الحدث
أعلنت العديد من شركات الشحن العالمية منذ منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري وقف رحلاتها مؤقتاً عبر البحر الأحمر وقناة السويس أو تحويل مسار السفن إلى الالتفاف حول أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وذلك تجنبا للمخاطر الأمنية المتزايدة في منطقة مضيق باب المندب، في ظل تواصل هجمات الحوثيين ضد السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي أو المتجهة إلى موانئ “إسرائيل”. كما أعلنت عدد من شركات النفط وقف نقل شحناتها عبر البحر الأحمر مؤقتاً، وجاء على قائمة تلك الشركات عملاق النفط البريطاني برتيش بتروليوم (BP) وشركة النفط النرويجية إيكونور ومجموعة ناقلات النفط النرويجية فرونت لاين وشركة ناقلات النفط البلجيكية يوروناف. كما حولت ما لا يقل عن ثلاث ناقلات للغاز الطبيعي المسال مسارها بعيدا عن البحر الأحمر.
التحليل: الحوثيون يضغطون على قناة السويس والتجارة الدولية
- إن هجمات الحوثيين لها تداعيات أوسع من مجرد تهديد الملاحة المرتبطة بإسرائيل، بل إن حكومة الاحتلال قد لا تهتم كثيرا بهذا الأمر حاليا باعتبار أنها في حالة حرب بالفعل ومثل هذه الخسائر تبتلعها ميزانية الحرب الباهظة. لكنّ التداعيات الأهم لهجمات الحوثيين هي المرتبطة بمصالح أطراف إقليمية مباشرة مثل مصر والأردن، فضلا عن الانعكاسات على التجارة الدولية. وهذا هو الضغط الحقيقي الذي تراهن عليه إيران والحوثيين لدفع حلفاء “إسرائيل” نحو اتخاذ خطوات حقيقية باتجاه وقف إطلاق النار، لكنّ هذا لا يزال يخضع لاعتبارات الحرب وأهدافها التي لها أولوية حاليا، ما يعني أن الجميع مهيئ للتعامل مع الاضطراب الأمني في البحر الأحمر خلال الأسابيع القادمة على الأقل.
- مازال من المبكر ترجيح حدوث ارتفاعات مؤثرة في أسعار النفط حيث تشير التقديرات الافتراضية أنه في حال إعادة توجيه جميع تدفقات النفط بعيداً عن البحر الأحمر لفترة ممتدة، فسيكون من المتوقع أن تتراوح الزيادة في أسعار النفط بين 3 إلى 4 دولار للبرميل. حيث يمر يوميا عبر البحر الأحمر وقناة السويس حوالي 7 ملايين براميل نفط، تمثل حوالي 9% من إجمالي تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً. بينما تشير بيانات 2023 إلى أن حوالي 8% من شحنات الغاز المسال العالمية مرت عبر قناة السويس. وحتى الآن تأثرت أسواق النفط العالمية بمقدار ضئيل، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 1.2% وتخطى حاجز 80 دولار، ويعزو ذلك إلى أن وجود فرص لإعادة توجيه السفن ما يعني أن معدلات إنتاج النفط لن تتأثر بشكل مباشر.
- قامت 7 من أكبر 10 شركات شحن الحاويات في العالم – بما في ذلك شركتي الشحن العملاقتين ميرسك وإيفرجرين- بتعليق رحلاتها مؤقتاً عبر قناة السويس والبحر الأحمر، وتوجيه بعض السفن إلى الإبحار حول أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح بدلا من المرور عبر قناة السويس. لاحقا، تراجعت ميرسك وقالت إنها ستستأنف عملياتها عبر البحر الأحمر، لكنّها ستفرض رسوما إضافية على البضائع المنقولة من وإلى المنطقة، كما أعادت جدولة مواعيد وصول أكثر من 150 من ناقلاتها. لكن بيانات ميرسك حتى يوم 26 ديسمبر/كانون أول مازالت تظهر مسار رحلاتها عبر رأس الرجاء الصالح. وتشير البيانات حتى يوم 22 ديسمبر/كانون أول إلى تحول 313 سفينة بإجمالي حمولة 4.2 مليون حاوية مؤخرا إلى الالتفاف حول أفريقيا.
- سيكون لتحول شركات الشحن إلى طريق رأس الرجاء الصالح آثارا اقتصادية بما في ذلك ارتفاع محتمل في الأسعار، والتأخيرات التي قد تصيب سلاسل التوريد العالمية. حيث يمر عبر قناة السويس حوالي 12% من التجارة العالمية المنقولة بحرًا، بما في ذلك 30% من حركة الحاويات العالمية. وسينعكس تحول شركات الشحن إلى رأس الرجاء الصالح على تكلفة الرحلات التي ستقطع مسافات أطول وزمن أكبر يبلغ حوالي أسبوعين إضافيين مقارنة بمسار البحر الأحمر. وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت شركة هاباج لويد الألمانية فرض رسوم إضافية بقيمة 250-1000 دولار على البضائع التي يجري نقلها من وإلى الشرق الأوسط اعتبارا من 1 يناير/كانون ثاني 2024. وتشير تقديرات فيتش إلى احتمال أن تنخفض القدرة العالمية الفعلية لشحن الحاويات بنسبة 10-15%، إذ إن الرحلة حول أفريقيا ستزيد من الوقت الذي تستغرقه السفن من الشرق الأقصى إلى أوروبا بنسبة 50%.
- استفادت قناة السويس من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وتحول أوروبا نحو إنهاء الاعتماد على النفط والغاز الروسي، وزيادة وارداتها من النفط الخام ومنتجاته والغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط. حيث حققت إيراداتها في العام الماضي مستويات قياسية بلغت 9.4 مليار دولار. وتمثل عائدات قناة السـويس واحدة من أهم مصادر العملة الأجنبية لمصر إلى جانب عائدات المصريين في الخارج والسياحة.
- وبالرغم من تحويل عدد من شركات الشحن البحري والنفط والغاز المسال رحلاتها بعيداً عن البحر الأحمر، فإن معدلات الملاحة عبر قناة السـويس لا تزال مستقرة إلى حد كبير، وتشير بيانات هيئة قناة السويس أن عدد السفن التي كان مقررا عبورها القناة وغيرت مسارها إلى رأس رجاء الصالح في الفترة من 19 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي إلى 17 ديسمبر/كانون أول الجاري بلغت 55 سفينة فقط، في حين مر عبر القناة في نفس الفترة 2128 سفينة. لكن في ظل احتمالات أن يستمر الاضطراب الحالي عدة أشهر، فإن عائدات القناة قد تعاني من تراجع ملحوظ، الأمر الذي سيكون له انعكاسات على الاقتصاد المصري الذي يمر أصلا بأزمة عميقة أحد أهم ملامحها النقص الحاد في العملة الصعبة.
إقرأ أيضاً:
✚ لماذا شنت حماس هجوم 7 أكتوبر؟
✚ جسر بري يربط دبي والرياض بإسرائيل.. حرب غزة لن تعطل الشراكة المتنامية
✚ هجمات الحوثيين على إسرائيل تعزز موقعهم في معادلة الأمن الإقليمي
✚ عملية “طوفان الأقصى” تفرض معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي
✚ أكثر اندماجا لكن أقل أمنا … أين باتت تقف “إسرائيل” في الشرق الأوسط؟