الحدث
● أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في النيجر “أمادو عبد الرحمن”، في 16 مارس/آذار، الإلغاء الفوري للاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة، والتي تسمح بالتواجد الأمريكي لعسكريين وموظفين مدنيين من وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي البلاد. وجاء القرار عقب زيارة وفد أمريكي على رأسه مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية “مولي في”، وقائد القيادة الأمريكية في أفريقيا الجنرال “مايكل لانغلي”، ناقش فيها الوفد مخاوف واشنطن من تقارب النيجر مع روسيا وإيران، وهو ما علّق عليه المتحدث العسكري قائلاً “إن النيجر تأسف لمحاولة الوفد الأمريكي حرمان شعب النيجر ذي السيادة من الحق في اختيار شركائه”. وبقي الوفد في نيامي ثلاثة أيام لكنّه لم يتمكن من لقاء الجنرال “عمر عبد الرحمن تشياني” قائد المجلس العسكري.
● وفي 29 مارس/آذار، قال المتحدث باسم البنتاغون “بات رايدر” إنه لا توجد حاليا خطط لسحب 1100 جندي أمريكي من النيجر، مضيفا أن المحادثات بشأن هذه المسألة لا تزال مستمرة. جاءت هذه التصريحات بعد يوم واحد من تصريح للمجلس العسكري بأن من المتوقع أن تقدم واشنطن خطة حول سحب جنودها من البلاد. وقبل ذلك بيومين، ناقش زعيم المجلس العسكري في النيجر، هاتفيا، التعاون الأمني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
التحليل: إنهاء التواجد الأمريكي، هل تلحق النيجر بحزام النفوذ الروسي في منطقة الساحل؟
يمثل قرار المجلس العسكري – في حال جرى التمسك به – نهاية التواجد الأمريكي في النيجر، بعد إنهاء اتفاقيات شبيهة مع الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون أول الماضي، والخروج الفرنسي قبل ذلك، وهو ما ينعكس سلبا على مجمل النفوذ الغربي في منطقة الساحل والغرب الأفريقي. ويأتي موقف قادة النيجر بعد رفع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) معظم العقوبات المفروضة على النيجر بما في ذلك حظر الطيران وإغلاق الحدود وتجميد الأصول، عقب تفكير الرئيس الانتقالي للنيجر الجنرال تشياني في 11 فبراير/شباط في مغادرة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وإنشاء عملة جديدة؛ وهو ما يشير إلى ثقة قادة النيجر في قراراتهم وأن المسار الذي سلكوه لا رجعة فيه.
- من الواضح أن المزاج العام للنخب العسكرية الحاكمة في دول الساحل لا يكترث للدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وأن الحضور الفاعل لقوى جديدة كروسيا وإيران وتركيا يتلاقى مع رغبة محلية للتخلص من النفوذ الغربي. وبالرغم من أن النيجر تتلقى أكبر مساعدات عسكرية أمريكية في غرب أفريقيا، تجاوزت 500 مليون دولار خلال الفترة من 2012 إلى 2021، إلا إنها وافقت على تزويد إيران باليورانيوم في زيارة لرئيس وزراء النيجر لطهران في يناير/كانون ثاني الماضي، ووقعت اتفاقيات عسكرية مع روسيا في ديسمبر/كانون أول الماضي.
- ومن المرجح أن تستفيد موسكو من الفراغ الذي سيخلفه الخروج الأمريكي في تعزيز نفوذ روسيا بمنطقة الساحل، وربما قوات روسية في النيجر على غرار مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى. بالإضافة لوجود خطط اقتصادية روسية طموحة، تتمثل في الحديث عن مشروع ممر روسي للسكك الحديدية يربط جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو بالموانئ الليبية عبر النيجر، ما يعطي دفعة كبيرة لعمليات التعدين الروسية في المنطقة.
- على الجانب الآخر؛ لا تزال واشنطن حريصة على احتواء التوتر مع نيامي، وقد تستطيع تأخير عملية سحب قواتها والإخلاء الفعلي لقواعدها العسكرية من النيجر لعام أو أكثر، بل ومن الممكن أن تتوصل إلى اتفاق يمكنها من الاحتفاظ ببعض قواتها على المدى المتوسط، حيث لا تزال قطاعات من الجيش النيجيري تميل نحو واشنطن، وقد يسعى بعضهم إلى محاولة الانقلاب على “تشياني” بدعم أمريكي.
- وبالرغم من تخطيط الولايات المتحدة المسبق لإنشاء قواعد جديدة للطائرات بدون طيار في عدة دول في غرب أفريقيا بما في ذلك غانا وكوت ديفوار وبنين، إلا أن المحادثات لا تزال أولية ولن تكون بحجم التواجد الأمريكي في النيجر أو بديلاً عنه، كون القواعد المقترحة ستساعد في مراقبة الحركات المسلحة على ساحل غرب أفريقيا، إلا أنها لن تكون مفيدة في مراقبة النشاط في منطقة الساحل نظراً لبعدها الجغرافي عن المنطقة.
- كانت واشنطن قد حولت مركز عملياتها الإقليمية إلى النيجر لمواجهة الجماعات المسلحة في المنطقة بعد موجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها كل من مالي وبوركينا فاسو في عامي 2021 و2022، واعتمدت واشنطن بشكل رئيسي في عملياتها الأمنية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا على قاعدتين للطائرات بدون طيار في وسط وجنوب النيجر. لذلك؛ سعت الولايات المتحدة منذ الانقلاب على الرئيس “محمد بازوم” في يوليو/تموز الماضي، للحفاظ على علاقات مع المجلس العسكري، واكتفت بتعليق جزئي للمساعدات الأمنية، وفي نفس الوقت عينت سفيرة للنيجر لتعزيز التواجد الأمريكي وفتح قنوات للتواصل مع القادة الجدد؛ بهدف الاحتفاظ بنفوذها ومصالحها، واحتواء النفوذ الروسي المتنامي.