الحدث
● أنهت الحكومة العسكرية المؤقتة في النيجر يوم 25 نوفمبر/تشرين ثاني، اتفاقا معمولا به منذ عام 2015 مع الاتحاد الأوروبي يهدف إلى وقف الهجرة غير الشرعية عبر منطقة أغادير التي تمثل طريق عبور رئيسي إلى أوروبا، وفي المقابل كان الاتحاد الأوروبي يقدم للنيجر مساعدات وقروض بقيمة مليارات اليورو خلال السنوات الماضية والتي توقفت عقب الانقلاب في يوليو/تموز الماضي.
● وفي 2 ديسمبر/كانون أول الجاري، قدمت السفيرة الأمريكية لدى النيجر، كاثلين فيتزجيبون، أوراق اعتمادها إلى وزير الخارجية النيجري. وأعلنت النيجر وبوركينا فاسو انسحابهما من مجموعة الخمس لمنطقة الساحل المدعومة فرنسياً، بما في ذلك قوتها المشتركة لمكافحة الإرهاب. وذلك بعد انسحاب مالي في مايو/أيار 2022، لتنتهي بذلك عمليا المجموعة التي تضم أيضا تشاد وموريتانيا. جدير بالذكر أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وقعوا اتفاقاً جديداً للدفاع في سبتمبر/أيلول الماضي.
● وفي 4 ديسمبر/كانون أول، أعلنت وزارة خارجية النيجر انسحابها من اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن مهمة بعثة الاتحاد للسياسة المشتركة للأمن والدفاع في النيجر، كما أعلنت سحب موافقتها على نشر مهمة شراكة عسكرية للاتحاد الأوروبي في نيامي والتي كانت تدعم قوات الأمن الداخلي. جاء ذلك بعد يوم من زيارة وفد من وزارة الدفاع الروسية إلى نيامي لإجراء محادثات مع وزير الدفاع النيجري.
● وفي يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) اعترافها أخيرا بوقوع الانقلاب في النيجر، وأن بازوم لم يعد رئيسا للبلاد، وشكلت لجنة رئاسية للتفاوض مع المجلس العسكري في نيامي، وهي خطوة تتفق مع ترجيحنا السابق لسيناريوهات انقلاب النيجر.
التحليل: قادة النيجر العسكريون يؤسسون لمرحلة جديدة من حكمهم
- يسعى قادة النيجر للتفاهم مع الإيكواس لوضع خارطة طريق تحل الأزمة، وهو ما بات مرجحا في ظل إعلان المجموعة أخيرا قبولها بالأمر الواقع. حيث تبنت إيكواس نهجا متشددا ضد الانقلاب في النيجر على عكس نهجها تجاه الانقلاب في مالي عام 2021؛ فبينما استثنت إيكواس المواد الغذائية والكهرباء والمنتجات النفطية من العقوبات ضد مالي، لم تقدم المجموعة مثل هذه الإعفاءات للنيجر. وأصبحت النيجر تعاني من توقف الواردات الغذائية، بالإضافة إلى الفيضانات والجفاف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تستورد الدولة معظمها برا، خاصة من بنين ونيجيريا اللتين أغلقتا حدودهما استجابة لعقوبات إيكواس، فضلا عن إيقاف إمدادات الكهرباء الواردة من نيجيريا والتي تلبي أكثر من ثلثي الطلب المحلي.
- وعلى الجانب الآخر، قام الاتحاد الأوروبي بتجميد أكثر من 500 مليون يورو من الدعم المالي والمساعدات الأمنية بالإضافة إلى باقي العقوبات، وهو ما خلّف أزمة اقتصادية عميقة في ظل اعتماد اقتصاد النيجر على الدعم الأجنبي؛ حيث يوفر الشركاء الخارجيون 48٪ من ميزانية الدولة لعام 2023 البالغة 14 مليار دولار. وعلى الأرجح فإن قرار قادة النيجر بإلغاء اتفاق وقف الهجرة غير الشرعية مع الاتحاد الأوروبي والاتفاقية الأمنية جاء للضغط على الاتحاد لاستئناف المساعدات. لكن استئناف المساعدات الأوروبية ليس مرجحا في الأجل القريب ما لم تكن هناك موجات كبيرة في المهاجرين غير الشرعيين عبر النيجر، وما لم تتوصل الحكومة العسكرية مع إيكواس لخطة زمنية للانتقال السياسي.
وفي المقابل، فإن انسحاب النيجر وبوركينا فاسو من مجموعة دول الساحل، يعد أمرا متوقعا بعد إعلان فرنسا الانسحاب بشكل كامل من النيجر بحلول نهاية العام الحالي، لتتلاشى معه الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل، والتي تلقت هزائم متتالية خلال الأشهر الماضية. بصورة عامة، لا يبدو التراجع الاستراتيجي لأوروبا وفرنسا محل شك.
مقاربة أمريكية براغماتية على أنقاض المصالح الفرنسية
- تشير خطوة تقديم أوراق اعتماد السفيرة الأمريكية لدى النيجر بعد ممارستها لمهامها طيلة الأربع شهور الماضية تقريبا بشكل غير رسمي، إلى اعتراف أمريكي بالمجلس العسكري الحاكم والقبول بالواقع الجديد والتعامل معه، وهو ما يعتبر ضربة قوية لفرنسا، كما أن الموقف الأمريكي على الأرجح ساهم في تغير موقف إيكواس واضطرار المجموعة للاعتراف بالأمر الواقع في النيجر.
- أصبحت النيجـر في السنوات الأخيرة مركزا عسكريا أمريكيا رئيسيا في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، حيث لدى الولايات المتحدة 1100 جندي في البلاد، بالإضافة إلى قاعدة جوية للطائرات بدون طيار في منطقة أغادير والمعروفة باسم القاعدة الجوية 201، وهي ثاني أكبر قاعدة أمريكية في أفريقيا بعد جيبوتي، ويتم استخدامها في مهام المراقبة والاستطلاع وتنفيذ العمليات في منطقة الساحل ضد التنظيمات المسلحة. والنيجـر هي أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية في غرب أفريقيا وثاني أكبر دولة في أفريقيا جنوب الصحراء. وقدمت واشنطن معدات عسكرية وتدريب لجيش النيجـر بأكثر من 500 مليون دولار خلال الفترة من 2012 إلى 2021، لمساعدتها على مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
- لذلك؛ تحرص الولايات المتحدة على استمرار تواجدها في منطقة الساحل والاحتفاظ بقواعدها في النيجـر، وهو ما لن يتم بدون علاقات دبلوماسية وعسكرية مستقرة مع السلطة القائمة بعيدا عن أي حسابات أخرى؛ لذلك لم تصف واشنطن ما حدث بالانقلاب واكتفت بتعليق جزئي للمساعدات الأمنية مؤقتا.
- بالإضافة لذلك؛ فإن المحافظة على وجود أمريكي في النيجـر ضروري من وجهة نظر واشنطن لاحتواء النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة، خاصة وأن الشراكة الروسية المتنامية مع بوركينافاسو ومالي من المحتمل أن تتسع لتشمل النيجـر المتحالف مع كلا الدولتين.
- وتتفق المقاربة الأمريكية مع تقديرنا السابق بأن روسيا ليست المحرك الرئيسي لسلسلة الانقلابات في المنطقة وأن عداء قادة الانقلاب في النيجـر للغرب ليس مسلما به وبالتالي يمكن العمل معهم. إذ أثبتت روسيا أنها تعرف كيفية الاستفادة من سلسلة الانقلابات، في ظل تنامي مشاعر العداء لفرنسا، وضعف أنظمة الحكم وعدم الاستقرار والفراغ الأمني في المنطقة، ونجحت في تأسيس نفوذ في الإقليم الهش سياسيا وأمنيا، وقدمت نموذجا مفيدا لقادة بعض دول الساحل الطامحين لتثبيت حكمهم العسكري، خاصة أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينافاسو. ويبدو أن واشنطن قررت إعادة التموضع في المنطقة، وتقديم بديل آخر ليس فقط لروسيا ولكن حتى لفرنسا.