المؤتمر الوطني الأفريقي يفقد أغلبيته ويضع جنوب أفريقيا على أعتاب مرحلة جديدة
سياقات - يونيو 2024
تحميل الإصدار

الخبر

في الثاني من يونيو/حزيران، أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة في جنوب أفريقيا رسميًا نتائج الانتخابات العامة التي جرت في التاسع والعشرين من مايو/أيار، مؤكدة نهاية حكم الأغلبية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، الذي استمر ثلاثة عقود، وبداية سباق لتشكيل ائتلاف حكومي. شهدت الانتخابات مشاركة أكثر من خمسين حزبًا، وبينما قلّص الناخبون دعمهم لحزب (ANC) إلى 40.18%، بانخفاض كبير من 57.5% في انتخابات عام 2019، حصل حزب المعارضة الرئيسي، التحالف الديمقراطي (DA)، على 21.8% من الأصوات، وحصل الحزب الجديد “حزب أومخونتو ويسيزي (MKP)”، الذي يقوده الرئيس السابق جاكوب زوما المنشق عن (ANC)، على 14.6%. كما حصل الحزب اليساري المتطرف، “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية (EFF)”، بقيادة الزعيم السابق للشباب في (ANC)، يوليوس ماليما، على 9.5% من الأصوات، فيما حصلت أحزاب أخرى على نسب ضئيلة جدا.

التحليل: عهد جديد من سياسة التحالفات في المؤتمر الوطني الأفريقي

التحليل: عهد جديد من سياسة التحالفات في المؤتمر الوطني الأفريقي

يفرض هذا الوضع على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تشكيل شراكة مع حزب أو أكثر من الأحزاب المنافسة، للحفاظ على موقعه في السلطة، وهو تطور غير مسبوق منذ نهاية حكم الأقلية البيضاء في عام 1994. ويستلزم بناء تلك الشراكة مفاوضات معقدة وتنازلات بشأن السياسات والتعيينات الحكومية، ما سيكون له تداعيات كبيرة على سياسات الحكومة الجديدة، لكنّ أسس السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ليس من المرجح أن تتغير بصورة جوهرية.

  • التطور الأبرز في الانتخابات هو النجاح المدهش وغير المتوقع لحزب (MKP)، والذي تم تسجيله قبل ستة أشهر فقط وسُمي على اسم الجناح العسكري السابق لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. حيث استقطب الحزب العديد من مؤيدي حزب المؤتمـر الوطني الأفريقي، خاصة بين الفقراء والجنوب أفريقيين من أصل زولو الذين اتبعوا زوما في الابتعاد عن حزب (ANC). وبالإضافة لتأثير حزب (MKP) على حصة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من الأصوات بشكل واسع، يبدو أيضًا أنه شكّل تحديًا لحزب (EFF)، قد يتسبب في مزيد من التراجع في شعبيته.
  • هكذا أصبح مستقبل الرئيس “سيريل رامافوزا” موضع تساؤل، رغم تأكيد قيادة الحزب أنه لن يستقيل؛ حيث يجب أن يضمن الرئيس الذي يتم اختياره من قبل أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم 400 عضو، دعم حوالي 40 نائبًا إضافيًا من خارج كتلة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لضمان فترة ولاية أخرى مدتها خمس سنوات. لا يتطلب ذلك بالضرورة ائتلافًا رسميًا، لكنّه سيخضع بلا شك، لمساومات سياسية وتفاهمات واسعة.
  • من المحتمل أن يدعو حلفاء الرئيس رامافوزا إلى اتفاق مع حزب التحالف الديمقراطي (DA) ذو التوجه اليميني، لأنه من غير المرجح أن يشكل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبية برلمانية عملية ومستقرة مع الأحزاب الصغيرة. لكنّ هذا سيثير مقاومة قوية من الجناح اليساري للحزب، الذي سيفضل اتفاقًا مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF) و/أو حزب (MKP). وستختبر هذه التوترات الداخلية المحتملة داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تماسك الحزب، الذي خسر أغلبيته بصورة أساسية لصالح الأحزاب المنشقة عنه.
  • ستحتاج حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وشركاؤها الجدد إلى تطوير موقف موحد بشأن القضايا العالمية الملحة مثل موقع جنوب أفريقيا في التنافس الدولي، والتغير المناخي، فضلا عن القضايا الأمنية والتنافس الجيوسياسي في أفريقيا. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، من المرجح أن تبقى أسس السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ثابتة، بما في ذلك إصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس أولويات قارة أفريقيا، والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، والموقف من قضية الصحراء الغربية.
  • قد يُجبر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) على الدخول في ائتلاف مع حزب التحالف الديمقراطي (DA)، الذي يختلف بشكل كبير عن توجهاته في السياسة الخارجية، إلا أن (ANC) سيظل الحزب المهيمن، ومن غير المحتمل أن يتخلى عن الحقائب الوزارية الهامة، خاصة السياسة الخارجية. قد يؤدي وجود حزب (DA) في الحكومة إلى تخفيف بعض السياسات ذات التوجه الأخلاقي، لكنه لن يتسبب في تغيير جذري في مواقف جنوب أفريقيا الراسخة. أما التحالف مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF)، فمن المرجح أن يؤدي إلى استمرارية الموقف المضاد لـ “إسرائيل”، وسياسات تعزيز التعاون الجنوبي-الجنوبي ومعارضة الهيمنة الغربية.
  • سجلت دبلوماسية جنوب أفريقيا تحت قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي توجها ثابتا للتعاون مع روسيا، واستمر ذلك حتى بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وتمتد علاقات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مع روسيا إلى فترة النضال ضد الفصل العنصري. وتوترت العلاقة بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا عندما سمحت حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي للسفن الحربية الروسية والصينية بإجراء تدريبات قبالة ساحلها في أوائل عام 2023. كان حزب التحالف الديمقراطي (DA) ينتقد بشدة علاقة حزب المؤتمـر الوطني الأفريقي مع روسيا، متهمًا إياه بخيانة عدم الانحياز والحياد المعلن فيما يتعلق بالصراع الأوكراني والتوترات الأوسع بين روسيا والغرب. 
  • تعتبر جنوب أفريقيا ناقدًا بارزًا للحرب الإسرائيلية على غزة؛ حيث اتهمت دولة الاحتلال بممارسة الإبادة الجماعية في قضية أمام محكمة العدل الدولية. ومن المتوقع أن تستمر القضية لسنوات، ما يعني أن أي حكومة ائتلافية جديدة سترثها. ومن الممكن أن يكون لنتائج الانتخابات تداعيات على هذه الشكوى؛ حيث يعارضها حزب (DA) المؤيد لقطاع الأعمال، مفضلًا تسوية تفاوضية للصراع بين “إسرائيل” وحماس. في المقابل، يتشارك حزب (EFF) الموقف المؤيد للفلسطينيين مع حزب (ANC)، وقد اتهم “إسرائيل” أيضًا بالإبادة الجماعية. وبينما ما زال موقف حزب (MKP) أقل وضوحًا، لكن من المرجح أن يكون داعما للقضية الفلسطينية بسبب تطابقه الأيديولوجي مع حزب (ANC).

إقرأ أيضاً:

ما هو مشروع مياه ليسوتو الموقع بين ماسيرو وجنوب أفريقيا؟

حرب غزة تعزز مسار دول الجنوب العالمي بعيدا عن السياسة الأمريكية

أمريكا تصنف كينيا “حليف خارج الناتو” في خطوة تخدم مصالح “إسرائيل”

إثيوبيا و مقاتلو تيغراي نحو سلام محاصر بالتحديات