في 15 أغسطس/آب عام 2021، انتهى التدخل الأمريكي لأفغانستان بهزيمة مذلة بعد 20 عاما، مات فيه ما يقرب من مئتي ألف شخص لتنهار معه الجمهورية الإسلامية، استسلمت القوات الأفغانية دون قتال بمجرد تقدم طالبان بينما فرّ الرئيس أشرف غني من كابول بعد أيام من قوله إنه يفضل الموت على ترك بلاده، لكن أفغانستان شكلت مركزاً لعاصفةٍ جيوسياسية تختمر منذ عودة طالبان تزامنا مع ضغط القوى الإقليمية من أجل بسط نفوذها. فما الذي حدث في أفغانستان؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو ما الذي حدث في أفغانستان وماذا يخبئ المستقبل لها؟
أفغانستان ما بعد طالبان
بعد عودة العاصمة الأفغانية في يد طالبان، كانت الدولة قد حاصرتها المشاكل من كل الجهات بسبب التحزُّب والمركزية المفرطة والفساد الذي أدى إلى تقويض شرعية الحكومة، بينما تسببت أزمة كوفيد-19 بخنق أمن البلاد الغذائي وقدرات رعايتها الصحية. وتفاقم الأمر مع هجوم طالبان الصيفي ما تسبب بنزوح أكثر من 3 ملايين شخص داخلياً.
أزمة الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي
أنشأت واشنطن في أفغانستان دولةً تعتمد على المساعدات الأجنبية إذ موّل المتبرعون الدوليون أكثر من نصف ميزانية كابول المقدرة بـ6 مليارات دولار وأربعة أخماس إنفاقها العام، لكن هذا الدعم اختفى بين ليلةٍ وضحاها بعد سيطرة طالبان. وأصبح الملاذ المحتمل المتبقي هو الاعتماد على الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي التي وصلت إلى قرابة عشر مليارات دولار أثناء الاحتلال.
لكن الأزمة أنه يجري الاحتفاظ بـ70% من هذه الأموال داخل مبنى الاحتياطي الفيدرالي في وسط مدينة نيويورك، إذ صنّفت واشنطن طالبان كجماعة إرهابية دولية عام 2002 مما منع وصول الجماعة وأي جهة تتعامل معها إلى النظام المصرفي الأمريكي.
دعوى ضحايا 11 سبتمبر/أيلول
أما الضربة القاصمة الأخرى جاءت في فبراير/شباط 2022 بسبب دعوى مدنية مقدمة من ضحايا أحداث 11 سبتمبر/أيلول وشركات التأمين.
- أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً تنفيذياً بتجميد كافة أصول المصرف المركزي الأفغاني الموجودة على الأراضي الأمريكية.
- جرى تعليق نصف الـ7 مليارات دولار في انتظار نتيجة الدعوى بينما جرى الاحتفاظ بالنصف الآخر في صندوق مخصص للشعب الأفغاني
- صرحت واشنطن بأنها ستُفرج عن الأموال لكن قرار بايدن كان غريباً لعدة أسباب وأبرزها عدم وضوح العلاقة بين المدعين وبين المصرف المركزي تحديداً. حيث تفصل بينهما العديد من الأشياء:
- أولها: أن القاعدة هي من نفذت هجمات 11 سبتمبر/أيلول وأن تواطؤ طالبان لم يُثبت بعد
- ثانيها أن المصرف المركزي الأفغاني مستقلٌ عن أجهزة الدولة وعن طالبان
- ثالثها أن الأموال المودعة في المصرف مملوكة للأفغان العاديين الذين كانوا ودودين في تعاملهم مع الحكومة القديمة التي سبقت طالبان
تداعيات الأزمات في أفغانستان
- إن ضحايا 11 سبتمبر/أيلول يقاضون المواطنين العاديين بسبب خسائرهم
- إن تجميد أصول المصرف حرم الاقتصاد من السيولة بالكامل تقريباً
- وصل الاقتصاد إلى طريقٍ مسدودة
- انهارت العملة الأفغانية
- لا يتقاضى العاملون والمدرسون أجورهم
- تسارعت وتيرة التضخم
- نقص القمح عالمياً ليصبح 23 مليون أفغاني عرضةً لخطر المجاعة الآن
- الأمم المتحدة: 97% من الأفغان سيصبحون تحت خط الفقر بنهاية 2022.
- صندوق النقد الدولي: الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان سينكمش بمقدار الثلث في انهيارٍ سيكون أسوأ من الكساد الكبير
هل تأتي العقوبات بنتائج عكسية في أفغانستان؟
مع مرور الوقت وربما يلوم العديدون طالبان على انهيار أفغانستان لكن مواطني الدول الخاضعة للعقوبات يميلون لتحميل المسؤولية إلى الدول التي فرضت عليهم العقوبات وليس حكوماتهم، إن العقوبات الشاملة التي فرضها مجلس الأمن على العراق في التسعينيات تسببت في آلاف الوفيات نتيجة المجاعة، خاصةً بين الأطفال. بينما اتجه الناجون من المجاعة إلى التشدد ضد الغرب وانضموا إلى الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة (داعش).
ومن المحتمل أن نشهد تطورات مشابهة في أفغانستان.
- أدت الزلازل في يونيو/حزيران عام 2022 إلى مصرع نحو 1,100 أفغاني
- الأقارب الذين يعيشون في الخارج عجزوا عن إرسال المساعدات إلى وطنهم بسبب العقوبات
- أدت حالة اليأس هذه إلى ارتفاعٍ سريع في معدلات إدمان المسكنات الأفيونية بين الأفغان
- قد تدفع مثل هذه الأحداث بالفقراء إلى حمل السلاح في النهاية
إقرأ أيضاً:
أفغانستان.. لماذا صُنفت دولة فاشلة وفق المؤشر العالمي؟ وهل كانت هكذا دائما؟
إيران.. وضع أمني حساس واقتصاد متهاوٍ وتوترات خارجية تميل للحرب
الرابحون والخاسرون جيوسياسيا من عودة طالبان المنتصرة إلى كابل
مستقبل الدور القطري في الملف الأفغاني: الفرص والتحديات
إسقاط حكومة عمران خان على وقع أزمة اقتصادية وغضب أمريكي
مخاوف الدول المجاورة لأفغانستان
يتملك جيران أفغانستان مخاوفهم الخاصة إذ ما حاولت طالبان تقديم صورة أكثر اعتدالاً على المستوى الدولي، لأنه لا مجال لإنكار قناعاتها المتشددة، فبالإضافة للقيود على النساء والإعدام خارج نطاق القضاء، نشرت كابول مؤخراً بياناً تتعهد فيه بتبني أسلوب حكم ثيوقراطي.
باكستان
ومع ذلك؛ سيظل الاعتراف والتعاون الدبلوماسي بمثابة أفضل الوسائل المتاحة لخدمة مصالح المنطقة على المدى البعيد مستقبلاً، لكن العلاقة تُعتبر معقدة بالنسبة لباكستان.
- إن إسلام آباد ساعدت طالبان من قبل، لكن تكوين الجماعة من عرق البشتون قد مثّل مصدراً للتوترات.
- ترفض حركة طالبان قبول خط ديورند الحدودي الذي رسمته الإمبراطورية البريطانية بطول 2,600 كم في منتصف منطقة أبناء عرق البشتون.
- هاجمت طالبان مواطنين باكستانيين مطلع العام أثناء تشييدهم لسياجٍ حدودي
- ردت إسلام آباد بضربات جوية أودت بحياة 50 من أعضاء طالبان وشركائهم الباكستانيين
- ستتوقف الكثير من الأمور على مستقبل رئيس الوزراء الأسبق المخلوع عمران خان. إذ سعى عمران أثناء قيادته للتصالح مع طالبان وهنأهم على انتصاراتهم في ساحة المعركة كما دعاهم للانضمام إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لكن الحكومة التي حلت محله اتخذت موقفاً أكثر تشدداً كما يظهر من سياسة الحدود القاسية التي اتبعتها. ومع ذلك؛ فإن مكاسب عمران خان الأخيرة في الانتخابات المحلية تشير إلى احتمالية عودته للمنصب قريباً.
الصين
خففت الصين حدة تعاملها مع كابول حيث كانت تخشى في البداية أن تؤدي عودة طالبان إلى تحفيز الانفصالية الإسلاموية في سنجان المجاورة.
- مخاوف الصين هدأت بعد ضمان التعاون الأمني مع طالبان في مسألة الحدود.
- زادت الصين مساعداتها لأفغانستان بعدها في محاولةٍ للتودد إلى كابول
- تمثل الاستفادة من المعادن فرصةً مغريةً بشدة
- حاليا تجري المفاوضات بين شركات التعدين الحكومية الصينية وبين طالبان في هذا الصدد
روسيا وطاجيكستان
تقترب روسيا هي الأخرى من الاعتراف بطالبان ولن يمانع شركاء روسيا في آسيا الوسطى بشكلٍ عام.
لكن الرفض الرئيسي سيأتي من جانب طاجيكستان بسبب التحفظات المرتبطة بأمن الحدود ومعاملة الطاجيك الأفغان.
كما سعت دوشنبه إلى التعاون مع واشنطن في مسألة الأمن الحدودي واستضافة المنفيين الأفغان. مما يعني أن السياسة الأفغانية في آسيا الوسطى لم تستقر بعد.
إيران
إن أغرب إعادة تقارب هي تلك التي حدثت مع إيران حيث مثّل العداء المشترك تجاه واشنطن رابطاً يقرب بين البلدين.
- وافقت طالبان مؤخراً على شراء 350 ألف طن من النفط من جارتها
- توجد مؤشرات أيضاً على ترقية الشيعة الأفغان وتوليتهم المناصب الرسمية ما يمثل خطوةً تقدمية بمعايير الثيوقراطية السنية لكنها تدابير ضرورية لضمان دعم وتعاون طهران
قطر
تؤدي قطر دور عيون وآذان واشنطن إذ تُسيّر الدوحة الرحلات إلى كابول حالياً وتساعد في إدارة المطار هناك.
وتسعى واشنطن إلى التفاعل مع العناصر المعتدلة في طالبان من خلال قطر لكن شبكة حقاني الكتلة المتشددة شبه المستقلة في صفوف طالبان ما تزال تحظى بنفوذٍ كبير في البلاد.
ما يعني أن الهدنة بين واشنطن وكابول ما تزال بعيدة المنال.
التعاون الدولي ضروري لإدارة القضايا العالمية
- أدى تفكيك قوات الأمن الأفغانية إلى غمر منطقة آسيا الوسطى بالأسلحة غير الشرعية والتي وصلت قيمتها إلى 7 مليارات دولار حسب التقديرات
- تزعم طالبان استحواذها على 300 ألف سلاح خفيف و26 ألف سلاح ثقيل و61 ألف مركبة عسكرية من خصومها المهزومين
- الفقر أجبر العديد من الجنود الأفغان السابقين على بيع أسلحتهم في الأسواق غير المشروعة
- بدأت المعدات والأسلحة أمريكية الصنع تظهر في كشمير لذا تخشى القوات الهندية أن تُرفع هذه الأسلحة في وجهها بواسطة الجهاديين المستائين من أجندة حكومة مودي الهندوسية القومية
- بدأ قطاع التعدين ينمو في ذات الوقت حيث تتسارع وتيرة استخراج المعادن اليوم رغم تباطؤها الكبير أثناء هجوم طالبان عام 2021
- حظر إندونيسيا لصادرات الفحم مطلع 2022 دفع بباكستان إلى التواصل مع طالبان التي كانت على استعداد لبيع الثروات المعدنية بأقل من أسعار السوق
- خففت جاكرتا قيودها منذ ذلك الحين لكن مخاوف الإمدادات الدولية تمنح كابول شريان حياةٍ اقتصادي
- إن التعدين له تداعياته الخاصة على ديناميات النفوذ داخل البلاد
- تتمتع أفغانستان باحتياطيات كبيرة من النحاس، والليثيوم، والعناصر الأرضية النادرة ويتطلع وزير الداخلية سراج الدين حقاني زعيم شبكة حقاني النافذة لاحتكار قطاع التعدين من أجل تقوية نفوذه داخل طالبان
هل يبدأ الشقاق في صفوف طالبان؟
إن الصراع من أجل السيطرة على قطاع التعدين يُفسح المجال أمام التحزُّب، والفساد، والنزاع.
- إذا نجح حقاني في تخصيص قطاع التعدين لنفسه فمن المرجح أن يظهر شقاقٌ داخلي في صفوف طالبان.
- من المؤكد أن الفوضى الناجمة ستُثني المستثمرين المحتملين الباحثين عن مناخ مستقر لاستثمار أموالهم فيه
- لن تكون صفقات المصافحة بالأيدي كافية عندما نتحدث عن مشروعات التعدين واستثمارات رؤوس الأموال الثابتة على المدى البعيد بل نحتاج في الواقع إلى احتكار الدولة للعنف
- أفغانستان تفتقر إلى العاملين وتظل أكبر تجارةٍ غير مشروعة في الوقت الحالي هي تجارة الخشخاش المنوم الذي تزرع أفغانستان أربعة أخماس إنتاجه العالمي
- حظرت طالبان زراعة الخشخاش عام 2022 لكن إنفاذ القانون كان منقوصاً بسبب أوجاع البلاد الاقتصادية
- يمكن لهذه العوامل أن تُثبِّت أقدام أفغانستان كدولة مخدرات
- قد تحاول القوى الإقليمية بطول طريق الحرير القديم أن تستغل مواقعها كبوابات مؤدية لأوروبا
- ستحظى إيران وتركيا تحديداً بورقة تفاوض قيمة مع الغرب حيث يمكن لهذه الدول تشديد أو تخفيف جهود مكافحة المخدرات
لقد أدت 40 عاماً من النزاع إلى تدمير أفغانستان ويفضل بعض الناس أن يبيتوا ظالمين لا مظلومين لهذا سيظل الإجرام المؤسسي قائماً على الأرجح، ومع ذلك تظل هناك بعض الخيارات المتاحة حيث يمكن لواشنطن استغلال نفوذها الكبير للخروج بتنازلات منطقية من طالبان مقابل الإفراج عن بعض الأموال والمساعدات الإنسانية وإلا ستخاطر البلاد بالانزلاق إلى الهاوية.