الحدث
تستعد إيطاليا لإلغاء عضويتها في مبادرة الحزام والطريق الصينية، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، وذلك بعد أن أجرى وزير الخارجية الإيطالي “أنطونيو تاجاني” محادثات في بكين في مطلع الشهر الجاري لتسهيل الخروج السلس من المبادرة، ووضع الأساس لاتفاقيات اقتصادية بديلة مع الصين. كما أبلغت رئيسة الوزراء “جورجيا ميلوني” رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، خلال اجتماع عُقد على هامش قمة مجموعة العشرين في الهند، أن إيطاليا تعتزم الانسحاب من المبادرة، بينما لا تزال تتطلع إلى الحفاظ على العلاقات الودية مع بكين.
التحليل: هل تنسحب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق الصينية؟
وقعت الحكومة الإيطالية السابقة اتفاقية الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق مع الصين عام 2019، كأول دولة داخل مجموعة السبع تُقدم على هذه الخطوة، وهو الأمر الذي أثار انتقادات غربية كبيرة. وكان من المقرر أن تمدد الاتفاقية تلقائيا في مارس/آذار 2024، ما لم يبلغ أي من طرفيها نيته الانسحاب قبل نهاية 2023 لأسباب إجرائية.
- أدت تحولات السياسة الداخلية في إيطاليا في السنوات الأخيرة إلى تغيير نظرة روما نحو المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ فخلال الفترة الزمنية 2018-2022 مرت على إيطاليا أربع حكومات مختلفة أيدولوجياً إلى حد كبير. ففي حين أن الحكومة الشعبوية التي وقعت اتفاقية الانضمام للمبادرة الصينية كانت تميل للتشكيك في أهمية الاتحاد الأوروبي، فقد عادت الحكومات التالية إلى الالتزام بتحالفات إيطاليـا التقليدية وبالنهج الأوروبي الذي يعتبر الصين منافساً نظامياً.
- مثل فوز جورجيا ميلوني في سبتمبر/أيلول 2022 تحولاً بارزاً نحو تأييد روما للولايات المتحدة وجعل علاقات إيطاليـا مع الشركاء الغربيين في المقام الأول، مع رفض “ميلوني” للاستمرار في مبادرة الحزام والطريق، وهو الأمر الذي صرحت به خلال حملتها الانتخابية. وتسعي “ميلوني” لتقديم نموذج مختلف عن أحزاب اليمين المتطرف الأخرى في أوروبا والتي تتبنى وجهات نظر معادية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث تدرك “ميلوني” أن فرص تعافي روما اقتصاديا واستعادة ثقلها الجيوسياسي داخل أوروبا تتطلب تعميق علاقتها مع أمريكا والاتحاد الأوروبي.
- يبدو توجه “ميلوني” نحو تعزيز العلاقات مع الغرب جلياً؛ حيث خففت لهجتها المناهضة للاتحاد الأوروبي، وأيدت بشكل حازم أوكرانيا، ودعمت تزويدها بالأسلحة، كما أظهرت زيارة “ميلوني” إلى واشنطن في يوليو/تموز الماضي مستوى التوافق بين إيطاليـا وأمريكا فيما يتعلق بالقضايا.
- تقدم إيطاليـا نفسها كشريك موثوق به لشركائها الأوروبيين ومجموعة السبع (G7)، قبل بلوغ عام 2024 الذي سيشهد انتخابات البرلمان الأوروبي ورئاسة روما لمجموعة السبع، وهو دور بالغ الأهمية بالنظر إلى التنافس الجيوسياسي بين مجموعة السبع والصين، ما يجعل روما أكثر حرصاً على ألا تظهر في صورة المتسبب في تقويض الوحدة الغربية إذا قررت الاستمرار في مبادرة الحزام والطريق.
- تنظر الولايات المتحدة إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية كواحدة من أدوات بكين الرئيسية لتعزيز النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي العالمي للصين. ونظرا لتصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، وتحالف الأخيرة المتنامي مع موسكو، ضاعفت واشنطن جهودها لحث حلفائها الغربيين على الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين. ويبدو المثال الأبرز لنجاح الجهود الأمريكية في إعلان ألمانيا استراتيجيتها تجاه الصين في يوليو/تموز الماضي والتي ترتكز على اتخاذ إجراءات لخفض المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي الألماني بسبب تزايد الاعتماد الاقتصادي على بكين.
- تظهر البيانات أن التكامل الاقتصادي بين الصين وإيطاليا في واقع الأمر لم يتعمق بشكل كبير منذ انضمام الأخيرة إلى مبادرة الحزام والطريق. ومع أن إعادة التوازن إلى العلاقات التجارية بين روما وبكين كان أحد الأهداف الرئيسية التي سعت إليها إيطاليـا من خلال الانضمام إلى المبادرة، فلم يطرأ تغيير ملموس على العجز التجاري الكبير الذي تعاني منه إيطاليـا في علاقتها مع الصين؛ حيث زادت صادرات إيطاليـا إلى الصين بصورة متواضعة من 14.5 مليار يورو في 2019 إلى 18.5 مليار يورو في 2022، بينما ارتفعت صادرات الصين إلى إيطاليـا من 33.5 مليار يورو إلى 50.9 مليار يورو خلال نفس الفترة.
- تكشف البيانات انخفاض الاستثمار الصيني المباشر في إيطاليـا بشكل حاد من 650 مليون دولار في عام 2019 إلى 33 مليون دولار عام 2021، كما انخفضت قيمة الاستثمارات المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، من 2.5 مليار دولار في عام 2019 إلى 810 ملايين دولار فقط في عام 2020. في المقابل، ظلت ألمانيا وفرنسا وجهتين رئيسيتين للاستثمار الصيني المباشر في أوروبا، بالرغم من عدم انضمام أي منهما لمبادرة الحزام والطريق.
- بالنظر إلى تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين من جهة أخرى؛ سيكون من المرجح أن تمضي إيطاليـا قدما نحو الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق. ومع ذلك، وفي إطار حرص روما على استمرار تنمية علاقتها مع بكين، ستحرص إيطاليـا على تجنب أن ينتج عن تلك الخطوة ضررا بالعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين قدر الإمكان.