مسارات التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا
تحميل الإصدار

ملخص

تعتقد الولايات المتحدة أن الصين هي المنافس الوحيد الذي لديه النية لإعادة تشكيل النظام الدولي، والقدرات اللازمة لتحقيق ذلك، وتنظر للسنوات العشر القادمة باعتبارها العقد الحاسم في المواجهة مع الصين. وبينما تستهدف روسيا أيضا إعادة هيكلة النظام الدولي، لكنها لا تمتلك من وجهة نظر واشنطن الموارد الكافية لذلك، ومن ثم تضعها كتهديد أمني لأوروبا أكثر من كونها منافسا “قطبيا”.
تتبنى الصين نهجا في السياسة الخارجية أكثر جرأة واستعدادا للمواجهة، يرتكز على فرض حضور الصين كمنافس جيوسياسي دولي في مواجهة الهيمنة الغربية. وفي مواجهة الجهود الأمريكية لتقييد دور الصين الدولي، تحول بكين تركيز وانتباه جيشها بأكمله للاستعداد لاحتمالات الحرب.
تؤكد عقيدة السياسة الخارجية الروسية على أن موسكو ماضية بشكل استراتيجي في العمل على توسيع نفوذها الدولي، والسعي نحو تقويض النظام العالمي المستند للهيمنة الغربية، وخلق عالم متعدد الأقطاب تشغل فيه روسيا موقعا قطبيا مؤثرا.
تتعدد ساحات ومجالات التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين. وتمثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ ساحة المواجهة المباشرة والأكثر حساسية؛ إذ تعتبر الولايات المتحدة أن طريق الصين للهيمنة الدولية يبدأ من هيمنتها على تلك المنطقة التي تمثل “الكاريبي الصيني”. في المقابل تعمل الصين على إخضاع مجالها الحيوي إلى نفوذها الحصري الذي لا يقبل القسمة.
مع تصاعد حدة التنافس، تطور القوى الدولية تحالفاتها، وتعمل على ضمان تفوقها في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والتحكم في خطوط النقل الدولية وسلاسل التوريد، بالإضافة لتقديم المزايا الاقتصادية والتنموية للدول الأخرى بهدف تعزيز مجالات نفوذها الجيوسياسي ومنع انضمام تلك الدول للمنافسين الآخرين.
تقع منطقة الشرق في قلب هذا التنافس الدولي، بما تمثله من أهمية دولية في سوق النفط وخطوط التجارة العالمية. وبينما تتمتع الولايات المتحدة ببنية تحتية أمنية وعسكرية عميقة في المنطقة، فإن الصين باتت شريكا تجاريا لا غني عنه. كما أن إيران باتت مؤخرا في قلب الشراكة الناشئة بين الصين وروسيا التي تستهدف إضعاف النفوذ الغربي دوليا.
إن تصاعد الصراع الجيوسياسي يدفع الولايات المتحدة والصين لممارسة ضغوط وإغراءات تجاه الدول الأضعف والحلفاء المهمين. وفي المدى القريب ستتعامل هذه الدول مع مزيج من الفرص والضغوط للحصول على مزايا اقتصادية وضمانات أمنية، لكن على المدى البعيد سيكون هامش الخيارات أقل إذا تفاقمت حدة المواجهة بين القطبين المتنافسين.

مقدمة

يهيمن على النظام الدولي ثلاث قوى متنافسة: معسكر غربي تقوده الولايات المتحدة، يتمتع بثقل عسكري واقتصادي وثقافي كبير؛ ومعسكر روسيا التي تكافح للبقاء كقوة دولية، وتدور في فَلَكها دول آسيا الوسطى السوفيتية السابقة، وبيلاروسيا، وعدد محدود من دول أضعف مثل سوريا وربما دول أفريقية؛ ومعسكر صيني يرتكز إلى علاقات اقتصادية واسعة أكثر من التحالفات العسكرية والسياسية. وتميل الصين وروسيا مؤخرا لزيادة تنسيق جهودهما في مواجهة الهيمنة الغربية. وسواء تطور هذا إلى تحالف كامل، أو ظل دون مستوى الحلف، فإن القوى الثلاث ستواصل العمل على تعزيز نفوذها دوليا، بما في ذلك في منطقة الشرق، وما يتصل بها خاصة القرن الأفريقي.

وبينما تتمحور المواجهة مع روسيا حاليا في ساحة القتال في أوكرانيا، فإن الصراع الأمريكي مع الصين يتخذ طابعا أوسع من حيث ساحات التنافس الجغرافي ومجالاته. والتي نشير إليها في الجوانب التالية: 

نظرة القوى الدولية لحدود الصراع

أولاً: الرؤى واستراتيجيات الأمن القومي 

الولايات المتحدة الأمريكية

تكشف أحدث وثيقة لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهي وثيقة تصدر كل خمس سنوات عن الإدارة الأمريكية، أبعاد التنافس المتزايد بين واشنطن وبكين، إذ تصف الوثيقة الصين بأنها المنافس الوحيد الذي لديه النية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وفي نفس الوقت يمتلك الموارد الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق ذلك. وتؤكد الوثيقة أن السنوات العشر القادمة هي العقد الحاسم في المواجهة مع الصين والتي ستحدد موقع الولايات المتحدة لفترة طويلة في المستقبل.

تعتمد الاستراتيجية الأمريكية على ردع بكين عن أي هجوم عسكري على جزيرة تايوان في المدى القريب، وتؤكد على أن واشنطن “تعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أي من الجانبين”، كما تؤكد أنها “لا تدعم استقلال تايوان”.

الا

في المقابل، تقر الولايات المتحدة أن روسيا تمتلك نوايا جادة في إعادة هيكلة النظام الدولي، لكنها بخلاف الصين لا تمتلك الموارد الكافية للقيام بذلك، كما أن حرب أوكرانيا كشفت عن حدود قوة موسكو، والتي لم تعد تمثل إلا تهديدا أمنيا لأوروبا أكثر من كونها منافسا دوليا. ووفقاً لذلك؛ لا تُعد روسيا من وجهة النظر الأمريكية تهديدا “قطبيا”.

وبينما لم يذكر “المفهوم الاستراتيجي” للناتو عام 2010 الصين، فقد خصصت وثيقة استراتيجية الحلف الصادرة عام 2022، مساحة كبيرة للصين، وأشارت – للمرة الأولى – إلى أن طموحات بكين وسياستها القسرية تمثل تحديات لمصالح وأمن وقيم التحالف، ما يعكس نجاح واشنطن في حشد حلفائها لمواجهة نفوذ الصين على المستوى الدولي.

الصين

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصدر الحزب الشيوعي الصيني وثيقة “تقرير العمل“، والتي تحدد كل 5 سنوات السياسات والتوجهات الرئيسية للحزب الحاكم. تدشن الوثيقة نهجا في السياسة الخارجية أكثر جرأة واستعدادا للمواجهة، يرتكز على فرض حضور الصين كمنافس جيوسياسي دولي في مواجهة الهيمنة الأمريكية. كما تؤكد الوثيقة على هيمنة منظور الأمن القومي على أولويات القيادة الصينية بما يشمل الأمن الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي.

تؤكد الصين الأهمية البالغة لاستعادة تايوان، وتشير إلى استمرار محاولاتها لحل المشكلة سلمياً، لكنها تبقي استخدام القوة العسكرية خيارًا متاحاً. وفي هذا الإطار لا تدعو الوثيقة فقط إلى مزيد من التحديث العسكري والتدريب القتالي الفعلي، ولكن الأكثر أهمية، أنها تؤكد صراحة على أهمية تركيز انتباه الجيش بأكمله على الاستعداد للحرب. 

روسيا

تؤكد عقيدة السياسة الخارجية الروسية الصادرة في سبتمبر/أيلول 2022 على أن موسكو ماضية بشكل استراتيجي في العمل على توسيع نفوذها الدولي، والسعي نحو تقويض النظام العالمي المستند للهيمنة الغربية، وخلق عالم متعدد الأقطاب تشغل فيه روسيا موقعا قطبيا مؤثرا.

ترتكز العقيدة على مفهوم “العالم الروسي“، حيث تتعهد روسيا بتقديم الدعم لجميع المواطنين الناطقين باللغة الروسية خارج البلاد —لاسيما في دول الاتحاد السوفيتي السابقة— الأمر الذي يمكن أن تستخدمه كمبرر للتدخلات العسكرية الخارجية مثل أوكرانيا، وربما تعزيز الدعوات الانفصالية في مناطق الاضطرابات والأزمات في شرق أوروبا، وهو ما يمكن أن يتسبب في مضاعفة البؤر الجيوسياسية القابلة للاشتعال داخل أوروبا.

تعتبر الولايات المتحدة أن طريق الصين للهيمنة الدولية

ثانيًا: الصراع الجيوسياسي في منطقة الإندو-باسيفيك 

الولايات المتحدة

تعتبر الولايات المتحدة أن طريق الصين للهيمنة الدولية يبدأ من هيمنتها الإقليمية على منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الكاريبي الصيني). لذلك؛ تعتمد واشنطن استراتيجية محاصرة الصين بحريا، عبر توسيع الانتشار الأمريكي العسكري والاستراتيجي، بدءا من أستراليا وجزر المحيط الهادئ، مرورا بقواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية، وصولا إلى البحار القريبة من الصين. وتتجلى تلك الاستراتيجية في الخطوات التالية:

  1. إقامة تحالفات أمنية وعسكرية في نطاق ضيق، مثل تحالفها الثلاثي والأكثر إحكاماً تحالف “أوكوس” (AUKUS) مع كل من بريطانيا وأستراليا.
  2.  عقد شراكات أمنية واقتصادية وتكنولوجية مع دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ مثل تحالف “كواد” (QUAD) مع اليابان والهند وأستراليا. 
  3. تطوير بنية القوات الأمريكية في اليابان ضمن أكبر تحديث لتحالفهما الأمني منذ توقيع معاهدة الدفاع المشترك عام 1960. وجاءت هذه الخطوة في سياق تحول جذري في عقيدة اليابان العسكر، يشمل تطوير القدرات العسكرية الهجومية وزيادة الإنفاق الدفاعي. 
  4. تعهدت كوريا الجنوبية في استراتيجيتها لمنطقة الإندو-باسيفيك بمواصلة تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة، وتطويره إلى تحالف استراتيجي شامل. كما تواصل واشنطن جهود دفع اليابان وكوريا الجنوبية إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية، وتجاوز الخلافات التاريخية. 
  5. اتخذت الولايات المتحدة خطوات مهمة لتطوير قدرات الهند العسكرية، وباتت ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا. وتعول واشنطن على دور الهند المحوري لموازنة النفوذ الصيني، كما تأمل أن تساهم شراكتها الدفاعية مع نيودلهي في ردع خطط بكين المحتملة لغزو تايوان.
  6. عمقت أمريكا علاقاتها العسكرية مع الفلبين، وأضافت 4 قواعد عسكرية جديدة في البلاد، ليصبح إجمالي قواعد الجيش الأمريكي في الفلبين 9 قواعد.  
  7. أعلنت الولايات المتحدة عن أول وثيقة إستراتيجية للشراكة مع دول جزر المحيط الهادئ، والتي تركز على عقد شراكات اقتصادية وتنموية مع دول المنطقة. وتساهم الوثيقة، إلى جانب اتفاقيات الارتباط الحر مع بالاو، وجزر مارشال، وميكرونيزيا، في تعزيز وصول الجيش الأمريكي إلى المنطقة، وحماية خطوط اتصاله الحيوية في المحيط الهادئ.

الصين 

تدرك الصين أنها لن تصبح قوة مهيمنة دوليا توازي الولايات المتحدة ما لم تخضع مجالها الحيوي إلى نفوذها الحصري الذي لا يقبل القسمة. ولذلك تعتمد الاستراتيجية الصينية في منطقة الإندو-باسيفيك على توسيع نفوذها العسكري بما يُمكّنها من مواجهة الانتشار الأمريكي في المنطقة. وكذلك تسعى الصين إلى تطويق تايوان تمهيدا لضمها للأراضي الصينية، كما تعمل على تأمين ممرات الشحن الحيوية في بحر الصين الجنوبي، وامتلاك القدرة على تعطيل خطوط الاتصال بعيدة المدى بين واشنطن وشركائها الآسيويين.

الصراع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يمثل حجز الزاوية في جهود الغرب لاحتواء صعود الصين

في إطار هذه الاستراتيجية، جاءت أبرز خطوات الصين على هذا النحو:

  1. توقيع اتفاقية أمنية مع جزر سليمان في 2022، والتي منحت الصين أول موطئ قدم عسكري لها في جنوب المحيط الهادئ، وتقدم الاتفاقية إشارات واضحة على أن سياسة ضبط النفس التي طالما انتهجتها بكين آخذة في التآكل.
  2. وقعت الصين مع كمبوديا اتفاقية لتطوير واستخدام قاعدة ريام البحرية (Ream Naval Base) في كمبوديا، وهي الثانية للصين على المستوى الدولي، بعد قاعدة جيبوتي، والأولى لها في آسيا.
  3. وقعت جزر المالديف اتفاقاً دفاعياً مع الصين، في 5 مارس/آذار 2024، ضمن خطط بكين لتأمين الممرات البحرية وخطوط إمداد الطاقة في المحيطين الهندي والهادئ ضد مخاطر الحظر من المنافسين الاستراتيجيين: الولايات المتحدة والهند.

ثالثاً: العلاقات مع منطقة الشرق

الولايات المتحدة الأمريكية

مع تمدد الصين الاقتصادي والتجاري في منطقة الشرق، والروابط القوية التي نسجتها مع غالبية القوى الإقليمية، تحرص الولايات المتحدة على تعميق علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين، والحفاظ على أدوارها في المنطقة دون السماح للنفوذ الصيني بتحدي ذلك، وتمارس ضغوط على دول الإقليم بهذا الصدد خاصة، لمنع تعاونهم مع الصين في المجالات العسكرية والتقنية المتقدمة. وتواصل واشنطن دورها الأمني الحيوي في المنطقة، بما يشمل ضمان أمن شركائها من التهديدات الخارجية، وجهودها لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.

تعتبر واشنطن أن تعزيز قيم الديمقراطية دوليا يقع في قلب الصراع مع الصين وروسيا؛ وتؤكد استراتيجية إدارة بايدن على أن جوهر الصراع سيكون بين ما وصفته بـ”الديمقراطيات” مقابل “الأنظمة الاستبدادية”. لكنّ واشنطن تعترف بعدم واقعية الاعتماد الأمريكي السابق تجاه منطقة الشرق على السياسات المتمحورة حول القوة العسكرية وتغير الأنظمة بالقوة، ولذا، تتبنى مقاربة براغماتية تستند إلى الدبلوماسية وبناء الشراكات والتحالفات ودعم جهود أنظمة المنطقة لتحقيق الاستقرار. أي أنها تضع الأولوية لدعم حلفائها في المنطقة والتغاضي عن معايير الديمقراطية من أجل الاعتبارات الجيوسياسية.

الصين 

ترتكز العلاقات بين الصين ودول المنطقة على استثمارات البنية التحتية وتجارة البضائع والنفط، لكنها امتدت في السنوات الأخيرة أيضًا إلى مجالات التكنولوجيا والأمن، وباتت الصين الشريك التجاري الأول للسعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، والجزائر، وقطر، والعراق. وساهمت التغيرات الهيكلية التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في تحفيز الصين لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج لتأمين إمدادات الطاقة، ولضمان تدفق النفط والغاز حال تصاعدت التوترات بشأن تايوان إلى عقوبات غربية.

تتمتع الصين بشراكة استراتيجية مع إيران تتجاوز العلاقات الاقتصادية إلى تبني نفس الأولوية تجاه تقويض النفوذ الغربي دوليا. وخلال السنوات الأخيرة، خاصة على وقع حرب أوكرانيا، باتت إيران أكثر انسجاما مع جهود التصدي للهيمنة الغربية التي تتطور تدريجيا بين روسيا والصين.

لا تسعى الصين لتغيير معادلة الأمن الإقليمي واستبدال أمريكا والقيام بأدوارها في منطقة الشرق. وذلك بسبب التخوف من تورطها في صراعات معقدة، قد تؤدي إلى افتعال أزمات ومشاكل تعيق الاستثمارات الصينية، كما أن ذلك يتطلب توجيه الصين مزيدا من مواردها للمنطقة، وهو مالا يتناسب مع الاستراتيجية الصينية التي تعطي الأولوية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

رابعاً، الموقف من حرب غزة 

الولايات المتحدة الأمريكية

في إطار الحرب على قطاع غزة، وضعت الإدارة الأمريكية مجموعة من الاعتبارات التي سعت إلى الالتزام بها، بما يشمل إظهار التزام الولايات المتحدة العميق تجاه “إسرائيل” بما يشمل الدعم المالي والأمني والمساعدات العسكرية وحشد الدعم العالمي لحربها على غزة. بالإضافة لذلك؛ تعمل واشنطن على احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية قد تؤدي إلى تورط القوات الأمريكية بشكل مباشر في القتال.

أعادت الحرب وضع منطقة الشرق في بؤرة التركيز الأمريكي في المدى المنظور. وبغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي القادم، من المرجح التركيز على الأهداف التالية:

  1. ضمان أمن دولة الاحتلال، بما يشمل جهودا منسقة إقليمية ودوليا لإضعاف حماس عسكريا وماليا وسياسيا، بالتزامن مع السعي لإحياء مسار التفاوض بين السلطة الفلسطينية والاحتلال.
  2. تسريع وتيرة دمج دولة الاحتلال في هيكل المنطقة الأمني والسياسي، من خلال توسيع اتفاقيات أبراهام، خاصة مع السعودية، وتعزيز الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية ذات الطابع الاستراتيجي بين الاحتلال ودول المنطقة، وضمان استقرار علاقات “إسرائيل” مع مصر والأردن.
  3. مواصلة جهود احتواء نفوذ إيران الإقليمي، والحد من قدرة وكلائها على تهديد أمن دولة الاحتلال، وحلفاء واشنطن، وأمن الملاحة الدولية.

الصين وروسيا

عملت روسيا والصين على الاستفادة من الحرب من خلال تعزيز دورهما كداعمين لدول الجنوب العالمي، وإظهار فشل وانحياز الولايات المتحدة والنظام الدولي الذي تقوده في التعامل مع مظالم تلك الدول. وفي هذا الإطار دعمت الدولتان وقف إطلاق النار، مع التمسك بقدر من التوازن. إذ تحرص موسكو على بقاء “إسرائيل” على حيادها إزاء الحرب الأوكرانية، فيما تقدم بكين نفسها كصانع للسلام مؤهل للوساطة، خاصة وأن قدرتها على ممارسة ضغوط على إيران والحوثيين قد تكون مطلوبة للحد من توسع الحرب. 

توفر حرب غزة الفرص لكل من روسيا والصين لممارسة دور متزايد في منطقة الشرق، خاصة في ظل الموقف الأمريكي الذي يظهر أهمية العلاقات مع روسيا والصين، بما توفره من بدائل لدول المنطقة وتمنحها قدرا من الاستقلالية عن الأجندة الأمريكية، إن أرادت ذلك.

خامسا: العلاقات مع أفريقيا 

تظل أفريقيا ساحة شاسعة للتنافس بين الولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى، خاصة مع سعي العديد من الدول الأفريقية لتحقيق مكاسبها الخاصة والاستفادة من تباين مصالح القوى الكبرى.

في تحول لافت للموقف الأمريكي من أفريقيا، تزايد اهتمام واشنطن في السنوات الأخيرة بالقارة والتي أصبحت من وجهة نظر واشنطن تضم قوى جيوسياسية مؤثرة ومهمة في المصالح الخارجية الأمريكية. وتسعى واشنطن إلى بناء علاقات قوية ترتكز على تحقيق مصالح مشتركة، بالإضافة إلى القيام بدور أوسع في البنية التحتية والاستثمار في القارة.

تُوسع الصين دورها كممول لمشاريع البنية التحتية الكبرى داخل القارة الأفريقية، فضلا عن كونها الشريك التجاري الأول للقارة، بقيمة قياسية بلغت نحو 254 مليار دولار عام 2021، مقابل 64 مليار دولار فقط سجلتها تجارة أفريقيا مع الولايات المتحدة عام 2021.

تعتمد روسيا على دعم التوجهات المناهضة للوجود الغربي في أفريقيا، وترسي آليات للتعاون العسكري والأمني تجعل من موسكو مصدر التسليح الأول للقارة. وأظهر موقف العديد من دول أفريقيا من الغزو الروسي لأوكرانيا تمدد النفوذ الروسي في القارة، إذ امتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت على قرار للأمم المتحدة، في مارس 2022، الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، كما امتنعت غالبية دول أفريقيـا عن دعم حملة العقوبات الغربية ضد روسيا.

يقع البحر الأحمر في قلب استراتيجية روسيا البحرية التي أقرها الرئيس بوتين عام 2022، والتي تولي تركيزا متزايد على المحيطين القطبي الشمالي والهادي، بما يجعل روسيا حلقة وصل بينهما ويمنحها دورا بحريا دوليا استراتيجيا، وهو ما يتطلب تواجد روسيا بحريا على خط يشمل البحر المتوسط والأحمر وباب المندب والمحيط الهندي. لذلك؛ فإن أفريقيا تقع في قلب استراتيجية روسيا البحرية الدولية، ويبرر مساعي الحصول على نقاط تواجد دائمة في السودان والقرن الأفريقي. 

سادسا: التنافس التقني 

الولايات المتحدة الأمريكية والغرب

يقع التفوق التكنولوجي في قلب المنافسة الجيوسياسية الدولية. وفي يونيو/حزيران 2021، وافق قادة حلف الناتو في قمة بروكسل على وثيقة أولويات الحلف 2030، والتي تضمنت إطلاق مُسَرِّع ابتكار دفاعي مدني-عسكري (DIANA)، لتعزيز التعاون بشأن التقنيات الحيوية، وإنشاء صندوق ابتكار الناتو للاستثمار في الشركات الناشئة. ونصت الوثيقة أن تفوق الناتو التكنولوجي لم يعد أمرًا مفروغًا منه، مع سعي الصين لأن تصبح القوة الرائدة في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي في العقد المقبل. لذلك؛ تعهد قادة الحلف بتكثيف عمله لضمان تفوقه في سبع تقنيات رئيسية تخريبية (Disruptive Technologies) هي: الذكاء الاصطناعي، البيانات والحوسبة، التحكم الذاتي، تقنيات الكم، التكنولوجيا الحيوية، التكنولوجيا فوق الصوتية، والفضاء.

اعتمدت الولايات المتحدة مجموعة سياسات لمنع الصين من استخدام قوتها التكنولوجية لتحقيق أهدافها السياسية وبسط نفوذها في مناطق مختلفة حول العالم. إذ تحرص واشنطن على تجنب الاعتماد على التكنولوجيا الصينية في المجالات التي تثير مخاطر الأمن القومي، وعلى رأسها أشباه الموصلات وشبكات الجيل الخامس (5G)، وتضغط على حلفائها للالتزام بذلك، وكذلك منع نقل التقنيات الحيوية من الولايات المتحدة إلى الصين؛ وذلك من أجل ضمان سيطرة واشنطن على سلاسل التوريد التكنولوجية.

الصين

تعمل الصين على خطط حثيثة لإيجاد بدائل لأدوات الهيمنة الأمريكية التكنولوجية، وتواصل جهودها في تعبئة الموارد المحلية لدعم خطط تحقيق الاكتفاء الذاتي في التقنيات الرئيسية، من خلال الاستثمار الواسع في البحث والتطوير التكنولوجي. وفي هذا الإطار، أصدرت بكين قانون العلاقات الخارجية الصينية في 2023، والذي يبرز توجه بكين لاستخدام أدوات قانونية أكثر صرامة ضد شركات التكنولوجيا الغربية رداً على تزايد القيود التكنولوجية الأمريكية.

كما أمرت الصين المسؤولين في وكالات الحكومة بعدم استخدام هواتف أيفون، وغيرها من الأجهزة الأجنبية في العمل. كما قيّدت استخدام مركبات تسلا، وأنظمة تشغيل الحاسوب الأمريكية، ضمن إجراءات واسعة تستهدف خفض الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، وتعزيز الأمن السيبراني، والحد مما تعتبره تدفق المعلومات الحساسة خارج حدود الصين.

مثَّل إطلاق برنامج المحادثة شات جي بي تي ChatGPT المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والذي من المتوقع أن يكون له تأثيرات جيوسياسية عميقة في بروز ساحة تنافس تكنولوجي جديدة بين واشنطن وبكين. فبعد أن أطلقت شركة OpenAI الأمريكية البرنامج دخلت الشركات الصينية سريعا في السباق، حيث أطلقت شركة Baidu الصينية نموذج المحادثة الخاص بها مع خدمات تماثل (ChatGPT).

سابعا: خطوط النقل ومشاريع البنية التحتية  

أطلقت الصين عام 2013، مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى ربط الصين بريا وبحريا بالعالم عبر استثمار مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، وبناء موانئ وطرق وسكك حديدية ومناطق صناعية، تشارك فيه 123 دولة. كان الدافع الاستراتيجي الرئيسي للمبادرة الصينية هو تأمين طرق تجارة لا تخضع لسيطرة أمريكا في بحر الصين الجنوبي، وبناء سلاسل توريد تهيمن عليها بكين.

تنظر الولايات المتحدة إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية كواحدة من أدوات بكين الرئيسية لتعزيز النفوذ العالمي. وفي المقابل؛ ضاعفت واشنطن جهودها لحث حلفائها الغربيين على الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين. ويبدو المثال الأبرز لنجاح الجهود الأمريكية في إعلان ألمانيا استراتيجيتها تجاه الصين والتي ترتكز على اتخاذ إجراءات لخفض المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي الألماني بسبب تزايد الاعتماد الاقتصادي على بكين. وكذلك قرار إيطاليا بالانسحاب من مبادرة الحزام والطريق. 

أعلنت واشنطن ونيودلهي والرياض التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا“، والذي قد يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية جنوب أوراسيا، من خلال توفير طريق بديل لـطريق الحرير الصيني. وتراهن واشنطن على تسريع سلاسل توريد البضائع الهندية إلى أوروبا كي تنافس البضائع الصينية. كما يمثل المشروع إجراءً مضادًا لروسيا التي بدأت نقل بضائعها بريا إلى السعودية عبر إيران، ضمن “ممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب” (INSTC).

على الجانب الصيني، تتمتع مبادرة الحزام والطريق بوجود مستقل، وتخدم سلاسل التوريد الكبيرة الخاصة بالصين، ما يعني أن مشروع ممر الهند لن يقوض مبادرة الحزام والطريق، كما لن يحد من تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول منطقة الشرق والصين التي تعد الشريك التجاري الأكبر للدول العربية.

وفي نفس سياق التنافس على مشاريع البنية التحتية الدولية، أعلنت الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع (G7) في منتصف عام 2022 عن مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” (PGII)، والتي تستهدف ضخ استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، من أجل مواجهة مشاريع البنية التحتية الخاصة بمبادرة الحزام والطريق الصينية.