موجز تنفيذي
– تسود البيئة الأمنية الإيرانية حالة من “عدم اليقين” نتيجة لاعتقاد طهران بأنها تتعرض لهجوم من قبل “إسرائيل” والولايات المتحدة، مما قد يقود لتحول في استراتيجيات وسلوك أطراف النزاع المختلفة. وفي الوقت الذي لا تُشكّل الجماعات الانفصالية أيّ تهديدٍ حقيقي على سلطة الدولة، إلا أن هناك خطرٌ مرتفع من الهجمات ذات القدرة المنخفضة.
– تتهدِّد قبضة “روحاني” على الحكومة أكثر، بالنظر إلى تراجع أجندة “الإصلاح” التي ينتهجها، واستمرار حملة “الضغط القصوى” الأمريكية التي تتسبّب برد عنيف من المحافظين وحشد فصائل مختلفة حول المرشد الأعلى، لاسيما في ظل الانتخابات المقررة 2021. لكن رغبة النظام في تفادي حدوث تغيير “مُزعزِع” خارج إطار الدورة الانتخابية المعتادة، يعني أنَّ “روحاني” على الأرجح سيُكمِل ولايته.
– تدهورت الظروف الاقتصادية بشكلٍ حادٍّ بعد فرض العقوبات الأمريكية الإضافية، وفي أعقاب زيادة التوترات السياسية مطلع العام، إلى جانب تداعيات الإغلاق بسبب كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط. لكن الحديث عن تطور استراتيجي في توصّل إيران والصين إلى مشروع شراكة اقتصادي، سيسمح بتدفق مليارات الدولارات. ومع ذلك، سيكون من الصعب إصلاح الضرر الذي لحق بالاقتصاد وسيكون التعافي تدريجياً، على أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% فقط سنوياً في الفترة 2019-2030.
– ستتصاعد حدة الاحتجاجات المتناثرة، لكن واسعة الانتشار، ضد السلطات، وستعاود الانقسامات التاريخية الظهور داخل المؤسسة السياسية في ظل سعي الفصائل لاستغلال الاضطرابات لصالحها. وفي حين ستكون السلطات مستعدةٌ لاستخدام أيّ قوة تراها ضرورية، لكن استخدام القوة المميتة في المناطق الريفية والحضرية يُخاطر بتنفير قاعدة الدعم التقليدية للحكومة.
– خارجياً، تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران مع انخراط كلا الجانبين في تصرفاتٍ تميل للحرب على نحوٍ متزايد. خاصة وأن طهران تنظر للشروط التي يحاول فرضها “ترامب” على إيران مهددة لأمنها القومي. وسيؤدي تقلُّص الموارد المالية إلى فرض قيود على دعم إيران لحلفائها ووكلائها بالمنطقة. مع إمكانية مواصلة الميليشيات الموالية لإيران تنفيذ هجمات “يسهل إنكارها بمعقولية”.
التطورات الأمنية والمخاطر المتوقعة
- تشهد البيئة الأمنية الإيرانية تطورات ذات أبعاد شديدة الحساسية، من المحتمل أن تقود لتحول في استراتيجيات وسلوك الأطراف المختلفة، لا سيما في ظل احتمالية حصول “سوء تقدير” من أحد الأطراف. وتؤكد معلومات استخباراتية أن إيران وضعت بعض دفاعاتها الجوية في “حالة تأهب قصوى” في الأيام الأخيرة، وذلك على خلفية التطورات الخاصة بالانفجارات التي تعرّضت لها المنشآت الإيرانية الرئيسية المرتبطة ببرامجها العسكرية والنووية، لاسيما منشأة “نطنز”.
- وتسود في التقديرات الأمنية حالة من “عدم اليقين”، إذ أن مصادر غربية تُقدّر أن إيران قد تتخلى عن استراتيجية “الصبر النسبي” الذي أبدته بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وتذهب لتنفيذ هجمات مضادة بطريقة لا يمكن التنبؤ بها نتيجة لاعتقادها بأنها قد تتعرض لهجوم ما من قبل “إسرائيل” أو الولايات المتحدة. في الوقت الذي تشير بعض التحليلات إلى أن حكومة “نتنياهو” تعمل على استدعاء ردّ إيراني يقود إلى تصعيد عسكري بينما “ترامب” في منصبه، لاحتمالية أن تؤثر نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة على أجندة السياسية الخارجية للولايات المتحدة.
- فيما أدّت سياسة الولايات المتحدة في مواجهة إيران، بغرض تقليص برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ البالستية وإجبارها على سحب دعمها لوكلائها الإقليميين، إلى زيادة احتمالات وقوع الحرب، خاصةً في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة “سليماني”. ورغم أنّ إيران ترغب في تجنّب الصراع المباشر مع واشنطن وحلفائها؛ فإنها ستضطّر للانتقام حتى وإن كان من خلال وكلائها، في ظل اقتناع القيادة الإيرانية بأنّ الجمهورية الإسلامية تستطيع النجاة من حربٍ محدودة. وستسعى إيران لحرمان الولايات المتحدة من حربٍ محلية قصيرة، مع محاولة تحويل أيّ صراعٍ عسكري إلى مواجهةٍ إقليمية.
- لا تُشكّل الجماعات الانفصالية المسلحة العديدة داخل إيران أيّ تهديدٍ حقيقي على سلطة الدولة، ولا تستطيع تقويض قوات الأمن بشكلٍ مستدام داخل المناطق التي تعمل فيها، أي محافظات كرمانشاه وخوزستان وسيستان وبلوشستان وأذربيجان الغربية الحدودية. ورغم ذلك هناك خطرٌ مرتفع من الهجمات ذات القدرة المنخفضة التي تستهدف الأمن، والحكومة، وأصول الطاقة الأقل تأميناً داخل تلك المحافظات، في محاولةٍ لتأمينٍ دعمٍ خارجي من المملكة العربية السعودية بشكلٍ أساسي. لكن من المستبعد أن تنجح المساعدات الخارجية في تحسين القدرة العامة لتلك الجماعات بشكلٍ مستدام، في حين تمتلك الجماعات الجهادية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، شبكة دعمٍ بدائية داخل البلاد. كما تستطيع شنّ هجمات لمرة واحدة على أهداف سهلة، حتى داخل طهران.
- مخاطر أساسية ينبغي مراقبتها:
- من المتوقع أن يُفاقم تشديد تطبيق العقوبات الأمريكية أو زيادة الامتثال الدولي لها، من سوء الأوضاع الاقتصادية البائسة أصلاً داخل إيران، وبالتالي، يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة خطر تزعزع الاستقرار السياسي الداخلي في البلاد.
- في حال قررت إيران المضي قدماً في الرد على الهجمات التي تستهدف منشآتها الاستراتيجية، وتبنى النهج المضاد المتمثل في زيادة النشاط النووي، أو اتخاذ خطوات يُنظر إليها باعتبارها تهديداً حقيقياً للاستقرار في المنطقة، فلا يمكن استبعاد شن هجوم عسكري أمريكي/إسرائيلي على الأراضي الإيرانية.
البيئة السياسية
- يشتد الخناق حول الرئيس الإصلاحي، حسن روحاني، وذلك بالنظر إلى تراجع أجندة التحرير الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي التي ينتهجها. وستشتد الخلافات حول سياسات “الإصلاح” مع استمرار فرض العقوبات الأمريكية التي تتسبّب برد فعل عنيف من جانب المحافظين وأدّت إلى حشد الفصائل المختلفة داخل البلاد حول القائد الأعلى علي خامنئي. الأمر الذي يُهدِّد قبضة “روحاني” على الحكومة أكثر، لاسيما في ظل الانتخابات التي من المقرر تنظيمها عام 2021.
- وبالتوازي مع الفوز الكبير الذي حققه المحافظون والمتشددون في الانتخابات البرلمانية الإيرانية التي جرت يوم 21 فبراير/شباط 2020، فقد أُضعفت قدرة الرئيس روحاني على تمرير التشريعات بالفعل، وباتت السياسات الخارجية والأمنية في قبضة مكتب المرشد الأعلى.
- مخاطرة أخرى قد يواجهها روحاني متمثلة في ضغوط للتنحي قبل انتهاء ولايته في 2021. لكنَّ رغبة النظام في تفادي حدوث تغيير في الرئاسة، ربما يكون مُزعزِعاً، خارج إطار الدورة الانتخابية المعتادة، يعني أنَّ روحاني على الأرجح سيُكمِل ولايته. لكن في المقابل ستُحجَّم سيطرته على نحوٍ متزايد مع استبدال حلفاء وزاريين رئيسيين له وممارسة المحافظين والمتشددين سلطة أكبر على عملية صنع السياسة. على غرار اقالتهم الفريق الاقتصادي لروحاني بالكامل بين مايو/أيار ويوليو/تموز عام 2018، وسعيهم لإقالة وزير الخارجية جواد ظريف، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولكنّ مسعاهم تكلّل بالفشل.
- وستستمر أيضاً قضية اختيار خليفة المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، في شغل حيزاً كبيراً في الفترة 2019-2023، وستزداد التكهنات بشأن منصب المرشد الأعلى، انعكاساً لتقدم “خامنئي” بالسن (80 عاماً) وحالته الصحية السيئة، فيما تظل هوية خليفته المحتمل غامضة، وتوجُّه مجلس خبراء القيادة –الذي يختار المرشد الأعلى- غير واضح أيضاً. ويُعَد إبراهيم رئيسي، منافس روحاني الرئيس في انتخابات 2017 الرئاسية وأحد المحافظين المتشددين الذي يتمتع بدعم من المؤسسة الأمنية، منافساً بارزاً، بعدما رقَّاه خامنئي إلى منصب سادن عتبة الإمام الرضا المرموقة في مشهد، كذلك يُعَد “صادق لاريجاني” مرشحاً وافر الحظ، بعد تعيينه رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام (مجلس إداري يُشكِّله آية الله خامنئي).
الحالة الاقتصادية
- من المتوقع، بحسب HIS Markit، أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الإيراني انكماشاً بنسبة 25% في عام 2020 على خلفية تداعيات الإغلاق بسبب كوفيد-19 وتراجع أسعار النفط. وهو العام الثالث على التوالي من الركود العميق الناتج عن العقوبات الأمريكية القاسية، إذ تراجعت الصادرات، وانخفضت الثقة في الاقتصاد، في مواجهة سياسة “الضغط القصوى” الأمريكية. ورغم ذلك فإنّ رفع بعض قيود الإغلاق مؤخراً (رغم العدد الكبير لحالات الإصابة المُبلغ عنها) ربما يُخفّف بعض الضغط على الاقتصاد خلال النصف الثاني من العام.
- وخلال الفترة الأخيرة، جرى الحديث عن تطور استراتيجي تمثل في مشروع محتمل لشراكة اقتصادية وأمنية شامل سيسمح بتدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة وقطاعات أخرى إلى إيران، الأمر الذي من شأنه على المدى الطويل تقويض جهود إدارة “ترامب” لعزل طهران وخنق اقتصادها عقاباً لها على طموحاتها النووية والعسكرية.
- وسيكون اتفاق الشراكة، في حاله دخوله حيز التنفيذ، بمثابة شريان حياة يُغذّي الاقتصاد الإيراني من جهة، كما سيسمح بتوسيع نفوذ الصين في الشرق الأوسط إلى حد كبير من جهة أخرى، الأمر الذي من شأنه خلق نقاط توتر جديدة في المنطقة مع الولايات المتحدة.
- وفيما يتصل بالسياسات الحكومية الاقتصادية، عرضت الحكومة تأخير سداد الضرائب لثلاثة أشهر بالنسبة لمن يعانون من تداعيات جائحة كوفيد-19. كما تبدو الحكومة عازمة على زيادة مستويات الإنفاق الحالية لمجابهة فيروس كوفيد-19. وتخطط الحكومة لتخفيف الضغط عن الأسر الإيرانية من خلال تطبيق إجراءات مثل تحويل المساعدات المالية إلى محدودي الدخل من السكان وزيادة التمويل لصندوق التأمين على البطالة، كما سيقدم البنك المركزي قروضاً منخفضة الفائدة. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن تزداد الميزانية المرصودة لقطاع الرعاية الصحية زيادة كبيرة.
- والمرجّح أن يتم تمويل عجز الموازنة، من خلال الجمع بين استنزاف الاحتياطيات والاقتراض المحلي. وفي استجابة لأزمة كوفيد-19، أصدر المرشد الأعلى توجيهات لصندوق التنمية الوطنية الإيراني بتحويل 1.1 مليار دولار لتمويل عجز الموازنة اعتباراً من 6 أبريل/نيسان، وهو ما سيساعد في سد جزء يسير من الفجوة. كما تخطط الحكومة أيضاً لبيع بعض أصول الدولة على المدى القريب، رغم أن التجارب السابقة أثبتت تأخر حدوث مثل هذه الأمور، وصعوبة تحقيقها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحكومة طلبت قرضاً عاجلاً قيمته 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، غير أنه من المستبعد أن تكون هذه المساعدة قريبة الحدوث، في ظل التوتر المستمر مع الولايات المتحدة. وبالتالي، من المتوقع أن تتم تغطية أغلبية العجز المالي، من خلال الاقتراض من البنوك المحلية، وعديد منها يعاني الآن من اختلال الموازنة.
- في حين تشير التوقعات الاقتصادية إلى:
- انهيار صادرات وإنتاج النفط الخام: ضربت العقوبات الأمريكية صادرات وإنتاج النفط الخام، وتفاقمت الأوضاع أكثر بعد إلغاء إعفاءات الاستيراد الأمريكية، في مايو/أيار عام 2019؛ ثم تلقت صدمة أخيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط وانهيار الطلب نتيجة تداعيات كورونا. والمحصلة، هي انخفاض متوسط انتاج النفط الإيراني من 3.85 مليون ب/ي قبل العقوبات إلى 1.9 مليون ب/ي أيار مايو الماضي (أي نحو نصف إنتاج إيران عام 2018، وأدنى مستوى منذ عام 1981). وقد بُنيت موازنة إيران الجديدة (مارس 2020-مارس 2021) على متوسط تصدير يبلغ مليون ب/ي عند سعر متوسط 50 دولار للبرميل. لكن الأشهر الماضية شهدت متوسط أسعار أقل من 40 دولار، فيما انخفضت صادرات النفط إلي أقل من 200 ألف ب/ى نتيجة تضافر العوامل المشار إليها. حيث ارتفع إجمالي مخزونات الخام البرية في إيران إلى نحو 66 مليون برميل في حزيران يونيو من 15 مليون برميل في كانون ثان يناير، وهو ما يمثل 85٪ من طاقة التخزين في البلاد. بالإضافة إلى تنامي المخزون في الناقلات البحرية لأكثر من 50 مليون برميل.
- وفي النصف الثاني من العام، لا تتجاوز أكثر التقديرات تفاؤلا لصادرات النفط الإيراني – بما فيها الصادرات غير القانونية – عتبة 300 ألف ب/ي، وأن يبلغ متوسط إنتاج النفط نحو 500 ألف برميل يومياً في عام 2020، بانخفاضٍ يصل إلى نحو 80% عن التقديرات بنحو 2.4 مليون برميل يومياً في عام 2019. ومن المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للنفط، الذي يُشكّل نحو 25% من إجمالي الناتج المحلي، بنسبة تُقارب الـ30% خلال العام الجاري.
- تدهور التوقعات على المدى القريب: بعد عدة سنوات من العزلة الدولية، قدَّم الرئيس المعتدل روحاني إمكانية إحراز تقدّم فيما يتعلّق بالسياسات الاقتصادية الأفضل وتحسين العلاقات الدولية، لكن قرارات الولايات المتحدة، أثَّرت بشدة على النمو، وأدَّت إلى تفاقم التحديات الاقتصادية، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات البطالة التي من المتوقّع أن ترتفع بنسبة 5.2 نقطة مئوية، لتبلغ 19% خلال عام 2020.
- محدودية الصادرات وتفاقم عجز الموازنة: عانت إيرادات الصادرات، بما فيها النفط والمعادن الأخرى. وتزايد الضغط على إيرادات الحكومة نتيجةً لمحدودية الإيرادات، إذ نشهد الآن اتساع عجز الموازنة إلى 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، مقارنةً بالعجز المتوقّع الذي وصل إلى 6% في عام 2019.
- ضعف القطاع غير النفطي: كشف القطاع غير النفطي عن بعض علامات الضعف بالفعل في عام 2019، بتراجعٍ وصل إلى 5.9%. ومع ظهور تأثير العقوبات الإضافية وتوقّف النشاط الاقتصادي نظراً لقيود الإغلاق الصارمة التي تلقي بثقلها على الاستهلاك المحلي؛ فمن المرجّح أن يكون أداء القطاع غير النفطي أكثر سوءاً على المدى القريب. ومن المتوقع تراجع القطاع بنسبة 9.1% خلال عام 2020، وسط تدهور بيئة الاقتصاد الكلي. وفي الوقت ذاته تُمثّل احتمالية إعادة فرض حالات الإغلاق، وسط المخاوف من موجة إصابات ثانية، خطراً هبوطياً على التوقعات لعام 2020.
- اتجاه الموقف الخارجي إلى عجزٍ أوسع: من المتوقّع أن تُؤدّي العقوبات الأمريكية ومحدودية الصادرات إلى تفاقم عجز الحساب الجاري، من توقّعات بنسبة 0.29% عام 2019 إلى نحو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020. ومن المتوقّع أيضاً أن تتراجع صادرات السلع، بما فيها النفط، بنسبة 15.6% إضافية هذا العام. قبل تحقيق انتعاشة متواضعة على خلفية الزيادات المتوقعة في أسعار النفط خلال عام 2021.
- تدهور الظروف الاقتصادية: يبدو أنَّ تثبيت الريال الإيراني مؤخراً، بسبب التخفيضات الكبيرة في الواردات وإدخال تقنيات جديدة لمواجهة المضاربة على العملة، فشل في وقف التضخّم. ورغم ذلك، فمن المتوقّع أن يُؤدّي ضعف الطلب إلى خفض نسبة التضخّم بنحو 23% خلال العام الجاري. وفي الوقت ذاته سيُؤدّي تدهور الموازين الخارجية والحكومية إلى فقدان الوظائف وارتفاع معدل البطالة، ما سيُسفر عن المزيد من الاضطرابات والاستياء ضد المؤسسة السياسية القائمة.
- وفي المحصلة، من المتوقع أن يعود الاقتصاد إلى نمو متواضع بنحو 3% في عامي 2021-2022، بالتزامن مع استمرار معاناة الاقتصاد بسبب العقوبات وغيرها من العوامل. وبافتراض عثور حلفاء إيران على سبل لتفادي العقوبات الأمريكية، من المتوقع أن يبدأ الاقتصاد في التعافي. لكن سيكون من الصعب إصلاح الضرر الذي لحق بالاقتصاد في السنوات الأخيرة. ونتيجة لذلك، سيكون التعافي تدريجياً، على أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% فقط سنوياً في الفترة 2019-2030.
الاستقرار الاجتماعي
- بالنظر لتدهور الأحوال الاقتصادية، ستتصاعد حدة الاحتجاجات المتناثرة، لكن واسعة الانتشار، ضد السلطات. وستتحول الاحتجاجات أحياناً إلى العنف وتُلهِب حوادث “إرهابية”. ومع أنَّ السلطات ظلت متحدة نسبياً في مواجهة الاحتجاجات حتى الآن، ستعاود الانقسامات التاريخية الظهور داخل المؤسسة السياسية في ظل سعي فصائل مختلفة لاستغلال الاضطرابات لصالحها. وسيسعى المحافظون على وجه التحديد لتعليق مشكلات البلاد الاقتصادية على “روحاني” وإدارته.
- ومع الحديث عن خسارة النظام الانتخابي لاستحقاق الشرعية التمثيلية؛ فمن المرجّح أنّ مشاعر الاستياء المناهضة للنظام ستُوجّه بشكلٍ متزايد في اتّجاه الاحتجاجات، التي ستشمل مناطق محافظة دينياً تُمثّل تقليدياً القاعدة الأساسية للدعم داخل الجمهورية الإسلامية. ورغم استبعاد نجاح الاحتجاجات المناهضة للنظام في إسقاط الجمهورية الإسلامية وحدها، لكنّها تُخاطر بتقسيم المؤسسة السياسية. إذ كانت الاحتجاجات العنيفة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 هي الأكبر منذ ثورة عام 1979. والمؤسسة السياسية مستعدةٌ لاستخدام أيّ قوة تراها ضرورية لاستعادة السيطرة على البلاد. وتستطيع المؤسسة السياسية فعل ذلك والإفلات من العقاب نسبياً في مناطق الأقليات، مثل كرمانشاه والأهواز. لكن استخدام القوة المميتة ضد الاحتجاجات الجماهيرية في المناطق الريفية والحضرية يُخاطر بتنفير قاعدة الدعم التقليدية للحكومة. وقد يُؤدّي ذلك إلى التمرد في صفوف قوات الأمن، إلى جانب زيادة احتمالية حصول الاحتجاجات على دعم “روحاني” بتأييد من رجال الدين المعتدلين، أو شخصية مُعارضة مثل الرئيس السابق أحمدي نجاد. وربما يُسفر الانقسام بين رجال الدين والجيش حول كيفية الاستجابة للاضطرابات الداخلية عن وقوع انقلاب، خاصةً في حالة وفاة خامنئي أو عجزه عن أداء مهامه.
السياسة الخارجية
- تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران مؤخراً، مع انخراط كلا الجانبين في خطابٍ وتصرفاتٍ تميل للحرب على نحوٍ متزايد. ودفعت سلسلة من الهجمات على ناقلات النفط في خليج عُمان الولايات المتحدة إلى توجيه أصابع الاتهام بحسم إلى الجمهورية الإسلامية. في غضون ذلك، تهدد إيران بالانسحاب التدريجي من الاتفاق النووي الإيراني إن لم تحصل على دعم مالي كاف من المُوقِّعين الأوروبيين على الاتفاق النووي. واتخذت الحكومة بعض الخطوات في هذا الطريق.
- ولا يزال الرئيس “ترامب” يرغب على الأرجح في التفاوض على اتفاقية جديدة، بدلاً من السعي إلى تغيير النظام. ومع ذلك فإنّ استعادة “ترامب” للهيمنة على إيران بقتل “سليماني” تمنحه فرصةً لفرض مفاوضات بشروطه الخاصة. وستشمل تلك الشروط إجبار إيران على تقديم تنازلات في برنامجها الصاروخي ودعمها لوكلائها في المنطقة، إلى جانب البرنامج النووي. وتُعد هذه العناصر حساسةً بالنسبة للأمن القومي الإيراني، وتُعوّض عن ضعف البلاد التقليدي. ومن المرجّح أن ينظر “خامنئي” إلى التنازلات على هذه الجبهات على أنّها تُعرّض بقاء الجمهورية الإسلامية للخطر.
- من غير الوارد تقديم إيران تنازلات لإدارة ترامب خلال العام الجاري؛ حيث ستنتظر طهران انتهاء الانتخابات الأمريكية كي تقرر الخطوة القادمة تجاه التعامل مع واشنطن. وسواء انتخب رئيس ديمقراطي أو أعيد انتخاب ترامب ستكون فرص التفاهم أكبر من فرص تصعيد المواجهة العسكرية؛ حيث سيكون الرئيس الديمقراطي أقل حدة تجاه إيران كما سيكون من السهل للقيادة الإيرانية تقديم تنازلات له. وكذلك، وإن بصورة أكثر إيلاما، سيجبر فوز ترامب القيادة الإيرانية على التعامل مع الواقع لتجنب انهيار اقتصادي أوسع، وإن كان من المرجح أن تتأخر التفاهمات لما بعد انتخاب رئيس إيراني جديد في منتصف 2021.
- وعموما، وعلى مدى أطول، ستظل إيران متمسكة بسياسة خارجية متعددة الاتجاهات، خاصة من خلال تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا والهند ودول ناشئة أخرى. وحتى في حال تم إصلاح الاتفاق النووي، من غير المرجح أن تشهد إيران تقاربًا دائمًا مع الغرب.
- يظهر هذا جليا في النطاق الاقتصادي المذهل الذي كشفه مشروع الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران والذي أقرته حكومة روحاني يونيو حزيران الماضي، وإن كان مازال غير نهائي وأثار مخاوف وانتقادات داخل إيران. بحسب مشروع الاتفاق، ستقوم الصين ببناء حوالي 100 مشروع في إيران، أبرزها السكك الحديدية عالية السرعة ومترو الأنفاق، ومناطق التجارة الحرة في ماكو، وعبادان وفي جزيرة قشم في الخليج. كما ستقوم الصين ببناء بنية تحتية لشبكة اتصالات 5G وستقدم نظام Beidouالصيني لتحديد المواقع بالأقمار الصناعية لتمكين إيران من تعزيز سيطرتها على مجالها السيبراني، وقدرتها على الدفاع ضد التهديدات السيبرانية وإحباط المبادرات الأمريكية والإسرائيلية والغربية لعرقلة برنامجها النووي.
- وسيؤدي تقلُّص الموارد المالية الإيرانية إلى فرض قيود على دعمها لحلفائها ووكلائها في أماكن أخرى بالمنطقة. مع ذلك، تنظر إيران إلى قوة حزب الله في لبنان وقواتها في سوريا باعتبارها صورة من صور الردع ضد أي عمل عسكري إسرائيلي –أو بالتبعية أمريكي- في إيران (نظراً إلى أنَّ كلا البلدين يتاخمان إسرائيل). نتيجة لذلك، ومع أنَّ إيران ثبَّتت مستوى دعمها العسكري الحالي لحلفائها في المنطقة، فمن المستبعد أن تُقلِّصه. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى التكلفة البشرية والمالية لدعم النظام السوري، ستتطلَّع إيران أيضاً في المقابل لتأمين الحصول على عقود إنشاءات وطاقة كبرى. ويعني الوجود الإيراني المستمر في سوريا أنَّ الضربات الجوية الإسرائيلية ستواصل استهداف القوات الإيرانية هناك.
- في المدى القريب، لا يجب الانخداع بتقليص النظام الإيراني للهجمات وضبطها، فيما يتعلق بالانتقام. حيث يعتبر الخط السائد في التفكير الإيراني حاليا هو العمل على إحباط الاستهداف حتى يحدث تغيير في النظام بواشنطن. فبالرغم من أنهم يدركون أن ضبط النفس يجعلهم يبدون ضعفاء، لكن القادة الإيرانيون لا يريدون أن يتورطوا خلال الشهرين المقبلين في تصعيد من شأنه أن يولد تأثيرًا حاشدًا في أمريكا، قد يزيد فرص إعادة انتخاب “ترامب” التي يرونها متراجعة نتيجة العوامل الأمريكية الداخلية.
- في حين من المرجّح أن تُركّز إيران على استراتيجية بعيدة المدى للضغط على الولايات المتحدة وإخراجها من العراق وسوريا. كما يُرجّح أن تؤكد طهران على استمرار تمتعها بأدواتها للردع الإقليمي: أولا برنامجها للصواريخ الباليستية، وثانيا قدرة الميليشيات الموالية لها على تنفيذ هجمات “يسهل إنكارها بمعقولية” ضد القواعد والجنود الأمريكيين، وضد الشحن البحري في الخليج، والبنية التحتية والأصول العسكرية للسعودية والولايات المتحدة في المنطقة. وتهدف إيران إلى تجنّب الحرب قدر الإمكان، لكنّ حساباتها تقول إنّ الولايات المتحدة ستسعى أيضا لتجنّب الحرب الشاملة، خاصةً التي تشمل القوات البرية.
- وعلى الرغم من تنديد الرئيس التركي أردوغان العلني بالدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن؛ إلا أن العلاقة بين البلدين أكثر تعقيدا وستظل في خانة “التنافس السلمي” على النفوذ الإقليمي. لدى طهران وأنقرة مصلحة مشتركة عميقة في مواجهة نزعة الانفصال الكردية. كما أن أنقرة ستكون داعمة لأي صفقة يتم بموجبها رفع العقوبات عن إيران التي قيدت العلاقات الاقتصادية المتنامية بين البلدين وحرمت تركيا من إمكانية الوصول للنفط والغاز الإيرانيين.
- بشكل استراتيجي، سيظل الاحتفاظ بنفوذ سياسي وعسكري كبير في العراق، مصلحة إقليمية أساسية بالنسبة لإيران. وبغض النظر عن شخصية رئيس الوزراء العراقي، سيظل الحشد الشعبي، الموالي عموما لإيران، هو المسؤول عن تأمين بغداد وجنوب العراق.
رأي وخلاصة السياق
- على الرغم من أن العقوبات الامريكية ما زالت تضرب بقوة القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الإيراني، الا أن السلطات الإيرانية لا تُبدي حتى الآن مظاهر ضعف في إمساك الوضع الأمني الداخلي، ومن غير المتوقع أن تُحدث أي احتجاجات أو عمليات أمنية متناثرة زعزعة حادة للاستقرار السياسي الداخلي في البلاد.
- من غير المتوقع أن ترد إيران بشكل مباشر على الهجمات التي تستهدف منشآتها الاستراتيجية، وتتهم فيها “إسرائيل” والولايات المتحدة، لكن الرد بـ”الوكالة” أمرٌ متوقع الحدوث، خاصةً في العراق. الأمر الذي سيحول دون شن هجوم عسكري أمريكي/إسرائيلي على الأراضي الإيرانية على المدى القريب.
- في جانب دول مجلس التعاون، ستظل السعودية هي الطرف الأكثر عدائية تجاه إيران على خلفية التنافس على النفوذ الإقليمي والقيادة المعنوية للعالم الإسلامي، فضلا عن السعي لاستهداف الجبهة الداخلية لكل طرف. لكن موقف المجلس لن يكون أبدا موحدا. باستثناء البحرين، ستصيغ باقي دول المجلس علاقاتها الثنائية مع إيران وفق مصالحها. حتى الإمارات التي تشترك مع السعودية في تحالف إقليمي واسع يشمل ملف الحرب في اليمن والتصدي لنفوذ إيران في العراق ولبنان وسوريا، ستكون أقل عداءً لاعتباراتها الخاصة المتمثلة في وجود 400 ألف رجل أعمال ومستثمر إيراني مقيمين في الإمارات، بالإضافة لحجم التبادل التجاري الكبير بين البلدين.
- بموازة ذلك، سينصبُّ تركيز طهران على تقوية موقفها فيما يتعلق بالولايات المتحدة؛ بهدف الحفاظ على مصداقية قدرتها الردعية، وللاستعداد لعودة القنوات الدبلوماسية المفترضة في نهاية المطاف عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني.
- تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية داخل إيران، وازدياد النهج الأكثر صداماً مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة الذي يتبناه مكتب المرشد الأعلى، سيزيد من التحديات التي يواجهها الرئيس “روحاني”. وستصبح إيران أكثر اعتماداً على التحالفات مع الصين وروسيا والأسواق الآسيوية الأخرى لتحفيز التجارة والاستثمار.
مراجع استند عليها التقرير:
تقرير Country/Territory Report – Iran الصادر عن İHS MARKİT، 30 يونيو/حزيران 2020
تقرير Iran – Country Risk Report الصادر عن Fitch Solutions Group، يونيو/حزيران 2020
تقرير Country Economic Forecast – Iran الصادر عن Oxford Economics، يونيو/حزيران 2020
تقرير Country Forecast – Iran الصادر عن The Economist Intelligence Unit، يونيو/حزيران 2020
تقرير Iran: The New Front in the U.S.-China Rivalry الصادر عن Center for Global Policy، 15 يوليو/تموز 2020