الحدث
يتواصل القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو ثلاثة أسابيع، تخلله 7 هُدن هشة دون حسم عسكري، حيث لا تزال قوات الدعم، رغم انكسار تحركها للسيطرة على البلاد، تسيطر على أماكن حيوية بالعاصمة كمطار الخرطوم وهيئة البث والإذاعة التلفزيونية ومجلس الوزراء. بينما تكثف الأطراف الخارجية الضغط على الطرفين لعقد مفاوضات لوقف إطلاق النار، وقد صرح المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، بأن الوسطاء الأمريكيين والسعوديين اقترحوا مدينة جدة لإجراء المفاوضات التي أكد أنها “غير سياسية”.
وستعقد الجامعة العربية، يوم الأحد 7 مايو/أيار، دورة غير عادية لوزراء الخارجية العرب لبحث الأزمة في السـودان، بناء على طلب مصر وبالتنسيق مع السعودية، في حين تناقش الإمارات والسعودية مع أطراف غربية تسوية تقترح استبعاد قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان” وقائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو” (حميدتي) واستبدالهما بشخصيات أخرى من الطرفين.
التحليل: حدود نفوذ السعودية والإمارات ومصر في القتال الحالي في السودان
تلعب الأطراف الإقليمية العربية، السعودية والإمارات ومصر، دورا فاعلا، بدرجات متفاوتة، في الصراع الحالي بالسودان. فمنذ عزل الرئيس السابق “عمر البشير” قدمت السعودية والإمارات الوعود الأساسية لدعم السودان اقتصاديا، ووفرت الإمارات دعما سياسيا لأجندة نخب سياسية من قوى الحرية التغيير، كما نسجت علاقات أمنية واقتصادية مع “حميدتي”، وقدمت له إمدادا عسكريا مهما خلال الفترة الماضية لتعزيز وضع قواته، كما توجد مؤشرات على تقديم دعم لتحركه الأخير ضد الجيش في البداية. وبينما تحافظ السعودية على حياد ظاهري، فإن نفوذها الاقتصادي جعلها تلعب دورا سياسيا رئيسيا تجلى في توقيع الاتفاق الإطاري.
- يمثل السودان موقعا حيويا في حسابات السعودية والإمارات الإقليمية. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقعت شركة إماراتية صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لتطوير ميناء ومنطقة اقتصادية على ساحل البحر الأحمر في السودان، وهي خطوة لا تنفصل عن رؤية الإمارات الواسعة لخلق تواجد استراتيجي، اقتصادي و/أو عسكري، ممتد من الخليج العربي مرورا بجزر اليمن الاستراتيجية والقرن الأفريقي وحتى السودان وموانئ مصرية على البحر الأحمر. في حين يمثل السودان تقليديا في الاستراتيجية السعودية موقعا على البحر الأحمر تفرض ضرورات المملكة الجيوسياسية عدم وجود سلطة معادية فيه. لذلك؛ كانت السعودية من أبرز الداعمين الاقتصاديين للسودان منذ سبعينيات القرن الماضي.
- سواء تم هذا بقصد أم لا؛ فإن الدور السعودي والإماراتي منذ سقوط نظام البشير همّش الدور المصري في السودان وقيّد فاعليته بصورة لافتة، فباتت الرياض وأبوظبي تتقاسمان النفوذ فيه على حساب النفوذ المصري التاريخي. فبينما قامت المقاربة المصرية على الاستثمار في الجيش كمؤسسة مركزية تقليدية، راهنت السعودية والإمارات على إضعاف دور الجيش السياسي لإبعاد شبح الإسلاميين.
- تجلى هذا في الاتفاق الإطاري الذي لم يكن محل ترحيب مصري، ثم بات أكثر وضوحا في تحالف القوى السياسية الموالية للإمارات مع “حميدتي” تحت شعار مواجهة الإسلاميين في الجيش. عند بدء القتال؛ مثلت اتصالات وزير الخارجية الأمريكي مع وزيري خارجية السعودية والإمارات لبحث الأزمة، ثم مساعي عقد المفاوضات في جدة، مؤشراً مهما على حدود دور مصر التي رغم تعزيز تحالفها مع “البرهان”، كانت قدرتها على توفير الدعم اللازم لتعزيز موقعه دائما محدودة في ظل قصور الموارد المصرية اقتصاديا وتراجع نفوذها في المنطقة سياسيا.
- تشير المعلومات إلى أن القاهرة قدمت دعما عسكريا جويا للجيش السوداني في بداية المعركة الحالية. لذلك؛ ليس من المستبعد أن تلجأ إلى تقديم دعم أوضح إذا قدرت أن السلطة المركزية في السودان ستتعرض للهزيمة والانهيار، بما يمثل تهديدا لمصالح مصر؛ فاستمرار القتال يضعف من موقف القاهرة – المتراجع أصلا- في أزمة سد النهضة، وسيكون من المتعذر على مصر بناء توافق مع السودان في مواجهة أثيوبيا إذا تدهورت الأوضاع في السودان إلى فصائل متحاربة بدلا من حكومة مركزية يسيطر على قرارها قادة الجيش.
- بالإضافة إلى ذلك؛ فإن تدفق اللاجئين عبر الحدود المصرية السـودانية ينذر بمزيد من التداعيات الاقتصادية في وقت تعاني فيه القاهرة بالفعل. كما من المرجح تنامي أنشطة التهريب عبر الحدود كلما تدهورت الأوضاع وطال أمد الأزمة في السودان مما سيكون له انعكاسات أمنية سلبية على مصر.
- تحرص الدول الثلاث، السعودية ومصر والإمارات، على إدارة تبايناتها الإقليمية بما يضمن عدم تضرر علاقاتها الاستراتيجية، لكنّ تزايد وتعدد أوجه هذه التباينات مؤخرا، يجعل علاقات هذه الدول أكثر تعقيدا من أي وقت مضى. حيث تتفهم الأطراف الإقليمية والدولية أهمية السـودان بالنسبة لمصر، لكنّ النفوذ السعودي والإماراتي بات أمر واقعا لا يمكن تجاوزه.
- وبينما يمكن للقاهرة التدخل في الصراع لترجيح كفة الجيش، فإن نفوذ كل من السعودية والإمارات سيظل ضروريا للتوصل لتسوية في نهاية المطاف، خاصة وأن المؤشرات حتى الآن ترجح أن الأطراف الثلاثة تميل لاحتواء الصراع ووقف المعارك، حتى وإن ظلت هناك تباينات بينها حول طبيعة الحل السياسي الذي تفضله كل منها.