النيجر بشكل مباشر بالعلاقات المتوترة بين الرئيس النيجيري بازوم وكبار قيادات الجيش. حيث اتجه بازوم مثل سلفه الرئيس “محمدو يوسفو” (2011-2021) إلى بناء علاقات مستقرة مع قيادات قوات الدفاع والأمن، في محاولة لتجنيبها الانخراط في السياسة وممارسة السلطة. وترجع سياسة بازوم الحذرة مع الجيش النيجيري إلى الدور البارز الذي يلعبه الأخير في الحياة السياسية، بينما كان ستة من رؤساء النيجر العشرة قيادات عسكرية؛ الأمر الذي جعل الجيش يمثل دائما القوة القادرة على الإطاحة بالقادة المدنيين تحت ذريعة تصحيح الأوضاع في أي وقت.
  • تزايدت التوترات بين بازوم وقيادات قوات الدفاع والأمن على أثر التغييرات التي استهدف بها بعض القيادات البارزة، على رأسها إقالة رئيس الأركان الجنرال “ساليفو مودي” في مارس/آذار الماضي، وكذلك التوقيع على مرسوم بإحالة ستة جنرالات بارزين إلى التقاعد، بالإضافة إلى إعداد مرسوم بإقالة الجنرال “عبد الرحمن تشياني” من قيادة الحرس الرئاسي، بحسب مصادر قريبة من الرئيس بازوم. 
  • في نفس الوقت شكلت سياسات بازوم الأمنية مصدرا آخر لاستياء قيادات الجيش؛ حيث اتجه إلى إجراء حوارات مع الجماعات المسلحة بهدف دمجها في المجتمع وقام بالإفراج عن بعض قيادات تلك الجماعات من السجون، وكذلك قام بدمج بعض أفرادها في قوات الدفاع والأمن. لكن هذه السياسات لم ينتج عنها تدهورا أمنيا كما يدعي قادة الانقلاب؛ فبعد أن عانت النيجر من توترات أمنية نتيجة أنشطة جماعات مثل ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، انخفض تهديد الجماعات المسلحة بشكل كبير منذ عام 2021 وحتى مايو/أيار 2023، حيث تراجع عدد الهجمات بنسبة 146٪، وانخفضت الوفيات الناتجة عن الهجمات بنسبة 179٪.
  • بالإضافة لذلك، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تنامي تيار شعبي مناهض للتواجد الأجنبي في دول الساحل وغرب أفريقيا، بينما اتجه بازوم بسبب تزايد هجمات الجماعات المسلحة، إلى تعزيز التحالف مع الشركاء الغربيين بشكل غير مسبوق من خلال نشر القوات الأجنبية على الأراضي النيجيرية، بما في ذلك القوات الفرنسية والأمريكية. وبالرغم من أن سياسة بازوم لم تختلف عن سلفه “يوسفو”، لكنّ تزايد الوجود الفرنسي، خاصة بعد طرد مالي وبوركينا فاسو المجاورتين للنيجر للقوات الفرنسية، أدى إلى اكتساب خطاب الاستقلال ورفض النفوذ الغربي لشعبية متزايدة، ساهمت في تآكل شعبية بازوم إلى حد ملموس. 
  • بالرغم من الجهود التي بذلها بازوم لإصلاح مؤسسات الدولة وتجديد سياساتها، فقد استمر عجز الدولة عن توفير خدمات كافية للمواطنين الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر. كما أن الأوضاع الأمنية، بالرغم من التواجد الأجنبي غير المسبوق، لم تشهد تحسنا ملحوظاً وسط استمرار القتال ضد الجماعات المسلحة.
  • لذلك؛ لا يمثل الانتماء العرقي على الأرجح العامل المحرك للانقلاب، فعلى الرغم من التنوع العرقي، فإن النيجر عموما تعتبر دولة متماسكة اجتماعيا، حيث تهيمن إثنية الهوسا على المواقع الإدارية والرسمية داخل الدولة، وهي أكبر إثنية في النيجر بنسبة 53٪، وينتمي إليها الرئيس السابق “محمد يسوفو”، في حين ينحدر الرئيس “بازوم” من قبيلة “أولاد سليمان”، التي تنتمي لعرب الديفا وتتركز في وسط وجنوب ليبيا، وهي جماعة إثنية لا يتجاوز عددها 1.5٪ من نسبة سكان النيجر. ومع هذا؛ فاز “بازوم” بأصوات الهوسا التي تمثل الأغلبية داخل حزب الاشتراكية والتقدم الحاكم، أي أن انتماءه الحزبي مكنّه من الوصول إلى الرئاسة ولم يمنعه انتماؤه الإثني

الأوضاع الداخلية تميل لصالح قادة الانقلاب 

  • بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع، تظهر المؤشرات أن الانقلاب من غير المرجح أن يكون قصير الأجل. حيث أدت إجراءات الاعتقال والحبس التي اتخذها النظام العسكري تجاه العديد من قادة الحزب الحاكم والمسؤولين التنفيذيين للحزب في البلديات إلى تقويض قدرة الحزب على الحشد والتعبئة. في المقابل؛ فإن التهديد بالتدخل العسكري والعقوبات يمكن أن تؤدي إلى تعزيز الدعم الشعبي لقادة المجلس العسكري خاصة في ظل العداء الذي تشعر به شريحة كبيرة من المجتمع تجاه التواجد الأجنبي في البلاد. أي أن من المحتمل أن قادة الانقلاب لديهم قدرة كبيرة على حشد وتعبئة المواطنين لصالح تأييد الانقلاب ورفض عودة بازوم إلى السلطة.
  • ستؤدي العقوبات المفروضة من الإيكواس والغرب إلى ضغوط اقتصادية كبيرة على النيجر، حيث تشكل المساعدات الإنمائية الدولية 2.2 مليار دولار، أي حوالي 40٪ من ميزانية تبلغ 5.53 مليار دولار للسنة المالية 2023. ودفعت العقوبات بنين إلى غلق حدودها مع النيجر، مما أدى إلى وقف جميع الأنشطة المتعلقة بالنيجر في ميناء “كوتونو” البنيني والذي يعد نقطة الدخول الرئيسية لواردات النيجر بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية والمنتجات البترولية. 
  • ومع ذلك؛ من غير المتوقع أن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى عكس مسار الانقلاب وعودة بازوم إلى السلطة، حيث سيلجأ المجلس العسكري إلى استخدام خطاب شعبوي لتعزيز مشاعر الوطنية وتجاهل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، كما أنه قد يتمكن من توفير بدائل للدعم حتى لو كانت محدودة. وعلى سبيل المثال؛ فقد وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال القمة الروسية الأفريقية التي تزامنت مع الانقلاب في النيجر، بتزويد ست دول بشحنات الحبوب الكاملة، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو.

انقلاب النيجر يهدد وحدة كتلة غرب أفريقيا “إيكواس”

  • على عكس موقف مجموعة دول غرب أفريقيا (إيكواس) الفاتر من انقلابي مالي وبروكينا فاسو، جاء موقف المجموعة الاقتصادية حازما إلى حد التهديد بالتدخل العسكري لإجبار قادة الانقلاب في النيجر على إعادة الرئيس بازوم إلى السلطة، وأصدرت كل من نيجيريا والسنغال وكوت ديفوار وبنين بيانات تشير إلى استعدادهم للمشاركة في التدخل العسكري. لكنّ موقف المجموعة ظهر أكثر انقساما حين أصدرت بوركينافاسو ومالي بيانا مشتركا حذرت فيه من أن أي تدخل عسكري في النيجر سيعد بمثابة إعلان حرب على البلدين، ويشير هذا الموقف إلى احتمالية أن تتشكل جبهة إقليمية تضم مالي وبوركينافاسو والنيجر لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية على الحكومة العسكرية الجديدة، وستعمل هذه الجبهة على التعاون مع أطراف دولية أخرى. 
  • تنظر كتلة غرب أفريقيا إلى الانقلاب ضمن سياق إقليمي شهد سلسلة من الانقلابات الناجحة داخل دول أعضاء بالمجموعة (مالي وبوركينافاسو وغينيا)، وتتخوف المجموعة من أن عدم التعامل بقوة وحزم مع الانقلابات العسكرية سيجعل من استيلاء الجيوش على السلطة وطرد الحكومات المدنية أحد السيناريوهات المرجح تكرارها بقوة في المنطقة، وسط تفاقم المشاكل الأمنية وهشاشة الممارسة الديمقراطية.
  • في الوقت عينه؛ ترغب نيجيريا تحت قيادة الرئيس الجديد “بولا تينوبو” الذي أدى اليمين في مايو/أيار الماضي، إلى استعادة دورها الإقليمي ونفوذها داخل الإيكواس، بعد سنوات من تضاؤل الدور النيجيري داخل المنظمة الإقليمية. ويقود “تينوبو” جهود المجموعة لإعادة بازوم إلى السلطة وتقديم نموذج ناجح لسياسات احتواء الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا، بما يستهدف تعزيز موقع نيجيريا داخل المجموعة، وتأكيد ثقل المنظمة كتحالف إقليمي متماسك.  

الانقلاب والغرب.. علاقات متوترة تهدد التعاون الأمني

  • من الواضح عدم وجود بُعد سياسي خارجي، إقليمي أو دولي، وراء تحرك قادة الانقلاب، وبينما أدان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الانقلاب ودعا إلى عودة النظام الدستوري، فقد أشاد تسجيل صوتي منسوب إلى رئيس مجموعة فاغنر، بقتال قادة الانقلاب ضد “المستعمرين”. وفي حين أن روسيا لديها علاقات محدودة في النيجر، فإن انهيار الدعم الأمني الأمريكي والأوروبي قد يدفع المجلس العسكري إلى البحث عن شركاء بديلين.
  • يهدد انقلاب النيجر مصالح فرنسا والولايات المتحدة في غرب أفريقيا؛ حيث اعتمدت باريس وواشنطن في أعقاب انقلابي مالي وبوركينا فاسو على النيجر وإدارة بازوم، كشريك استراتيجي في جهود مكافحة الجماعات المسلحة ونفوذ روسيا المتزايد في المنطقة، الأمر الذي جعل النيجر الشريك الأمني الأكثر أهمية للغرب في منطقة الساحل الأفريقي. ويتمركز الأفراد العسكريون الأجانب والمعدات في قاعدة عسكرية كبيرة تقع في أكبر مطار في نيامي، مطار ديوري حماني الدولي (Diori Hamani). بالإضافة إلى قاعدة “أغادير” (Agadez) للطائرات المسيرة والتي تضم نحو 1000 عنصر من القوات الأمريكية، كما توجد منشأة أمريكية أخرى في ديركو (Dirkou).
عدد القوات الأجنبية في النيجر  
فرنسا 1000 – 1500
الولايات المتحدة الأمريكية 1100
إيطاليا 350
ألمانيا 60
الاتحاد الأوروبي 50 – 100
  • من المتوقع أن تتدهور العلاقات بين النيجر وشركائها الغربيين في الأجل القصير بسبب الإجراءات التي اتخذتها فرنسا وأمريكا والدول الغربية الرافضة للانقلاب العسكري. صحيح أن قادة الانقلاب في النيجر لم يعبروا عن مواقف معادية للغرب بصورة استراتيجية، إلا أن تزايد الضغوط الغربية قد يدفعهم إلى تقليل الاعتماد على الدعم الغربي والسعي إلى تنويع العلاقات الدولية والإقليمية

ومع ذلك؛ مازال من الممكن استمرار التعاون بين النيجر وشركائها الغربيين، في ظل العوامل التالية:

  • تعتبر النيجر نقطة عبور مهمة للهجرة المدفوعة بالأزمات المعيشية والأمنية من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر مراقبة الهجرة أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لاسيما في الوقت الحالي الذي تتزايد فيه أعداد الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. يتسبب هذا الوضع في دفع أوروبا إلى تعزيز علاقتها مع النيجر لإبقاء طرق الهجرة مغلقة
  • تمثل العلاقة المستقرة مع النيجر أهمية اقتصادية كونها مصدرا مهما لمعادن طبيعية استراتيجية. حيث توفر النيجر 5٪ من إجمالي الإمدادات العالمية من اليورانيوم، تشمل 25٪ من واردات الاتحاد الأوروبي (المورد الثاني بعد كازاخستان)، و20٪ من واردات فرنسا، بالإضافة إلى كونها مصدرا مهما لصادرات الذهب التي تمثل حوالي 71٪ من إجمالي صادرات البلاد.
  • سترغب الولايات المتحدة وفرنسا في الحفاظ على التواجد العسكري والأمني، خاصة قاعدتي الطائرات بدون طيار في النيجر، مما يسمح لها بجمع المعلومات الاستخبارية، حيث يمثل هذا التواجد قاعدة للعمليات في منطقة الساحل وغرب أفريقيا ضد الجماعات المسلحة مثل ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة، وجماعة بوكو حرام. 
  • سيحتاج قادة الانقلاب العسكري إلى منع تدهور الأوضاع الأمنية في النيجر، خاصة وأن الاستقرار الأمني أحد المبررات الرئيسية للقيام بالانقلاب، الأمر الذي قد يدفعهم إلى عدم اتباع مسار متشدد مناهض للغرب. لذلك؛ من المحتمل أن يحافظ النظام العسكري في النيجر على التعاون الأمني مع واشنطن وباريس بهدف تعزيز الأمن ومحاصرة الجماعات المسلحة، خاصة وأن النفوذ الفرنسي في الأجهزة الأمنية النيجيرية مازال قويا.
  • أداء مجموعة فاغنر الضعيف في مالي في مواجهة الجماعات المسلحة قد لا يحفز النظام العسكري في النيجر على الرهان على المجموعة الروسية كبديل للقوات الغربية في البلاد، رغم تلويح قادة الانقلاب بطلب تدخل فاغنر، خاصة وأن فقدان الدعم العسكري الغربي قد يدفع جيش النيجر لتقليص حجم عملياته المعتمدة على استمرار هذا الدعم. فمنذ عام 2012، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات الأمنية، تشمل التدريب والمعدات العسكرية والتسليح (في عام 2022، بلغ حجم الإنفاق العسكري فقط 242.5 مليون دولار). كما يدير الاتحاد الأوروبي بعثات مساعدة أمنية في البلاد، وقد خصص منذ يوليو/تموز 2022 أكثر من 76 مليون دولار لدعم جيش النيجر، تشمل توريد الأسلحة والمعدات.

الحياد البراغماتي يؤطر موقف الصين وقوى الشرق الأوسط تجاه النيجر

  • لا تتوقف مصالح الصين التجارية والمالية في أفريقيا على شكل النظام السياسي، ولكنها تعتمد بشكل كبير على الاستقرار، وهو الأمر الذي انعكس على موقف الصين من انقلاب النيجر الذي التزم بالحياد. تعد الصين ثاني أكبر مستثمر في الاقتصاد النيجيري بعد فرنسا، خاصة في قطاع النفط. وتقوم مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) ببناء خط أنابيب يبلغ طوله 2000 كم لنقل النفط الخام من حقل أجادم النيجيري إلى ميناء سيم في بنين. وبينما تمتلك الشركات الصينية خبرة في التعامل مع الأوضاع غير المستقرة في أفريقيا، فإن التواجد الصيني في النيجر سيستمر ما دامت الأوضاع لم تصل إلى حرب أهلية.
  • في ظل التنافس بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على النفوذ في أفريقيا، سيكون من المرجح أن تحافظ القوى الإقليمية على مجالات التعاون القائمة مع الحكومة العسكرية، دون أن تتدخل بصورة عدائية ضدها.
    • عمقت تركيا تعاونها الأمني مع النيجر منذ عام 2013، ووقعت أنقرة اتفاقية تعاون عسكري مع النيجر في عام 2020 وتم من خلالها نقل ست طائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB2، بالإضافة إلى طائرات هجومية خفيفة من طراز Hurkus ومركبات مدرعة. ويمتد التعاون بين الجانبين إلى مخططات بإنشاء قاعدة جوية في النيجر لاستيعاب الطائرات التركية بدون طيار. وعلى الرغم من حساسية الانقلابات العسكرية لدى النخبة السياسية في تركيا، فإن التنافس الجيوسياسي الواسع مع فرنسا سيدفع أنقرة على الأرجح لتبني نهجا براغماتيا تجاه الحكومة العسكرية في النيجر، والحرص على تعزيز العلاقات.
    • اتجهت السعودية في السنوات الأخيرة، وفي إطار المنافسة مع خصمها الاستراتيجي إيران، إلى الاستثمار في مشاريع كبرى في النيجر، مثل سد “كانداجي” وبناء المؤسسات التعليمية، حيث تسعى المملكة للحد من نطاق التعاون الاقتصادي للنيجر مع إيران.
    • قلصت الإمارات تعاونها الأمني مع النيجر تزامنا مع تقليص الدعم للقائد العسكري الليبي “خليفة حفتر” في عام 2021، بينما واصلت أبو ظبي استثماراتها في النيجر ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز الاستثمارات في غرب أفريقيا، وتسعى أبوظبي إلى المشاركة في مشاريع البنية التحتية الضخمة في النيجر وغرب أفريقيا عبر الشركتين الإماراتيتين “شركة تروجان للمقاولات العامة” و”شركة إيسار بروجيكتس”.
    • وحتى مصر، ستواصل تدريب ودعم الجيش النيجيري، خاصة وأن النظام المصري لن يجد مشكلة في التعامل مع الحكومة العسكرية. وقد زودت مصر في يوليو/تموز الماضي النيجر بشحنة كبيرة من المعدات العسكرية بما في ذلك مركبات الاستطلاع المدرعة BRMD-2 ومدافع الهاوتزر M-30.

صعوبات ومخاطر في طريق تدخل “إيكواس” العسكري 

  • تبدو احتمالات التدخل العسكري الخارجي محدودة؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد وعموم المنطقة؛ خاصة وأن احتمالية عدم نجاح التدخل العسكري المرتفعة ستعني جر النيجر إلى صراع مسلح طويل الأمد ربما يؤدي إلى صراع إقليمي واسع تقف خلفه أمريكا وفرنسا من جهة وروسيا من جهة أخرى.
  • من غير الواضح ماهية الشكل الذي يمكن أن يتم به التدخل العسكري المفترض، في ظل قدرات دول “إيكواس” الأمنية المحدودة، وعدم وجود قوة أمنية إقليمية للكتلة. كما تعاني نيجيريا، صاحبة أكبر قوة عسكرية في المجموعة، من تهديدات أمنية سواء بسبب تزايد العمليات الجهادية أو انتشار السرقات بشكل واسع، فيما تواجه باقي دول “إيكواس” تحديات أمنية داخلية مما يزيد من صعوبة توفير الموارد العسكرية اللازمة للتدخل في النيجر.
  • وسيكون من المستبعد أن تقوم أي من فرنسا أو أمريكا بقيادة التدخل العسكري في النيجر؛ إذ إن ارتفاع المشاعر المعادية للغرب، وخاصة فرنسا، في غالبية أنحاء المنطقة، يمكن أن يتسبب في دعم شعبي أكبر للقادة العسكريين، ليس فقط في النيجر، ولكن أيضا في بوركينافاسو ومالي. وهكذا؛ ففي أفضل الأحوال، يمكن أن تقدم فرنسا وأمريكا المعدات والدعم اللوجيستي للكتلة إذا ما أقدمت على التدخل العسكري.

الخلاصة

  • من غير المتوقع أن يتنازل المجلس العسكري عن السلطة، ويبدو أن كفة الأوضاع الداخلية تميل إلى صالح استمرار الحكومة العسكرية. فبينما تعاني كتلة غرب أفريقيا “الإيكواس” من أوضاع أمنية مضطربة، وانحياز ثلاث حكومات عسكرية من أعضاء المجموعة إلى المجلس العسكري في النيجر؛ فإن فرص التدخل العسكري الخارجي لإجبار قادة الانقلاب على إعادة بازوم للسلطة، تظل محدودة. 
  • من المحتمل أكثر أن أهمية النيجر الاستراتيجية لشركائها الدوليين، وعلى رأسهم فرنسا والولايات المتحدة، قد تدفع هذه الدول لمقاربة براغماتية، تستند أكثر إلى الحلول الدبلوماسية، للحفاظ على التعاون الأمني في المدى الطويل، ولتجنب دفع قادة الانقلاب إلى شراكة استراتيجية مع روسيا.
  • الضرورات الأمنية والمصالح المالية لشركاء النيجر ستدفعهم بالعمل مع قادة الانقلاب لقبول خارطة طريق للانتقال إلى الحكم المدني في أقرب وقت. وحتى ذلك الحين، سيظل مستقبل الانتقال الديمقراطي في النيجر مهددا كلما طالت فترة بقاء المجلس العسكري في السلطة، إذ من المتوقع أن يواصل تعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة ويحكم قبضته على العملية السياسية.

إقرأ أيضاً:

كيف تخوض روسيا حرباً سرية في إفريقيا عبر فاغنر؟

قوات فاجنر في مالي..صراعات النفوذ بين روسيا وفرنسا داخل أفريقيا

فرنسا في أفريقيا: باريس تدافع عن نفوذها المتراجع بإعادة تشكيل علاقاتها مع القارة

“بلينكن” في أفريقيا: سياسة أمريكا الجديدة نحو القارة لا تخفي تراجع أولوياتها

تقرير حالة الدولة: الجزائر 2022