المعادن الحرجة في أفريقيا وصراع أمريكا والصين لاحتكارها

تعتمد المجتمعات، والاقتصادات، وحتى الأسلحة المعاصرة على المعادن الحرجة لتعمل كما يجب، وتعدّ أفريقيا موطناً لـ30% من إجمالي المعادن الحرجة المعروفة في العالم، وبينما تريد الولايات المتحدة استغلال تلك السوق تكمن المشكلة في أن الصين سبقت الجميع، إذ توقع بكين على الصفقات هنا وهناك منذ عقود، وتُشيِّد البنية التحتية اللازمة لاستخراج تلك الثروات المعدنية، واليوم، تُهيمن بكين على أنشطة استخراج وتكرير ومعالجة الموارد المعدنية عالمياً.

لكن الأمريكيون وضعوا استراتيجيةً للعودة والاستحواذ على حصةٍ في سوق المعادن الحرجة في أفريقيا من جديد، إذ خصصوا مئات الملايين من الدولارات لإحياء مشروع سكة حديد ضخمة تمتد من الأطلسي وصولاً إلى قلب أفريقيا، فيما تتفاوض الصين للاستحواذ على عمليات خط سكة حديد تزارا الذي يمتد في الاتجاه المقابل من أفريقيا وصولاً إلى آسيا والمحيط الهادئ.

منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو صراع أمريكا والصين لاحتكار المعادن الحرجة.

يتمحور الخلاف حول موارد المعادن الحرجة المدفونة تحت الأرض، ويعتمد كل شيء على تلك الموارد الحرجة، بدايةً بمقاتلات إف-35 ووصولاً إلى بطاريات السيارات الكهربائية وعنفات الرياح، وتشمل هذه المعادن:

  • العناصر الأرضية النادرة 
  • البوكسيت
  • الكروم 
  • الليثيوم 
  • المنغنيز 
  • البلاتين وغيرها

أين تتركز مواقع المعادن الحرجة في أفريقيا؟

وتمتلك أفريقيا كميات وفيرةٍ للغاية من تلك المعادن، إذ يمتلئ النصف الجنوبي من القارة بالمعادن التي ترسم شكل الحياة المعاصرة، وتتركّز مواقع التعدين بكثافة في المنطقة الممتدة من الكونغو الديمقراطية إلى جنوب أفريقيا والتي تُعرف باسم حزام التعدين.

ولا يتعلّق الأمر بكثافة الموارد المعدنية فحسب، بل بالجودة العالية والبنية التحتية التي تحمل الموارد إلى المحيطات المفتوحة للتصدير أيضاً، لكن الغابات تملأ المشهد لدرجة أن البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية تُعد نادرة. وحتى عند ربط مواقع التعدين وتجهيزها للتصدير، سنجد أنها نادراً ما تكون متصلةً بالعاصمة الفيدرالية.

حيث توجد مثلاً غابة مطيرة بطول نحو 1,600 كلم بين عاصمة الكونغو كينشاسا ومنطقة كاتانغا الغنية بالموارد، وتُعَدُّ هذه التضاريس صعبة الاجتياز بدرجةٍ كبيرة، وليست هناك الكثير من الطرق التي تربط بين جانبي البلاد.

صراع أمريكا والصين لاحتكار المعادن الحرجة في أفريقيا

مساع لاستغلال موارد الكونغو الديمقراطية وزامبيا

ولا عجب في أن وسطاء السلطة المحلية يعيشون بمعزلٍ عن الحكومة الفيدرالية ويتصرفون من تلقاء أنفسهم عادة.

  • أمريكا تتطلع الآن إلى إدارة أعمالٍ تجارية في منطقة كاتانغا 
  • يحتوي ذلك الجزء من الكونغو الديمقراطية على أكبر إمدادات الكوبالت في العالم
  • تشير التقديرات إلى أنها تتراوح بين 70% و80% من إجمالي الإنتاج العالمي
  • تُعد زامبيا المجاورة مورداً رئيسياً للنحاس إذ تمتلك 6% من احتياطيات النحاس المعروفة عالمياً
  • لديها الاحتياطيات الأعلى جودةً على الإطلاق

هذا يعني أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا تحتلان محور السباق من أجل المعادن الحرجة، ومن أجل الاستفادة بالموارد الكونغولية والزامبية:

  1. تعهّد الرئيس بايدن بتخصيص 360 مليون دولار لإحياء ممر لوبيتو
  2. تعهّدٌ من ائتلاف تجاري لمستثمري القطاع الخاص باستثمار أكثر من 450 مليون دولار في مشروعات البنية التحتية 
  3. ساعد البنك الأفريقي للتنمية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023 بجمع تمويل بقيمة 1.6 مليار دولار
  4. ساهم بنفسه بمبلغ يصل إلى نحو 500 مليون دولار 

وسيتجاوز طول السكة الحديد النهائية أكثر من 1,300 كلم، وقد أنشأت بلجيكا والبرتغال هذا الخط في الأصل عام 1905، لكن جزءاً من الخط تعرض للتدمير أثناء الحرب الأهلية الأنغولية وأصابه الإهمال، وتستهدف الولايات المتحدة اليوم ترميم وتجديد السكة الحديد، خاصة الجزء الممتد من ندولا وشينغولا إلى معبر جيمبي الحدودي، وسيسمح هذا للشركات الأمريكية متعددة الجنسيات بنقل المعادن الحرجة إلى ميناء لوبيتو في أنغولا ثم شحن المعادن من هناك عبر المحيط الأطلسي.

  • تُقدر الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على النيكل والكوبالت سيزداد بـ20 ضعفاً بين عامي 2020 و2040
  • سيزداد الطلب على الغرافيت بـ25 ضعفاً
  • سيزداد الطلب على الليثيوم بأكثر من 40 ضعفاً

أي إن الهدف هو أن يساعد ممر لوبيتو في استيعاب زيادة حجم حركة المرور على خط السكة الحديد، لكن الخطة أكبر من مجرد خط سكة حديدية في الواقع، إذ يجب أن يزيد الإنتاج من أجل استغلال حزام التعدين بشكلٍ كامل وخفض التكاليف بفعالية.

ولهذا تريد الولايات المتحدة ترقية خط السكة الحديد وتحويله إلى سلسلة قيمة بحيث لا يقتصر دوره على تصدير المعادن الحرجة، بل سيرعى تنمية الأعمال والأنشطة التجارية أيضاً، وتأكيداً على هذه النقطة، خصص البنك الدولي 300 مليون دولار لتمويل خطة تنويع اقتصادي في أنغولا.

وسيساهم هذا المشروع، الذي مُرِّرَ في مايو/أيار عام 2023، مساهمةً مباشرة في تحويل ممر لوبيتو إلى سلسلة قيمة، وقد يستضيف المشروع بعض مصانع التكرير والمعالجة في المرحلة المبكرة منه، لكن مع حركة الناس وزيادة الأنشطة التجارية، ستظهر بلدات جديدة وستكتسب حياةً خاصة بها.

لماذا تعد الفترة الحالية فرصة قوية لأمريكا بأفريقيا؟

ربما يستغرق حدوث ذلك عدة عقود، لكن الحياة الحضرية تتطور بهذه الطريقة، ويأمل بايدن في تقوية العلاقات مع الدول الأفريقية عبر تحويل ممر لوبيتو إلى سلسلة قيمة. ويأتي هذا في وقتٍ بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الصين أدنى مستوياتها منذ عقود.

وتُعد هذه فرصة سانحة أمام الولايات المتحدة لإزاحة الصين عن عرش أفريقيا، وضمن خطوات حملة الاستمالة، زارت نائبة الرئيس كامالا هاريس ثلاث دول أفريقية على الأقل في 2023.

كيف تتحرك الصين أمام الجهود الأمريكية؟

تتمتع الصين بالسبق هنا، إذ تُعد أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 عاماً على التوالي، ولا تقف الصين مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الجهود الأمريكية لإحياء ممر لوبيتو وتوجيه الصادرات نحو المحيط الأطلسي.

  • تتفاوض الصين في تنزانيا وزامبيا للاستحواذ على عمليات هيئة سكة حديد تنزانيا-زامبيا (المعروفة اختصاراً باسم تزارا)
  • يمتد خط السكة الحديد هذا من وسط زامبيا وصولاً إلى ميناء دار السلام في تنزانيا على المحيط الهندي
  • جرى تمويله وتشييده بواسطة الصين نفسها في البداية عام 1975

ولم يكن لدى الصين حينها حجم الإيرادات الذي تتمتع به اليوم. لكن المسؤولين الصينيين أدركوا أهمية المعادن الحرجة آنذاك.

  • يحظى خط سكة حديد تازارا بنفس طول خط لوبيتو تقريباً
  • سقط الخط فريسةً للتآكل والتدهور في الآونة الأخيرة على غرار الخط المقابل في جهة الغرب

وتريد الصين إحياء خط تازارا مثل الولايات المتحدة التي تتطلع إلى إحياء خط لوبيتو،  إذ تتفاوض من أجل الاستحواذ على خط السكة الحديد منذ سنوات، وجاءت آخر محاولاتها في فبراير/شباط عام 2024، عندما عرضت مليار دولار لتجديد البنية التحتية للخط وتولِّي عملياته.

وربما تفكر الصين مستقبلاً في ربط خط تازارا بمدينة لوبومباشي، عاصمة مقاطعة كاتانغا الغنية بالكوبالت، وسيؤدي ذلك إلى نقل الكوبالت الكونغولي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ فضلاً عن تأمين نهج الصين المتبع مع التقنيات المبتكرة في الوقت ذاته، ولا شك أن مبلغ المليار دولار قد لا يبدو ضخماً عند مقارنته بالاستثمارات الصينية السابقة في أفريقيا.

  1. الصين تمر بفترة ركود اقتصادي حالياً
  2. ابتعدت عن تنفيذ مشروعات البنية التحتية الضخمة في أفريقيا منذ 2023
  3. تغيّرت بكين وصارت أكثر حذراً في الإنفاق 
  4. لم تعد تنفذ مشروعات بمليارات الدولارات
  5. لم تُعلن عن أي مشروعات عملاقة منذ ذلك الحين

أي إن قرار الصين باستثمار مليار دولار في خط سكة حديد تازارا يمنحنا سياقاً مهماً هنا، إذ يُشير ضمنياً إلى خطة جغرافية اقتصادية طويلة الأمد، وعند النظر إلى العقد المقبل، من المحتمل أن تقتبس الصين أسلوب اللعب الأمريكي وتُحوِّل خط تازارا إلى سلسلة قيمة.

لمن ستميل دول أفريقيا.. الصين أم أمريكا؟

ويُمكن القول إن الجغرافية السياسية للمنطقة تُعد عبارة عن خيارٍ واضح بين الغرب والشرق، وبالنظر إلى الحقائق الراهنة على الأرض قد تُفضل الدول الأفريقية التي تمر عبرها تلك الخطوط استغلال المصالح الأمريكية بدلاً من الصينية، أو العكس.

وربما تقدم بكين شروطاً أفضل في الصفقات وقدرات مُحسَّنة، لكن أنغولا وزامبيا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية تستطيع التحوط للخروج بأفضل صفقات ممكنة، وتُعَدُّ قوة التفاوض المحتملة للصين أكثر إقناعاً بفضل مذكرات التفاهم التي وقعتها مع غالبية دول أفريقيا منذ عقدٍ مضى.

  • توسعت الصين داخل القارة منذ ذلك الحين عبر مبادرة الحزام والطريق
  • الشركات الحكومية الصينية استثمرت نحو 170 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية العملاقة بطول القارة
  • تضمنت تلك المشروعات الموانئ والمطارات والسكك الحديد والطرق السريعة وشبكات الاتصالات وغيرها
  • سمحت هذه الاستثمارات للشركات الصينية ببناء شراكات إقليمية لاستخراج المعادن الحرجة وشحنها إلى الصين

السيارات الكهربائية.. الصين تتفوق

وربما توقفت بكين عن الاستثمار في مشروعات بمليارات الدولارات داخل أفريقيا لكن استثماراتها السابقة ما تزال تحظى بثقلٍ في القارة، علاوةً على أن الأمريكيين والأوروبيين لا يقودون الركب في مجال تكنولوجيا السيارات الكهربائية، حيث يجري تصنيع نحو 90% من مكونات الخلايا في آسيا، وتتمتع الصين بقدرات مذهلة في مجال السيارات الكهربائية. وقد تفوّقت أكبر شركة صينية تصنع السيارات الكهربائية BYD على شركة تسلا من حيث حجم الإنتاج في الربع الرابع من السنة المالية 2023.

وتقدم بكين شروطاً تجاريةً أفضل بالنسبة للدول الأفريقية لكنهم قد يرحبون بالمستثمرين الأمريكيين رغم ذلك لتقليل اعتمادهم على الصين، إذ تنمو العلاقات بين أنغولا والغرب بمعدلٍ ثابت منذ انضمام الأولى إلى منظمة التجارة العالمية عام 1996، وتتمتع أنغولا باحتياطيات هيدروكربونية ضخمة وتقع بين وسط وجنوب أفريقيا.

والأهم من ذلك هو أن أنغولا فريدة من نوعها بين دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تتميز بامتلاك نهر قابل للملاحة تستطيع البضائع اجتيازه لبلوغ قلب البلاد، ولهذا لا تتطلع أنغولا إلى ربط نفسها بالصين، بل ربما تفضل إبقاء خياراتها مفتوحة، وينطبق المبدأ ذاته على زامبيا التي تمتلك احتياطيات النحاس الأعلى جودةً في الكوكب.

كما أن خطي السكة الحديد لوبيتو وتازارا ينطلقان من أراضيها. وإذا حافظت زامبيا على التوازن بين الممرين الشرقي والغربي، فستحظى في النهاية بعلاقات قوية مع أمريكا والصين على حدٍ سواء، ولن تكون هناك حاجة لتنفير واحدٍ من أكبر اقتصادين في العالم على حساب الآخر.

وفي الوقت ذاته، هناك مخاطر مختلفة بالنسبة للكونغو الديمقراطية إذ تُعد دولةً فاشلة منذ عام 2006 وبلا سبيل إصلاح ممكن في القريب العاجل، وتنتشر عشرات حالات التمرد في مقاطعاتها النائية كما أن هناك صراع واسع بالوكالة لدى جيرانها حالياً، ولا تتدخل الولايات المتحدة إلا نادراً، وعندما يأتي التدخل، تركز أمريكا على إحلال الاستقرار وتوفير المساعدات الإنسانية فقط، ويصل حجم التجارة بين الكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة إلى 332 مليون دولار فقط.

وتتمتع الصين بأفضليةٍ في تحمل المخاطر مقارنةً بالولايات المتحدة إذ تمتلك علاقات تجارية عميقة مع الكونغو الديمقراطية وتحظى بنفوذٍ أكبر عليها، أي إن الكونغو الديمقراطية ستظل أقرب إلى الصين في المستقبل القريب على الأرجح.

إقرأ أيضاً:

السعودية والإمارات تتوغلان في سوق “المعادن الحرجة”

أمريكا واليابان تطوران التحالف الأمني: المزيد نحو ردع الصين

قانون العلاقات الخارجية الصينية.. بكين تواجه بحزم العقوبات الغربية

إثيوبيا و مقاتلو تيغراي نحو سلام محاصر بالتحديات